المنصّة الإلكترونية الخاصة بسعر الدولار: هدفها وتمويلها وآثارها/باسكال ضاهر
المحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر*:
من اطلاعنا على القرار الأساسي الرقم 13236 الصادر عن حاكم المصرف المركزي بتاريخ 2020/6/10، المسوق تحت عنوان “المنصّة الإلكترونية لعمليات الصرافة”، كما على بيان رئاسة الجمهورية اللبنانية الصادر بتاريخ 2021/3/19، وما تضمّن من إشارة إلى أنّ المركزي سيسمح للمصارف بالتداول بالعملات مثل الصرّافين الشرعيين، وعلى الإعلام رقم 934 الموجّه من المصرف المركزي إلى المصارف بتاريخ 2021/3/22، يتّضح عددٌ من المؤشّرات والإشكاليات التي تنبع منها ويمكن إيجازها بالآتي:
قوننة السوق السوداء (مع ما يستتبع ذلك من تبعات)، وتلك محاولة المركزي ضبط المنصّات غير الشرعية بالانطلاق من السعر المسوق منها. وبالمحصّلة، يصبح لدينا أربعة أسعار للصرف صادرة عن المصرف المركزي، يختصّ كلّ منها بناحية: 1500 ل.ل، 3900 ل.ل، سعر صرف الدولار الخاص بالقرض المقدّم من البنك الدولي مساعداتٍ للأسر الأكثر فقرًا، وسعر المنصّة الإلكترونية الذي قد يبدأ من سعر 10.000 ل.ل.
تقليص حجم السيولة النقدية (سندًا للنصيحة الفرنسية التي أُسديت لتمكين العقوبات من سلك مسارها المطلوب).
وفق ما تمّ تسريبه، سيوجّه المركزي طلبًا إلى المصارف بإعادة 3% من قيمة الأموال التي كدّستها لدى المصارف المراسلة في الخارج، أيّ مليار دولار أميركي، لتُستخدم في أعمال تمويل الصرافة.
يمكن المركزي أن يستخدم الدولارات التي استحصل عليها من المودع من فارق سعر صرف الدولار على سعر المنصّة، كلّما وجد ضرورة لضبط سعر الصرف الخاص بالمنصّة الإلكترونية.
نظريًا، سيُحدَّد السعر الخاص بهذه المنصّة وفق عملية العرض والطلب.
تأمين عمل بديل للمصارف من خلال تحويلها إلى “صيرفي”، ومن المرجّح أنّ هذه العمليات ستكون باتجاه واحد بغية استقطاب الدولار دون بيعه، إلّا للنزر القليل وضمن شروط.
وبهدف تقليص المضاربة على المنصّة الإلكترونية المزمع إطلاقها، سيلجأ المركزي بالتعاون مع المصارف إلى سحب الليرات وتقنين ضخّها إلى الحدّ الأدنى، ما سيسبّب ألمًا إضافيًا سيشعر به المواطن.
أمّا في ما يتعلّق بنسبة الـ 3% التي طلب المركزي إلى المصارف استعادتها من المصارف المراسلة، فسيكون لها عدد من الأهداف منها:
تأمين سيولة الدولار لعمل المنصّة، وطمس الحديث عن موضوع استعادة الأموال المهرّبة وتلك المنهوبة (بالرغم من أنّها ستوظّف حصرًا لمصلحة المنصّة الإلكترونية لا لتمكين الشعب منها).
رويدًا رويدًا، ستستند السوق إلى السعر اليومي الخاص بالمنصّة، وستتلاشى الـ 3.900 ل.ل. كما تلاشت الـ 1.500 ل.ل، مع ما ينشأ عن ذلك من تبعات مرهقة على كاهل المواطن.
