أبحاث ودراسات

لاستعادة صلاحية منع المحامي من ممارسة مهنته من قاضي التحقيق/أديب زخور

المحامي أديب زخور:
إنّ قرارات عدة صدرت عن القضاء ونسبت لقاضي التحقيق الصلاحية بطريقة مخالفة للقانون اللبناني والفرنسي، بمنع المحامي من ممارسة مهنته وهي صلاحيات تعود الى نقابة المحامين حصراً، وآخرها بتاريخ 2021/5/31 حيث صدر عن قاضي التحقيق في بيروت القاضي أسعد بيرم قرار قضى بمنع محام من ممارسة مهنة المحاماة ومنعه من دخول قصور العدل فأعلنت نقابة المحامين في بيروت وفي ذات التاريخ الاستمرار بالاضراب طوال الاسبوع حتى يوم الجمعة 2021/6/4، مع التمسك بصلاحيتها الحصرية بشأن منع مزاولة مهنة المحاماة.
وكان مجلس النقابة اعلن الاضراب ليومين في 2021/5/27 وذلك يومي 28و30 ايار وكان في حالة انعقاد دائم لمواكبة التطورات في قضية التجاوزات التي تطال مهنة المحاماة ودور المحامي ودور النقابة في رعاية شؤون المهنة كما جاء في بيان النقابة تاريخ 2021/5/31.
وبعدها تمّ اعلان الاضراب المفتوح، ولم يتم حلّ الموضوع القانوني حتى تاريخه، وسنبين المخالفات القانونية وكيفية معالجتها.
كان قاضي التحقيق نفسه أصدر بتاريخ 2020/11/13 قراراً قضى بمنع المحامي والنائب هادي حبيش من ممارسة مهنة المحاماة ثلاثة اشهر استناداً الى المادة 111 أ.م.ج فقرة هاء ومنعه من دخول قصور العدل والمحاكم طوال هذه الفترة وقرر تركه لقاء كفالة مالية قدرها 50 مليون ليرة، وعلى اثرها صدر بيان عن مجلس نقابة المحامين في طرابلس لانتماء المحامي اليها، شدد ان المجلس التأديبي في نقابة المحامين هو الجهة الوحيدة المخوّلة منع المحامي من ممارسة مهنته، وقضى بمقاطعة جميع قضاة التحقيق لحين العودة عن القرار لمخالفته القانون. وخشي المجلس من تدابير مماثلة بحق المحامين وكخطوة اولى اعلن منع المحامين من المثول امام جميع قضاة التحقيق، لحين حلّ المشكلة من المراجع المختصة.
وقد صدر بعدها عن الهيئة الاتهامية في بيروت قرار بتاريخ 2020/12/31 قضى بفسخ القرار جزئياً وتصديق قرار قاضي التحقيق لجهة منع المحامي والنائب هادي حبيش من ممارسة مهنته ودخول قصور العدل لمدة 3 اشهر، كما صدر بوقت لاحق قرار عن الهيئة الاستئنافية في بيروت صدق قرار قاضي التحقيق تاريخ 2021/5/31.
إستعرضت الهيئة الاتهامية تطور النص الفرنسي للمادة 138 فقرة 12 أصول محاكمات فرنسي التي أتت أوّلاً بمنع ممارسة بعض الأنشطة المهنية، ولم تذكر بتاتاً مهنة المحاماة، وفي فترة لاحقة في العام 1993 اعطيت الصلاحية الى قاضي التحقيق الفرنسي بنص واضح في تقرير منع المحامي من ممارسة مهنة المحاماة مع ذكرها بالتحديد، بالرغم من الاشكالية في التطبيق والاجتهاد الفرنسي آنذاك، وفي مرحلة ثالثة من التعديل الفرنسي في العام 2000 وهنا بيت القصيد، تم التوصل الى النص النهائي بإعطاء صلاحية تقرير منع المحامي من ممارسة مهنته الى نقابة المحامين بعد احالتها من قاضي التحقيق الى نقابة المحامين حيث يقرر مجلس النقابة وحده ضمن صلاحيته منع المحامي من ممارسة مهنته من عدمه بحسب النص الفرنسي الاخير، وتم الغاء النص الذي اعطى هذه الصلاحية لقاضي التحقيق.
وورد في المقطع الاخير من المادة 138 فقرة 12 المعدّلة عام 2000:

« L orsque l activite concernee est celle d un avocat, le conseil de l ordre, saisi par le juge d instruction a seul le pouvoir de pronocer cette mesure a charge d appel dans les conditions prevues a l article 24 de la loi n 71-1130 du 1 decembre 1971 portant reforme de certaines professions judiciaires et juridiques, le conseil de l ordre statut dans les quinze jours ».

