خاص”محكمة”: قرار جريء لمحكمة”بداية الشمال” بمنح أولاد اللبنانية المتزوّجة من أجنبي الجنسية اللبنانية/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
لا يزال مطلب الأمّ اللبنانية المتزوّجة من أجنبي بمنح أولادها جنسيتها اللبنانية، مُلحّاً ومحقّاً بانتظار حصول وفاق سياسي على تجاوز هاجس الديموغرافية، والتفكير من منطلق إنساني بعيداً عن أيّ عصبية أو نعرات مذهبية أو طائفية، ذلك أنّ القوانين وضعت لخدمة الإنسان، كما أنّه من حقّ المرأة اللبنانية الحصول على مساواة تامة مع الرجل اللبناني لجهة قدرته على إعطاء جنسيته الأمّ إلى أولاده من زوجته الأجنبية فور ولادتهم.
وفي 27 شباط من العام 1995 تجرأت المحكمة الابتدائية في الشمال على القول بحقّ الأمّ المتوفى زوجها الأجنبي بقيد أولادها القاصرين على خانتها وبالتالي منحهم الجنسية اللبنانية، وهذا ما فعلته هي في حكمها الصادر بالاجماع، واستجابت لطلب الأمّ وأجازت لها قيد أولادها الثلاثة في سجّلها الرسمي المحفوظ لدى دائرة القيد المعنية.
وانطلقت هذه المحكمة وكانت يومذاك برئاسة القاضي الإنساني نبيل صاري، من القانون الراعي للجنسية رقم 15 المعدّل بالقانون الصادر عام 1960 وتحديداً الفقرة الرابعة منه حيث كانت تنظر في ملفّ سيّدة لبنانية توفّى زوجها الأردني، لتبني اقتناعاً كاملاً في ظلّ عدم وجود قانون صريح وواضح يتحدّث عن هذا الحقّ، فاعتبرت المحكمة أنّه في ظلّ “سكوت القانون عن إيـراد نصّ يرعى الحالة المعروفة لا يمكن أن يؤدّي حكمـاً إلى ردّ الطلب لعدم وجود النصّ باعتبار أنّ من شأن الاجتهاد تغطيـة الحالات التي لم يتناولها القانون وحلّها سلبـاً او إيجاباً وفقـاً لماهيتها وبعد بحثها”، مع تأكيدها على أنّ “القول بحرفية النصّ وتفسيره الضيّق لا يحقّق العدالـة والإنصاف ووحدة العائلة كما لا يحقّق المضمون الاجتماعي والإنساني لقانون الجنسية الذي يهدف إلى إعطاء الهوية الوطنية الاجتماعية الواحدة لمجموعة الناس التي تعيش في بوتقة واحدة”.
وتتحدّث المادة الرابعة من القرار رقم 15 عن حالة الأولاد القاصرين من أمّ لبنانية وظلّت حيّة بعد وفاة زوجها، ومنحتها الحقّ الشبيه بحلم منتظر.
وهنا النصّ الحرفي لهذا الحكم:
إنّ الغرفـة الابتدائيـة الثانية في لبنـان الشمالي المؤلّفة من الرئيس نبيـل صاري والمستشارين وائـل الحسن ورنـدا حـروق.
لـــدى التـدقيــق والمــذاكرة،
تبيّن أنّه بتاريخ 1988/11/3 تقدّمت إ. ح. ي. بالأصالة بوصايتها على أولادها القاصرين م. وط. وم. بواسطة وكيلها الأستاذ عبد الرزاق دبليز، من هذه المحكمة، بوجه الدولة اللبنانية الممثّلة برئيس هيئة القضايا والشخص الثالث النيابة العامة الاستئنافية في الشمال، مدلية بأنّها من التابعية اللبنانية اللبنانية ومقيّدة أصولاً لدى دائرة نفوس طرابلس برقم /289/ التبانة وقد توفي زوجها المرحوم ك. م .ع. الأردني التبعة بتاريخ 1988/9/12 ولها منه الأولاد المذكورون أعلاه وكلّهم قاصرون وأنّها ترغب في طلب الجنسية اللبنانية لهم قياساً على المادة الرابعة من القرار رقم 15 الصادر بتاريخ 1925/1/19 التي تنص في فقرتها الثانية “على ان الأولاد القاصرين لأب اخذ التابعية اللبنانية أم لأم اتخذت هذه التابعية وبقيت حية بعد وفـاة الأب فإنهم يصبحون لبنانيين إلا إذا كانوا في السنة التي تلي بلوغهم سن الرشد يرفضون هذه التبعية”.
وخلصت المدعية إلى طلب إصدار القرار اللازم باعتبار كل من الأولاد م. وط. وم. أولاد المرحوم ك .م .ع. لبنانيين وبالتالي قيدهم على خانة والدتهم إ. ح. ي. في سجل التبانة /289/ وفقـاً لقيودهم المبينة وتضمين المدعى عليها الرسوم والمصاريف والأتعاب.
