العلاقات المثلية جرمٌ يعاقب عليه القانون اللبناني
كتب علي الموسوي:
رفضت محكمة الجنايات في بيروت إبطال التعقّبات بحقّ مجموعة شبّان مثليين وهي العبارة المرادفة لكلمة لوطيين أو سحاقيين، أو إعفاءهم من العقاب، لأنّ قانون العقوبات اللبناني يدين مثل هذا الجرم ولا يتسامح إزاءه حتّى ولو كان مشرّعاً ومباحاً خارج لبنان، فإلغاء تجريم العلاقات المثلية المخالفة للطبيعة نزولاً عند المعاهدات والاتفاقات الدولية التي تتعارض أحكامها مع نصّ المادة 534 من قانون العقوبات، ليس من مهام محكمة الجنايات وإنّما المشرّع اللبناني ممثّلاً بصاحب الصلاحية المجلس النيابي.
ورأت المحكمة في تعليل منطقي، أنّه لا سبيل إلى هذا الإلغاء إلاّ بتعديل المادة القانونية المذكورة بشكل يتلاءم مع القواعد القانونية المنبثقة من المعاهدات الدولية التي التزمت بها الدولة اللبنانية، وإلاّ فإنّ الأرجحية هي لقانون العقوبات الذي يعتبر في المادة 534 أنّ “كلّ مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتّى سنة واحدة”.
وجاءت هذه الخلاصة في معرض حكم صادر عن محكمة الجنايات في بيروت برئاسة القاضية هيلانة اسكندر والمستشارين ألبير قيومجي منتدباً، وهاني عبد المنعم الحجّار في جنحة ممارسة اللواط انبثقت عن جريمة قتل م.م. في محلّة الجعيتاوي في العام 2010.
وقد أثار هذه النقطة القانونية وكلاء الأظناء في محاولة منهم لاعتبار أفعال موكّليهم لا تشكّل جرماً جزائياً، لأنّ العلاقات المثلية لا تعتبر مخالفة للطبيعة، ولأنّ المثلية الجنسية هي مظهر طبيعي من النشاط الجنسي البشري، ولتعارض المادة 534 عقوبات مع المعاهدات الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966 والذي صادق لبنان عليه في العام 1976، وهي تعطي كلّ إنسان الحقّ بالخصوصية، وتراعي مبدأ الكرامة الإنسانية، وعدم جواز التمييز، وخرق مبدأ المساواة أمام القانون، وحرّيّة المرء في التصرّف بجسده، والتعبير عن الميول الجنسية، والحقّ بالتمتّع بالصحّة النفسية ما يعدّ ممارسة لحقّ طبيعي سنداً للمادة 183 عقوبات.
ولم ينجح هذا الشرح والتبرير باستخلاص اعتراف بأنّ العلاقة المثلية ليست جريمة تأتي في سياق”ممارسة حقّ بغير تجاوز” على ما يرد بصريح القول في نصّ المادة 183 من قانون العقوبات، ممّا يعني أنّ لا حلّ قانونياً واضحاً لهذه العلاقة الجنسية غير الطبيعية بين رجلين أو امرأتين، في ظلّ التحريم الديني القائم.
التمييز بين الجنس والميول الجنسية
وردّت المحكمة على هذا الكلام بالقول في متن الحكم إنّ المعاهدات كلّها من حيث المبدأ مولّدة لقواعد قانونية من حيث أنّها تنشئ قواعد للسلوك تلتزم الأطراف المتعاقدة بمراعاتها، أيّ أنّ الوظيفة الرئيسية للمعاهدات هي خلق القانون، أي” القاعدة القانونية” عامة كانت أم خاصة.
وحيث لئن صحّ أنّ لكلّ معاهدة دولية من الوجهة القانونية قوّة إلزامية بالنسبة لأطرافها من حيث أنّها منشئة للقواعد القانونية، إلاّ أنّ المشكلة تنشأ عندما يكون القانون الوضعي الساري المفعول غير متطابق، لا بل مخالفاً للمعاهدات الدولية التي التزم بها لبنان، أو بمعنى آخر، يقتضي التساؤل في إطار المنازعة الحاضرة عمّا إذا كان نصّ المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني ما زال ساري المفعول في القضايا التي تنطبق عليها النصوص والأحكام المدرجة في المعاهدات الدولية الموقّعة والمبرمة وفقاً للأصول، هذا إنْ سلّمنا جدلاً بأنّ ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يشرّع العلاقات المثلية، إذ ما ورد فيه لجهة حقّ كلّ إنسان بالتمتّع بكافة الحقوق والحرّيّات الواردة فيه دون تمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين… إلخ، لا يعني تشريع العلاقات المثلية، لأنّ كلمة الجنس تعني الرجل أو المرأة، ولا تعني الميول الجنسية لكلّ منهما.
