أبحاث ودراسات

جرائم الذكاء الإصطناعي في ظلّ غياب النصوص القانونية/نجوى العرب

إعداد نجوى العرب:
كان الذكاء الاصطناعي حاضراً فقط في الخيال العلمي، نترقّب جوانبه الإنسانية المشرقة تارةً، ونتخوّف من جوانبه السلبية المحتملة تارةً أخرى كأنّه عدو شرس يعتزم اغتصاب الحضارة والسيطرة عليها، وأصبح هذا الذكاء اليوم، حقيقة وليس خيالاً، وأداة رئيسية متوغلة في جميع مجالات الحياة. لقد خرج من مختبرات البحوث، وبات متصلاً ومتعلّقاً ومؤثّراً قوياً في تفاصيل حياتنا اليومية!

الزميلة في مجلة محكمة نجوى العرب

وتجلّت مميزات الذكاء الاصطناعي في شتّى المجالات. في تسويق وتسهيل العمليات المصرفية ومساعدة العملاء واكتشاف أساليب الاحتيال. في مجال الرعاية الصحية والتعليم والعديد من التطبيقات المتعددة الاستخدام (تصميم، اعلانات، ترجمة …).
إذا،ً مصطلح الذكاء الاصطناعي يعني الذكاء الموجود في الآلات او البرامج التي قد تساوي أحياناً ذكاء وقدرات البشر عبر برمجته على التعلّم والاستنتاج ثمّ إظهار ردّة فعل بأسلوب ذكي. هو ثمرة عقود من الزمن بذل فيه الإنسان ما أمكن من معرفة ومال للوصول إلى عقل اصطناعي يفكر معه ويساعده وينوبه في بعض أعماله ومهامه. خطوة لها مفاعيل واضحة على واقع المنظومة القانونية الحالية التي قد تكون عاجزة عن إيجاد حلول للمشاكل القانونية التي يكون الذكاء الاصطناعي سبباً في اثارتها، الأمر الذي يحتم إيجاد نُظم قانونية خاصة بهذه التكنولوجيا التي فتحت الأبواب على مجموعة من المسائل الفلسفية والأخلاقية والقانونية.
ومع التطوّر والتسارع في آلية عمل الذكاء الاصطناعي، بات من المتوقع ان يكون الذكاء الاصطناعي قادراً على اتخاذ قرارات مستقلة بنفسه وبكيانه المستقل كذلك ببعض تطبيقاته. وقد ينجم عنها جرائم بعيداً عن المالك او المبرمج ،هذا ما يستدعي البحث في المسؤولية الجنائية عن هذه الجرائم لتحديد المسؤول وتوقيع الجزاء القانوني عليه.
للذكاء الاصطناعي اليوم دور كبير في تسهيل الكثير من المهام في الشق القانوني. فهو اصبح مساعداً إفتراضياً للقضاة والمتداعين والمحامين، حيث ساعد الذكاء الصناعي الربورتات عبر امتلاكها القدرة الهائلة على الجمع بين الظروف المتشابهة في القضايا المتماثلة، فيكون القاضي أمام معطيات معينة له سلطة تقديرية في أخذها أم لا!
ويسرع الذكاء الاصطناعي في اجراءات البت بالدعوى ويختزل من الوقت الذي غالباً ما يطول.. ويقلّل من الجهد والنفقات.
ويساعد الذكاء الاصطناعي في تشكيل نظام متكامل للمعلومات القانونية والقضائية حيث يمكن للمحامي أو القاضي، الحصول على اي معلومة بسهولة وسرعة، الأمر الذي يحدّ من إشكالية إطالة أمد النزاع وتراكم الدعاوى ما يؤثر سلباً على أصحاب الحقوق.
في أمريكا مثلاً، تمّت الاستعانة بالروبوت القاضي حيث يعرض المحامي معطيات الدعوى بحضور الخصمين ويظهر لهم الروبوت القاضي، الإحتمالات أو النتائج المتوقّعة، في حال اللجوء للقضاء والتي قد تؤدّي إلى خسارة الدعوى، وبالتالي يكون الاطرف أمام خيارين لحلّ النزاع، إما بطرق ودية أو الذهاب الى القضاء.
وأثبتت الدراسات أنّ اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني، يؤدي الى الحدّ من صدور أحكام متناقضة في القضايا المتشابهة.
