النصّ الحرفي لمراجعة غسّان بيضون طعناً بقرار وزير الطاقة بمنحه إجازة إجبارية: يخالف اجتهاد “الشورى”
خاص – “محكمة”:
قدّم مدير عام الاستثمار في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون بواسطة وكلائه المحامين عصام اسماعيل وسامر بعلبكي وأيمن قعدان مراجعة إلى مجلس شورى الدولة ضدّ الدولة اللبنانية – وزارة الطاقة والمياه طلب فيها إبطال ووقف تنفيذ قرار الوزير سيزار أبي خليل الرقم 27/ق والصادر في 29 تشرين الأوّل 2018 والرامي إلى منحه إجازة إجبارية على مشارف انتهاء خدمته الفعلية وتقاعده “توصف بأنّها خروج بدون عودة أو (one way ticket) استهزائية انتقامية وغير مبرّرة”.
ورأى المستدعي أنّ “القرار المطعون فيه يتعدّى على حقوقه ويخالف ما استقرّ عليه اجتهاد مجلس شورى الدولة، وتضمّن تفسير المادة 35 من نظام الموظّفين تفسيراً خاطئاً، واتخذ لغاية انتقامية ولا يمتّ إلى المصلحة العامة بصلة، ويلحق أضرراً فادحة به”.
وهنا النصّ الحرفي للاستدعاء تنشره“محكمة” لتضمّنه مناقشة قانونية علمية قد يحتاجها أهل القانون مستقبلاً:
في الوقائع:
1. منذ مباشرة المستدعي عمله بصفته مدير عام الاستثمار في وزارة الطاقة والمياه، انطلق في ممارسة مهامه الوظيفية من صلاحياته ومسؤوليته عن تطبيق القوانين، التي تمرس بها خلال سنوات خدمته الطويلة في ديوان المحاسبة.
مع الوقت، كان يزداد توجس المستدعي من خلفية إلحاح الوزير وتدخل بعض مستشاريه المثير للشك والإصرار على التسرع بالسير ببعض المعاملات قبل توفير الظروف اللازمة لضمان نجاحها. بناءً عليه، فقد أولى المستدعي المعاملات والقرارات العائدة للمشاريع وعقود الخدمات ولمؤسسة كهرباء لبنان، عناية خاصة، نظراً لأهمية مبالغها ونتائجها، وما تتتسم به وتنطوي عليه من مخاطر عالية، في ظل العجز الكبير الذي تعاني منه المالية العامة ومؤسسة كهرباء لبنان، على مختلف المستويات المالية والإدارية والفنية، ونظراً لاستمرار ما تبقى من مجلس إدارتها بالعمل بالرغم من انتهاء ولايته واقتصاره على عضوين، ولحجم المساعدات التي تحصل عليها هذه المؤسسة من الموازنة العامة للدولة وعلى حسابها، بحيث باتت تشكل مصدراً أساسياً لعجز المالية العامة وتراكم الدين العام، …. وبناءً عليه، فقد دأب المستدعي واستمر بإبداء مطالعاته الاعتراضية على المعاملات المعروضة على تصديق سلطة الوصاية، في الحالات التي تكون فيها هذه المعاملات والقرارات مخالفة للقوانين والأنظمة والأصول التي ترعاها.
وقد شملت هذه المواقف والمطالعات معاملات تتعلق بتنفيذ المشاريع المنبثقة عن القانون رقم 2011/181 ، المتعلق بأشغال كهربائية عاجلة، وكان أخطرها انحرافات وتجاوزات ومخالفات ارتكبت في إطار تلزيم وتنفيذ معامل الإنتاج في كل من موقع دير عمار ومحطتي الذوق والجية، وكان من نتائجها ورود عدة طلبات لحضور المستدعي إلى النيابة العامة المالية لكي يدلي بإفادته بصفة “شاهد بموضوع هدر مال عام”، دون أن تحظى هذه الطلبات بموافقة الوزير في حينه لمنع المستدعي من الإدلاء بشهادته. وكذلك كان من نتائج هذه الانحرافات والمخالفات خلافات مع المتعهدين وإقامة دعويي تحكيم ضد الدولة اللبنانية: الأولى أقامها متعهد معمل دير عمار، الذي وردت مؤخراً أخبار عن إفلاسه في وقت تجري فيه مفاوضات معه لتنفيذ المشروع بصيغة معدلة، ودعوى التحكيم الثانية أقامها، مؤخراً، متعهد معملي الذوق والجية. وقد أبلغ الوزير صورة عنها للمستدعي لدرسها والإفادة، وما زالت هذه المعاملة بحوزة هذا الأخير.
