علم وخبر

تحديات تواجه الشباب في سوق العمل في لبنان: من التعليم إلى التوظيف/زينب حمزة

زينب حمزة:
يمرّ الشباب اليوم، في مختلف أنحاء العالم، وبشكل خاص في الدول العربية، بسلسلة من التحديات المتشابكة التي تعيق انتقالهم من مقاعد الدراسة إلى ميادين العمل. في وقت يُفترض فيه أن يكون الشباب أساس الاقتصاد ومحرك التنمية. فالأغلبية تعاني الكثير من البطالة أو من أعمال لا تتناسب مع مؤهلاتهم وطموحاتهم.
ويشكل الشباب في لبنان النسبة الأكبر من السكان، ما يجعلهم عنصرًا أساسيًا في بناء مستقبل البلاد. هؤلاء الشباب يواجهون صعوبات متزايدة في الانتقال من التعليم إلى التوظيف، في ظل أزمة اقتصادية خانقة، ونظام تعليمي غير متجدد، وسوق عمل محدود.

زينب حمزة

1. الفجوة بين التعليم وسوق العمل
إن أولى التحديات التي يواجهها الشباب تكمن في الفجوة الكبيرة بين النظام التعليمي ومتطلبات سوق العمل. فالكثير من المناهج الدراسية لا تزال تقليدية، ولا تركّز على المهارات العملية أو التفكير النقدي والإبداعي، مما يؤدي إلى تخريج أعداد كبيرة من الشباب بمؤهلات يصعب توظيفها في الأسواق المعاصرة والتي تتطلب كفاءات تقنية، وقدرات تواصل، ومهارات في التحليل وحل المشكلات.
يُضاف إلى ذلك، أنّه لا يتم إشراك القطاع الخاص بشكل فعال في تصميم البرامج التعليمية، مما يزيد من التباعد بين ما يتعلمه الطالب وما يحتاجه السوق فعلًا. والنتيجة: خريجون كثر، لكن وظائف أقل، أو غير مناسبة.
فمثلًا، يتخرج الآلاف من طلاب إدارة الأعمال والحقوق والعلوم السياسية سنويًا، في وقت لا يتطلب فيه السوق هذا الكم من الخريجين في هذه التخصصات. وفي المقابل، يعاني السوق من نقص في الكفاءات التقنية والمهنية، مثل تكنولوجيا المعلومات، والطاقة المتجددة، والمجالات المرتبطة بالاقتصاد الرقمي.
2. الانهيار الاقتصادي وسوق العمل المتقلص
منذ العام 2019، يعاني لبنان انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، أدى إلى إغلاق آلاف المؤسسات، وتسريح أعداد كبيرة من الموظفين، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين. وكنتيجة مباشرة، بات الحصول على وظيفة شبه مستحيل، خاصة في صفوف الشباب حديثي التخرج، الذين لا يملكون خبرة عملية أو علاقات داخل السوق.
كثير من هؤلاء يُجبرون على القبول بوظائف مؤقتة، أو أعمال غير رسمية لا توفر لهم أي حماية اجتماعية أو صحية. فالبعض يضطر إلى القبول لأعمال لا تضيف له قيمة حقيقية، أو لا يتناسب مع مستواه العلمي، أو حتى لا يؤمن له دخلًا مستقرًا أو حماية اجتماعية. كما بات العمل خارج الاختصاص ظاهرة شائعة، حيث نجد خريجي هندسة أو علوم يعملون في وظائف لا تمت بصلة لتخصصاتهم، وإنّما فقط، لتأمين الحد الأدنى من الدخل.
من التحديات الصامتة التي يواجهها الشباب في سوق العمل أيضًا، وهنا يبدأ مسار “المحسوبيات” و”الواسطة” التي قد تتفوق على الكفاءة في كثير من الحالات، التمييز السياسي والطائفي في التوظيف، لا سيما في بعض الدول ذات الأنظمة الإدارية غير الشفافة. الامر الذي يستثني الكثير من الكفاءات الشابة امام من هو أقلّ جدارة.
ورغم أن الهجرة قد تكون حلاً فرديًا للبعض، فقد أصبحت حلمًا وضرورة لدى نسبة كبيرة من الشباب اللبناني في ظلّ هذه الظروف القاسية. فقد شهد لبنان موجة كبيرة من “نزف الأدمغة” بعد 2019، حيث غادر عشرات الآلاف من الخريجين وأصحاب الكفاءات إلى دول الخليج، أوروبا، وكندا بحثًا عن فرص أفضل، إلا أنها تمثل خسارة وطنية على المدى الطويل، لأنها تحرم البلاد من طاقات شبابية كان يمكن أن تسهم في إعادة بنائها.
يمثل الشباب في لبنان طاقة كامنة لا يمكن تجاهلها. فهم لا يفتقرون إلى الطموح ولا إلى القدرات، هم الأساس في بناء مستقبل مستقر واقتصاد مزدهر. لكنهم بحاجة إلى بيئة اقتصادية وسياسية تتيح لهم فرصًا حقيقية. لكن هذه الطاقة قد تتحول إلى عبء إذا لم تتم معالجتها بشكل جدي ومنهجي عبر الاستثمار في الشباب يضمن استقرار المجتمع وتقدمه من خلال تعليم عصري، وسوق عمل منصف، ودعم القطاعات الإنتاجية، وتشجيع المبادرات الشبابية، وتطبيق معايير الشفافية والعدالة في التوظيف. كلها مفاتيح أساسية إذا أراد لبنان الخروج من أزمته وبناء مستقبل يليق بشبابه.
“محكمة” – الاثنين في 2025/5/5

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!