كذلك يستخدم الذكاء الاصطناعي في مسرح الجريمة من خلال الأدلّة الرقمية والبصمة الوراثية وبصمة الوجه. وفي جرائم نقل البيانات المستخدمة للتهديد والابتزاز.
وبرغم تعدّد إيجابيات الذكاء الاصطناعي في الشقّ القانوني، تظهر المساوئ في هذا الشقّ عند ارتكابه جرائم معينة، وبالتالي أصبح من الضروري البحث في المسؤولية الجنائية عن جرائم الذكاء االصطناعي، هل تقع على المبرمج أم على المالك، أم أنّ حرية اتخاذ القرار المتوفرة للذكاء االصطناعي جعلته مسؤولاً بصورة منفردة عن أفعاله، وإمكانية إعمال مسؤوليته في هذه الحالة؟
المسؤولية الجنائية للذكاء الإصطناعي نفسه
إنّ الاختلاف بين البشر والروبوت الآلي واضح. فعقاب البشر معروف ولا يثير أيّ مشكلة. أما الروبوت الآلي فكيف يمكن معاقبته إذا ارتكب جريمة، حيث من غير المنطقي تقديم كيانات غير بشرية للمحاكمة الجنائية حتّى ولو كانت تتمتّع بالذكاء الاصطناعي، فهي ما زالت مجرّد آلة.
كما أنّ ارتكاب الذكاء الإصطناعي لجريمة من تلقاء نفسه في وقتنا الحالي، هو أمر خيالي، ولكن ذلك قد يحدث في المستتقبل القريب، ولذلك يجب وضع هذه الاحتمالية والتفكير بها ووضع حلول لها منذ الآن.
هناك افتراضات في حال ارتكاب الذكاء الإصطناعي للجريمة بنفسه وهي:
– مشاركة طرف آخر للذكاء الإصطناعي في ارتكاب الجريمة(شريك) رغم أنّه سيتحمّل المسؤولية الجنائية كاملة عن ارتكاب الجريمة، ولكن مستقبلاً بعد إقرار مسؤولية الذكاء الإصطناعي سوف تكون المسؤولية مشتركة، كإلغاء الحدود التي وضعها مبرمج للذكاء الإصطناعي بواسطة شخص طبيعي حيث يجعله غير متصل بالمبرمج، وبالتالي يكون قد أعطاه الحرّية الكاملة في تصرّفاته بعيداً عن القيود التي وضعت في نظامه والتي تمنعه من ارتكاب الجرائم.
– إرتكاب الجريمة من قبل الذكاء الإصطناعي نفسه، بدون خطأ برمجي من المصنع أو أيّ طرف، وذلك عن طريق تقنيات حديثة تمكن الذكاء الإصطناعي من التفكير وإصدار قرارات ذاتية يكون هو وحده المسؤول عن إصدارها، وذلك يظهر من خلال تراكمات من البيانات لدى الذكاء الاصطناعي تجعله قادراً على التفكير والتحليل ذاتياً. في هذه الحالة من المفروض أن تكون المسؤولية الجنائية واقعة على الذكاء الاصطناعي وحده.
ونجد أنفسنا أمام سؤال يطرح نفسه وهو، هل يمكن توقيع عقوبة جنائية على كيانات الذكاء الإصطناعي؟
إنّ القوانين الجنائية لا تطبق إلاّ على البشر، وبالتالي طبقاً للقوانين الحالية لا يسعنا توقيع العقوبة على كيانات الذكاء الاصطناعي، إلاّ أنّه يمكن للقاضي ان يأمر بمصادرة هذه الآلة أو تدميرها.
وبالنظر للقوانين الحالية، نجد أنّها لا تعترف جميعها بتلك المسؤولية، ولا تقرّ بتوقيع العقاب الجنائي، ولا تمكّنه من الامتثال أمام المحكمة، ولذلك يجب تعديل تلك القوانين وإقرار ذلك حيث لا جريمة ولا عقوبة بدون نصّ، فنظراً للتوسّع في استخدام التكنولوجيا، يجب أن يكون أهم محاور اهتمام المشرّع حالياً الذكاء الإصطناعي في شتّى مجالات الحياة، لتحديد أنواع وحدود العقوبات المقرّرة على كيانات الذكاء الاصطناعي، إن كان بإستحداث قوانين جديدة أو بتطبيق القوانين الحالية بما يتماشى مع التطوّر التكنولوجي للذكاء الإصطناعي.
