النقيب ناضر كسبار لـ”محكمة”: عمل المحامي وصحّته أوّلًا واللجان لا تكلّفنا ماليًا ونريد القضاء قويًا
حاوره المحامية فريال الأسمر وعلي الموسوي:
منذ انتخابه نقيبًا للمحامين في بيروت يوم الأحد الواقع فيه 21 تشرين الثاني 2021 والنقيب ناضر كسبار لا يهدأ ولا يكلّ ولا يملّ من العمل حتّى ولو اضطرّ إلى البقاء في دارة النقابة حتّى ساعات متقدّمة من الليل وفي عزّ الشتاء.
ومنذ استلامه مهامه رسميًا، باشر النقيب ناضر كسبار في تنفيذ ما يطمح إليه وما وعد المحامين به، وفي مقدّمة كلّ ذلك أن يكون المحامي أوّلًا من جميع النواحي المهنية والصحّية من دون أن ننسى صون الكرامات.
وانطلاقًا من خبرته النقابية العريقة وخدمة النقابة والمحامين في مواقع عديدة بدءًا من انتخابه للمرّة الأولى عضوًا في مجلس النقابة في العام 2006، عمد كسبار إلى تشكيل لجان نقابية كثيرة لإيمانه بقدرتها على الإنتاجية على الصعيد المهني والوطني، وهي لا ولن تكلّف النقابة أيّ عبء مالي.
ويؤكّد النقيب ناضر كسبار في حديث مع “محكمة” أنّ الإصرار على إبقاء جلسات محكمة الجنايات في جبل لبنان في القاعة المخصّصة في سجن رومية المركزي سيؤدّي بالنقابة إلى إعلان المقاطعة، مشيرًا إلى أنّه يرفض اللجوء إلى الإضراب لإيصال الصوت، ويشدّد في المقابل، على رفضه المطلق أن تهتزّ صورة القضاء الذي يريده كما كلّ اللبنانيين، قويًا.
وهنا تفاصيل الحوار مع النقيب كسبار:
• ما هي أولويات النقيب ناضر كسبار خلال هاتين السنتين من ولايته النقابية؟
أولوياتي هي المحامي أوّلًا، وعمله وصحّته وكرامته، لأنّني نقيب المحامين قبل أيّ شيء آخر، وهذا ما بدأته منذ انتخابي حيث اتخذنا قرارًا برفع أتعاب المحامين، وقمنا بإعفاء المحامين المتدرّجين من الرسم السنوي، وشكّلتُ اللجان النقابية وقد أخذ اختيار المحامين فيها وقتًا كبيرًا لأنّ الغاية المرجوة هي الإستفادة من طاقاتهم ونشاطاتهم وجهودهم، باعتبار أنّ اللجان هي التي تنتج وتعطي الحركة في النقابة، وأنا أتابعها يوميًا وبدقّة دون إهمال للشأن المهني والنقابي أو الوطني.
ومن يراقب هذه اللجان يجد أنّها فعّالة، فاللجنة الفرنكوفونية على سبيل المثال تعمل على ترجمة القانون التجاري إلى اللغة الفرنسية، ولجنة استعادة أموال المودعين تجتمع باستمرار مع مراجع لبنانية وأجنبية ضمن خطّة عمل مُحْكمة. وعلى الصعيد الوطني لا تزال قضيّة انفجار مرفأ بيروت تأخذ حيّزًا أساسيًا من عملنا واهتماماتنا.
• هل برأيك إطلاق الكثير من اللجان النقابية يبشّر بورش عمل مفيدة ومنتجة للنقابة والمحامين؟ وكيف يمكن تفعيل عمل هذه اللجان بما يحقّق الغاية المرجوة؟
لقد قرّرنا الإستفادة من الطابق الأوّل في “بيت المحامي” باعتباره مجهّزًا، ووضعه بتصرّف اللجان لعقد الإجتماعات فيه، وحضرت الإجتماع الأوّل لكلّ هيئة إدارية لهذه اللجان التي بلا شكّ تضفي حركة على نشاطات النقابة ولكلّ واحدة منها خصوصيتها، فتصوّروا أنّ ألف محامٍ يقدّمون استشارات ومعلومات في كلّ الميادين، فهذا عمل مهمّ جدًّا، فهناك مثلًا خمسون ألف حالة توحّد في لبنان، واللجان هي من تشارك في إعداد القوانين تمهيدًا لسنّها وإقرارها، وسنعيد إصدار مجلّة “النشرة” بعدما توقّفت عن الصدور فترة من الزمن.
