أبرز الأخبارالأخبارميديا

خاص”محكمة”: إبطال قرار مجلس نقابة المحامين بشطب محام متدرّج إدارياً/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
قرار ثالث يصدر عن محكمة الاستئناف المدنية في بيروت الغرفة الحادية عشرة الناظرة في الدعاوى النقابية تبطل فيه قرار مجلس النقابة في موضوع شطب اداري بسبب عدم دعوة المحامي امام المجلس للاستماع اليه.
فقد قررت محكمة الاستئناف المؤلفة من القضاة الرئيس ايمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري وعضوي مجلس نقابة المحامين الاستاذين ندى تلحوق وايلي بازرلي إبطال قرار مجلس النقابة بسبب عدم دعوة المحامي المتدرج الذي تقرر شطبه ادارياً من جدول المحامين المتدرجين للاستماع الى اقواله ودفاعه.
وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 2019/3/28
بناء عليه،
اولاً: في الشكل
حيث ان الاستئناف قد ورد ضمن المهلة القانونية كون القرار المطعون فيه قد ابلغ من المستأنف بتاريخ 2018/11/13 وقدم استئافه بتاريخ 2018/11/14، كما انه قدم من قبل محام، وارفقت ربطاً به صورة طبق الاصل عن القرار المطعون فيه، وسددت عنه الرسوم والتأمينات المتوجبة قانوناً، فضلاً عن ايراد الاسباب الاستئنافية فيه وتحديد الطلبات في خاتمته اصولاً، فيكون مقبولاً شكلاً.
ثانياً: في الاساس
وحيث انه وبما ان المحكمة الراهنة قد قررت بتاريخ 2018/11/26 ضم طلب وقف التنفيذ الى الاساس، ما يقتضي معه التطرق الى الاسباب الاستئنافية:
وحيث ان المستأنف يطلب ابطال القرار المطعون فيه لمخالفته مبدأ الوجاهية كون مجلس نقابة المحامين في بيروت قد قرر شطبه من جدول المحامين المتدرجين دون دعوته او الاستماع الى دفاعه.
وحيث ان النقابة تدلي في المقابل بأن المادة /74/ من تنظيم مهنة المحاماة وان تناولت حق الدفاع واعتبرته مقدساً الا انها لم تعن به من حق الدفاع للمحامي المرتكب لجرائم جزائية بحق موكليه او لمخالفات مسلكية خلال او بمعرض مهنته، اذ ان حق الدفاع اعطي للمحامي في مجال الدفاع عن موكليه اثناء ممارسته مهنته، والمادة المذكورة لا تعدو كونها حماية للمحامي من اي ملاحقة اعتباطية في نطاق ممارسة الدفاع عن موكله، وقانون تنظيم مهنة المحاماة هو قانون خاص لا يجوز التوسع في تفسيره وبالتالي لا يجوز للمحامي ان يستلهم حق الدفاع المقدس عندما يرتكب افعالاً جرمية.
وحيث يتبين، وفق الوقائع المعروضة في الملف، ان المستأنف لم يدع من قبل مجلس نقابة المحامين في بيروت للاستماع الى اقواله ودفاعه قبل اصدار القرار بشطبه من جدول المحامين المتدرجين كون المستأنف عليها لم تنازع بإدلاء المستأنف لهذه الجهة بل اعتبرت انه ليس من اللازم دعوته.
وحيث انه يقتضي بالتالي البحث في مدى صحة اصدار قرار شطب محامٍ من جدول المحامين المتدرجين من قبل مجلس النقابة، دون دعوته مسبقاً او الاستماع الى اقواله ودفاعه.
وحيث ان الدستور اللبناني نص في الفقرة “ب” من مقدمته على ان لبنان عضو مؤسس وعامل في منظمة الامم المتحدة وملتزم مواثيقها والاعلان العالمي لحقوق الانسان وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون استثناء، علماً ان المقدمة المشار اليها تشكل جزءاً لا يتجزأ من الدستور وتتمتع بموقعه في تسلسل القوانين.
وحيث بالتالي فإن المعاهدات الدولية المشار اليها آنفاً تشكل كذلك جزءاً من الدستور عملاً بالفقرة “ب” الآنف ذكرها من مقدمة الدستور.