تعارض المعاهدات والقانون الداخلي
وحيث تجدر الإشارة إلى أنّ الفقه الفرنسي إعتمد بغالبيته على النظرية الآيلة إلى عدم الأخذ بالمفعول الآني Effet direct لأحكام المعاهدات الدولية في حال تعارضها مع أحكام القانون الداخلي العادي بالرغم من التسليم بمبدأ “تسلسل القواعد القانونية”، بل استقرّ على اعتبار أنّ هناك إلزاماً يقع على الدولة التي ارتبطت بمعاهدة دولية بتعديل نصوص القانون الوضعي الداخلي لكي تتلاءم مع المعاهدات الدولية التي التزمت بها تلك الدولة.
يراجع:
NGUYEN COQ DYN,”Droi International public” 8ème éd.L.G.D.J
B- Mesures internes d’ executions,n’149:obligation de prendre des mesures pour être applicable ,un traité doit contenir des dispositions suffisamment précises pour pouvoir s’inscrire dans des “structures d’accueil” juridiques ou financières de droit interne.
– L’exécution du traité exige souvent que certaines dispositons aient été prises au plan national: le respect du traité pr les Etats n’est assuré que s’ils prennent effectivement ces mesures (adoption des lois ou d’actes réglementaires , modification de la législation ou de la réglementation exisante).
وقد تماشى الاجتهاد الفرنسي مع هذه النظرية التي وجدت طريقها إلى التطبيق أمام المحاكم الفرنسية التي لا تعترف بحقّ المتقاضين بالتذرّع مباشرة أمامها بالقواعد القانونية المكرّسة في المعاهدات الدولية بالرغم من أنّ لكلّ معاهدة دولية، من الوجهة القانونية، قوّة إلزامية بالنسبة لأطرافها كما سبقت الإشارة إليه.
يراجع:
Idem., n’150,Traités intéressant les particuliers
“…Au contraire le juge francais se montre souvent réticent pour reconnaitre aux particuliers le droit de se prévaloir en justice des droits que semblent leur conférer les traités”.
Cass.civ.,3eme ch.,6 Avril 1976 Agent judicaire du tresor / Fauran ,Bull.p.105,
Cass,civ.,1ère ch.,10 mars 1993, le jeune Dalloz 1993 ,p .361,A propos de la convention des droits de l’ enfant de 1990 .
إذ ورد في سياق هذه القضيّة التي طرحت أمام الغرفة الأولى لمحكمة التمييز الفرنسية مفاده:
“Récemment la question s’est posée à propos de la convention sur les droits de l’enfant adoptée a New-York en 1989…La Cour de cassation a considéré qu’en tant que telle et dans son entier la convention de 1989 était trop vague pour être directement applicable …”.
Par ailleurs ,au moment du vote de l’autorisation parlementaire , une loi avait été adoptée pour adapter la législation française , ce qui pouvait laisser supposer que pour les dispositions non visées par la loi , il n’y avait pas de problème d’applicabilité qui se posaient.
Emmanuel Decaux , in Droit international public, Dalloz 1997,n’74,p. 51.
وليس أدلّ على هذا المنحى في التفسير إلاّ ما يستشفّ من مندرجات المادة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966 الذي صدق عليه لبنان في العام 1976 حيث جاء فيه:”…2- تتعهّد كلّ دولة طرف في هذا العهد إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلاً إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ طبقاً لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد ما يكون ضرورياً لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية”.