وأحبّ أن أشير هنا إلى أنّ هذه اللجان لا تكلّف النقابة أيّ عبء مالي، فقد اتخذنا قرارًا في مجلس النقابة بقبول التبرّعات من المحامين القادرين على المساعدة لوجود نصّ قانوني يتيح هذا الأمر.(الفقرة الرابعة من المادة 63 من النظام الداخلي لنقابة المحامين في بيروت). إيلي بازرلي
• المحامون على موعد مع استحقاق التأمين الصحّي، فالمستشفيات لا تقبل إلّا “دولار فريش” وعمل المحامين تراجع خلال السنوات الأخيرة بسبب جائحة “كورونا” والإضرابات والإعتكافات. ماذا بإمكان النقابة أن تفعل في هذا المجال؟
أؤكّد وأجزم بأنّه منذ اليوم الأوّل لانتخابي نقيبًا، كان الهمّ الأساسي هو موضوع الإستشفاء، ولا نزال حتّى اليوم ندرسه مع أعضاء مجلس النقابة ونتواصل مع جمعيات في الخارج، في دبي وفي أبو ظبي، وقد سافر عضو المجلس الأستاذ إيلي بازرلي على نفقته الخاصة إلى دبي واجتمع مع محامين لبنانيين، وهناك نحو 120 محاميًا موجودين في الخارج سيدفعون رسوم الإشتراك السنوي بالدولار الأميركي، ولكنّ هذا ليس كافيًا في موضوع التأمين الإستشفائي الضروري لكلّ محام ومحامية.
وإذا كانت النقابة ستساهم بحصّتها مع المحامين والدفع “فريش دولار”، فهذا معناه أنّنا نتكلم عمّا يساوي ثلاثة أو أربعة ملايين دولار أميركي ولا قدرة لنا على هكذا مبلغ، لذلك فإنّنا نعمل مع محامين في الخارج على التواصل مع جمعيات وطلب المساهمة المادية منها.
وقد قلت لأحد السفراء حين سألني عن موضوع انفجار مرفأ بيروت، إنّنا استلمنا 1400 دعوى، ولو طلبنا أتعابًا عليها، فكان من الممكن أن نقبض عشرة ملايين دولار أميركي، في المقابل، لا أحد يساعدنا في موضوع الإستشفاء.
رومية
• هل تمّت معالجة مسألة دخول المحامين إلى سجن رومية لحضور جلسات محكمة جنايات جبل لبنان وما يسبقها من تفتيش و”لائحة ممنوعات” تصل إلى المسّ بكرامة المحامين؟ فالمطلوب عودة جلسات محاكم الجنايات الثلاث إلى العدلية وسوق الموقوفين إليها كما يحصل في التعاطي مع محاكم أخرى، فما العمل؟
لقد أثرنا هذا الموضوع مع وزير العدل القاضي هنري الخوري ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، ووفق معلوماتي، فإنّ مجلس القضاء غير متفق على هذا الموضوع، فقسم منه يريد أن تبقى المحاكمات في القاعة الموجودة في سجن رومية، غير أنّني أبلغتهم رفضي المطلق لأسباب منطقية عدّة منها التفتيش، وعمل المحامي، وأوقات الجلسات، علمًا أنّ كلّ المحاكم عادت تعقد جلساتها في المحاكم، فلماذا فقط محكمة جنايات جبل لبنان؟
وفي حال الإصرار على إبقاء الأمر على ما هو عليه، فإنّنا في مجلس النقابة سنضطرّ إلى اتخاذ قرار بمقاطعة الجلسات.