وتبين انه بتاريخ 1992/6/8 تقدّمت المدعى عليها بلائحة جوابية بواسطة وكيلها الأستاذ فاروق مسيكة ادلت فيها بأن المدعية لم تكتسب الجنسية اللبنانية ولم تستعدها بموجب مرسوم جمهوري مما يجعل من استنادها على المادة الرابعة المذكورة اعلاه في غير محله القانوني، إضافة إلى انه لا يوجد في ملف الدعوى اي مستند صادر عن السلطات الأردنية يؤكّد بأنّ واقعة وفـاة الأب قد جرى تنفيذها على قيده في السجلات الأردنية مما يثير الشكوك لعدم صحة ذلك، وخلصت المدعى عليها إلى طلب رد الدعوى لعدم صحتها ولعدم قانونيتها وتضمين الجهة المدعية الرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة.
وتبيّن أنّه بتاريخ 1992/11/5 تقدّمت المدعية بلائحة جوابية بيّنت فيها عدم وجود أيّ نصّ صريح في القرار رقم 15 والمعدّل بالقانون 1960/1/11 حول وضع القاصرين لأم لبنانية وبقيت لبنانية بعد زواجها من أجنبي، بعد وفاة هذا الأخير, كما لم يرد اي نص صريح يميز بينه وبين القاصرين لأم اتخذت التابعية اللبنانية وبقيت حية بعد وفاة زوجها الأجنبي, وانه لا يمكن عدالة وإنصافاً إلا المساواة بين الوضعين المنوه عنهما، إضافة ان واقعة وفاة الأب ثابتة بالوثيقة الشرعية الصادرة عن المحكمة الشرعية السنية في طرابلس والمبرز صورة عنها في استحضار الدعوى وبوثيقة الوفاة الصادرة عن وزارة الصحة في دولة الإمارات العربية المتحدة والمبرزة أيضاً وبإخراج قيد المدعية وخلصت إلى رد ما جاء في لائحة المدعى عليها لعدم صحتها وقانونيتها وكررت أقوالها ومطاليبها السابقة.
وتبين انه بتاريخ 1994/4/11 صدر قرار إعدادي عن هذه المحكمة كلف المدعية الاستحصال على إذن من المحكمة الشرعية يبيح لها التقدم بهذه الدعوى لأن قرار الوصاية يكلفها إدارة وتصريف شؤون أولادها.
وتبيّن أنّه بتاريخ 1994/5/3 تقـدّمت المدعية بلائحة إنفـاذ قرار إعدادي أبرزت فيها وثيقة شرعية رقم 392/348 صادرة عن محكمة طرابلس الشرعية السنية تجيز للمدعية تمثيل أولادها القاصرين امام كافة المحاكم وهي آخر الدرجات من أجل الاستحصال لهم على الجنسية اللبنانية, وكررت أقـوالها ومطالبها السابقة.
وبنـــــاءً عليـــــه
حيث ان السيدة أ.ي أرملة المرحوم ك.ع الأردني التابعية، تقدمت بتاريخ 1988/11/3 من هذه المحكمة بوصفها وصية على أولادها القاصرين م.ط. وم بدعوى بوجه الدولة اللبـنانية طالبة اعتبار أولادها من التابعية اللبنانية كونهم مولودين لأم لبنانية ظلت محتفظة بجنسيتها اللبنانية وقد توفى والدهم وهم ما زالوا قاصرين وذلك سنداً للمادة الرابعة من القرار رقم 15 الصادر بتاريخ 1925/1/19 وقيـدهم على خانة والدتهم.
وحيث ان المدعى عليها أدلت بأن المدعية لم تكتسب الجنسية اللبـنانية ولم تستعدها بموجب مرسوم جمهوري, ممـا يجعل من استنادها إلى المادة الرابعة المذكورة في غير محله القانوني. إضافة إلى انه لا يوجد في الملف ما يثبت وفـاة الأب ممـا يثير الشكـوك بعدم صحة الادعـاء.
وحيث ان الجهة المدعية, بعد أن أكدت وفـاة الأب بمستندات أبرزتها ومنها وثيقة شرعية صادرة عن المحكمة السنية الشرعية في طرابلس, إضافة إلى وثيقة وفـاة صادرة عن وزارة الصحة في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث كان يعمل الأب وحيث توفي,أكدت حق أولادها في إصدار القرار باعتبارهم لبنانيين وإن خلا القانون من نص صريح واضح بذلك طالما ان القانون أعطى هذا الحق لأولاد الأجنبـية التي اكتسبت الجنسية اللبنانيـة فمن باب أولى ان يعطى لهـا.
وحيث ان المسألة المطروحة للبحث امام المحكمة هي معرفة ما إذا كان للقاصرين من أولاد اللبنانية الأصل الذي توفي والدهم الأجنبي وبقيت والدتهم على قيـد الحياة الحق في اكتساب التابعية اللبنانية أسوة بوضع الأولاد القاصرين لأم اتخذت التابعية اللبنانيـة وبقيت حية بعد وفـاة الأب، أيّ الحالة المنصوص عليها في المادة الرابعة من القرار رقم 15 المعدل بالقانون الصادر عام 1960.
