تأثير الإدارة المركزية لأموال الصندوق البلدي المستقل على العمل البلدي/ديما الحاوي
د. ديما غازي الحاوي:
تعتبر عملية تنظيم الموارد المالية من أكبر التحديات التي تواجه الهيئات المحلية، لأنّها الأساس لكل عمل إنمائي، وبدونها لا تستطيع أن تحقق أي مشروع، ولا تؤمن الإنماء المناطقي المتوازن؛ تتعدّد مصادر الموارد المالية، منها ما يأتي من الرسوم المباشرة التى تجبيها البلدية من المواطنين، ومنها ما يأتي من الرسوم التي تحصّلها الدولة وتوزّعها على البلديات، ومنها ما يكون عبارة عن هبات أو مساعدات أو قروض تحصل عليها.
إنّ المال هو عصب الحياة الإقتصادية قديماً وحديثاً، وهو مؤشر النهوض والتقدم في المجتمع. يستحوذ عنصر المادة على جزء كبير من إهتمامات السلطات المركزية والسلطات اللامركزية، التي تعتمد عليه لتلبية الحاجات المحلية المتنوعة؛ تعاني معظم البلديات اللبنانية من تردّي إمكانياتها المالية التي تؤثر سلباً على قدرتها في تحقيق الإنماء المتوازن.
إن قيام البلديات بمهامها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يتوافر لديها من دخل يتناسب مع حاجاتها، وما لبثت أن نشأت الهيئات اللامركزية في لبنان حتى واكبها دعم مالي من السلطة المركزية كي تتمكّن من الانفاق وتلبية حاجات المجتمع المحلي، ويطبّق هذا الدعم بواسطة آلية الصندوق البلدي المستقل؛ غير أنّ التجربة قد أثبتت أنّ دوره متقطّع في تحقيق الهدف المرجو.
إنّ إعتماد البلديات على الرسوم التي تجبيها بنفسها وعلى الهبات والمساعدات والقروض التي تحصل عليها، غير كافٍ لتأدية مهامها المتشعبة؛ لذلك، منحها قانون البلديات واردات إضافية تستطيع الحصول عليها من أجل بلوغ أهدافها في تحقيق التنمية المحلية، عبر آلية الصندوق البلدي المستقل، الذي يتكون من الأموال التي تستوفيها الدولة والمؤسسات العامة والشركات لصالح البلديات؛ علماً بأنّه قبل إنشائه، كانت العائدات التي تحصلها الدولة لحساب هذه البلديات تصب في صندوق يُسمى الصندوق البلدي العام، وتتوزع عليها بواسطة لجنة خاصة للمشاريع العمرانية(1).
تتألف عائدات الصندوق البلدي المستقل من المبالغ التالية:
أوّلاً، الواردات التي تستوفيها الدولة لمصلحة جميع البلديات(2)، وهي: العلاوة على ضريبة الأملاك المبنية التي تتناول إيرادات الأبنية على اختلاف أنواعها، ويُكلف بها مالك العقار أو مستثمره؛ العلاوة على ضريبة الدخل التي تتناول الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد، أرباح المهن على اختلاف أنواعها، ودخل رؤوس الأموال المنقولة؛ العلاوات على الرسوم الجمركية التي تفرض على البضائع المنقولة من بلد لآخر نسبة إلى ما تتمتع به الدولة من الحق بالسيادة، العلاوات على رسم الإنتقال على التركات والوصايا والهبات، الذي يشكل ضريبة مباشرة تُفرض على جميع الحقوق والأموال المنقولة وغير المنقولة التي تؤول إلى الغير باستثناء الدولة والبلديات بطريق الإرث أو الوصية أو الهبة أو الوقف أو بأي طريق آخر بلا عوض يعادل قيمتها الحقيقية؛ العلاوات على رسوم التسجيل العقاري التي تستوفى لدى التصرف بالعقارات بإنشاء أو نقل أو تعديل أو إسقاط حق عيني عقاري؛ رسوم المحروقات السائلة؛ العلاوات على رسوم تسجيل السيارات وغرامات السير؛ رسم الإستثمار على أندية المراهنات التي تدفع سم مقطوعاً عن كل حفلة ويستوفى من قبل البلدية مباشرة، ورسماً نسبياً على تذاكر الدخول، الذي تستوفيه الدوائر المختصة في وزارة المالية وتؤدي حاصله مرة كل ثلاثة أشهر إلى البلدية التي يقع النادي ضمن نطاقها؛ رسم على الإعلانات؛ رسم على المؤسسات المصنفة التي تدفع رسم ترخيص ضمن حدّين أقصى وأدنى ورسم إستثمار سنوي عن كل حصان من أحصنة المحركات المستعملة في المؤسسات الصناعية؛ والرسم على المواد القابلة للإشتعال والإنفجار الذي يفرض على المؤسسات والأفراد الذين يتعاطون تجارة هذه الموارد ومقداره ۲% من القيمة التأجيرية للأمكنة التي توضع فيها المواد.
