ثغرات في مرسوم نجم تعيين أعضاء في مجلس القضاء/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
إنتهت ولاية مجلس القضاء الأعلى عند الساعة الثانية عشرة من منتصف ليل الجمعة- السبت الواقع فيه 28 -29 أيّار 2021، من دون أن تحمل إشراقة شمس الصباح ولادة مجلس جديد بعدما ضلّ مرسوم وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم طريقه المستقيم وإنْ وصل إلى السراي الحكومية ليوقّعه رئيس مجلس الوزراء حسّان دياب، وذلك لما يحمل في طيّاته من ثغرات قانونية وتجاوز لكثير من الأعراف المتبعة و”التقليد” القضائي المعمول به لناحية كيفية اختيار الأعضاء غير الحكميين.
صحيح أنّ الرئيس دياب يمتنع عن توقيع الكثير من المراسيم إلتزامًا منه بمفهوم تصريف الأعمال الحكومية بمعناه الضيّق، وبالتالي فإنّ المرسوم المرسل من نجم إليه لتعيين القضاة الأربعة رئيسة محكمة استئناف الجنح في بيروت رلى الحسيني، ورئيسة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل جويل فوّاز، ورئيسة محكمة الدرجة الأولى في بيروت دانيا الدحداح، ورئيس محكمة استئناف الشمال سامر يونس، أعضاء في مجلس القضاء الأعلى لن يبصر النور ما لم تتشكّل حكومة جديدة، ومع ذلك فإنّ هذا المرسوم يحتاج إلى تعديل طفيف أو جذري حسب نظرة الشخص إليه سواء أكان سياسيًا أم قاضيًا أم مواطنًا عاديًا، وذلك لما يتضمّنه من شوائب لا يمكن أن تمرّ من دون الإضاءة عليها على الشكل التالي:
رئيس البداية أعلى من رئيس الإستناف
أوّلًا: لم يسبق للقضاء اللبناني طوال تاريخه أن ضمّ مجلسُه الأعلى رئيسًا لمحاكم البداية والأقسام المنفردة أعلى درجة وأكبر سنًّا وأقدم عهدًا من رئيس لمحكمة الاستئناف يكون جالسًا إلى جانبه في اجتماعات المجلس كممثّل عن محاكم الاستئناف التي هي أعلى درجة من محاكم البداية.
ولم يسبق أيضًا أن كان رئيس محاكم البداية أعلى درجة من رئيس إحدى وحدات وزارة العدل وهي هنا في مرسوم نجم هيئة التشريع والإستشارات.
وبمعنى أوضح وأدقّ، فإنّ القاضي دانيا الدحداح أعلى في الدرجة من زميليها القاضي جويل فوّاز التي ترأس هيئة التشريع والإستشارات، والقاضي سامر يونس الذي يرأس محكمة أعلى درجة من المحكمة التي ترأسها الدحداح، ولم يسبق للقضاء اللبناني أن شهد مثل هذا الأمر، لا بل ثابر كلّ وزراء العدل السابقين باختلاف توجّهاتهم وميولهم وارتباطاتهم السياسية وانتماءاتهم الحزبية والإستقلالية على مبدأ عام في تركيبة مجلس القضاء الأعلى بحيث يكون رئيسُ محكمة البداية الأصغرَ سنًّا بين سائر الأعضاء، والأجددَ دخولًا إلى القضاء العدلي والأقلّ درجة في التراتبية القضائية.
وليس من المنطقي أن يجلس قاض في درجة متقدّمة بعد زميله الذي يتأخّر عليه نحو درجتين أو أربع درجات، بداعي أنّ هذا الأخير يعلوه في المركز القضائي. ولا شكّ أنّ هذا التفاوت يؤشّر على فقدان المعايير الثابتة عند إعداد مشروع تشكيلات قضائية لجهة ضرورة الأخذ بعين الإعتبار مسائل الدرجة والأقدمية والكفاءة.
