رياض سلامة في “ويكيليكس”: الأميركيون والمصارف وأنا!/ فراس الشوفي
فراس الشوفي*:
لا يحتاج اللبنانيون إلى كثير من الإقناع للتيقّن من عمق العلاقة التي تربط حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بالأميركيين مهما عظمت الدعاية المعادية لحزب الله. وإذا كان هدف الدعاية، اليوم، بعدما صار سلامة مُلاحقاً من القضاء اللبناني وجهات أوروبية عدة، التخفّف من «عبئه» شيئاً فشيئاً، واستغلاله في حملة «شيطنة» حزب الله وزيادة الضغط على آخر هياكل المؤسسات في لبنان. إلا أن الأميركيين لا يزالون يشهرون، وإن بخجل، سيف الحماية للرجل الذي لطالما ربطته بهم علاقات وثيقة. إذ تكشف مراجعة وثائق «ويكيليكس»، وتحديداً مجموعة من التقارير والمحاضر المسربّة عن لقاءات سلامة مع سفيري الولايات المتّحدة جيفري فيلتمان وميشال سيسون بين عامي 2006 و2009، ولقاءاتٍ مع مسؤولين حكوميين، جانباً مهمّاً من العلاقة بين سلامة والأميركيين، وفصلاً مخيفاً من فصول التحضير للانهيار الاقتصادي الحالي.
في بضع أوراق إلكترونية، يظهر سلامة «عارياً» من كل الهالة التي بناها لنفسه، وأحاطه بها الأميركيون والفرنسيون وغيرهم كثر طوال عقود. طبيعة علاقته التبعيّة بالولايات المتحدة، ومعرفة الأميركيين تفاصيل التفاصيل حول خططه المالية ومباركتهم لها في كثير من الأحيان، واطّلاعهم على شبهات فساد تحيط به وبأفراد من عائلته وتآمره مع القطاع المصرفي على الدولة اللبنانية ومواطنيها، و«نشر الغسيل» أمام الأميركيين بينه وبين شخصيات في 14 آذار، دفعتهم إلى منحه أوسمة وجوائز، وحتى إلى منحه «شرف» افتتاح التداول في بورصة نيويورك عام 2009.
ويتكشّف أيضاً، على لسان الأميركيين، دور سلامة في التلاعب بالأوضاع المالية والضغط على الأسواق وبسعر صرف الليرة مرات عدة، منها مرّتان خدمةً للرئيس الراحل رفيق الحريري وأجندته السياسية، ومرّة ثالثة ضدّه، كما ادّعى الوزيران السابقان في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، جهاد أزعور وسامي حدّاد، في أحد المحاضر التي دوّنها فيلتمان. في سلسلة لقاءات مع فيلتمان وسيسون (4 لقاءات في 2006، 5 في 2007، لقاءان في 2008 ولقاء واحد في 2009)، يتعرَّض سلامة لتشكيك وضغوط ومساءلة من قبل فيلتمان (2006 – 2007)، بينما تتحوّل العلاقة إلى الثّقة الكاملة والاعتماد المباشر في مرحلة سيسون. في ما يأتي، ملخّص عام عن أبرز تلك المحاضر
مرحلة فيلتمان
لم ينسَ فيلتمان، في ملاحظاته، الإشارة إلى شكوكه في «عبقرية» سلامة ونزاهته وإلى اختلاسه أموالاً بطرق غير مباشرة عبر تحديد توقيت القروض والهبات وكيفية سدادها. لكنّ ذلك لا يمنعه من الإشادة بجهوده المزعومة مرات أخرى. أما سلامة، فيقدّم نفسه على أنه يدير مؤسسة شبه مستقلة عن السلطة السياسية، ويلعب دوراً لا غنى عنه يتخطى صلاحياته. وفي بعض اللحظات، قدم نفسه على أنه مستهدف بالاغتيال وغير طامع بالوصول إلى رئاسة الجمهورية، مع تسويق نفسه، باستمرار، أمام السفراء وموفدي الخزانة الأميركية، كرئيس مقبول ذي ولاء واضح للولايات المتحدة.
وهو لم يتوان عن التحريض على الرئيس إميل لحود وحزب الله وسورية، حتى أنّه قدّم «مشورة» عسكرية/ سياسية لفيلتمان خلال عدوان تمّوز عن ضرورة حصر إسرائيل لضرباتها في الجنوب، وتجنّب قصف مناطق أخرى.