ثانياً، العائدات التي تحصلها المؤسسات العامة والشركات لحساب الصندوق البلدي، وهي: رسم على أقساط عقود التأمين، الذي تستوفيه شركات الضمان ثم تؤدي حاصله إلى خزينة الدولة؛ العلاوات على بَدَلات خدمات المياه والكهرباء والإتصالات السلكية واللاسلكية كشركة أوجيرو مثلاً)، وقيمتها 10% من هذه الخدمات والضريبة على التبغ والتنباك، مقدارها 5% من قيمة كل علبة سجاير أو سيكار أو رزمة من التبغ المفروم أو التنباك، وتتولى إدارة حصر التبغ والتنباك إستيفاءها، ثم تؤدي حاصلها إلى الصندوق البلدي المستقل(3). بالعودة إلى قانون الرسوم والعلاوات البلدية رقم 88/60(4) الذي عدّد كافة الرسوم والعلاوات البلدية التي تجيبها الإدارات والمؤسسات العامة لصالح البلديات، يتبين أنه لا يتوجب على هذه المؤسسات والإدارات سوى تأدية حاصل الرسوم المجباة أي المجموع النقدي دون أية مستندات أو جداول تفصيلية تتمكن البلدية من خلالها من الإطلاع على تفاصيل عمليات التحقق في التحصيل، إلا أن ذلك لا يعني أن هذا القانون يمنع على البلدية طلب مثل هذه المستندات لأن المنع لا يكون إلا بنص صريح، ومن ناحية أخرى يمكن لمعالجة هذه المسألة وضع مشاريع نصوص قانونية وتنظيمية تهدف إلى تعديل قانون الرسوم والعلاوات البلدية(5).