إمكانية إعمال مسؤولية المصنّع أو المالك.. مسؤولية مصنّع الذكاء الإصطناعي
إنّ أيّ سلوك يشكّل جريمة بحسب القانون يصدر عن الذكاء الاصطناعي ويثير حتماً مسؤولية مصنّع الذكاء الاصطناعي حيث يمكن أن يتخلّص من المسؤولية إذا كان قد أدرج بنوداً في العقد القائم بينه وبين المالك تحميه من تحمّل المسؤولية، إلاّ أنّه دائماً يجب أن يكون المصنّع مراعياً لضوابط السلامة والأمان عند تصنيع المنتج الذي يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، لأنّ عدم مراعاتها يحوّل التكنولوجيا من نعمة إلى نقمة.
وبما أنّ تكنولوجيا الذكاء الإصطناعي في تطوّر كبير يوماً بعد يوم، لا بدّ من سنّ قوانين تنظّم حقوق وواجبات المصنع من مراعاة معايير الأمان والجودة في التصنيع وعدم تعدّيه على حقوق الملكية الفكرية.
مسؤولية مالك أو مستخدم الذكاء الإصطناعي
قد يقوم المالك بإساءة استخدام برامج الذكاء الإصطناعي ممّا يرتّب حدوث جريمة يعاقب عليها القانون. قد تحدث جريمة ما نتيجة لفعل أو سلوك قام به المالك. أيّ دون هذا السلوك لم تكن الجريمة قائمة، مثلاً تعطيل المالك الذي يتمتّع بتقنيات الذكاء الاصطناعي التحكّم الآلي في السيارات ذاتية القيادة والبقاء على التوجيهات الصوتية التي تصدر من برنامج الذكاء الإصطناعي، وبالتالي يكون هو وحده المتحكّم في السيّارة، فإذا صدر له تنبيه من البرنامج بأمر معيّن لتجنّب حادثة ولم ينفّذ هذا الأمر، فتقع المسؤولية الجنائية عليه وحده!
حدوث الجريمة نتيجة سلوك المالك بالشراكة مع أحد آخر، كالمصنّع، أو طرف خارجي كقيام مالك سيّارة بتغيير أوامر التشغيل الموجودة في السيارة ذاتية القيادة بمساعدة متخصّص في هذا الموضوع، من أجل استغلالها في ارتكاب جريمة ونفي المسؤولية الجنائية عن شخصه.
لقد بات واضحاً اليوم، توغّل تقنيات الذكاء الاصطناعي في شتّى جوانب الحياة وفي جميع الإختصاصات التي تعتمد على خوارزميات متعلّقة بالتعلّم الذاتي المؤدّي إلى القدرة على اتخاذ القرارت وتنفيذها ذاتياً، الأمر الذي يترتّب عليه ظهور الكثير من الجرائم والتي لا تضمنها النصوص التشريعية التي تحمي الأفراد خاصة في الدول العربية، إضافة إلى الإنتهاكات الواضحة المتعلّقة بخصوصية الإنسان، وما زال التهديد القائم يتطلّب المزيد من الدراسات والبحوث والتشريع والتنظيم لاحتواء هذه الظاهرة الخطيرة، والاستعانة بها لاكتشاف الثغرات وإمكانيات الاختراقات الواردة مستقبلًا مثل حادثة الفتاة التي تمّ استنساخ صوتها وتهديد الوالدة بأنّ ابنتها مخطوفة كما ورد في موقع daily mail (مقال منشور في الموقع الإلكتروني لمجلّة “محكمة”).
أخيراً، يجب إيجاد التوازن بين المخاوف بشأن الجوانب السلبية للذكاء الاصطناعي، وقدرته على تحسين حياة الأفراد لتحقيق أقصى استفادة من هذه التكنولوجيا المتطوّرة، ونشر الفوائد على أكبر عدد ممكن من الأشخاص.
المصادر:
• جرائم الذكاء الإصطناعي وآليات مكافحتها. إعداد الدكتور يحيى ابراهيم دهشان مدرّس القانون الجنائي في كلّية الحقوق – جامعة الزقازيق.
• لقد بدأ عصر الذكاء الإصطناعي – بيتر جيتس- ترجمة القاضي طاهر أبو العيد.
“محكمة” – الإثنين في 2023/7/31

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!