تحويل الجنس أم تصحيحه؟
بقلم الدكتورة هانيا محمد علي فقيه (١):
تُعد ظاهرة تحويل الجنس (٢) إحدى الظواهر التي أفرزها التقدّم العلمي في مجال الطبّ، وهي ظاهرة حديثة نسبياً(٣)، فالنظام القانوني اللبناني يفتقر إلى نصوص خاصة تتعلّق بظاهرة تحويل الجـنس، ولكنّ هذه المسألة تفرض نفسها في الواقع، بعد أن أصبحت عمليات تحويل الجنس من المسائل العادية التي تعرّض لها الطبّ والقانون والقضاء على حدٍّ سواء، إذ منذ أواخر الثمانينات من القرن العشرين (٤) بدأت تُطرح هذه المسألة أمام القضاء اللبناني. إزاء هذا الواقع كان التساؤل عن مدى ارتقاء هذا الواقع العملي إلى قانون؟ وهل أنّ المبدأ هو الإباحة أم العكس وتحريم التكريس القانوني لأيّ تحوّل جنسي مهما كان نوعه ومصدره وسببه؟.
إنّ موضوع تحويل الجنس، وعلى الرغم من استغرابه في مجتمعنا الشرقي والديني(٥)، إلاّ أنّ رفضه دون أيّ بحث علمي طبّي دقيق، قد يكون فيه ظلم لطالب تصحيح جنسه، فلا يجوز معاملة جميع المتحوّلين جنسياً على أنّهم منحرفين أو شاذين جنسياً، لأنّ عملية تصحيح الجنس هي ممكنة، عندما يكون هناك مرض عضوي أو نفسي، كما هو الحال في مرض اضطراب الهويّة الجنسية، أو الخنوثة، وينشأ عن هذه الحالة إضطراب في شخصية المريض يتعدّى كونه مجرّد اضطراب نفسي، فهناك تشوّه خلقي يؤثّر على الشخصية، الأمرالذي يتطلّب تدخّلاً جراحياً لتصحيح الجنس الغالب على الآخر، وذلك عبر اللجوء الى العمل الطبّي العلاجي بكافة أنواعه (النفسي أو الهرموني أو الجراحي) لإبراز الجنس الغالب لدى المريض وتخليصه من معاناته، بخلاف ما هو الحال عليه في عمليات التحوّل الجنسي، فليس هناك أيّ خلل خلقي، بل إنّ المسألة لا تتعدّى كونها إلاّ حالة سلوكية أو نفسية تعتري الفرد لأسباب مختلفة، سواء كانت بيئية أو تربوية أو شهوانية وما إلى ذلك، وهذه الحالات ليست بحاجة إلى تصحيح جنس أو هويّة، لكنّها بحاجة إلى علاج نفسي وغسيل فكر من تلوّث لصق بها، ويسمّى تغيير الجنس في هذه الحالة (تحوّل جنسي) لأنّه ناتج فقط عن رغبة ذاتية، ولا تستند إلى مسوّغات شرعية وفق الضوابط الطبّية.
لهذا يجب التفريق جيّداً بين الحالتين، ليس من باب التشجيع على عمليات التحوّل الجنسي، إنّما على العكس من ذلك، لأنّه يجب علينا أن نفحص وندافع عن حالات إنسانية مرضية بحاجة إلى علاج نفسي وطبّي بمختلف طرقه، لأنّ المجتمع يرفض مثل هذه الحالات لجهله وقلّة وعيه بأنّ مسألة تصحيح الجنس تختلف تماماً عن مسألة تغيير الجنس، واعتباره أنّ جميع الحالات التي تتعلّق بتغيير الجنس تصبّ في خانة الشذوذ الجنسي. وتلعب الخبرة الطبّية الدور الأبرز في مجال تحديد مدى اضطراب الهويّة الجنسية لطالب التصحيح من عدمها، لأنّها صاحبة الإختصاص في هذه المواضيع بإعتبارها تتناول أموراً محض طبّية تخرج عن اختصاص المحاكم، ومن ثمّ ترتيب كافة النتائج القانونية المترتّبة على الجنس الذي تمّ التحوّل إليه.