ويضاف إلى هذه الملفات الخلافية الكبرى المخالفات التي تعتري تنفيذ العقد الموقع بين وزارة الطاقة والمياه وشركة نبدز للتنمية ش.م.م. الاستشارية، وتعذر استلام هذه الخدمات من قبل اللجنة المختصة وفقاً للأصول، وكذلك حال دون العمل بتوصية ديوان المحاسبة المتمثلة بعدم صرف أية مبالغ إلا بمقدار ما يتم تنفيذه فعلياً وبعد التأكد من هذا التنفيذ.
ولأن وزير الطاقة والمياه يعتبر أنه سيد وزارته وأنه حر له أن يفعل فيها ما يشاء، فقد اعتاد على التعامل مع الإدارة على أنها جهاز من العبيد يأمر فيطاع، وعلى استخدام لغة تخاطب لم تشهدها الإدارة اللبنانية من قبل، ولا تأتلف مع موجب الاحترام المتبادل المفترض أن يسود العلاقة بين أي رئيس ومرؤوس، دون أن يعير احتراماً لموقع مدير عام أو غيره. وبناءً عليه كان المدير العام للاستثمار يعيد المعاملات إلى مؤسسة كهرباء لبنان أو إلى معالي الوزير مرفقةً بمطالعاته المستندة إلى حجج قانونية معللة وواضحة. وهذا ما كان يزعج معالي الوزير الذي سبق أن أفرغ ما في قلبه من كراهية تجاه المستدعي بموجب كتابه المسمى كتاب التأنيب رقم 2496/و تاريخ 2017/7/12 والقرار رقم 4/ق. وتاريخ 2017/7/14 المتعلق بحسم راتب لمدة خمسة أيام تأديبياً من راتب مدير عام الاستثمار، حيث تضمن كتاب التأنيب أسوأ وأقسى العبارات التي لم يسبق حتى في تاريخ الإدارة الديكتاتورية أن استخدمها وزير بحق مدير عام.
2. سكت المدير العام على الإساءة وتقدّم من جانب مجلسكم الموقر بمراجعة سجلت تحت رقم 2017/22318، وصدر بنتيجتها عن مجلسكم الموقر القرار رقم2017/607-2018 تاريخ 2018/3/20، الذي قضى بإبطال العقوبتين الجائرتين المفروضتين على المستدعي.
3. بعد ذلك التاريخ، ولأن إرادة الوزير كانت منصرفة دائماً باتجاه خرق استقلالية مؤسسة كهرباء لبنان والتصرف بشؤونها الداخلية بحرية، والتحكم بمسار التلزيمات والتوظيف المقنع الذي يجري فيها، خلافاً للقانون، فقد استمر المستدعي في مواقفه القانونية الاعتراضية، التي شكلت إحراجاً للوزير كما لإدارة المؤسسة التي كانت تتذرع، أحياناً، بمواقف المدير العام للاستثمار للتملص من الخضوع لتعليمات الوزير وتدخله في شؤونها.