بكلّ شفافية
وبلغة الأرقام وهي بيت القصيد، فإنّ القاضية دانيا الدحداح المولودة في 30 أيلول 1963، دخلت إلى معهد الدروس القضائية في 7 تموز 1992 وأصبحت قاضيًا أصيلًا في 18 أيلول 1995، وهي حاليًا في الدرجة 18 ونصف الدرجة تقريبًا وتصبح في الدرجة 19 في 18 أيلول 2021، بينما القاضي سامر يونس المولود في 18 تشرين الأوّل 1974 دخل إلى معهد الدروس القضائية في 8 شباط 1999 وتخرّج فيه قاضيًا أصيلًا في 17 تموز 2002 وهو في الدرجة 15 ويصبح في الدرجة 16 في 17 تموز 2022.
أمّا القاضي جويل فوّاز المولودة في 8 كانون الأوّل 1970 فدخلت إلى معهد الدروس القضائية في 4 نيسان 1996 وصارت قاضيًا أصيلًا في 16 آذار 1999، وهي حاليًا في الدرجة 17.
وهذه الصورة تعني أنّ رئيسة محكمة البداية الدحداح أعلى درجة وأقدم عهدًا في القضاء العدلي من رئيسة هيئة التشريع والإستشارات فوّاز، ورئيس محكمة الاستئناف يونس الذي يعلوها في المركز، فكيف يجلس هؤلاء الثلاثة إلى طاولة اجتماعات مجلس القضاء الأعلى في حال سار مرسوم التعيين وهو مرسوم عادي، بشكل طبيعي وحظي بتوقيع دياب وإنْ كان توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مضمونًا لنيله حصّة وازنة فيه؟
وما هو المعيار الذي يمكن اعتماده في ترتيب الجلوس في اجتماعات مجلس القضاء ولقاءات المرجعيات السياسية الرسمية، الدرجة أم المركز؟ فالبنسبة للقاضيين المنتخبين من محاكم التمييز فإنّهما يتقدّمان زميلهما الثالث المعيّن من وزير العدل حتّى ولو كان أعلى درجة منهما كون الإنتخاب أكثر تمثيلًا من التعيين.
ولا شكّ أنّ هناك خيارات بديلة لهذه الأزمة التي لم تكن وزيرة العدل نجم بحاجة إلى إدخال نفسها فيها ومعها تأخير ولادة مجلس القضاء، في ظلّ وجود قضاة من كلّ الطوائف مؤهّلين لأن يكونوا أعضاء في مجلس القضاء، من دون التشكيك بمؤهّلات القضاة الثلاثة الدحداح وفوّاز ويونس وجدارتهم وحقّهم في أن يكونوا أعضاء في مجلس القضاء الأعلى ولكن ليس في أن يكونوا مع بعضهم بعضًا في مجلس واحد وذلك بسبب “الشكل البروتوكولي” الذي تحدّثنا عنه.
أمانة السرّ
ثانيًا: لم يسبق لمجلس القضاء الأعلى أن تولّى أمانة السرّ فيه رئيس لمحكمة الإستئناف فيما رئيس محكمة الدرجة الأولى يتربّع على الكرسي إلى جانبه يتفرّج عليه ويتأمّل ما تخطّه يداه ما يتخذه مجلس القضاء من مقرّرات وتوصيات.
وقد منحت وزيرة العدل في مرسومها الذي اطلعت “محكمة” على مضمونه، القاضي سامر يونس مركز أمانة السرّ كونه الأصغر سنًّا ولكنّه في هذه الحالة أعلى مركزًا من زميلته الدحداح، وقد درجت العادة أن يكون أصغر الأعضاء سنًّا والذي يكون عادة ممثّلًا لمحاكم البداية والقضاة المنفردين أمينًا لسرّ مجلس القضاء الأعلى.