فالقانون الدولي العام لا يعتبر مصدراً مباشراً لقواعد قانون العقوبات إلاّ إذا تبنّى قواعده تشريع جزائي داخلي صادر عن السلطة التشريعية في الدولة، بدليل أنّ ما اصطلح على تسميته”جرائم الإنسانية”، أو “جرائم الجنس البشري” كتجارة الرقيق، وإساءة معاملة جرحى الحرب، ومصادرة أموال الأجانب، وجرائم الإبادة، لا يعاقب عليها في كلّ بلد، إذ يشترط لمعاقبتها ورود النصّ الداخلي عليها، وهذا ما فعله المشترع اللبناني عندما أصدر قانون معاقبة جريمة الاتجار بالأشخاص رقم 164/2011 تاريخ 28/8/2011، تطبيقاً للمبادئ الدولية المتعلّقة بمنع تجارة الرقيق.
الإباحة بقوانين وضعية
وحيث تأكيداً على هذا الاتجاه، فإنّ البلدان التي شرعت العلاقات المثلية والزواج بين المثليين، إنّما كرّست ذلك بقوانين وضعية، ولو كانت تعتبر هذه العلاقات طبيعية لما كان هناك من حاجة إلى تكريسها بنصّ قانوني، لأنّ الأصل هو الإباحة، والمنع هو الاستثناء،
إعمال النصّ اللبناني
وحيث إنّ المشترع اللبناني حرّم العلاقات المخالفة للطبيعة في المادة 534 عقوبات، ويقتضي اعتبار أنّ العلاقة المثلية هي علاقة مخالفة للطبيعة وفقاً للمعايير المقبولة في المجتمع اللبناني، باعتبار أنّ العلاقات الجنسية الطبيعية في مجتمعنا هي تلك التي تكون بين المرأة والرجل، وليس بين أفراد من جنس واحد، ولو أراد المشرّع مجاراة القوانين الأجنبية لنصّ على ذلك صراحة، وإنّه عند وجود النصّ يقتضي إعماله لا إهماله،
وحيث بالتالي، وتأسيساً على ما تقدّم بيانه، يقتضي القول بعدم جواز الإدلاء بالتطبيق المباشر والآني لأيّ معاهدة أو اتفاقية دولية تتعارص أحكامها مع نصّ المادة 534 من قانون العقوبات الساري المفعول، ولا سبيل من أجل إلغاء تجريم العلاقات المثلية المخالفة للطبيعة إلاّ بتعديل المادة المومىء إليها بشكل يتلاءم مع القواعد القانونية المنبثقة من المعاهدات الدولية التي التزمت بها الدولة اللبنانية،
وحيث إنّه استناداً إلى كلّ ما هو مبيّن أعلاه، يقتضي ردّ إدلاءات وكلاء الأظنّاء واعتبار فعلهم مؤلّفاً لجنحة لمادة 534 عقوبات.
وخلصت المحكمة إلى إدانة الأظنّاء الخمسة ه.ع.،ح.ز.، ر. س.، ب.ج.، ب.ز. لممارستهم اللواط ، سنداً لجنحة المادة 534 عقوبات، وحبس كلّ منهم مدّة سنة وإنزال هذه العقوبة تخفيفاً سنداً للمادة 254 عقوبات، وبإبدال عقوبة الحبس بغرامة مقدراها ثلاثمائة ألف ليرة لبنانية لكلّ منهم على أن يحبس كلّ منهم يوماً واحداً عن كلّ عشرة آلاف ليرة لبنانية عند عدم الدفع.
الإعدام لأربعة سوريين قتلوا لبنانياً
أمّا بشأن جريمة قتل اللبناني م.م. تسهيلاً لسرقة منزله، فقد أنزلت المحكمة عقوبة الإعدام بحقّ الجناة السوريين الفارين من وجه العدالة وهم: عادل شكري الأحمد( والدته جميلة، مواليد العام 1972)، وأحمد بوزان عيسى(والدته خزنة، مواليد العام 1976)، وخليل بوزان عبدالله(والدته قدرية، مواليد العام 1986)، ومحمّد زيدان عبدي( والدته خالدة، مواليد العام 1985)، وذلك سنداً للبند الثاني من المادة 549 عقوبات، وجرّدتهم من حقوقهم المدنية، وألزمتهم بأن يدفعوا بالتكافل والتضامن في ما بينهم مبلغ ثلاثماية مليون ليرة إلى الجهة المدعية.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 9- تموز 2016)