المخدرات داخل السجون اللبنانية: حين يتحوّل الإصلاح إلى مأساة/رنا نحلة

رنا نحلة:
لم تعد السجون اللبنانية مجرّد مؤسسات للعقاب أو الإصلاح، بل تحوّلت، في كثير من الحالات، إلى بؤر تعاطٍ وإدمان، في مفارقة صادمة تُنذر بانهيار أعمق على المستويين الأمني والاجتماعي. فبدلاً من أن تساهم هذه المؤسسات في إعادة تأهيل النزلاء، باتت – في ظل غياب الرقابة والتخطيط – مسرحًا يوميًا لتنامي ظاهرة التعاطي.
التقارير الحقوقية تُجمع على أن نسبة كبيرة من السجناء يدخلون السجن وهم يعانون من الإدمان، لكن الأخطر هو أن البعض يبدأ بالتعاطي خلف القضبان. كيف يمكن تفسير ذلك في مكان يُفترض أن يكون أكثر الأماكن انضباطًا؟ الجواب يكمن في خليط معقد من الإهمال، الفساد، والحرمان.
الاكتظاظ الخانق داخل الزنازين، والذي يتجاوز أحيانًا ضعف القدرة الاستيعابية، يُحوّل حياة السجين إلى جحيم يومي. وفي ظل غياب أي دعم نفسي أو برامج تأهيلية حقيقية، تصبح المخدرات “ملاذًا” للهروب من القهر والضياع. الأسوأ من ذلك، أن المواد الممنوعة تجد طريقها إلى داخل السجن بطرق لا يمكن تجاهلها: إما عبر شبكات تهريب داخلية، أو من خلال تواطؤ أفراد من الجهاز الأمني، أو حتى عبر الزيارات.
لكن المشكلة لا تنحصر في الجانب الأمني فقط. السجين في لبنان، غالبًا، هو شخص قادم من بيئة اجتماعية مفككة، معدومة الموارد، يعاني من البطالة أو الفقر. النظام القضائي البطيء، الذي يحتجز الآلاف لفترات طويلة دون محاكمة، يفاقم الإحساس بالظلم. وعندها، لا يكون الهروب إلى الإدمان سوى نتيجة طبيعية لمسار من الإهمال والتهميش.
المفارقة أن الدولة تنفق الملايين على الأمن داخل السجون، لكن دون الاستثمار الحقيقي في إعادة التأهيل أو العلاج. من دون معالجة جذرية لهذه الظاهرة، سنواصل إعادة إنتاج الجريمة والفوضى، وسنُطلق إلى الشوارع أناسًا أكثر عنفًا، أكثر يأسًا، وأكثر اعتمادًا على المخدرات.
إن محاربة التعاطي داخل السجون لا تكون فقط بمصادرة الحبوب والإبر، بل بخلق بيئة بديلة: بيئة تؤمن بالعلاج، بالعدالة، وبإمكانية التغيير. فالسجن لا يجب أن يكون نهاية الطريق، بل بداية جديدة – إن توفرت الإرادة.
“محكمة” – الاربعاء في 2025/4/30