في الحقيقة، تودع الأموال المستوفاة من الدولة والشركات في مصرف لبنان باسم الخزينة العامة، ويفتح حساب خاص في قيود مصلحة الخزينة في وزارة المالية بإسم الصندوق البلدي المستقل، ويتم تحريكه وفقاً لأصول تحدد بقرار مشترك من وزير الداخلية ووزير المالية؛ نرى أن الصندوق ليس مؤسسة عامة مستقلة مالياً وإدارياً، إنما هو ملحق بالسلطة المركزية مع العلم أنه في فرنسا، تديره هيئة مؤلفة من شيخين ونائبين وأربعة رؤساء مجالس عامة وأربعة رؤساء تجمع مقاطعات وخمسة عشر رئيس بلدية وتسعة ممثلين للدولة؛ ألا يضمن هذا التعدد في إدارة الصندوق في فرنسا جدية في العمل؟ ألن تراقب كل من هذه السلطات بعضها بعضاً وتنشق فيما بينها؟ ألن يعود ذلك بالفائدة على البلديات من خلال المحافظة على أموالها؟
في ظل إدارة الصندوق البلدي في لبنان من قبل السلطة المركزية هل سيؤثر ذلك على مدى استقلاليتها المالية؟
إن مجرد اعتماد البلديات على الدعم الحكومي يحدّ من إستقلاليتها ويقيّد حركتها ويشلّ يدها في إدارة شؤونها الذاتية لأن المساعدات تؤدي إلى المداخلات ولا يمكن تحقيق أية إستقلالية حقيقية إلا بالإكتفاء على المستوى المالي . فكيف الحال إذا كانت الحكومة المركزية التي تدعم البلديات، تتولّى إدارة هذا الدعم بنفسها؟ إلى أية درجة سيكون لها إستنسابية في إتخاذ القرارات المتعلقة بالأموال التي حصلتها لصالحها؟ يبقى الهدف من الرقابة المالية على البلديات هو الحفاظ على المال العام، غير أنّ إدارة أموال الصندوق المستقل من قبل السلطة المركزية يضيع هذا الهدف؛ يصبح إستقلال البلديات المالي موضوع شكّ في ظلّ الدور الممنوح لوزير الداخلية والبلديات باقتطاع المبالغ المستحقة على البلديات الأعضاء في الإتحادات لصندوق الإتحاد ودفعها مباشرة إليه، نظراً إلى أنّ حصص البلديات الأعضاء في الإتحاد، لا توزّع عليها قبل أن تسدّد ما يترتّب عليها لصندوق الإتحاد.
بناءً على ما تقدّم، نطرح السؤال التالي: هل يمكن إقتراح توفير مصادر دخل بديلة عن الدعم المركزي، تجبيها البلديات بنفسها من أجل تعزيز إستقلاليتها المالية؟
تواجه معظم السلطات المحلية مشكلة النقص في جهازها الوظيفي؛ إذا كان عدد الجباة المسؤولين عن تحصيل الرسوم البلدية مثلاً غير كافٍ في غالبية البلديات اللبنانية، فكيف يمكن لها أن تحصّل مصادر دخل أخرى بنفسها؟ من هنا، ريثما تستطيع البلديات القيام بعمليات التحقيق والجباية بالدقة المطلوبة، نرى ضرورة الإبقاء على آلية الصندوق البلدي المستقل مع التخفيف من السلطة الإستنسابية التي تتمتع بها الحكومة في هذا المجال، عبر تعديل المادة الثانية من المرسوم رقم 1917 وإشراك رؤساء البلديات في عملية تحديد أصول تحريك حساب الصندوق، إلى جانب وزير الداخلية ووزير المالية، بما يؤمّن تقييد سلطة الحكومة المركزية الإستنسابية وإحترام مبدأ إستقلالية البلديات المالية.
إنّ ادارة الصندوق البلدي المستقل من قبل السلطة المركزي لا تؤثر فقط على استقلالية السلطات المحلية المالية، بل تؤدي ايضاً إلى سوء التصرف بالإيرادات.
ثمة قاعدة قانونية تحكم أموال الصندوق البلدي المستقل وتستند إلى مضمون المادة ٨٧(6) من قانون البلديات، وهي تشمل حكمين إثنين: يقضي الحكم الأول بأنّ هذه الأموال هي أمانة للبلديات وملك لها، أما الحكم الثاني فيعترف بأن هذه الأمانة هي لجميع البلديات وليست لبعض منها؛ هذا يعني أن الأحكام التي تطبق على أموال الصندوق البلدي تشبه الأحكام المطبقة على الوديعة في قانون الموجبات والعقود(7)، حيث يسأل الوديع شخصياً عن المحافظة عليها وعدم التصرف بها دون إذن من المودع، وردها بالحالة التي تكون عليها وقت إستلامها.