وحيث من العودة إلى القـانون المذكور والذي يرعى الجنسية يتبين عدم وجود نص واضح بالحالة المذكورة المتعلقة بالأم اللبنانية أصلاً كمـا بتلـك المتعلقة بالأم المتخذة التابعية اللبنانية.
وحيث ان سكوت القانون عن إيـراد نص يرعى الحالة المعروفة لا يمكن ان يؤدي حكمـاً إلى رد الطلب لعدم وجود النص باعتبار إن من شأن الاجتهاد تغطيـة الحالات التي لم يتناولها القانون وحلها سلبـاً او إيجاباً وفقـاً لماهيتها وبعد بحثها باعتبار انه يندر صدور اي قانون يرعى ويتناول جميع الحالات التي يمكن ان تطرأ أثناء تطبيـقه.
وحيث يتبين ان المـادة الرابعـة من القرار رقـم 15 تناولت حالة الأولاد القاصرين لأم اتخذت التابعية اللبنانية وبقيت حيـة بعد وفـاة الأب ونصت على صيرورتهم لبنانييـن.
وحيث ان التفسير الحرفي لنص المـادة المذكورة يؤدي إلى تمييـز وضع الأولاد القاصرين لأم اتخذت التابعية اللبنـانية عن الأولاد القاصرين لأم هي أصلاً لبنانية ورفضت التخلي عن جنسيتها بزواجها من أجنبي.
وحيث ان القول بحرفية النص وتفسيره الضيق لا يحقق العدالـة والإنصاف ووحدة العائلة كما لا يحقق المضمون الاجتماعي والإنساني لقانون الجنسية الذي يهدف إلى إعطاء الهوية الوطنية الاجتماعية الواحدة لمجوعة الناس التي تعيش في بوتقتة واحدة.
(استئناف لبنان الجنوبي- قرار رقم 3 تاريخ 1990/2/27 حـاتم ج 202 ص.730(
وحيث ان الحكمـة التي دفعت بالمشرع إلى إعطاء الجنسية لقاصرين لا ينتـمون إلى هويتها إلا باكتساب أمهم لها وبقائها عليها بعد وفـاة زوجها, تسهيلاً للحيـاة اليومية وجمعـاً للعائلة تحت هوية واحدة, تبقـى نفسها بالنسبة للبنانية الأصل.
وحيث ان المنطق السليم والعدالة يفرضان عدم إمكانية اعتبار المتجنسة بالجنسية اللبنانية في مركز أفضل من اللبنانية الأصل التي احتفظت بجنسيتها اللبنانية, خاصة مع انتفـاء اي نص قانوني او أية حجة منطقيـة مقنعة يمكن ان تبرر عدم المساواة هذه.
وحيث ان القول بعـدم جواز التوسع في تفسير نص خاص يتعلق بالانتظام العام، كالقرار رقم 15، لا يعول عليه في هذه الحـالة التي توجب تجاوز النقض في القانون بأعمـال المنطق القانوني للنص نفسه على الحالات غير الواردة فيه حصراً وصراحة.
وحيث يقتضي من حيث المبدأ اعتبار ان الأولاد القاصرين لأم لبنانية احتفظت بجنسيتها او استعادتها وفقدت زوجها يصيرون لبنانيين إلا إذا رفضوا هذه التابعية في السنة التي تلـي بلوغهم سن الرشـد.
(استئناف بيروت قرار رقم 52 تاريخ 1977/7/7 حاتم ج.166- ص. 54. وبنفس المعنى محكمة التمييز قرار رقم 28 و29 تاريخ 1973/11/19 حاتم ج 147 ص. 23 قرار رقم 85 تاريخ 1975/6/25 حاتم ج 164 ص. 412- قرار رقم 31 تاريخ 1972/7/5 حاتم ج. 129 ص. 61(
وحيث ان الجـهة المـدعـية هي لبنـانية الأصل وبقيـت لبنـانيـة بعد زواجها من أجنبـي.
وحيث ان زوجهـا قد توفي تاركـاً لها أولاداً قاصرين ممـا دعـاها إلى طلب اعتبارهم لبنانيـين وقيدهم على خانتها.
وحيث ان المادة الرابعة من القرار 15 تشترط لإعطاء الجنسية لأبناء المتخذة التابعيـة اللبنانية القاصرين ان يكون زوجها قـد توفي.
وحيث انه، وبخلو القـانون من نص صريح، فإن المحكمة ترى مساواة المدعية بمن كانت في نفس وضعيتها القانونية إلا انها اكتسبت الجنسية اكتسـاباً سنداً للمـادة الرابعة المذكورة.
وحيث ان المحكمة ترى اجابة طلب المدعية لقانونيته .
لذلك
تقرر المحكمة بالاجماع اجابة طلب الجهة المدعية وقيد الأولاد القاصرين م. و ط. و م.ع .على خانة والدتهم السيدة ا .ي. في سجل التبانة 289 وفقاً لقيودهم وتضمين المدعى عليها الرسوم والمصاريف والاتعاب وإبلاغ ذلك من يلزم.
حكمــاً وجاهيـاً قابلاً للاستئنـاف صدر وأفهـم علنــاً بتاريـخ 1995/2/27
“محكمة” – الجمعة في 2019/3/8