الخصخصة هي الحلّ
في الوثيقة 06 BEIRUT 1470، حول لقاء بين سلامة وفليتمان بتاريخ 10 أيار 2006، يؤكّد الحاكم أن الخصخصة هي طريق الإصلاح الوحيد، مشدداً على ضرورة خصخصة قطاع الخلوي. كما يقدّم نموذجاً عن سياسة إخفاء التقارير المالية الدولية عن اللبنانيين، إذ يؤكّد لفيلتمان أنه لن ينشر نتائج التقرير السري لصندوق النقد الدولي للبنوك اللبنانية.
ويشير «حارس» الفائدة المرتفعة والأرباح التراكمية لأصحاب رؤوس الأموال على حساب الدولة اللبنانية، أن المصارف كانت محقة في انتقاداتها لخطة الحكومة لزيادة الضريبة على الفائدة من 5 إلى 7 في المئة، مؤكّداً أنه كان يعارض الضريبة على الفائدة بنسبة خمسة في المئة عندما تم اقتراحها في البداية. ورداً على استجواب فيلتمان حول ميزانية عام 2006، يجيب سلامة بأن «الإنفاق سيرتفع على الأرجح وأن الدَّين الوطني سيرتفع على الأرجح 1.6 – 1.7 مليار دولار.”
دعاية لـ”الإنماء والإعمار” و”المهجرين”
الوثيقة 06 BEIRUT 2551 حول لقاء سلامة بفيلتمان، في 7 آب 2006، أي مع نهاية عدوان تمّوز، تكشف كيف يعطي سلامة لخطواته علامات مرتفعة، إذ يؤكّد أن «الوضع المالي اللبناني تجنب حتى الآن كارثة من خلال بعض الهندسات المالية الإبداعية». وهي الهندسات التي واصل سلامة القيام بها إلى ما قبل الانهيار بأشهر.
أما إدارة المساعدات التي كانت ستصل بعد الحرب، فيشير إلى أنه «سيوصي رئيس الوزراء فؤاد السنيورة بإنشاء صندوق مشترك مستقل ومراقبته من قبل المانحين»، ويمرّر اسمي مجلس الإنماء والإعمار وصندوق المهجرين، كمؤسسات يمكنها أن تحصل على دعم المانحين.
ولا ينسى الاستفادة من لحظة الفوضى السياسية الناتجة من الحرب لتغذية شهيته بالوصول إلى رئاسة الجمهورية والتحريض على رئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود، إذ يدوّن فيلتمان: «شعر سلامة (لا يخفي طموحه الرئاسي) أن تمرير قرار ثان (حول الحرب) وتنفيذه الناجح من شأنه إضعاف سوريا وبالتالي الرئيس لحود حتى يتم عزله.”
أما أبرز مآثر سلامة في ذاك اللقاء فكان قوله لفيلتمان: «إن أغبى ما قام به الإسرائيليون هو قصف جسر جونيه في 4 آب، بدل حصر ضرباتهم في الجنوب.”
إلّا المصارف
في الوثيقة 06 BEIRUT 3656، في 18 تشرين الأول 2006، يستشرس سلامة في الدفاع عن مصلحة المصارف الخاصة على حساب الدولة. ودوّن فيلتمان أن «سلامة قلل من أهمية أي دور للبنوك التجارية في تخفيف الديون. وقال إنه لا يدعم برنامجاً رسمياً لصندوق النقد الدولي بسبب رد الفعل السياسي الذي قد ينتج منه». ويرد في المحضر «استفسر السفير عن مساهمات المصارف التجارية اللبنانية التي تزيد على نصف ديون لبنان، فقال سلامة إنه على عكس مؤتمر باريس 2 في تشرين الثاني 2002، يجب ألا تشارك البنوك. لا يستحق الأمر.”
الدولة هي الضحيّة
في الوثيقة 07 BEIRUT 166، في 31 كانون الثاني 2007، تتضمن خلاصة لقاء فيلتمان مع الوزيرين السابقين جهاد أزعور وسامي حداد، والعلاقة بين كل من وزارتي الاقتصاد والمالية والمصرف المركزي. في بعض الملاحظات التي نقلها فيلتمان عن لسان الوزيرين، وبعضها الآخر التي دونها بنفسه، يشير السفير إلى «تداول إشاعات داخل السراي (الحكومي) حول قيام سلامة بطريقة ما بالاستفادة مالياً من باريس 3، كما استفاد على ما يشاع من باريس 2»، ثمّ يعلّق: «يقترض البنك المركزي اللبناني بأسعار السوق ويقرض الحكومة اللبنانية بسعر معدلات أعلى.”