ومن هذا النص تحديداً، تم أخذ المادة 111 أم.ج فقرة هاء، في العام 2001 المقابل لنص المادة 138 أ.م.ج فقرة 12 فرنسي، والتي تعطي الصلاحية الحصرية لمجلس النقابة بمنع المحامي من ممارسة مهنته.
الا ان قاضي التحقيق ومن بعده الهيئة الاتهامية أخطأت في تفسير القانون وقفزت عن المادة الصريحة وشوهتها، واعطت الصلاحية بشكل خاطىء لقاضي التحقيق بعكس النص الفرنسي المعدّل والصريح والواضح.
واستنتجت الهيئة الاتهامية خطأ صفحة 5 من قرارها الاول ومن بعدها كررته بقرارها الثاني، وخلافاً لنص المادة 138 أم.ج فقرة 12 فرنسي، وقالت إن المشرع الفرنسي لم يستثني المحامي بنص خاص وأعطيت الصلاحية لقاضي التحقيق على ان تبلغ فقط نقابة المحامين في تقرير المنع، بعكس التحليل الذي اتبعوه وشرحوه في مضمون قرارهم وبعكس مضمون النص الفرنسي 138 فقرة 12 للعام 2000 الواضح والمحدّد الذي اعاد الصلاحية الحصرية لمجلس النقابة، مما ادى الى أخطاء فادحة في بدء التحليل والاستنتاج، وكرّت الاخطاء من بعدها تباعاً.
كما خالفت هذه القرارات مبدأ إعمال قاعدة لا عقوبة بدون نص، ولا اجتهاد في معرض النص الصريح، وعدم جواز التوسع بتفسير او تعطيل القوانين الخاصة وتقدمها على النص العام، لا سيما قانون تنظيم مهنة المحاماة في المواد 96و99و102 و108 وما يليها والتي تعطي الصلاحية لنقابة المحامين من خلال المجلس التأديبي في تقرير منع مزاولة المهنة، ويتوجب التقيد ايضاً بمصدر المادة 111 فقرة “هاء” للعام 2001 المأخوذ من المادة 138 فقرة 12 للعام 2000، هذا اذا اراد القاضي الاخذ بنية المشرّع الفرنسي للنص الاساسي، واقلّه الرجوع للنص الاصلي الكامل بإعطاء الصلاحية الحصرية لنقابة المحامين وتطوير وتحصين النصوص.
عبارة بعض المهن الواردة في القانونين اللبناني والفرنسي لا تشمل مهنة المحاماة.
ان القانون الفرنسي عندما اورد في المادة 138 فقرة 12 أ.ج عبارة certaines activites de nature professionnel ، اي بعض النشاطات ذات الطبيعة المهنية وقابلها نص المادة 111 فقرة هاء أ.م.ج “بعض المهن”، هو للتأكيد ان المقصود هو “بعض المهن وليس كلها” ولاستثناء المحامي في النص الفرنسي بشكل واضح وصريح وأكدها في الفقرة 12 بإحالة الملف الى نقابة المحامين ونزع الصلاحية من قاضي التحقيق، بعكس المهن الاخرى وهذا دليل ونص واضح وصريح، والاّ لتمت صياغة النص الفرنسي بعبارة “جميع النشاطات ذات الطبيعة المهنية”.
وقابله النص اللبناني حيث جاءت الترجمة “بعض المهن” للتأكيد ان جميع المهن ليست مشمولة بنص المادة 111 فقرة هاء أ.م.ج مقارنة بالنص الفرنسي، لا سيما منها مهنة المحاماة المنظمة بقانون ويرعاها قانون خاص قانون تنظيم مهنة المحاماة، وينظم بوضوح حالة منع مزاولة المهنة والاحالة الى المجلس التأديبي، في المواد 99 و102و108 و109منه وما يليها.
وان قاضي التحقيق والهيئة الاتهامية كانت لديهما القناعة ان نص المادة 111 فقرة هاء أ.م.ج لا تكفي لوحدها لمنع المحامي من مزاولة مهنته، فاستندوا في قراراتهم الى الاستنتاج والى المقارنة مع المادة 138 فقرة 12 فرنسي وفسروها بشكل خاطئ، ودون الالتزام بالقواعد والمبادئ العامة والمواد الملزمة في قانون تنظيم مهنة المحاماة، والى تفسير وتشويه المواد والنصوص القانونية.
كما جاءت القرارات مخالفة لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات والتدابير في شرح المواد الفرنسية واللبنانية (لا جريمة ولا عقوبة بدون نص)
يراجع: ” ومما لا شك فيه ان القانون الخاص يفسّر، بل يجب ان يفسّر بشكل ضيّق. والعبرة في ذلك تكمن في ان احكامه وضعت لاسباب واهداف خاصة بجمهرة المحامين. لذلك فمن الواجب تفسيرها “ضمن الاطار”الذي كان سبب استحداثها. وهذه القاعدة تجد مبررها في المبدأ الكلي.

Exceptio est strictissimae interpretatiois (les excéptions sont d interprétations stricte)

والفقه صريح بهذا المعنى. كذلك الاجتهاد الذي قرر ويقرر بأن النصوص الخاصة تفسّر بشكل ضيّق، ولا يجوز اضافة حالات على تلك النصوص عليها في هذه التشريعات (محكمة التمييز المدنية، قرار رقم 97، تاريخ 7 أيار 1968. مجلة العدل العام 1968 ص 705).

Jean carbonnier :Droit civil tome 1.collection Thémis. 1967 p83-“la loi special étant exceptionnelle sera interprétée strictement.. »

الياس ابو عيد، المحامي، الجزء الاول، 2007، صفحة 36.
بالاستناد الى المخالفات المتكررة، يتوجب توضيح العلاقة مع القضاء في ما يختص صلاحية قاضي التحقيق بمنع ممارسة المحامي لمهنته ومنعه من دخول قصور العدل والتي تعود حصراً لنقابة المحامين كما بينا، كون هذه القرارات أقتنصت صلاحية النقابة بغير وجه حق وبطريقة مخالفة للقانون بشكل فاضح، وتشكل سابقة خطيرة الى جانب المخالفات السابقة الصادرة عن محكمة الاستئناف النقابية، ومخالفات جوهرية للقانون يتوجب تصحيحها بمقاربة قانونية وموضوعية في الشكل والاساس مع القضاء.
“محكمة” – الثلاثاء في 2023/9/19

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!