وحيث ان المادة 10 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان تنص على ان “لكل انسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في ان تنظر قضيته امام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته واية تهمة جنائية موجهة له”.
وحيث ان المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية نصت على انه “من حق كل فرد لدى الفصل في اية تهمة جزائية توجه اليه او في حقوقه والتزاماته في اي دعوى مدنية، ان تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة وفقاً للقانون.”
وحيث ان المبدأ الآنف ذكره ينبثق عنه مبدأ التساوي في الوسائل امام المحكمة Egalité des armes الذي يكرس حق كل طرف بتقديم حججه وادلته بصورة تخوله الدفاع عن نفسه والمثول على قدم المساواة امام خصمه.
وحيث ان حق الدفاع المكرس في مختلف المواثيق الآنف ذكرها هو من الحقوق الطبيعية والمبادئ الاساسية او المبادئ العامة وقد صنفته محكمة التمييز اللبنانية ضمن المبادئ القانونية الاساسية، كما اكد المجلس الدستوري على انه يتمتع بقيمة دستورية.
– تمييز لبناني غرفة اولى قرار 25 تاريخ 1973/30/20، العدل 1973 ص 328
– قرار مجلس دستوري رقم 2001/5 الجريدة الرسمية 2001 رقم 24 ص 1794.
وحيث من الثابت ان الاتجاه الحديث في الاجتهاد والفقه الداخلي والعالمي يتشدد في
تطبيق واحترام حق الدفاع العائد لكل انسان في اسماع دفاعه وواجب تمكينه من ذلك.
وحيث ان هذه الوجهة لاقت تكريساً لها في الاجتهاد الاداري امام مجلس شورى الدولة بالنسبة لموظفي القطاع العام ومستخدمي المؤسسات العامة التي تقدم خدمة عامة.
وحيث كذلك فإنه حتى في فرنسا فإن اختصاص مجلس النقابة لجهة الاسقاط من اللائحة السنوية للمحامين وهو اختصاص اداري، فإنه يتوجب على المجلس المذكور ان يستدعي المحامي وفق اصول معينة وتمكينه من تقديم دفاعه قبل اتخاذ قراره.
وحيث ان نظرية المحاكمة العادلة واحترام حقوق الدفاع يطبقان امام المحاكم العادية وكذلك امام الهيئات الادارية المخولة اتخاذ تدابير بحق المواطنين والمنتسبين اليها.
وحيث ان الاجتهاد والفقه الحديثين يتجهان الى توسيع نطاق حقوق الافراد والحماية المتوفرة لهم انطلاقاً من اعتبار مبادئ المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع مبدأ عاماً منبثقاً عن حق طبيعي، بحيث يفرض تطبيق هذه المبادئ بحدها الادنى على الاقل على اشخاص او هيئات مخولة اتخاذ قرارات او تدابير مؤثرة بحقوق الغير.
“Aucune autorité ne semble a priori échapper au respect de ces exigences procedurals lorsqu’elle est amenée à prendre une decision au detriment d’autrui. Enfin, les puissances privies, qu’on désignera ainsi, faute de mieux pour l’instant, ne sont pas à l’écart de ce movement de proceduralisation de notre droit. En un mot, chaque fois qu’une personne, qu’elle soit publique ou privée, physique ou morale exerce un pouvoir au detriment d’autrui elle est susceptible d’étre contrainte dans son action par une exigence procédurale”
Droit processuel, droit commun du procés, serge guinchard, Monique bandrac, Xavier lagarde et mélina douchy, précis dalloz, edition 2001, n630.
وحيث ان تقدير مدى وجوب التقيد بالمبادئ المومأ اليها اعلاه لا يستند فقط الى طبيعة الهيئة التي تتخذ القرار بل الى خطورة القرار الصادر ومدى تأثيره على حقوق الغير وطبيعة الحقوق التي يتم المساس بها.
وحيث ان المحاماة هي وفق المادة الاولى من قانون تنظيم المهنة مهنة ينظمها القانون وتهدف الى تحقيق رسالة العدالة بإبداء الراي القانوني والدفاع عن الحقوق، وهي وفق المادة 2 من القانون الآنف الذكر تساهم في تنفيذ الخدمة العامة، ولا يمكن ممارسة مهنة المحاماة دون الانتساب الى نقابة المحامين.