وهكذا كان في السنوات العشرين الأخيرة على أقلّ تقدير، متولّيًا أمانة السرّ، رؤساء محاكم البداية وذلك حسب التسلسل الزمني التالي:
• القاضي جورج عوّاد (أكمل ولايته جون القزي) في مجلس 2002-2005 الذي ضمّ في مراحل متعدّدة القضاة: نصري لحود(خلفه طانيوس الخوري فأنطوان خير)، عدنان عضوم(خلفه سعيد ميرزا)، طارق زيادة(خلفه محمّد علي عويضة)، عفيف شمس الدين، غسّان أبو علوان، بشارة متى، مهيب معماري، سامي منصور، ومروان كركبي.
• القاضي فريال دلول في مجلس 2006- 2009 الذي جمع في فترات زمنية مختلفة كلًّا من القضاة: أنطوان خير(خلفه غالب غانم)، سعيد ميرزا، محمّد علي عويضة، سهيل عبد الصمد (خلفه أمين بو نصّار)، رالف رياشي، نعمة لحود، سعد جبور(أكمل ولايته ميشال طرزي)،عبد اللطيف الحسيني، وشكري صادر.
• القاضي محمّد وسام المرتضى في مجلس 2009-2012 الذي ضمّ القضاة: غالب غانم، سعيد ميرزا، أكرم بعاصيري، إلياس بو ناصيف، سامي منصور، نديم عبد الملك (خلفه غسّان رباح)، مروان كركبي، ميشال طرزي، وجان فهد.
• القاضي ميرنا بيضا في مجلس 2012-2015 الذي تألّف من القضاة: جان فهد، سعيد ميرزا(خلفه حاتم ماضي ثمّ سمير حمود)، أكرم بعاصيري، جوزف سماحة، أنطوان ضاهر(خلفه أنطوني عيسى الخوري)، سهير الحركة، ماري دنيز المعوشي، رضا رعد، وأسامة اللحّام.
• القاضي محمّد وسام المرتضى مرّة ثانية في مجلس 2015-2018 الذي تشكّل من القضاة: جان فهد، سمير حمود، أكرم بعاصيري(خلفه بركان سعد)، حبيب حدثي(خلفه جان عيد)، غسّان فوّاز، ميشال طرزي، مروان كركبي(أكملت ولايته هيلانة اسكندر)، طنوس مشلب، وعفيف الحكيم.
• القاضي إليان صابر في مجلس 2018-2021 الذي ضمّ القضاة: جان فهد(خلفه سهيل عبود)، سمير حمود(خلفه غسّان عويدات)، بركان سعد، كلود كرم، سهير الحركة، روكز رزق، هيلانة اسكندر، ماهر شعيتو، ومنذر ذبيان.
صحيح أنّ قانون القضاء العدلي لا ينصّ صراحة على درجة ومركز من تناط به مسؤولية أمانة السرّ في ثغرة واضحة في القانون تحتاج إلى تعديل، ولكن كان يجري تغطيتها بالعرف المتبع بإسناد أمانة السرّ ضمن مرسوم تعيين الأعضاء الخمسة إلى أصغر الأعضاء سنًّا وهو يكون رئيسًا لمحكمة البداية وممثّلًا لها وللقضاة المنفردين الذين يشكّلون أكثر من ربع عديد القضاء العدلي.
جبل لبنان خارج التمثيل
ثالثًا: إنّ مرسوم الوزيرة نجم بتشكيلته الرباعية الحسيني وفوّاز والدحداح ويونس يكون قد أعطى حقّ التمثيل في مجلس القضاء الأعلى لقصري العدل في بيروت وطرابلس ووزارة العدل حصرًا دون بقيّة المحافظات الأربع: جبل لبنان، البقاع، الجنوب والنبطية، مع أنّ توسيع مروحة الخيارات يتيح إشراك هذه المحافظات التي قلّما تمثّل أغلبيتها في المجلس المذكور، فلماذا لا يصار إلى زيادة عدد أعضاء مجلس القضاء إلى إثني عشر قاضيًا مثلًا ويُفرضُ اختيار قاض من كلّ محافظة مع مراعاة التوزيع الطائفي والإلتزام به؟
وهذه هي المرّة الأولى منذ العام 2002 التي تُستبعد فيها محافظة جبل لبنان من التمثّل بقاض في مجلس القضاء بعدما تسيّدت التمثيل ستّ مرّات في ستّة مجالس قضاء متتالية.
