توطين السوريين في لبنان.. البدء بـ”جهاز العروس”!
كتب علي الموسوي:
في وقت يسعى فيه “بعض” لبنان إلى لجم المحاولات الدولية الصريحة والواضحة لتوطين النازحين السوريين على الأراضي اللبنانية وتجنيسهم خلافاً للدستور، علمت “محكمة” أنّه بعد “بونات” الإعاشة الشهرية المستمرّة بتفاوت قيمتها المادية، جرى توزيع أثاث منزلي كامل على عدد لا بأس به من النازحين السوريين القاطنين في عدد من المناطق بينها بيروت وضواحيها، تضمّن أثاثاً ومفروشات وأدوات كهربائية وكأنّه “جهاز عروس”، فهل هذا الأمر تمهيد لتثبيتهم نهائياً في أماكنهم وترسيخهم كمقدّمة للتوطين الزاحف ببطء ممنهج؟!.
لقد ازداد الحديث السياسي الدولي عن توطين النازحين السوريين الهاربين من جحيم الحرب المشتعلة في بلدهم منذ آذار العام 2011، على الأراضي اللبنانية غير القادرة أساساً على استيعاب أبنائها وتأمين حياة كريمة تليق بهم، في ظلّ بطالة متفشّية، ووضع اقتصادي مرير لا يُحتمل، وتراكم ملفّات الفساد الإداري والمعيشي والصحّي على نطاق واسع من دون معالجة واقعية “مؤقّتة”، بدلاً من الحلول الجذرية البعيدة المنال.
ويضغط المجتمع الدولي في اتجاه توطين السوريين في لبنان وتجنيسهم، عبر إغداق الكثير من الإغراءات المالية على الدولة اللبنانية، من أجل التخفيف قدر المستطاع، من هجرتهم القسرية غير الشرعية إلى الدول الأوروبية تحديداً، وما تحمله من هواجس ومخاوف لا تنفكّ تساور اللبنانيين أيضاً، إذ إنّهم يخشون من أن يؤدّي توطين السوريين إلى تغيير ديموغرافي شبه محسوم في وطنهم الصغير والمتعدّد الطوائف والمذاهب، وتقسيم سوريا بوّابة لبنان البرّيّة الوحيدة على العالم، إلى دول عدّة.
ولعلّ أبرز مثال على المسعى الدولي الضاغط، ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في تقريره الصادر في 21 نيسان 2016 ، إنّ “اللاجئين يحتاجون إلى التمتّع بوضع يسمح لهم بإعادة بناء حياتهم والتخطيط لمستقبلهم، وينبغي أن تمنح الدول المضيفة اللاجئين وضعاً قانونياً، وأن تدرس أين ومتى وكيف، تتيح لهم الفرصة ليصبحوا مواطنين بالتجنّس”. ومن المقرّر أن تبحث الجمعية العامة للأمم المتحدة كلام بان كي مون خلال اجتماعها في شهر أيلول 2016.
ولا يحتاج كلام بان كي مون إلى عناء تفسير، فهو دعوة صريحة إلى توطين السوريين وتجنيسهم من خلال القول “منح اللاجئين وضعاً قانونياً… وأن يصبحوا مواطنين بالتجنّس”. ولكنْ ألم يسأل الأمين العام للأمم المتحدة نفسه أنّ عودة السوريين إلى قراهم ومناطقهم الآمنة هو الأجدى والأسلم لهم؟، ولماذا لا “يضغط” مع الدول النافذة لإحلال السلام في سوريا، بدلاً من الإمعان في تدميرها وتهجير أهاليها؟، وإذا كانت الدول الصناعية الكبرى والمتقدّمة على كلّ المستويات الحياتية، غير قادرة على استيعاب هؤلاء النازحين وتجنيسهم، فأنّى للبنان أن يحتمل وضعاً كهذا لا يعني سوى جرّه إلى الخراب سياسياً واجتماعياً واقتصادياً؟، وأليس كلام الأمم المتحدة معادياً للإنسانية، لأنّه يحمل في طيّاته وبطريقة مواربة، تمييزاً بين البشر من خلال الإصرار على تجنيس السوريين في”الدول المضيفة”، وفي مقدّمتها لبنان، بينما وجودهم في بعض الدول الأوروبية غير مرغوب فيه باعتبار أنّ هذه الدول طامحة إلى تجنيس صنف آخر من البشر؟!.
ورفع مجلس نقابة المحامين في بيروت الصوت عالياً تنديداً بالمسعى الدولي، وقال بعد اجتماعه برئاسة النقيب أنطونيو الهاشم “إنّ لبنان أدّى واجبه الإنساني والأخوي تجاه النازحين باستضافتهم وتوفير الأمن وأسباب الحياة لهم، وهو يرفض أيّ دروس من أيّ جهة كانت، بشأن احترام حقوق الإنسان وحقوق النازحين”.
ودعا المجلس “الحكومة اللبنانية مدعومة بالإجماع اللبناني وبحكم الدستور الذي يمنع أيّ توطين، إلى التصدّي لأيّ مخطّط مشبوه لتجنيس السوريين النازحين، إذ لا يوجد أيّ التباس أو تضارب بين الإحتضان الإنساني للنازحين من جهة، والدفاع عن سيادة لبنان وحمايته أرضاً وشعباً من جهة ثانية”.
وإذ رأى “أنّ الحلّ الأكثر عدالة ومنطقاً لأزمة النازحين السوريين هو تأمين عودتهم إلى المناطق الآمنة في سوريا”، أكّد أنّ “ارتفاع عدد النازحين السوريين واللاجئين الفلسطنيين إلى لبنان لحدود المليوني نسمة ونيف، يعني أنّ نسبتهم تعادل نصف عدد اللبنانيين، وهذا أمر مرهق للبنان ولا مثيل له في أيّ بلد من بلدان العالم عبر التاريخ. وعليه فإنّ الحكومة اللبنانية مدعوة بمساعدة المجتمع الدولي لتحديد الإجراءات الميدانية لتأمين عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، إحتراماً لحقوقهم الوطنية والإنسانية وحماية لبنان”.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 8 – حزيران 2016).