خاص”محكمة”:القاضي المنفرد ليس صالحاً لملاحقة المواقع الإلكترونية.. والإختصاص يعود لمحكمة المطبوعات/ علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
بعد التطوّر الحاصل في الإعلام وتوسّع طرائق إيصال المعلومة والخبر والمقال إلى الرأي العام عبر وسائط التواصل والشبكة العنكبوتية والمواقع الإلكترونية التي حلّت مكان المطبوعة الورقية سواء أكانت جريدة يومية أو مجلّة أسبوعية أو شهرية أو دورية، كان لا بدّ من التصدّي للثغرة القانونية الموجودة في قانون المطبوعات لجهة صدوره قبل الوثبة الإعلامية الجارية وحدوث الإنتشار الكثيف للمواقع المحكى عنها كبديل لا غنى عنه حتّى صارت ركيزة أساسية تعتمدها التلفزيونات والإذاعات والوكالات والصحف في تلقّي المعلومة، وهذا ما شجّع كلّ مواطن لأنْ يتحوّل إلى صحفي من تلقاء نفسه ومن دون دراسة أو خبرة، إذ يكفيه نقل الخبر بالصوت والصورة بواسطة هاتفه الذكي فوراً ليعمّ العالم كلّه وبلا هوادة.
وفي ظلّ عدم المواكبة التشريعية لما يحدث في الكون في أمور كثيرة منها الإعلام بطبيعة الحال، حلّت محكمة المطبوعات مكان المشرّع لسدّ الثغرة القانونية التي تمنع استغلال المواقع الإلكترونية لارتكاب جرائم المطبوعات كالذمّ والقدح والتشهير والتحقير ونشر الأخبار الكاذبة ووضع حدّ للفلتان وللإستباحة المتواصلة على بعض هذه المواقع، فأعلنت صلاحيتها في الملاحقة والتجريم والإدانة والبراءة وإبطال التعقبات بحسب حال الملفّات المعروضة عليها والمعطيات المتوافرة فيها.
وهذا ما فعلته محكمة المطبوعات في بيروت في عهد رئيسها روكس رزق بين العامين 2009 و2017، إذ أكّدت في غير قرار صادر عنها في فترات زمنية مختلفة، ومنها على سبيل المثال القرار رقم 250 الصادر في 31 تشرين الأوّل 2011، بأنّ الموقع الإلكتروني هو مطبوعة وتطبّق على ما ينشره الأحكام القانونية الواردة في متن قانون المطبوعات الصادر بتاريخ 1962/9/14 والمعدّل بالمرسوم الإشتراعي رقم 1977/104 وما طرأ عليه من تعديلات لاحقاً.
ولذلك، فإنّ اللجوء في مقاضاة أيّ موقع إلكتروني أو أيّ صحفي نشر نصّه في موقع إلكتروني إلى القاضي المنفرد الجزائي ليس صحيحاً من الوجهة القانونية، بل يجب التوجّه فوراً إلى محكمة المطبوعات لعدم تفويت وقت الملاحقة المحدّد بثلاثة شهور من تاريخ حصول النشر، وإلاّ فقد صاحب العلاقة الحقّ في المقاضاة، مع الإشارة هنا إلى أنّ التركيز والإهتمام يجب أن ينصبّا على نشر التوضيح أكثر من المقاضاة التي قد تستمرّ فترة زمنية لا بأس بها إنْ لم نقل طويلة، عدا عن أنّ النتيجة النهائية لا تكون على مقدار الأثر الذي تركه نشر النصّ المشكو منه، ويعيد نشر الحكم إنْ كان إيجابياً لمصلحة المدعي، إلى إعادة التذكير بما مرّ عليه الزمن في ذاكرة الناس والرأي العام خصوصاً في ظلّ تسارع الأحداث، ولكنّه يبقى من باب إثبات حقّ، وتصويب الأمور، وللتاريخ، ومنع أيّ تداول به في المستقبل.
وتأسيساً على ذلك، إعتبر القاضي المنفرد الجزائي في بيروت باسم تقي الدين نفسه غير مختص لإجراء الملاحقة والنظر في الدعوى المقامة من النائب العراقية فردوس ياسين مهدي المعروفة بفردوس العوادي ضدّ خالد محمّد نافع وزياد أحمد فيصل السنكري على خلفية مقالين نشرا على الموقع الإلكتروني www.beirutobserver.com في العامين 2016 و2017، وأعلن عدم صلاحيته سنداً لأحكام المادة 28 من المرسوم الإشتراعي رقم 104 الصادر في 30 حزيران 1977.