إجتماع مثمر مع مولوي
• لقد التقيتم وزير الداخلية والبلديات القاضي بسّام مولوي بخصوص دخول المحامين إلى سجن رومية فماذا كانت النتيجة؟
كان اجتماعًا مثمرًا مع الوزير مولوي الذي أبدى استعداده للتعاون في معالجة هذا الموضوع، ونحن بواسطة لجنة السجون ننسّق مع مستشار الوزير العقيد عثمان لنيل أكبر قدر من المطالب كتحديد ممرّ خاص للمحامين، كما أنّنا على أتمّ الإستعداد لتجهيز غرف المحامين في سجن رومية، ونحن لن نقبل بطريقة التعاطي الموجودة مع المحامين خاصة لجهة التفتيش بحجّة وجود مشكلة قديمة منذ ثماني سنوات.
لقد قلت لوزير الداخلية إنّ عنصر الدرك الموجود على الطريق هو من يعطي صورة جيّدة أو سيّئة عن الدولة، وطالبته بتنظيم دورات تأهيلية لعناصر قوى الأمن الداخلي وخاصة لمن يحتكون مع الناس، وبأن يصدر أوامره لهم بحسن التعاطي مع المحامين.
لقضاء قوي
• سعادتك من المؤيّدين لقيام علاقة متينة مع القضاء. هل من خطوات عملانية لإزالة أيّة توتّرات وإشكالات ومعالجتها في الغرف المغلقة وليس في “السوشيال ميديا”؟
إجتمعت مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، ومدعي عام التمييز القاضي غسّان عويدات، ورئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي الياس، ورئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد، وستكون هناك آليتان لترتيب العلاقة مع القضاء، فأنا وأمين السرّ الأستاذ سعد الدين الخطيب، ومفوّض قصر العدل الأستاذ عماد مرتينوس، نتابع مباشرة مع رئيس مجلس القضاء شخصياً وثلاثة قضاة لكي نحدّد المواضيع العالقة بيننا وبينهم وتنظيمها.
والآلية الثانية التي اتفق عليها قوامها محاميان من نقابة بييروت وقاضيان ومحاميان من نقابة طرابلس وقاضيان لمعالجة الأمور اليومية بالسرعة القصوى، واتفقنا على الإجتماع كلّ شهر أنا والقاضي عبود، وقلت بكلّ محبّة وصراحة أنا شخصيًا، أحترم القضاء والمجلس، ولا نقبل أن تهتزّ صورة القضاء، وإذا وجدت أيّة إشكاليات أو عقبات نتحدّث في ما بيننا، ولا ننشرها في وسائل الإعلام، ويهمّنا أن تبقى صورة القضاء لامعة وأن يكون القضاء قويًا وليس ضعيفًا وأن يعيش القضاة بكرامة، ولا يجوز أن يقوم أيّ شخص بالكتابة عن القضاء بصورة سيّئة، حتّى أنّه عند اعتكاف القضاة ظلّ تواصلنا معهم ولم ينقطع لأنّ هدفنا تسيير أمور الناس، وأنا أتعامل معهم بحكمة عالية واتزان وقلت لهم أنتم لديكم أبناء، ونحن لدينا ولنا لديكم أبناء، فارتكاب محامي لخطأ ما يعالج لوحده ولا يعمّم على كلّ المحامين.
الدعاية الإعلامية
• ماذا بشأن إقدام محامين على ممارسة الإعلام والإعلان على مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا “الفايسبوك؟
كان الملفّ الإعلامي محطّ تجاذب بين مجالس نقابة المحامين على مدى سنوات، وأنا أذكر أنّه في عهد النقيبة أمل حدّاد، إنقسم المجلس آنذاك حول هذا الموضوع، إلى أن ارتأينا أن يكون من المستحسن أن يعطي المحامي للنقيب علمًا بشأن الظهور الإعلامي وضمن احترام قانون تنظيم المهنة وآدابها.
ومنذ فترة وجيزة، رأيت محاميًا على شاشة التلفزيون يتناول موضوعًا يخصّ موكّله، فاتصلت بمفوّض قصر العدل وطلبت منه أن يتحرّك فوراً وأن يستدعي هذا المحامي ويحقّق معه.