بالربط مع الوثيقة السابقة ولقائه مع الحاكم في السابع من آب، يشرح فيلتمان أن «سلامة كان يستفيد بشكل غير قانوني من معلوماته التي يحصل عليها بحكم موقعه. بعبارات بسيطة: للدين الحالي قيمة سوقية من شأنها أن تكون أقل قبل مؤتمر المانحين، وأعلى بعد ذلك. إذا تمكن الأفراد من شراء بعض من هذا الدين قبل ذلك بقليل، فإنهم سيحققون ربحاً لاحقاً. إذا كان مصرف لبنان المركزي يميل إلى هذا الحد، فيمكنه بيع الديون إلى البنوك المفضلة أو المواطنين العاديين».
وينتقد فيلتمان كفاءة سلامة: «قد يعارض سلامة برنامج صندوق النقد الدولي لأنه لا يريد أن تُعرف الحقيقة بأنه لم يكن عبقرياً على الإطلاق». رغم ذلك، يختم فيلتمان تقريره بأنه «يعود الفضل إلى سلامة على نطاق واسع في توجيهه الناجح للوضع المالي غير المستقر في لبنان خلال فترات بالغة الخطورة.”
مصلحة المصارف أولاً
في الوثيقة 07 BEIRUT 192، في 5 شباط 2007، يدوّن الملحق الاقتصادي في السفارة الأميركية محضر اجتماع فيلتمان بسلامة الذي يفصح عن خططه المقبلة، مؤكداً أنه يخفيها عن بقية إدارات الدولة. ينقل كاتب المحضر عن سلامة: «يخطط مصرف لبنان لسداد سندات اليوروبوند المستحقة بما في ذلك تلك المودعة في حساباته، بدءاً من شريحة بقيمة مليار دولار تستحق في 26 شباط. سلامة لم يدفع حتى الآن من أجل تجنب التأثير التضخمي على الاقتصاد.
وهو يخطط لاستخدام حصة الحكومة اللبنانية من تلك الأرباح، التي تبلغ قيمتها 1.5 مليار دولار، لسداد حيازات مصرف لبنان من سندات دولية. وافق مصرف لبنان على التضحية بمبلغ 150 مليون دولار سنوياً من أرباح الفوائد التي سيتنازل عنها، عندما يتم سداد سندات اليوروبوند، ولكن قد يبدأ الآن في تحميل وزارة المالية تكاليف أخرى».
يعلّق فيلتمان: «حقق قطاع البنوك التجارية في لبنان أرباحاً بقيمة 450 مليون دولار في عام 2005، وقال سلامة إنه يعتقد أن بإمكانهم استيعاب 100 مليون دولار من الأرباح السنوية المخفضة. يقوم مصرف لبنان ببيع ممتلكاته العقارية تدريجاً، وقد قام بالفعل بتصفية بنك BLC وأكبر شركة عقارية لديه، كورال بيتش.”
سلامة: أنا المرجعية
في الوثيقة 07 BEIRUT 387، في 14 آذار 2007، يفصح سلامة عن مخاوفه من خطة صندوق النقد الدولي أمام فيلتمان الذي يكتب أن «العديد من اعتراضات سلامة، كما قُدمت إلى السفير وفي رسالة إلى صندوق النقد الدولي، تعكس رغبته في أن يعزز البرنامج دور مصرف لبنان القوي في إدارة الاقتصاد اللبناني.
يعتقد الحاكم أنه من الناحية القانونية هو وحده القادر على إلزام لبنان بالبرنامج. ويريد اعتراف صندوق النقد الدولي بهذه السلطة.”
الاتصالات: مغارة علي بابا
في الوثيقة 07 BEIRUT 1208، في 7 آب 2007، يكشف سلامة لفيلتمان أن «زعماء 14 آذار يعطون الأفضلية لأنصارهم، بالسماح بالعديد من الاتصالات غير الشرعية في المناطق الموالية للحكومة كما في معقل حزب الله في الضواحي الجنوبية»، ويعود سلامة بحسب المحضر إلى طرح فكرة خصخصة الهاتف. يكتب فيلتمان: «أدان سلامة قرار هيئة تنظيم الاتصالات طرح مزاد رخص الهاتف المحمول، وجادل بأن الحكومة يجب أن تبيع بدلاً من ذلك الشركات المملوكة للدولة من خلال طرح عام.”
احموني لأجلكم
في الوثيقة، 07 BEIRUT 1713، في 1 تشرين الثاني 2007، يفصح سلامة أمام فيلتمان عن قلقه على أمنه الشخصي. لكن حتى هذه، يربطها سلامة بمصلحة الأميركيين. يكتب فيلتمان: «اعترف سلامة بأنه يحمل معه علبة من أقراص الكمبيوتر إلى المنزل كل ليلة، مما يسمح له بتشغيل المصرف من أي مكان. هو لا يخاف على المال. توقيعه هو المطلوب. أشار إلى وجود مشكلة في أمنه الشخصي، وأنه إذا قتل فإن النائب الأول لرئيس المصرف المركزي – شيعي مرتبط بنبيه بري وحزب الله – سيصبح تلقائياً الحاكم».