“محكمة” تتفرّد بنشر كامل هذا الحكم لأهمّية النقطة القانونية المثارة فيه:
باسم الشعب اللبناني
نحن باسم تقي الدين، القاضي المنفرد الجزائي في بيروت،
لدى التدقيق،
تبيّن أنّ النيابة العامة الإستئنافية في بيروت ادعت أمام هذه المحكمة بتاريخ 2017/2/23 بحقّ المدعى عليهما:
1- خالد محمّد نافع، والدته راغدة، تولّد العام 1977، لبناني،
2- زياد أحمد فيصل السنكري، والدته فاتنة، تولّد 1978، لبناني،
لمحاكمتهما بمقتضى المادة 582 من قانون العقوبات،
وبنتيجة المحاكمة العلنية، وبعد الإطلاع على الأوراق كافة وتلاوتها، تبيّن ما يلي:
أوّلاً: في الوقائع: تبيّن أنّه بتاريخ 2016/12/26 نشر الموقع الإلكتروني www.beirutobserver.com مقالاً بعنوان”عبر مؤسّسة اليتيم العراقي: نائبة عراقية تحمل الجنسية البريطانية تقوم بتمويل حزب الله”. وقد ورد في المقال ما حرفيته:” مشيرة في هذا الصدد إلى أنّ جزءاً كبيراً من الأموال التي تقوم النائبة العوادي بنقلها إلى حزب الله اللبناني، وما هي إلاّ أموال تمّ التبرّع بها من قبل أشخاص وهيئات أو تمّ تحويلها من قبل هيئات دولية لصالح مؤسّسة اليتيم العراقي التي تديرها النائبة فردوس العوادي، وأشارت المصادر إلى أنّ النائبة فردوس العوادي درجت على استغلال رحلاتها إلى الخارج… لكي تقوم هناك بالإجتماع مع قادة حزب الله اللبناني وتسليمهم الأموال التي اختطفتها من أفواه الأيتام، أو تلك التي قامت بغسلها لصالح حزب الله بواسطة حسابات مؤسّسة اليتيم العراقي المصرفية”،
وأنّه بتاريخ 2017/1/9 نشر الموقع المذكور مقالاً آخر بعنوان:”على خلفية ضلوعها بتويل حزب الله: فردوس العوادي على لائحة عقوبات الخزانة الأميركية”. وقد ورد في المقال ما حرفيته:” وقالت مصادر إنّ العقوبات المتوقّع فرضها على العوادي قد تتوسّع لتشمل الحسابات المصرفية التابعة لمؤسّسة اليتيم العراقي وفرعها في لندن التي تديرها العوادي حيث باتت تستخدم الحسابات لتبييض أموال تابعة له بمبالغ ضخمة”، ممّا دفع بالمدعية فردوس ياسين مهدي المعروفة بفردوس العوادي، إلى التقدّم بشكواها الراهنة بوجه المدعى عليهما، مديري الموقع الإلكتروني المذكور،
وتبيّن أنّ المدعية طالبت أمام هذه المحكمة بواسطة وكيلها القانوني بإلزام المدعى عليهما بدفع مبلغ مايتي مليون ليرة لبنانية كتعويض،
وتبيّن أنّ المدعى عليهما لم يحضرا أمام المحكمة فحوكما غيابياً،
تأيّدت هذه الوقائع: بالإدعاء، بالتحقيقات الأوّلية، بصور المستندات المبرزة كافة، بمجريات المحاكمة العلنية، وبمجمل أوراق الملفّ،
ثانياً: في القانون: حيث أسند إلى المدعى عليهما خالد نافع وزياد السنكري جرم المادة 582 عقوبات، لإقدامهما على توجيه عبارات الذمّ بحقّ المدعية الشخصية من خلال مقالين نشرا في موقع www.beirutobserver.com الذي يديره المدعى عليهما،
وحيث إنّه من الثابت أنّ الجرم المسند إلى المدعى عليهما قد ورد في مقالين نشرا على الموقع الإلكتروني www.beirutobserver.com، وأنّ هذا الموقع يتمّ فيه نشر المقالات الصحفية بصورة دورية ومستمرّة،