وأوكّد أنّني لن أقف عند التنبيه الشفوي، بل سأحوّل إلى المجلس التأديبي لأنّه لا يحقّ للمحامين التحدّث في وسائل الإعلام عن ملفّاتهم المؤتمنين عليها، ولم ولن أتساهل في هذا الموضوع، ولكن كما تعلمون فإنّ هذه القرارات سرّية، وبرأيي فإنّ النصّ الذي يرعى هذا الأمر يتطلّب دراسة جدّية مجدّدًا واتخاذ موقف نهائي بشأنه، كما هو الحال بالنسبة إلى نشر صور المكاتب الخاصة بالمحامين وغيرها من الأمور الدعائية.
إذن الملاحقة
• لقد طبّق قضاة نصّ المادة 111 أ.م.ج. على محامين في السنة الماضية فمنعوهم من ممارسة المهنة وردّت نقابة المحامين بإضراب استمرّ أربعة أشهر وانتهى دون نتيجة، بينما كان المطلوب السعي إلى تعديل هذه المادة بحيث يستثنى المحامون منها. هل من جديد في هذا الشأن؟
أنا ضدّ مبدأ الإضراب والمظاهرات والتكسير، فالإعلام يقوم بالتغطية المكثّفة في اليوم الأوّل ثمّ يغيب، وأفضّل الإعتصام مع ارتداء روب المحاماة على اللجوء إلى الإضراب.
لم تكن المادة 111 أ.م.ج. السبب لقيام الإضراب، بل قضيّة إذن الملاحقة في حالة الجرم المشهود من دون الوقوف على رأي مجلس النقابة. وفي حالة الجرم المشهود يقتضي أن يبادر القاضي حصرًا وفورًا ودون أيّ تأخير إلى سماع المحامي المعني، وليس الضابطة العدلية. وهنا أذكّر بما أصدرته محكمة الاستئناف الناظرة بالقضايا النقابية أنّ من يقرّر ما إذا كان الفعل المنسوب للمحامي ناشئًا عن المهنة أم لا، هي النقابة وليس المدعي العام.
وبخصوص الماده 111 أ.م.ج.، فحاليًا لم يعد يطبّق منع مزاولة المهنة، وقد مرّت قضيتان عند القاضي نفسه(أسعد بيرم) الذي سبق له أن اتخذ قرار المنع. وهناك أصوات تقول إنّه من الأفضل أن تعدّل المادة 111 أ.م.ج. في مجلس النوّاب ولكن في تلك الفترة لم نسلك هذا الطريق في مجلس النقابة،لأنّ إرسال مشروع التعديل هو اعتراف ضمني بأنّ القاضي يستطيع أن يمنع المحامي من مزاولة المهنة، وبالتالي فإنّ قراره صحيح وهو ما لا يأتلف مع توجّهات مجلس النقابة.
بعلبك والمناطق
• زرت مدينة بعلبك وترأست اجتماعًا لمجلس النقابة في مركز النقابة في العدلية هناك. كيف تصف مشاهداتك وانطباعاتك؟ وكيف يمكن للنقابة المساعدة في إعادة الحياة إلى ما يسمّى بقصر العدل؟
كان المحامي والنائب الراحل أوغست باخوس الذي تدرّجت في مكتبه، يردّد عبارة لا أنساها أبدًا، وهي أنّ الحضارة في المدينة فقط دليل تخلّف، وهذا الكلام صحيح، فلكي نستطيع تثبيت المواطن في أرضه، ينبغي أن نوفّر له المقوّمات اللازمة، وأن نشجّع المؤسّسات في المناطق، وأن يعمل المحامون في المناطق وليس فقط في بيروت، لذلك أنا مع تعزيز المناطق ولن تقتصر زياراتنا على مركزي بعلبك وصيدا، بل سنزور كلّ المراكز في كلّ الأقضية وليس في المحافظات وحسب، وسنقوم بكلّ ما هو مطلوب منا.
كان القاضي عفيف شمس الدين يقول إنّ القاضي حين يذهب للكشف الحسّي يكون الوضع مختلفًا عن مخابرته على الهاتف، وأنا أصبحت أعلم ما هي الأشياء الناقصة، فمثلًا في بعلبك يوجد طابق كامل في قصر العدل تقريبًا من دون إشغال، ولدينا القدرة على استعماله بالشكل المناسب بالتنسيق مع وزارة العدل.
(نشر هذا الحوار في النسخة الورقية من “محكمة” – العدد 52 الصادر في آذار 2022).
“محكمة” – الإثنين في 2022/4/25