يضيف فيلتمان: «تعليقه على ما قد يحدث إذا ما قُتل – ووصول شيعي إلى منصب حاكم المصرف – كان مقلقاً.”
مرحلة سيسون
تشير الوثيقة 08 BEIRUT 1619، في 12 تشرين الثاني 2008، إلى اجتماع سلامة مع نائب مساعد وزير الخزانة للاستخبارات والتحليل هوارد مندلسون، بحضور كل من سيسون، ملحق وزارة الخزانة أليكس سيفرينس، المحلل في وزارة الخزانة كريس دوسيت.
في هذا اللقاء، يبدي سلامة كل استعداد للتعاون مع الإجراءات الأميركية الهادفة إلى تشديد الرقابة على الحركة المالية والمصرفية في البلد.
تدوّن سيسون: «شدد سلامة على جهود البنك للامتثال لجميع القواعد واللوائح المصرفية الدولية، ويؤكّد أن البنك المركزي يحتفظ بسجلات لجميع الودائع التي تزيد على عشرة آلاف دولار للتمكين من تتبعها في المستقبل. اتفق سلامة ومندلسون على أن تبادل المعلومات بشكل أسرع سيسمح للبنوك باتخاذ إجراءات ضد المصادر المبلّغ عنها للتمويل غير المشروع. وافق مندلسون على المشاركة مباشرة مع البنك المركزي والمصارف الأخرى في لبنان عندما تكون لدى وزارة الخزانة معلومات عن أفراد معينين. وقال سلامة إن البنوك يمكنها إغلاق الحسابات على الفور.”
خصخصة طيران الشرق الأوسط
يكرر سلامة مقولته أن الإصلاحات منحصرة لديه في أمرين: خصخصة الخليوي وشركة طيران الشرق الأوسط. وقد كتبت سيسون: «اعترف سلامة بأن الأحداث لم تسر بالشكل المناسب. كان من المقرر طرح 25 في المئة من طيران الشرق الأوسط للبيع، لكن حقائق السوق الحالية أخّرت عملية البيع.”
الإستدانة أقصر الطرق
في الوثيقة 08 BEIRUT 268، في 19 شباط 2008، حول لقاء بين سيسون وسلامة، يركّز الأخير على ضرورة الاتيان بقروض وودائع خارجية. تدوّن سيسون نقلاً عنه: «بالنسبة للحكومة، هناك فجوة قدرها 3 مليارات دولار بين الأموال المتاحة والمطلوبة. مدفوعات الفائدة وحدها 1.3 مليار دولار. قال سلامة إنه لهذا السبب اقترح على رئيس الوزراء أن يطلب لبنان ودائع خارجية.”
نعم للحريري لا للسنيورة
الوثيقة 09 BEIRUT 920، في 17 آب 2009، تكشف عن تسويق سلامة للرئيس سعد الحريري كرئيس للحكومة ذي كفاءة عالية، فيما شنّ هجوماً لاذعاً على الرئيس فؤاد السنيورة أمام سيسون. تدوّن سيسون: «يعتقد سلامة أن رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري ذكي كفاية ليأخذ وقته في تشكيل حكومة وهو مؤيد بقوة للأعمال التجارية والإصلاح، لكنه قلق من أن معظم السياسيين الآخرين في لبنان لن يكونوا حريصين على المضي قدماً في مبادرات الإصلاح». لا ينسى سلامة الحديث مجدداً عن الخصخصة.
تنقل سيسون عنه أنه «تحدث عن مرونة القطاع الخاص في لبنان، وقال إن على الحكومة اللبنانية ألا تتأخر في تسليم أصولها إليه». أما حول علاقته بالسنيورة، فقد ورد في مطالعة السفيرة: «أعرب سلامة عن أسفه لأنه منذ أن تولى فؤاد السنيورة منصب رئيس الوزراء في 2005، فإن الحكومة اللبنانية لديها عجز سنوي متوسط في الميزانية يبلغ 3 مليارات دولار.”
وعلى رغم ملاحظات الأميركيين على سلامة، إلّا أن التقرير يختتم بالتالي: «بالنسبة لنا نحن الذين اعتدنا التعامل مع القادة السياسيين الجامحين في لبنان، فإن سلامة دائماً ما يكون على ما يرام. لا يزال أحد حلفائنا الرئيسيين في تعزيز الإصلاحات.”