وحيث إنّه يقتضي البحث في مدى صلاحية هذه المحكمة للنظر في الدعوى الحاضرة سنداً لأحكام المادة 28 وما يليها من المرسوم رقم 104 تاريخ 1977/6/30، ومدى اعتبار الموقع الإلكتروني مطبوعة وفقاً للمادة الثالثة من قانون المطبوعات الصادر بتاريخ 1962/9/14 المعدّل،
وحيث إنّ المادة الثالثة من قانون المطبوعات الصادر بتاريخ 1962/9/14 تنصّ على الآتي:” يُعْنى بالمطبوعة وسيلة النشر المرتكزة على تدوين الكلمات والأشكال بالحروف والصور والرسوم، ويجب أن يذكر في كلّ مطبوعة إسم المؤلّف وإسم المطبوعة والناشر وعنوانه وتاريخ الطبع”،
وحيث إنّ محكمة المطبوعات اعتبرت في قرارها رقم 250 الصادر بتاريخ 2011/10/31 في الدعوى المقامة من اللواء جميل السيّد بحقّ السيّد أيمن جزيني وتيّار المستقبل بصفته مالك الموقع الإلكتروني www.almustaqbal.org”” ” أنّ شبكة الانترنت هي وسيلة نشر متطوّرة وحديثة، وتهدف من ضمن ما تهدف إليه إلى نشر وعرض وتبادل المعلومات على مختلف أنواعها وأشكالها، لاسيّما تلك الوافدة من الوسائط المتعدّدة التي تجمع في آن معاً وبشكل تفاعلي الصوت والنصّ والصورة الثابتة أو المتحرّكة والبيانات، وأنّ المواقع على شبكة الانترنت تستعمل وسيلة النشر هذه بكلّ تشعّباتها وإمكانياتها لنشر وعرض وتبادل المعلومات على مختلف أنواعها وأشكالها، وأنّ عملية النشر المنصوص عليها في القانون تتمّ بطرق مختلفة تقليدية وحديثة منها عن طريق تدوين الكلمات والأشكال بالحروف والصور والرسوم، وأنّ أيّ موقع إلكتروني يعتبر في ضوء ذلك”مطبوعة” بالمفهوم المشار إليه آنفاً ويطبّق على ما ينشره هذا الموقع ما نصّ عليه قانون المطبوعات بالنسبة للمطبوعة، وقد خلصت المحكمة بنتيجة تعليلها هذا إلى ردّ الدفع بانتفاء صلاحيتها للنظر بالدعوى،
وحيث إنّ المادة 28 من المرسوم الإشتراعي رقم 104 الصادر بتاريخ 1977/6/30 تولي محكمة الإستئناف النظر بالدرجة الأولى في جميع القضايا المتعلّقة بجرائم المطبوعات،
وحيث، وعطفاً على ما تمّ بيانه وعرضه آنفاً، يكون الجرم موضوع الدعوى، وعلى فرض ثبوته، مقترف بواسطة مطبوعة، ولا تكون هذه المحكمة صالحة للنظر فيها سنداً لأحكام المادة 28 من المرسوم الإشتراعي رقم 104 الصادر بتاريخ 1977/6/30، ممّا يوجب إعلان عدم صلاحية هذه المحكمة للنظر في الدعوى الراهنة، وإيداع الملفّ جانب النيابة العامة الإستئنافية في بيروت لاتخاذ ما تراه مناسباً،
وحيث، في ضوء التعليل السابق، والنتيجة المنتهى إليها، لم يعد ثمّة داع لبحث ما زاد أو خالف ويقتضي ردّه،
لذلك،
نحكم: بإعلان عدم صلاحية هذه المحكمة للنظر بالدعوى الراهنة سنداً لأحكام المادة 28 من المرسوم الإشتراعي رقم 104 الصادر بتاريخ 1977/6/30، وبإيداع الملفّ جانب النيابة العامة الإستئنافية في بيروت لاتخاذ ما تراه مناسباً، وبردّ ما زاد أو خالف، وبحفظ النفقات كافة.
حكماً بمثابة الوجاهي بحقّ المدعية، غيابياً بحقّ المدعى عليهما، صدر وأفهم علناً في بيروت بتاريخ 2017/11/14 .
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 28 – نيسان 2018 – السنة الثالثة)
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.