الفنّانة التشكيلية باسمة عطوي لـ”محكمة”: وجدت ضالتي في التجريد/علي الموسوي
حاورها علي الموسوي:
تغرق الفنّانة التشكيلية باسمة عطوي لوحتها في الغموض الآسر الذي يفتح آفاقاً أمام العين لكي تتأمّل بدقّة وتتفاعل، وأمام العقل لكي يفكّر أكثر ويسترسل في الغوص عميقاً في معاني اللون وحكايا اللوحة وما بينهما من انسجام كلّي ينمّ عن حال الروح عند رضوخها لقبضة الريشة لكي تطلق خباياها وصرخاتها كإثبات وجود ودليل حياة.
وتعترف عطوي بحبّها للفنّ التجريدي مع أنّها أقامت معرضاً تعبيرياً مميّزاً في العام 2017، وانطلقت في عالم الفنّ التشكيلي بالكلاسيكية المعتادة، ولكنّها أرادت أن تكرّس لوحاتها للتجريد بما فيه من دفع لحثّ العين على تفكيك كلماته الملوّنة، فكان معرضها الثالث”خبايا اللون” الذي استضافه مركز “بيت حواس” في محلّة بئر العبد في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت.
“محكمة” إلتقت عطوي خلال هذا المعرض وكان هذا الحوار:
• من أنت؟ وكيف أتيت إلى عالم الفنّ التشكيلي؟ وماذا يعني لك انخراطك فيه إلى حدّ التوحّد؟
أنا من جنوب لبنان، أحببت الرسم منذ الصغر وخاصة بالفحم وبقيت لسنوات طويلة أرسم بالرصاص والفحم حتّى قرّرت الدخول إلى عالم اللون لأحدّد هويّة لي في هذا العالم التشكيلي، وبدأت دراستي في معهد للرسم (البازيليك) وبدأت رحلتي مع الكلاسيك، ثمّ التعبير، فالتجريد حيث وجدت ضالتي وأحببته وقرّرت أن يكون مدخلي إلى عالم الفنّ التشكيلي لكي أصنع هويتي الخاصة من خلاله.
أمّا التوحّد فهو انسجام مع اللوحة وتعايش معها بسلام وهدوء، لأنّني من خلال لوحتي أحاول إخراج كلّ ما هو مركون في زوايا النفس والروح وأظهرها كفكرة تتجسّد على “الكانفا” فأشهد كلّ مراحل ولادتها منذ اللحظات الأولى إلى أن تبصر النور وتخرج إلى العلن.
• لماذا “خبايا اللون” وهو مرئي عادةً مهما اختلف ظهوره؟ هل اللون هو محاكاة للروح بطريقة غير واقعية؟
خبايا اللون لأنّنا بواسطة اللون نظهر خبايا أنفسنا وما بداخلنا ونصنع منه لوحة أيّ نستخرج من الكتل اللونية أفكاراً ومشاهد مرّت بنا عبر الروح والخيال، ومن كتل اللون الجامدة نصنع حياة أو فكرة تعبّر عن داخلنا وواقعنا الذي نعيشه ونحياه إنْ كان يمثّلنا أو يمثّل غيرنا.
واللون في الفن التشكيلي هو الحياة وهو روح اللوحة بفرحها وحزنها وواقعها العام.
• معرض ثالث في غضون سنتين ينمّ عن تطوّر الريشة لديك؟ ماذا تريدين أن تقولي من هذا المعرض؟
معرضي الثالث تطوّر عملياً وانجلت ألواني واكتمل نضجها فبات اللون أكثر هدوءاً مع أنّه ممزوج مع بعض ألوان الحزن والتعب بعد أن كان في مجمله قاتماً؛ ولكنّ هدفي هو الفكرة وإيصالها إلى المتلقي والمشاهد عبر لوحتي بالتعبير عن واقع ما أو مأساة أو أيّ مشكلة نعيشها في مجتمعنا ويومياتنا بطريقة تجريدية أو تعبيرية مختلفة نوعاً ما عن الطرق التقليدية.
• بين المعرض الأوّل قبل سنتين في العام 2016 ومعرضك هذا، أين تجدين نفسك أكثر؟
في ذلك الوقت كنت أرسم دواخلنا المتلاشية وأرواحنا الممزوجة بالألم، ففي كلّ شخص فينا روح يعتريها الخوف والغموض ولديه خيالات وأشياء مخفية معيّنة يخفيها حاولت إظهارها بألواني القاتمة وتعابيري الحزينة. أمّا الآن فقد انتهت مرحلة التلاشي وبدأت مرحلة اللون وتطوّره وبأسلوب عمل مختلف كلّياً فكان لهذا المعرض (خبايا اللون) النصيب الأكبر من الانسجام والاهتمام الذي أحسبه الأقرب إلى نفسي ربّما لأنّ طريقة العمل مختلفة أو لأنّ الألوان أكثر هدوءاً وانسيابية؛ وبطبيعة الأحوال، فإنّ الفنّان يبقى في بحث دائم عن كلّ جديد، وما ينجزه اليوم، يصبح غداً من الماضي، والسبب أنّه اكتشف بديلاً أحبّه أكثر، ولكنّه لا يلغي القديم، والفرق بينها فقط هو التطوّر والتجديد.
• اللوحة قائمة على لون الروح، هل تعتقدين أنّ الريشة أسعفتك في إيصال ألوان روحك إلى العالم؟
بالتأكيد يجب أن تكون قد وصلت، لأنّ ألواني وأفكاري في معرضي (خبايا اللون) واضحة لا لبس فيها، وكلّ من له دراية أو اهتمام بروح اللوحة بالتأكيد ستصل إليه. أمّا من لا يهتم بروح اللوحة ويمرّ مرور الكرام فلن تصله مهما حاولت وجاهدت أن أبرز له مبتغاي، فكلّ إنسان له ميول معيّنة بما يحب ويهتم أو لا.
• كم يستغرق إنصاتك إلى بوح اللون حتّى تصحو اللوحة من تحت يديك، وبمعنى آخر ما هو الوقت الذي تأخذه اللوحة لتظهر في حلّتها الأخيرة؟
من المهمّ جدّاً أن تكون الفكرة جاهزة لتحضر اللوحة، لذلك إذا كانت فكرتي حاضرة فلا تستغرق الكثير من الوقت، ومع ذلك ليس الوقت هو المقياس الأساسي لجهوزية اللوحة. وأحياناً وبعد أن انتهي من اللوحة تماماً أجد نفسي أضيف إليها ألواناً أو رموزاً، ومن الممكن أن يتكرّر الأمر مرّات عدّة، لذلك لا يحتسب انتهاء اللوحة بوقت معيّن وربّما تأخذ أسبوعاً أو شهراً، فهي تحتمل الكثير من الإضافات في أوقات مختلفة.
(نشر في النسخة الورقية من مجلّة “محكمة” – العدد 31 – تموز 2018- السنة الثالثة)