ننطلق من هذه المقدمة لنطرح السؤال الآتي: هل أن أحكام هذه القاعدة القانونية تطبق فعلياً وتحترم من قبل السلطة المركزية؟ وهل التزمت هذه السلطة بالحفاظ على تلك الأمانة المعهودة؟
إن أبرز المشاكل التي يعاني منها الصندوق البلدي المستقل، تكمن في اقتطاع السلطة المركزية نسبة من إيراداته لتأمين نفقات عامة من الواجب أن تتحملها بنفسها؛ في كل مرسوم توزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل، يتم اقتطاع نسبة 5%(8) من عائداته لحساب الصندوق المستقل للدفاع المدني المفتوح في قيود مديرية الخزينة والدين العام، وذلك فور صدور مرسوم التوزيع، ويُصرف هذا المبلغ وفقاً للأصول المتبعة لدى المديرية العامة للدفاع المدني؛
نرى أن هذا الإقتطاع يطغى عليه البعد الإنساني المتمثل بمساعدة جهاز يتولى إنقاذ المواطنين من الحرائق ويتعرّض للخطر جراء ذلك، لكننا نعرف أن المديرية العامة للدفاع المدني تتبع وزارة الداخلية والبلديات التي تسأل وحدها عن تأمين مصادر الصندوق المستقل التابع له، دون البلديات التي تتأثر من هذا الإقتطاع بسبب إنخفاض حصتها من الصندوق البلدي، في الوقت الذي تكون فيه غايتها الأساسية تحقيق التنمية المحلية وتأمين المصلحة العامة؛ فهل يتفوق البعد الإنساني على البعد التنموي؟ ألا يُظهر هذا الإقتطاع إجحافاً بحق السلطات المحلية في الحصول على أموالها؟
بالإضافة إلى ذلك، تقتطع وزارة المالية أيضاً نسبة معينة من الرسم البلدي على المواد الملتهبة قبل توزيعه على البلديات(9)، يهدف إلى إنارة وتنظيف القرى التي ليس فيها بلديات والتي تفتقد إلى الخدمات اللازمة لإنعاشها ؛ نتصوّر أنه من حق كافة المناطق اللبنانية المساندة من قبل السلطة المركزية كي تؤمن حاجات سكانها الأساسية تطبيقاً لمبدأ الإنماء المناطقي المتوازن، غير أنه ليس من الطبيعي أن تنتعش قرى على حساب أخرى لأن اقتطاع نسبة من أموال البلديات من الصندوق البلدي لمصلحة مناطق تفتقد إلى وجودها، يحرمها من الحصول على حقها الموضوع أمانة لدى السلطة المركزية ويعيق بالتالي تحقيق الإنماء المتوازن. عطفاً على ما تقدم، تقتطع السلطة المركزية نسبة معينة من أموال الصندوق البلدي المستقل لصالح صناديق المدارس الرسمية كبديل عن إعفاء التلامذة من الرسوم المدرسية على أثر القانون رقم ٣٨٥(10) الذي أقرّ بتاريخ 2001/12/14، نظراً إلى الأوضاع الإقتصادية السيئة وتحسّساً بالظروف المعيشية الصعبة؛ نرى أن هذا الإقتطاع يهدف إلى تسليط الضوء على أهمية التعليم وإلى تأمين المساواة بين جميع التلامذة في الحصول على حقهم بالتعلم. ولكن من جهة أخرى، ليس من المفترض أن ننسى أهمية البلديات في المجال الثقافي والتعليمي؛ لذلك، فإنّ اقتطاع حصة من أموالها لحساب المدارس الرسمية يضعف من قدرتها المالية في بناء مدارس ومعاهد يستفيد منها أبناء البلدات والقرى.