لأن المستدعي بات يشكل عقبة تعيق سيطرة الوزير على شؤون المؤسسة وتلزيماتها، فلم يترك هذا الأخير وسيلة إلا واستخدمها لعرقلة عمل المستدعي وإحراجه. وقد شهدت مواقف الوزير تجاه المستدعي، بالتنسيق مع إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، تصعيداً وتطويراً متواصلاً، في محاولة لمصادرة صلاحيات المدير العام المنصوص عليها في القانون، وإحراجه والحؤول دون ممارستها. مستخدماً مراسلات إدارية لا ترقى إلى مستوى النصوص القانونية التي تحدد صلاحيات المدير العام، إلى أن أقدم الوزير على إبلاغ المؤسسة صوراً عن إحالات داخلية موجهة منه إلى المستدعي، وصار يبقي المعاملات المرفوعة من المستدعي لديه إلى ما بعد انقضاء مهلة التصديق القانونية، بحيث تتوفر شروط التصديق الحكمي. وقد بلغ تصعيد الوزير ذروته بتوجيهه كتاباً إلى المؤسسة طلب فيه صرف النظر عن أي كتاب يردها من المستدعي بصفته المدير العام للاستثمار، دون أن يكون مقترناً بتوقيع الوزير، بما فيه الكتب المتعلقة بطلب معلومات أو إيضاحات أو مستندات، اللازمة لاستكمال درس المعاملات. وقد بدا واضحاً انقلاب الوزير على ممارسة إدارية عادية مستمرة في الزمن ومستقرة في التطبيق طيلة السنوات السابقة، وحصره بما يخص مؤسسة كهرباء لبنان، دون غيرها من المؤسسات. وبناءً عليه فقد اتخذ مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان قراراً قضى برد كافة المراسلات التي ترد من المدير العام للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه ما لم يقترن هذا الكتاب بتوقيع الوزير. وقد اكتفى المستدعي بتوجيه الرد على هذا الكتاب الظالم والوقح، إلى كل من المؤسسة والوزير، دون أن يطعن به قضاءً لمعرفته أن المراجعة تستدعي وقتاً يتجاوز الأشهر القليلة المتبقية له في الوظيفة العامة، ولعدم رغبته بختم حياته المهنية بدعاوى تتراكم إلى ما بعد انتهائها.
4. مؤخراً، فوجئ المستدعي بقرار الوزير النافذ في يوم اتخاذه، والذي جرى طبخه بسرية كاملة، ثم جرى ترقيمه بتاريخ 2018/10/29، ولينفّذ بذات يوم اتخاذه، ما يفضح نية الإساءة إلى المستدعي والانتقام منه وبإخراجه من الإدارة بطريقة محرجة، بدلاً من تكريمه عن سنوات خدمته الطويلة في ديوان المحاسبة والوزارة، إذ تستغرق أيام الإجازة كامل الفترة المتبقية حتى إنهاء خدمات المستدعي لبلوغه السن القانونية.
ثانياً: في القانون:
إن القرار المطعون فيه مستوجب الإبطال للأسباب الآتية:
السبب الأول: إن القرار المطعون فيه يتعدى على حقوق المستدعي ويخالف ما استقرّ عليه اجتهاد مجلسكم الموقر.
إن المادة 35- من نظام الموظفين قد استخدمت مصطلح:”يحق للموظف” حيث ورد النص كالآتي:
الإجازات الإدارية:
1- يحق للموظف، بعد انقضاء سنة على تعيينه، وفي كل سنة لاحقة يقضيها في الخدمة الفعلية، أن يستفيد من إجازة سنوية براتب كامل لمدة عشرين يوما. ويستثنى من ذلك الموظفون الذين يستفيدون من العطل القضائية والمدرسية.
بحسب هذا النص فإن الإجازة حق من حقوق الموظف، وليست واجباً مفروضاً عليه، ولهذا فإن للموظف أن يطلب الاستفادة من الإجازة الإدارية السنوية، وله أن يتخلى عن طلبها فيحرم من الاستفادة منها، وما يعزز فرضية أن الإجازة هي حق وليست موجباً، أن المشترع قرر إسقاط الحق بطلب هذه الإجازة إذا تراكمت لأكثر من ثلاث سنوات.
وهذا ما استقرّ عليه اجتهاد مجلسكم الموقر الذي قضى في أكثر من حكمٍ بأن الإجازة لا يمكن أن تكون بتصرف منفرد من الإدارة، بل لا بدّ أن يسبقها طلب من الموظف.
وقد جاء في اجتهاد مجلسكم الموقر ما يأتي:”وبما أن المستدعي قد أعطي بموجب القرار المطعون فيه إجازة إدارية لعدّة أيام عمل متتالية دون طلب منه.
وبما أن مبدأ استمرارية العمل في المرافق العامة لا يعني فقط وجوب عدم انقطاع هذا العمل بل أيضا تأمين حسن سيره ، فكان يجدر بالوزير أن لا يوقت إجازة المستدعي على الشكل الوارد في القرار موضوع النزاع الحاضر، إذ إن غياب المستدعي، الذي يشغل وظيفة مدير عام، لأيام عدّة متواصلة وبدون أي طلب منه، من شأنه أن يحدث ضررا بمصلحة الإدارة ويؤثر سلبا على حسن سير العمل فيها.