وحيث ان الصلاحيات الممنوحة الى مجلس النقابة لجهة الاشراف على ادارة النقابة، لا سيما حق المجلس المذكور في التحقق دائماً من استمرار توافر شروط المادة 5 الآنفة الذكر طوال فترة انتساب المحامي الى النقابة، وخطورة التدبير الممكن ان يتخذ من المجلس المذكور الذي قد يصل الى الشطب الاداري نهائياً من جدول المحامين، وبالتالي الحرمان من ممارسة مهنة المحاماة تبعاً لما صار بيانه فيما سبق، تستتبع بالنظر لخطورتها ومدى تأثيرها على حق اساسي وجوهري، التقيد بالحد الادنى من تأمين حق الدفاع اقله تأمين فرصة للاستماع الى المطلوب اتخاذ التدبير الاداري بحقه.
وحيث لا يرد على ما تقدم بأن قرارات مجلس النقابة لهذه الجهة خاضعة للرقابة اللاحقة من قبل القضاء بحيث تتوفر عندها الضمانات اللازمة التي من شأنها تغطية عيوب في الاصول المتبعة امام مجلس النقابة، اذ ان ذلك لا يبرر عدم احترام المبادئ المعروضة اعلاه خاصة وان قرارات مجلس النقابة تطبق فوراً وقد تكون ذات تأثير بالغ وتمادٍ على المحامي وقد تؤدي الى الحؤول دون تمكين موكليه من الدفاع عن حقوقهم المنازع بها ويدفعهم الى توكيل غيره ما قد يلحق به اضراراً لا تعوض، بحيث تصبح المراجعة اللاحقة غير ذي جدوى، لاسيما في ضوء الوقت الذي تتطلبه اجراءات التقاضي العادية.
وحيث يقتضي على ضوء كافة ما تقدم على مجلس النقابة وقبل اتخاذ تدبير معين بحق محامٍ منتسب الى النقابة متدرج او عامل، كمثل القرار موضوع النزاع، تأمين حق الدفاع للمحامي المذكور او اقله تأمين الحق له بإسماع اقواله وملاحظاته بشأن التدبير عن طريق دعوته، وكذلك لشرح الاسباب التي ادت الى اتخاذ التدبير بحقه لتمكينه من الوقوف عليها والطعن بالقرار لاحقاً.
وحيث يتبين ان مجلس نقابة المحامين لم يدع المستأنف لسماع دفاعه بشأن التدبير المتخذ بحقه، ولم يتبين ان المستأنف مكن من ايداع ملاحظاته او مناقشة ما بني عليه قرار المجلس المستأنف، او تمت دعوته لتمكينه من ذلك امام مجلس النقابة وهو الجهاز المخول عند اجتماعه باتخاذ القرار المتعلق بمصير انتساب المحامي للنقابة.
وحيث بالتالي فإن القرار المستأنف صدر دون مراعاة الحد الادنى من حقوق الدفاع التي تشكل حقاً جوهرياً وادى الى التعرض لحق اساسي من حقوق الانسان.
وحيث ان ارتكاب المستأنف للمخالفات المبينة من النقابة المستأنف عليها لا يعني حرمانه من حقوق الانسان لمجرد ارتكابه للمخالفات المشار اليها.
وحيث تبعاً لمجمل ما تقدم يقتضي قبول الاستئناف لهذه الجهة، ورؤية الموضوع انتقالاً وابطال القرار المستأنف وابطال آثاره للاسباب المبينة تفصيلاً فيما تقدم.
وحيث بوصول المحكمة الى هذه النتيجة لم يعد من حاجة لبحث سائر ما اثير من اسباب ومطالب خاصة لناحية طلب وقف التنفيذ لعدم الفائدة او لكونها لاقت رداً ضمنياً.
لذلك
تقرر بالاكثرية:
1- قبول الاستئناف شكلاً.
2- قبول الاستئناف في الاساس، وابطال القرار المستأنف، وابطال كافة الآثار التي نتجت عنه، للاسباب المبينة في متن هذا القرار.
3- رد سائر الاسباب او المطالب الزائدة او المخالفة.
4- اعادة التأمين وتضمين المستأنف عليها رسوم ومصاريف الاستئناف.
قراراً صدر وافهم علناً في بيروت بتاريخ 2019/3/28
“محكمة” – الأربعاء في 2019/5/1
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!