ففي العام المذكور أيّ 2002(إعتمدنا هذه السنة لأنّ محاكم التمييز بدأت تنتخب إثنين من ممثّليها الثلاثة في مجلس القضاء)، إحتكرت مقاعدَ مجلس القضاء، كلّ من: بيروت(منصور وكركبي) وجبل لبنان(عوّاد فالقزّي) ووزارة العدل(متّى) بحسب الأسماء المذكورة أعلاه في الفقرة الثانية من هذا المقال.
وفي مجلس 2006-2009 أتيح تمثيل جبل لبنان(جبّور وطرزي) والنبطية(دلول) والشمال(الحسيني) ووزارة العدل(صادر) باعتبار أنّ قصر عدل بيروت ممثّل بمحاكم التمييز والرئيس الأوّل التمييزي والنائب العام التمييزي ورئيس هيئة التفتيش القضائي بحكم وجود مقرّاتهم ومكاتبهم فيه.
وفي مجلس 2009-2012 إقتصر التمثيل على محافظتي بيروت(فهد) وجبل لبنان(طرزي والمرتضى) ووزارة العدل(كركبي).
وفي مجلس 2012-2015 تمدّد التمثيل بعض الشيء ليشمل وزارة العدل(المعوشي)، والشمال(رعد)، والبقاع(اللحّام)، وجبل لبنان(بيضا).
وفي مجلس 2015-2018 جرى تمثيل وزارة العدل(كركبي فاسكندر)، وجبل لبنان(الحكيم والمرتضى)، وبيروت(مشلب).
وفي مجلس 2018-2021 حُصر التمثيل بوزارة العدل(إسكندر)، وبيروت(شعيتو)، وجبل لبنان(ذبيان وصابر).
ويتضح من هذه الخريطة أنّ الجنوب لم يتمثّل بأيّ قاض، وأنّ النبطية تمثّلت مرّة واحدة، والبقاع مرّة واحدة، والشمال مرّتين، وبيروت أربع مرّات، وجبل لبنان ستّ مرّات في ستّة مجالس متعاقبة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى وزارة العدل التي بلغت حصّتها هي أيضًا ستّ مرّات بفعل التناوب بين هيئة القضايا وهيئة التشريع والإستشارات.
الرئيس الأوّل
رابعًا: خلا مرسوم نجم من أيّ رئيس أوّل لمحاكم الإستئناف في أيّ محافظة في استعادة لما حصل في مجلسي 2002- 2005 و 2018-2021، بعدما وجب التمثيل مرارًا وتكرارًا مع الرئيس الأوّل الإستئنافي في الشمال الحسيني في مجلس 2006- 2009، والرئيس الأوّل الإستئنافي في بيروت فهد في مجلس 2009-2012، والرئيس الأوّل الإستئنافي في البقاع اللحّام والرئيس الأوّل الإستئنافي في الشمال رعد في مجلس 2012-2015، والرئيس الأوّل الإستئنافي في بيروت مشلب في مجلس 2015-2018.
ويعرف الجميع أنّ الرئيس الأوّل الإستئنافي في أيّ قصر عدل وأيّة محافظة هو “بمنزلة” وزير العدل وذلك لما يتمتّع به من صلاحيات إدارية وإشراف على تسيير العمل من دون أن تكون له أيّة سلطة على الملفّات وكيفية مقاربة القضاة لما هو معروض عليهم من دعاوى وقضايا.
أمام كلّ هذا التوثيق الخاص بـ“محكمة” وبناء على أرشيفها ومستنداتها ووثائقها، فأنّى لمرسوم الوزيرة نجم أن يرى النور؟ وأليس إعادة النظر فيه من أولى الواجبات ما دامت الغاية المرجوة عدم تعطيل حركة مجلس القضاء الأعلى؟
“محكمة” – السبت في 2021/5/29
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.