ريما خلف تتفوّق على”الإسكوا”: إسرائيل نظام فصل عنصري
كتبت نسرين نصّار:
ما فعلته الدكتورة ريما خلف، أحجم ملايين الرجال العرب عن القيام به، إذ إنّها أبدت شجاعة موصوفة في تسجيل موقف تاريخي فاق الكثيرين من السياسيين بأشواط وسنين من العمر، متنازلة عن الوظيفة للحفاظ على الكرامة التي هي أغلى وأثمن ما يملكه الإنسان، وأظهرت أنّها صاحبة مبدأ غير قابل للمساومة، وهذا أمر مهمّ في الإنسان والحياة، ولذلك فهي تستحقّ كلّ تقدير وثناء.
وقد فاجأت الدكتورة خلف العالم كلّه بتقديم استقالتها من منصبها الرفيع كأمينة تنفيذية في منظّمة “الإسكوا” التابعة للأمم المتحدة إثر سعي الأمين العام أنطونيو غوتيريش إلى ثنيها عن إبقاء تقريرها عن “الممارسات الإسرائيلية نحو الشعب الفلسطيني ونظام الفصل العنصري” منشوراً على موقع المنظّمة الإلكتروني، وذلك لما تضمّنته صفحاته الأربع وسبعين مع الملحقين، من إتهام علني لإسرائيل بأنّها أسّست نظام فصل عنصري نتيجة دراسة علمية موزونة تستند إلى تعريق القانون الدولي لجريمة الأبارتايد(Apartheid) التي تتناول تسلّط جماعة عرقية على أخرى، والأنكى أنّ هذا الأمر غير المقبول قانونياً وأخلاقياً، لا يزال يحصل في القرن الواحد والعشرين وعلى مرأى ومسمع من شعوب العالم أجمع والجمعيات المعنية بحقوق الإنسان.
وفيما انهمكت الأمم المتحدة وإسرائيل في لملمة آثار هذا التقرير المفيد للقضيّة العربية والفلسطينية على وجه التحديد، إنبرى بعض العرب إلى تبييض صفحتهم بالتذكير بالتاريخ السياسي للدكتورة ريما خلف ومنها أنّها كانت “عضواً في حكومات الإفقار والخراب الإقتصادي” في المملكة الأردنية الهاشمية بعد توقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية في وادي عربة في العام 1994 بإشراف الولايات المتحدة الأميركية، من دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء الإضاءة على جماليات تقرير خلف الجريء والصريح في عدم المجاملة وقول الحقّ وفقاً للمعايير القانونية، ومن دون التوقّف عند أيّة اعتبارات أخرى تمليها الوظيفة والمنصب والسياسة عامة.
وكانت ريما خلف الهنيدي قد عيّنت وزيرة في الأردن ثلاث مرّات بين العامين 1993 و2000.
وقالت خلف في كتاب استقالتها: “إنّ الأدلّة التي يقدّمها التقرير قاطعة، وتكفيني هنا الإشارة إلى أنّ أيّاً ممن هاجموا التقرير لم يمسّوا محتواه بكلمة واحدة”، وأضافت:” أنا لا أستطيع أن أسحب مرّة أخرى، تقريراً للأمم المتحدة، ممتازَ البحث والتوثيق، عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، غير أنّني أدرك أيضاً، أنّ التعليمات الواضحة للأمين العام للأمم المتحدة لا بدّ من أن تنفّذ، ولذلك، فإنّ هذه العقدة لا تحلّ إلاّ بأن أتنحّى جانباً وأترك لغيري أن يقوم بما يمنعني ضميري من القيام به، وإنّني أدرك أنّه لم يبق لي في الخدمة غير أسبوعين، لذلك فاستقالتي هذه لا تهدف إلى الضغط السياسي عليك، إنّما أستقيل، ببساطة، لأنّني أرى أنّ واجبي تجاه الشعوب التي نعمل لها، وتجاه الأمم المتحدة، وتجاه نفسي، ألاّ أكتم شهادة حقّ عن جريمة ماثلة تسبّب كلّ هذه المعاناة لكلّ هذه الأعداد من البشر”.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 16 – نيسان 2017)