وبما أن الوزير تغاضى عن كل الاعتبارات المشار إليها آنفا وأصدر القرار المطعون فيه على الشكل المذكور أعلاه ، فإنه يتبين بالتالي أن توقيت موعد إجازة المستدعي لم يأت لضمان استمرار العمل في المديرية العامة للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات.
وبما أن كل المعطيات في النزاع الحاضر تشير إلى أن الهدف من إصدار قرار الإجازة المطعون فيه هو إقصاء المستدعي عن وظيفته خلال فترة معينة، فإنه يتبين أن الإجازة قد استعملت كوسيلة تأديبية وبشكل يتنافى مع غاية المشترع من منحها، وهي إفادة الموظف من فترة راحة واستجمام يستعيد خلالها نشاطه، وإفادة الإدارة من عودة هذا الأخير إلى العمل أكثر إنتاجا، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه مستوجب الإبطال، عملاً بأحكام المادة 108 من نظام مجلس شورى الدولة، بسبب اتخاذه لغاية غير الغاية التي من أجلها خول القانون السلطة المختصة حق اتخاذه .
وبما أن كل ما أدلي به خلافا لما تقدم يكون مردودا لعدم ارتكازه على أساس قانوني صحيح.”
(مجلس شورى الدولة: قرار رقم 2013/289-2014 تاريـــخ: 2014/1/15 د. عبد المنعم يوسف/ الدولة. والقرار رقم 2013/389-2014 تاريخ 2014/2/13 الدكتور عبد المنعم يوسف/ الدولة)
وفي قضية المدير العام برج هتجيان، قضى مجلسكم الموقر بما يأتي:
“بما أنّه يتبيّن من الأحكام المتقدّم ذكرها أنّ الإجازة الإدارية هي حق منحه القانون للموظّف، وأنّ إمكانيّة المطالبة بهذا الحق تعود للموظّف وحده.
وبما أنّه من الطبيعي أن يكون الأمر على هذا النحو طالما أنّ الغاية من الإجازة الإدارية هي منح الموظف فترة راحة حفاظاً على قوّته الإنتاجية، وأنّ هذا الأخير هو الأدرى بمدى حاجته إلى هكذا إجازة بغية استعادة نشاطه الذي يكون قد انخفض.
وبما أنّ ما ينصّ عليه البند الثالث من المادة /35/ من نظام الموظفين لجهة حقّ كلّ دائرة بتوقيت مواعيد إجازات الموظفين التابعين لها على وجهٍ يضمن استمرار العمل فيها، ليس من شأنه منح الإدارة الحق بإعطاء هؤلاء الموظفين إجازات إدارية لم يطالبوا بها.
وبما أنّ ما تدلي به المستدعى ضدها بالنسبة لهذه المسألة يتضمّن قراءة خاطئة من قبلها لأحكام المادة /35/ المتقدّم ذكرها.
وبما أنّه ثابتٌ في النزاع الراهن أنّ المستدعي لم يطالب بأي إجازة إدارية، فإنّه يتبيّن بالتالي أنّ القرار المطعون فيه قد صدر خلافاً لأحكام المادة /35/ من نظام الموظفين.
وبما أنّه يتبيّن، استنادا إلى مجمل ما تقدّم، أنّ القرار المطعون فيه قد اتّخذ خلافاً للقانون، فإنه يقتضي بالتالي إبطاله عملاً بأحكام المادة /108/ من نظام مجلس شورى الدولة التي تذكر العيب المتقدم ذكره ضمن العيوب التي تؤدّي إلى إبطال الأعمال الإدارية المشوبة بها.(قرار مجلسكم الموقر رقم 2014/525 -2015 تاريخ 2015/5/7 الدكتور برج هتجيان/الدولة)
وحيث إن المستدعي لم يتقدم بطلب إجازة إدارية بل إنه عازم على إكمال فترة خدمته كاملة لكونه يحب العمل ويتفانى في أداء واجباته ويتمتع بحس عال من المسؤولية والحرص على المصلحة العامة باعتباره أحد المؤتمنين عليها، ولا يغادر مكتبه قبل الثامنة أو أكثر ليلاً.
ولهذا فإن القرار المطعون فيه قد خالف القانون واخطأ في تفسيره ما يستوجب إبطاله لهذا السبب.
