مقالات

بسّام الطرّاس يكتب إلى وكيلته زينة المصري: العاطفة تخرج عن النصّ

بسّام الطرّاس*:
قبل سنوات شرَّفني بلقائها للمرّة الأولى صديقٌ صار اليوم قاضيًا حكيمًا ومَرجعًا قانونيًّا مرموقًا.
جلست مُنكسِرةً باكية يائسة فاقدة الثقة بكلِّ مَن حولها، وتحملُ كُرهًا لا يوصف لصنف الرِّجال والمحسوبين عليهم.
جبرتُ خاطِرها وأنصتُّ لها فأبكاني سوءُ حالها.
وضعتُ خِطَّةً لإعادةِ ترميمها، وتحريك الخير والقوى الكامِنةِ فيها.
مَسحت دُموعَها وأخذت نَفسًا عميقًا وقبِلت بمتابعةِ المسيرة.
صَبرت، تخرجت، تخصَّصت، إنطلقت، تألَّقت، صدقت، وصلت بِحمدِ اللَّهِ تعالى وتوفيقه.
غابَ الأبُ والأمُّ كذلك، إنفردت بتربيةِ وليدها، الذي سُرِرتُ باتصاله مُهنئًا بالأمس حيثُ يتابع دراسته في الخارج وقد أصبح رجلًا قويًّا بليغًا فصيحًا.
قدَّر اللَّهُ أن تمرَّ الأيام وأن ألتقي بها أمام القاضي في المحكمة العسكريَّة لِتُخبرني أنَّها الوكيلة.
تحملُ ملفًا سهِرت كثيرًا لتحضيره، وتعرِّفُ القاضي بي بِثقةٍ عجيبة، وتنافحُ عنِّي بلسانها وحُججها وروحِها.
تزورني في سجني مع فريقها، تطمئن وتبكي وتعتذر وكأنَّها الوزيرة.
خرجتُ بِصحبتها والدُّنيا لا تسعها، فقد حرَّرت من حرَّرَها مِن كلِّ قيودها.
زادَ يقينُها كلَّما زادت الحرب عليَّ وعليها، واكتشفت بأمِّ عينها نذالةَ هذا وحِقدَ ذاك وجُبن الغالبيَّة العُظمى.
دفعت أثمانًا غالية، وأبت أن تتقاضَى شيئًا عن أتعابها، واستغنت بمحبَّة ودعاء وشكر الصَّادقين من هذا البلد والخليج والشَّرق والغرب وما أكثر المُحبِّينَ بحمد اللَّهِ تعالى.
كلَّما زرتُها في مكتبها يتحلَّقُ فريقُها وهم من أطيب وأرقى المحامين، نُمضي وقتًا جميلا، يَمتزجُ فيه خطابُ العقلِ بطيبِ الرُّوحِ، فهذه تبكي وتلكَ تشدُّ العزيمة.
تُسرُّ لي ببعض الأخبار وتخفي الكثير منها، لأنَّها حريصةٌ على سُمعةِ المشايخ والسَّاسة، ولعدم الرَّغبةِ بالانشغال بترَّهات السُّفهاء والسَّاقطين.
في اللَّحظة الأخيرة
بثَّتِ الأمل، وزمجرت لَبوءةً تنافِحُ عنِ الحقيقة.
ربَّما خرجت بعواطِفها عن نصوصِها، وقالت لهم هذا أستاذي بجرأةٍ مهما كانت النَّتيجة.
أعدَّت معَ فريقِها الذي حضرَ بشوقٍ وصدقٍ أدلةً دامِغة، ورجت ربَّها أن يُلهِم السَّامعينَ التَّفاصيل الدَّقيقة.
خرجت، تواصلت مع الأسرةِ الصَّغيرة والكبيرة، طمأنت ورجتِ الدُّعاء، لحظاتٌ حاسِمةٌ دقيقة. صدرَ الحُكم، تهلَّل الوجهُ، وتحرَّرت قبلي، وغرَّد قلبُها: نَصرَنا اللَّه، إنَّه مَعنا اليومَ كما كانَ سبحانَهُ في كلِّ المسيرة.
شكرًا للأستاذة المحامية الغالية زينة المصري.
على أملِ التَّألُّق فوق قِمَّةِ جديدة. معَ احترامي وتقديري.
* هذه مقالة كتبها الشيخ بسّام الطرّاس بعد صدور حكم المحكمة العسكرية الدائمة بإبطال التعقبات عنه، ويشكر فيها وكيلته القانونية المحامية زينة المصري على وقوفها إلى جانبه ودفاعها عنه. ونادرًا ما يعبّر الموكّل في مقال أو كلام مكتوب أو رسالة عن تقديره وامتنانه لوكيله، وهنا تكمن أهميّة هذه المقالة بما تضمّنته من عبارات وكلمات تجاه المحامية المصري، ولذلك استحقّت النشر.
“محكمة” – الثلاثاء في 2021/11/2

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!