بالإضافة إلى إقتطاع السلطة المركزية نسبة من إيرادات الصندوق البلدي المستقل لتسديد نفقات إدارية جمة، تعقد هذه السلطة أيضاً نفقات متعددة لتنفيذ أعمال لحساب جميع البلديات أو جزء منها، تحدد قيمتها بصورة مسبقة؛ لكننا نلاحظ أنه غالباً ما يطرأ على هذه النفقات مجموعة تعديلات تزيد من قيمتها وتضعف قدرة البلديات المالية. تتصرّف الحكومة بأموال الصندوق لتمويل مشاريع معينة تنفذها شركات خاصة بموجب عقود مع مجلس الإنماء والإعمار بما يعود على هذه الحكومة بالنفع المادي، على حساب مصلحة البلديات ودون تدخلها.
في الواقع، عندما تناولت المادة ٨٧ والمادة ۸۸ من قانون البلديات آلية الصندوق المستقل، اكتفت بالإشارة إلى وجود أصول معينة لتوزيع أمواله دون تناول مسألة التصرف بها، لذلك، نتصور أن السماح للسلطة المركزية بالتصرف بأموال الصندوق، بموجب المرسوم رقم ۱۹۱۷، يشكل إخلالاً بقانون البلديات لأن المشرع لو أراد ذلك فعلاً، لكان قد أشار صراحة إلى تنظيم عملية التصرف بالأموال قبل توزيعها ويُضعف مبدأ اللامركزية الإدارية ويستوجب التعديل بما يضمن حق السلطات المحلية في الحصول على كامل مستحقاتها.
يحدد المرسوم رقم ۱۹۱۷ الصادر بتاريخ 1979/4/6 ، تطبيقاً للمادة 88 من قانون البلديات أصول وقواعد توزيع أموال الصندوق البلدي المستقل، حيث توزّع هذه الأموال بنسبة ٧٥% على الأقل في البلديات و25% على الأكثر في إتحادات البلديات، ضمن مهلة أقصاها نهاية شهر أيلول من كل سنة على الوجه التالي:
في ما يتعلق بالحصة العائدة للبلديات، نرى أنها تُقسم إلى قسمين، ويُخصص القسم الأول لدعم موازناتها وقدره سبعون بالمئة، حيث توزّع هذه الحصة عليها وفقاً لما يلي:
– ستون بالمئة من ذلك المبلغ يوزع على كافة البلديات بشكل نسبي بحسب عدد سكان كل منها المقيدين في سجلات الأحوال الشخصية.
– أربعون بالمئة من المبلغ يوزع على جميع البلديات بشكل نسبي وفقاً للرسوم المباشرة التي حصّلتها فعليا خلال السنتين السابقتين.
تخصص القسم الثاني من الحصة العائدة للبلديات وقدره ثلاثون بالمئة، لمشاريع إنمائية تهدف إلى إنعاش المناطق النائية.
أما الحصة العائدة لاتحادات البلديات، فنلاحظ أنها تقسم أيضًا إلى قسمين. يتم توزيع القسم الأول وقدره خمس وعشرون بالمئة بشكل نسبي على مختلف الاتحادات على أساس عدد سكان كل منها المقيدين في سجلات الأحوال الشخصية، ويتم تخصيص القسم الثاني وقدره خمس وسبعون بالمئة من المبلغ الكلي لمشاريع تنموية ضمن نطاق الاتحادات.
والجدير بالذكر أن القسم الثاني من الحصة العائدة للبلديات واتحاداتها، أي تلك الهادفة إلى تحقيق التنمية، يتم توزيعها بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الداخلية والبلديات شرط أن تحدد فيه وجهة استعمال هذه الحصة؛ علماً بأن مشاريع التنمية المشار إليها في هذا المرسوم تحدد بتلك التي تعمل على إنماء البلدة أو القرية اجتماعياً واقتصادياً وبيئياً وسياحيا، على أن تراعى في تنفيذ تلك المشاريع أحكام قانون البلديات وقانون المحاسبة العمومية ومرسوم تحديد أصول المحاسبة في البلديات واتحادات البلديات غير الخاضعة لقانون المحاسبة العمومية.