ألعوبة الليرة منذ 1990
في عدّة وثائق، يشير فيلتمان بوضوح إلى تلاعب سلامة بالأوضاع المالية والديون الخارجية خدمة لأهداف سياسية. في الوثيقة 07 BEIRUT 1424، في 16 أيلول 2007، يؤكّد أن سلامة عام 2004 «اعتبر خائناً للرئيس رفيق الحريري»، ويشرح كيف أن «سلامة عمل مع الرئيس إميل لحود على جدولة سندات الدين قبل مواعيدها، بفوائد عالية، ما عاد بالفائدة على أصدقائه المصرفيين. الحريري كان قد خطط لاستغلال حصول الأزمة المالية المقبلة في معركته الصامتة ضد التمديد للحود». هذا الاعتقاد عند فيلتمان، عزّزه رأي الوزيرين حداد وأزعور.
في الوثيقة 07 BEIRUT 794، في 4 حزيران 2007، يشرح فيلتمان نقلاً عن حداد وأزعور أن رفيق الحريري كان يريد استغلال تزامن استحقاق الدين والانتخابات الرئاسية، ليثبت قدرته السحرية المالية في السيطرة على الأوضاع، إلّا أن الهندسة المالية التي قام بها سلامة من خلف ظهر الحريري حرمته من ذلك. ونقلاً عن النائب مروان حمادة، يكتب فيلتمان: «أخبرنا حمادة أن الحريري كان يرى موضوع النقد وسيلة سياسية ضد لحود». يعلق فيلتمان: «سلامة هزم الحريري باستخدام سلاحه ضده.”
أما في الوثيقة 07 BEIRUT 352، في 7 آذار 2007، فيكتب فيلتمان بوضوح أن «سلامة خلال ولايته كحاكم، ابتكر أدوات نقدية للحفاظ على الاستقرار النقدي، ودعم المصارف لكي تكون شريكاً في ثبات سعر الليرة وتكوين احتياطي أجنبي. سياساته ساهمت في نقل الكثير من الأموال من الحكومة إلى المصارف الخاصة. استخدم سلامة خبرته لدعم الرئيس رفيق الحريري. وعندما أراد الحريري التمديد للرئيس الياس الهراوي، دخلت الأسواق تحت ضغط مالي، وقام المصرف المركزي بضخّ ملياري دولار في السوق ورفع الفوائد على سندات الخزينة إلى 40%».
ويضيف فيلتمان: «أيضاً في بداية التسعينيات، قامت بعض المصارف الخاصة ومنها بنك ميد التابع للحريري، بالتآمر على العملة المحلية فتعرضت للانهيار ووصلت إلى 3000 ليرة للدولار في نيسان 1992، ما تسبّب في سقوط حكومة خصم الحريري، الرئيس عمر كرامي.”
عمولات رجا سلامة
في الوثيقة 07 BEIRUT 352، في 7 آذار 2007، وفيها لقاءات مع مصرفيّين من بينهم رئيس مجلس إدارة بنك لبنان والمهجر سعد أزهري، والمدير العام السابق لوزارة المالية آلان بيفاني، يدوّن فيلتمان تفاصيل حول عمل سلامة مع الرئيس رفيق الحريري، وتشخيص للحاكم كمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية اللبنانية. ويظهر من نمط المحضر، الإعجاب الذي يبديه المصرفيون بسلامة وسياسته المالية، وطموحهم لوصوله إلى رئاسة الجمهورية. في المقابل، يشير فيلتمان إلى مآخذ كثيرة حول طريقة عمله والشبهات التي تحوم حول أعماله وأعمال أفراد من عائلته، من دون أن يمنعه ذلك من الإشادة به.
ومن دون أن يذكر المصدر، يدوّن فليتمان أن «سلامة استفاد من المتاجرة بديون الحكومة اللبنانية عبر أقربائه بعد مؤتمر باريس 3».
ويضيف أنّه «وقّع عقداً مع مؤسسة كندية لطباعة أوراق العملة اللبنانية منذ التسعينيات. رجا سلامة، شقيق الحاكم، كان جزءاً من الصفقة وتقاضى عمولة في ذلك الحين، (بالإضافة إلى جمال خدام ابن نائب الرئيس السوري الراحل عبد الحليم خدام)، ولا يزال يتقاضى العمولات في كلّ مرة تطبع فيها أوراق جديدة». يعلّق فيلتمان على الهامش: «جودة أوراق العملة ليست جيّدة، ويجري تغييرها كل بضع سنوات.”
* المصدر: جريدة الأخبار.
“محكمة” – الأربعاء في 2023/3/8