وهنا يجب التركيز على مسألة مهمّة، وهي وجوب تشريع قانون ينظّم إجراءات تغيير الجنس، بحيث قبل اتخاذ المريض قراره بالتحوّل، ووضع المحاكم أمام الأمر الواقع، يجب أن يخضع لمجموعة من الفحوص النفسية والعضوية أمام لجنة مختصة بالنظر بتصحيح الجنس معيّنة من قبل نقابة الأطباء، هذه اللجنة مهمّتها التثبّت من الحالة المرضية لطالبي التحوّل الجنسي من عدمها، ورفض الترخيص لإجراء عمليات جراحية للحالات الشاذة، بالإضافة إلى التركيز على ضرورة خضوع المريض أوّلاً إلى العلاج النفسي حتّى يستقرّ شعوره النفسي مع تركيبته الجينية.
إلاّ أنّه بالمقابل، يجب معاقبة كلّ من يخالف هذه الإجراءات، ويقوم بتغيير جنسه دون الإستحصال على موافقة النقابة، فلا يجب المساعدة على السلوكيات الشاذة، لأنّ الهدف من هذه العمليات يجب أن يبقى ضمن النطاق الحصري للعمل الطبّي العلاجي.
في الختام، كتب الدكتور نقولا أسود(٦) في مجال التعامل على جسم الإنسان، عبارات تلخّص الفكرة الأساسية الكامنة وراء هذه الدراسة: «أنّ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان كما خلقه وأحسن خلقه، فلا يجوز تشويه الإنسان دون مبرّر صحّي!».
(١)- أستاذة محاضرة في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، الفرع الخامس، وأستاذة متعاقدة في مركز الأبحاث والدراسات القانونية، الجامعة اللبنانية.
(٢)- الجنس هو تكييف معين يميز الذكر عن الأنثى، والرجل عن المرآة، عن طريق تحديد دور محدد لكل منهم في الأجيال، طفل ذكر او انثى. هذا التعريف مأخوذ من :
Le Robert, Dictionnaire de la langue Française, Micro, Voir : Sexe.
(٣)- إن جذور مسألة تغيير الجنس ضاربة منذ القدم، حيث يعتقد بعضهم أن تغييـر الجـنس يـستمد أصوله من علم الأساطير، حيث تكرس الأساطير في الآن ذاته عملية العبور من جنس إلـى آخر، والخنوثة أو ثنائية الجنس البدائية . وتظهر الأساطير اليونانية شخصيات بارزة في هذا المجال . وفي الهند يعد بوذا، في الآن ذاته، رجلاً وامرأة؛ فواز صالح، جراحة الخنوثة وتغيير الجنس في القانون السوري، قسم القانون الخاص، مجلة جامعة دمشق، العدد الثاني، 2003، ص: 50.
(٤)- قرار صادر عن القاضي المنفرد في بيروت الناظر في قضايا الأحوال الشخصية، رقم 3، تاريخ 1/7/1987 ، منشور في مجلة الشرق الأدنى، دراسات في القانون، أحوال شخصية، العددان 52 و 53، سنة 1999 -2000، ص: 31.
(٥)- بالمقابل وفي تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في شهر ايلول من العالم 2015، اعتبرت فيه ان حقوق الإنسان عالمية، ولا يمكن التذرع بالممارسات والمعتقدات الثقافية والدينية والمواقف الإجتماعية لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان ضد أي جماعة، بما في ذلك المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي، ومغايري النوع الإجتماعي وثنائي الجنس. للإطلاع على التقرير المذكور يرجى زيارة الرابط التالي:
http://www.who.int/hiv/pub/msm/un-statement-lgbti/ar/
الدخول الى الموقع كان بتاريخ 11/11/201
(٦)- نقولا أسود، القانون المدني، المدخل والأموال، دون ناشر، بيروت 1985-1986، ص: 537.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 20 – آب 2017).