يعاني الصندوق البلدي المستقل في مسألة توزيع أمواله من مشكلتين أساستين: عدم الإنتظام وعدم العدالة في التوزيع.
تعترض غالبية البلديات في لبنان على آلية توزيع أموال الصندوق البلدي التي لا توزع بانتظام قبل نهاية شهر أيلول من السنة التالية لسنة التحصيل، بل هناك فوضى تعم مسألة التوزيع؛ تقوم بعض السلطات المحلية بتخطيط مشاريع معينة منتظرة أموال الصندوق، غير أنها تصطدم بعائق عدم الحصول على حصتها في التاريخ المحدد، ما يؤدي إلى فشل تلك المشاريع المقررة وينعكس سلباً على الإنماء المحلي.
إن عدم الإنتظام في التوزيع يؤدي إلى إعداد الموازنة البلدية بصورة تقديرية، وقد يتفاجأ المجلس البلدي في ما بعد، مما رصد من مبالغ كبيرة لتنفيذ مشاريع ضخمة من المتوقع إمكانية تحقيقها، إذ تكون حصة البلدية من الصندوق بعيدة من التصور؛ بينما لو توزعت الأموال بصورة منتظمة على البلديات لكانت موازناتها دقيقة وكانت اقترحت مشاريع تتلاءم مع إمكانياتها المادية.
أما عدم العدالة في التوزيع، فتشهده من خلال توزيع أموال الصندوق البلدي بما لا يتلاءم مع حاجة كل بلدية حيث يتم التوزيع على أساس عدد السكان المقيدين في سجلات الأحوال الشخصية والإيرادات المحصلة فعلياً. إن هذا الأمر يستحق التوقف عنده: إن التوزيع بالاستناد إلى عدد السكان المقيدين في السجلات لا يأخذ بعين الإعتبار الأشخاص الذين نزحوا أو هاجروا، كما أن التوزيع بحسب الإيرادات المحصلة فعليًا يراعى مصلحة البلديات الكبيرة على حساب الصغيرة التي تحتاج أكثر من غيرها إلى الأموال المحولة إليها عبر الصندوق البلدي، ونضيف إلى أن عدم الاكتراث بالمساحة الجغرافية للبلديات وبموقعها القريب أو البعيد من المدن، يهمل جانباً مهماً من جوانب التنمية المتوازنة، نظراً إلى أن اتساع المساحة قد لا يترافق مع زيادة في عدد السكان، غير أنه يبقى مكلفاً لناحية التنمية (الطرق، الإنارة، الصرف الصحي)، كما أن المناطق البعيدة تخفّ مواردها وتزداد الحاجة إلى تنميتها بواسطة الدعم المالي اللازم لذلك.
ننتهي إلى القول إن معاناة البلديات على المستوى المالي لم ينقذها نظام الدعم الحكومي المتمثل بالصندوق البلدي المستقل، بل أضعفها أحياناً؛ لذلك، أصبحت الحاجة ماسة إلى اقتراح حلول من أجل معالجة الدور المتقطع للصندوق، لأن المال يصنع المعجزات، وما زلنا بانتظار هذه المعجزات على الصعيد البلدي.
نعرض من هذه الحلول ما يلي:
من جهة، توزيع أموال الصندوق البلدي إستناداً إلى عدد السكان المقيمين فعلياً في البلدة أو القرية، لأن هذا المعيار هو الأساس لقياس نسبة حاجات كل منطقة.
من جهة أخرى، إلحاق الصندوق البلدي المستقل بوزارة الداخلية والبلديات عوضاً عن وزارة المالية، باعتبارها سلطة الوصاية الأساسية على البلديات وهي أحق من غيرها في إدارة أموالها، لعلنا عبر هذا الإقتراح نتوصل إلى توزيع منتظم وعادل لعائدات الصندوق.