السبب الثاني: إن القرار المطعون فيه مشوب بعيب الانحراف وإساءة استعمال السلطة:
تعد المصلحة العامة غاية كل نشاط إداري، بل هي أساس السلطة في المفهوم الحديث للدولة، لذلك يعد الخروج بالقرار الإداري عن هذه الغاية أخطر خلل يمكن أن يصيب عمل الإدارة، لكونه يناقض تماماً سبب وجودها، ولأن القرار الإداري متى كان الباعث على إصداره عند استعمال الهيئات الرئاسية لسلطتها التأديبية بحق الموظفين، يخرج عن استهداف الصالح العام المجرد، إلى التشفي والانتقام أو التنكيل بالموظف، أو لتحيق مآرب بعيدة عن الصالح العام، فإنه يكون منحرفاً عن الجادة، ومشوباً بإساءة استعمال السلطة، ويكون عرضه للإبطال أمام مجلس شورى الدولة،
وقد كرست الفقرة الرابعة من المادة 108 من نظام مجلس شورى الدولة، هذا المبدأ. وقد نصت في هذا المجال على ما يلي:” على مجلس شورى الدولة أن يبطل الأعمال الإدارية المشوبة بعيب من العيوب المذكور أدناه:
1- …
2- …
3- …
4- إذا اتخذت لغاية غير الغاية التي من أجلها خول القانون السلطة المختصة حق اتخاذها.
وحيث إنه بتاريخ 2018/10/30 وبشكل مفاجئ ومشبوه، وجه وزير الطاقة والمياه إلى المستدعي كتاب منحه إجازة إدارية لمدة ستين يوماً يكون بنهايتها خارج الوظيفة ما يشكل إساءة معنوية بحق المستدعي وتلحق ضرراً فادحاً بصورته وموقعه الاجتماعي،
وقد استقر اجتهاد مجلسكم الموقر على توصيف القرار المتخذ من السلطة الإدارية على أنه عقوبة مقنعة عندما يكون من شأنه الإساءة للموظف والانتقام منه بدون أي سندٍ في القانون يجيز له هذا التصرف. بحيث اتخذت التدابير الإدارية التي تستهدف الموظف بنية زجرية ولا يتوقف القاضي عند حرفية التدبير المتخذ من الإدارة أو الوصف الذي تعطيه للتدبير الذي يتخذه، إنما يعود إليه أن يعطيه الوصف الصحيح وصولاً إلى إبطال التدبير الإداري الذي ينطوي على عقوبة تأديبية والذي غابت عنه الضمانات التأديبية. وأنه عند سكوت النص، يبقى هناك حد أدنى من الضمانات الأساسية تستمد من مبدأي الوجاهية وحق الدفاع، وهما من الحقوق المحمية دستورياً. (قرار مجلسكم الموقر رقم 2003/462 – 2004 عادل الشويري/ الدولة- وزارة الزراعة تاريخ 2004/7/13).
لو كان صحيحاً أن الوزير حريص على إفادة المستدعي من رصيد إجازاته السنوية المتراكمة قبل إحالته إلى التقاعد، تطبيقاً لنص المادة 35 من نظام الموظفين، لكان من المفترض أن يقوم بهذا الإجراء من خلال الإيعاز إلى المستدعي لطلب إجازاته الإدارية قبل الأشهر الستة على الأقل التي تسبق تاريخ إحالته على التقاعد، وأن يوقت تلك الإجازة بشكل يضمن استمرار العمل في الإدارة وإتاحة المجال للمستدعي لاستكمال انجاز المعاملات الموجودة لديه، وأن إقدام الوزير على إعطاء المستدعي إجازة قسرية لمدة ستين يوماً دفعة واحدة، تبدأ بالسريان اعتباراً من تاريخ صدور القرار بإعطائها ولغاية بلوغه السن القانونية وإحالته على التقاعد، ودون أن يصدر عن الوزير أي قرار يتضمن إجراء عملية تسلم وتسليم المعاملات الموجودة بحوزة المستدعي، كل ذلك يدل على أن القرار المطعون فيه اتخذ لغاية غير الغاية التي خول القانون السلطة المختصة حق اتخاذها.
