المستقبل القانوني في عصر الذكاء الاصطناعي: بين التمكين والتنظيم/ راشد شاتيلا

راشد شاتيلا:
يشهد العالم تحوّلًا جذريًا مع تطور الذكاء الاصطناعي، مما يؤثر بشكل ملحوظ على المجال القانوني.
في العام 2014، تأسست شركة ROSS Intelligence بواسطة عالِمَي حاسوب ومحامٍ من جامعة تورنتو، بهدف تطوير تقنيات تجعل الخدمات القانونية أكثر سهولة. وفي العام 2016، بدأت الشركة باستخدام نظامها القائم على IBM Watson، مما مكّن المحامين من تحليل كميات هائلة من النصوص القانونية بسرعة ودقّة.
في تشرين الثاني 2022، بدأت شركة Allen & Overy، وهي من كبرى شركات المحاماة العالمية، تجربة منصة Harvey، وهي منصة ذكاء اصطناعي مبنية على نماذج OpenAI المتقدمة والمخصصة للعمل القانوني. خلال الفترة التجريبية، قام حوالي 3,500 محامٍ في الشركة بتوجيه نحو 40,000 استفسار إلى Harvey لدعم أعمالهم اليومية. في شباط 2023، أعلنت الشركة عن شراكة حصرية مع Harvey، مما يشير إلى نجاح التجربة وفعالية المنصة في تحسين الكفاءة والدقة في العمل القانوني.
في إستونيا، التي تُعتبر رائدة في مجال الحكومة الرقمية، طُرحت فكرة “القاضي الآلي” في عام 2019 للفصل في النزاعات البسيطة التي لا تتجاوز قيمتها 7,000 يورو.
كان الهدف من هذا المشروع تسريع الإجراءات وتخفيف العبء عن المحاكم. ومع ذلك، في شباط 2022، أوضحت وزارة العدل الإستونية أنه لم يكن هناك مشروع فعلي لتطوير “قاضٍ آلي”، وأن التقارير السابقة كانت مضللة.
تُظهر هذه الأمثلة كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدث تحولًا في المجال القانوني، من خلال تحسين الكفاءة والدقة في العمليات القانونية. ومع ذلك، يبرز تحدي التحيز في الخوارزميات. على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها ProPublica أن نظام COMPAS المستخدم في الولايات المتحدة لتقييم مخاطر إعادة ارتكاب الجرائم قد يكون متحيزًا ضد المتهمين من أصول أفريقية، حيث كان يتوقع بشكل غير دقيق أنهم يشكلون خطرًا أعلى لإعادة ارتكاب الجرائم مقارنة بالمتهمين البيض.
في هذا السياق، أعرب إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركتي تسلا وسبيس إكس، عن مخاوفه بشأن تطور الذكاء الاصطناعي. في آذار 2024، توقع ماسك أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري بحلول عام 2030، محذرًا من المخاطر المحتملة لهذا التطور.
لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول في المجال القانوني، يجب وضع تشريعات واضحة تحدد المسؤوليات القانونية عند حدوث أخطاء ناجمة عن استخدام هذه التقنيات. كما يجب التأكد من حيادية وشفافية الخوارزميات المستخدمة، ومنح الأفراد الحق في الاعتراض على القرارات التي تتخذها هذه الأنظمة وطلب مراجعتها من قبل بشر. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تحديث قوانين حماية البيانات لضمان خصوصية المعلومات القانونية.
في الختام، يمثل دمج الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني تقدمًا مهمًا يحمل فرصًا كبيرة لتحسين الكفاءة والدقة. ومع ذلك، يتطلب هذا الدمج التعامل بحذر ووضع تشريعات تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على حماية الحقوق وضمان العدالة. يجب على المحامين والمشرعين التعاون لضمان أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة تعزز العدالة دون المساس بالقيم والمبادئ القانونية الأساسية.
“محكمة” – الثلاثاء في 2025/4/8