أخيراً، تشجيع البلديات على إنشاء مطامر لمعالجة النفايات لأن هذه الخطوة تزيد حصتها من أموال الصندوق البلدي، إستناداً إلى القرار الوزاري السابق الذي منح كل بلدية تملك مطمراً صحياً(11)، الحق بمضاعفة حصتها من الصندوق؛ وخير دليل على ذلك بلدية زحلة التي تضاعفت إيراداتها من الصندوق من ثلاثة مليارات إلى ستة مليارات ليرة بعد إنشاء المطمر الصحي في نطاقها.
المصادر والمراجع:
1 – سيمون معوض، “موارد وعائدات البلديات: اصلاحها وتفعيلها”، مجلة الحياة النيابية، المجلد التاسع والثمانون، ك1 2013، ص 235.
2- المادة الأولى من المرسوم 1917 تاريخ 1979/4/6 ، “تحديد اصول وقواعد توزيع اموال الصندوق البلدي المستقل”، جريدة رسمية عدد 17، تاريخ النشر 26/4/1979، ص 436 – 439.
3- ايلي المعلوف، “الصندوق البلدي المستقل – معالجة مالية للامركزية الادارية”، منشورات زين الحقوقية، الطبعة الأولى، 2007، ص 37.
4- قانون رقم 60 تاريخ 1988/8/12، “الرسوم والعلاوات البلدية”، جريدة رسمية عدد 33، تاريخ النشر 1988/8/18، ص 8 – 39.
5- رأي استشاري صادر عن ديوان المحاسبة رقم 24، تاريخ 2008/4/7، “بلدية طرابلس”، التقرير السنوي عن الأعوام 2006 – 2007 – 2008، منشورات صادر – بيروت، ص 190.
الموضوع: امكانية اطلاع بلدية طرابلس على التفاصيل العائدة لكيفية التوصل إلى المبالغ المحولة من قبل الادارات إلى صندوق البلدية.
6- المادة 87 من الفصل الثاني من المرسوم الاشتراعي رقم 118 تاريخ 1977/6/30 وتعديلاته، جريدة رسمية عدد 20، تاريخ النشر 1977/7/7، ص 19 – 41.
7- المواد 690 – 695 من الفصل الأول من الباب الأول للقانون رقم 5 تاريخ 1932/3/9 ، “قانون الموجبات والعقود”، جريدة رسمية عدد 2642، تاريخ النشر 1932/4/11، ص 2 – 104.
8- المادة 2 من المرسوم رقم 6941 تاريخ 2020/9/9 ، “توزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل عن عام 2018″، جريدة رسمية عدد 42، تاريخ النشر 2020/10/29 ، ص 1785 – 1829.
9- المادة 1 من المرسوم رقم 11462 تاريخ 1997/12/5 ، “توزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل” (الرسوم المشتركة والمواد الملتهبة عن العام 1996)، جريدة رسمية عدد 57 تاريخ النشر 1997/12/18، ص 4114 – 4130.
10- قانون رقم 460 تاريخ 2002/8/29 ، المتعلق بتعديل المادة الخامسة من القانون رقم 385 المتعلق باعفاء تلامذة المدارس الرسمية في التعليم العام والتعليم المهني ما قبل الجامعي للعام 2001 – 2002 من الرسوم المدرسية ومن مساهمات الأهالي في صناديق المدارس الرسمية، جريدة رسمية عدد 49، تاريخ النشر 2002/8/31 ، ص 5803 – 5804.
11- المادة الأولى من المرسوم رقم 1117 تاريخ 2008/3/18 المتعلق بتعديل المرسوم رقم 1917 تاريخ 1979/4/6، المتعلق بتوزيع اموال الصندوق البلدي المستقل، جريدة رسمية عدد 13، تاريخ النشر 2008/3/27 ، ص 1622 – 1624.
“محكمة” – الأربعاء في 2025/3/12