وبخصوص منح إجازة إجبارية لمدة 60 يوماً جاء في اجتهاد مجلسكم الموقر ما يأتي:
” إنّ منح الموظف إجازة إدارية براتب كامل لستين يوماً بقصد إبعاده عن وظيفته بسبب خلاف حاصل معه يشكل عقوبة تأديبية لأنّه يتنافى مع الغاية التي تقضي بأن يستفيد الموظف من إجازة ليستعيد فيها نشاطه. إن استعمال الإجازة كوسيلة تأديبية لا يقرها القانون كبديل عن الملاحقات التأديبية ومن بينها الإجراءات التحضيرية كالوقف عن العمل، فضلاً عن كونه يظهر الإدارة بمظهر الضعف الذي يشجع المخالفات والتجاوزات. فإنه يشكل سابقة خطيرة تفسح المجال لاعتمادها بقصد التخلص وقتياً من موظف لإجراء أعمال لا يقرّها وغير مقتنع بها”(مجلس شورى الدولة قرار رقم 27 تاريخ 25-1-1971 محمد ناجي/ مصلحة استثمار مرفأ طرابلس م.إ. 1971 ص 107).
وحيث إنّه واضح من العلاقة بين وزير الطاقة والمياه والمدير العام المستدعي وفرض الأول عقوبة تأديبية قاسية على المدير العام أبطلها مجلسكم الموقر، قد دفع هذا الأخير إلى تحيّن الفرصة للانتقام من المستدعي فانتظر اقتراب انتهاء خدمة المستدعي لبلوغه السن القانونية ومنحه إجازة إجبارية توصف بأنها خروج بدون عودة أو (one way ticket) استهزائية انتقامية وغير مبررة.
وحيث إنّه تبعاً لذلك يكون القرار المطعون فيه مستوجب الإبطال لتجاوزه حد السلطة.
ثالثاً: في وجوب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه
تنص المادة 77 من نظام مجلس شورى الدولة: “لا توقف المراجعة تنفيذ العمل الإداري أو القرار القضائي المطعون فيه. لمجلس شورى الدولة أن يقرر وقف التنفيذ بناء على طلب صريح من المستدعي إذا تبين له من ملف الدعوى أن التنفيذ قد يلحق بالمستدعي ضرراً بليغا وان المراجعة ترتكز على أسباب جدية هامة”.
يتجلى الضرر البليغ الناجم عن القرار المطعون فيه من خلال منح المستدعي إجازة إدارية إجبارية متصلة بانتهاء خدمته لبلوغ السن القانونية، بحيث إنّ الإبطال اللاحق لهذا القرار لن يؤدّي إلى جبر الضرر المعنوي والألم النفسي الذي يلحق بالمستدعي من جراء تنفيذ هذا القرار.
أما جدية المراجعة، فهي كما هو مبيَّن في البند ثانياً من هذا الاستدعاء، يستدلُّ عليها من خلال أنّ القرار المطعون فيه مشوب بالمخالفات الآتية:
– إنّ القرار المطعون فيه يتعدي على حقوق المستدعي ويخالف ما استقر عليه اجتهاد مجلسكم الموقر
– إن القرار المطعون فيه فسّر المادة 35 من نظام الموظفين تفسيراً خاطئاً.
– إن القرار المطعون اتخذ لغاية انتقامية ولا يمت إلى المصلحة العامة بصلة.
ولما كان القرار المطعون فيه يلحق أضرراً فادحة بالمستدعية، وكانت المراجعة مستندة إلى أسباب تبدو، من ظاهر الحال، جدية وقوية.
فإن المستدعي يطلب من مجلسكم الموقر، تقصير المهل من يومٍ إلى يوم والحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
رابعاً: التعويض وأتعاب المحاماة
حيث إنّ هذه المراجعة كبّدت المستدعي مصاريف كثيرة وأتعاب المحاماة، ولهذا يطلب المستدعي أن يتضمّن الحكم إلزام المستدعى ضدّها بتحمّل كافة الرسوم المدفوعة، يضاف إليها أتعاب المحاماة.
لهـــــذه الأسباب وغيرها المتصلة بالانتظام العام،
يطلب المستدعي من مجلسكم الموقر ما يلي:
أولاً: اعتماد الأصول الموجزة ووقف تنفيذ القرار المطعون فيه
ثانياً: قبول المراجعة في الشكل لورودها ضمن المهلة القانونية ومستوفية شروطها الشكلية.
ثالثاً: إبطال القرار رقم 27/ق، تاريخ 2018/10/29 المطعون فيه.
رابعاً: تضمين الجهة المستدعى ضدّها كافة الرسوم والنفقات وأتعاب المحاماة.
“محكمة” – الاثنين في 2018/11/26