وهنا، لا بدّ من أن نشير إلى إشكالية هامّة تتعلق بزيادة الكتلة النقدية، وهي استفادة المركزي من ارتفاع سعر الذهب عالميًا بسبب أزمة “كورونا”. وبما أنّه من غير الممكن للعقل القانوني أن يحيد عن هذه الإشكالية، لناحية مقارنة احتياطي الذهب بحجم الدين الخارجي، ولا سيما أنّ اجتهاد المحاكم التحكيمية الدولية، كالقرار الصادر لمصلحة شركة CCC Hochtief الألمانية (شركة بناء وتطوير مطار بيروت) ضدّ الدولة اللبنانية، قضى بالتالي: “إنّ القانون الدولي ينظر إلى الدولة كوحدة موحّدة متكاملة متضامنة، ولا ينظر إليها كنظرة القانون الداخلي”. معناه أنّ القانون الدولي لا ينظر إلى الحصانة المسوقة بموجب القانون الداخلي كمعطى واجب التقيّد به. إذًا، وبمعنىً أوضح، قد تطاول يد الدائن الخارجي احتياط الذهب. إنّ هذا الموضوع مهمّ جدًّا ويقتضي الإحاطة به.
وبناءً على ما تقدّم، وخلافًا لما تسعى إليه السلطة بالتعاون مع المركزي. يقتضي للخروج من الأزمة التي يتخبّط بها الاقتصاد أن يصار إلى تحرير الدولار من سجنه شرطًا أساسيًّا لتنشيط الدورة الإنتاجية. على أن يسبق ذلك عددٌ من المحفّزات لإعادة بناء الثقة، وتشجيع المودع على الاستثمار في الاقتصاد الداخلي المنتج لا العكس. وذلك لا يتحقّق إلّا بنقل الاقتصاد من الريعي إلى المنتج، ولا سيّما أنّ قوّة الاقتصاد وأهميّته في تحقيق رفعة البلد تكمن في إنتاجه، لا بجعله ريعيًا كما هي الحال لدينا.
ومن نافل القول، إنّ السلطة التي تعاقبت على مدار الثلاثين سنة المنصرمة، لم تولِ الزراعة والصناعة أيّ اهتمام يذكر. وهذا لا يخفى على أحد، لأنّها ساهمت بتحقيق المخالفات على الأراضي الزراعية، بل شجّعتها تحت لواء المحسوبيات، فباتت السهول مرتعًا للمياه الآسنة. ووفق المنحنى عينه، هُتكت حرمة مياه الليطاني وسواه، ولم يُنفَّذ مشروع زراعة الشمندر السكّري. كذلك أوقعت المعمل الخاص به بالعجز، ومنعت إنتاج وتأصيل البذور لدينا، حتّى بات يُستورد كلّ نوع منها. أمّا الصناعة فهُتكت أيضًا عن سابق علم. والقائمة تطول إلى ما لا نهاية، ومن هذا المنطلق نطرح التساؤلات التالية:
لماذا غفلت السلطة المتعاقبة عن تعزيز الاقتصاد بدلًا من هتكه؟ وأين صُرفت أموال المؤتمرات الدولية؟ ولمصلحة مَن تمّ ذلك؟ والأهمّ، لمَ الاستمرار بالمنهجية عينها؟
الجواب عن هذه التساؤلات يكمن في تفعيل تطبيق نظرية الديون البغيضة التي نشرنا دراسة عنها سابقًا. وفي الخاتمة، نشير إلى أنّه لتحقيق البناء، يجب أن تبادر السلطة التي تنبثق من الشعب إلى التأسيس للإكتفاء الذاتي زراعيًا وصناعيًا وتجاريًا. وتباعًا، تفعيل التصدير بغية الإرتقاء بالإقتصاد. ولا يتحقّق ذلك إلّا بالوعي واللُّحمة الوطنية وتعزيز انتماء المواطن إلى الوطن دون أحزابه وطوائفه.
*محامٍ ودكتور في الحقوق متخصّص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية والأجهزة التابعة لها في كلّ من لبنان وفرنسا.
المصدر: موقع جريدة النهار الالكتروني(23 آذار 2021).
“محكمة” – الجمعة في 2021/3/26