سبعون عاماً على شرعة حقوق الإنسان /بسام الحلبي
المحامي بسام أمين الحلبي:
أبدأ كلمتي مستعيراً ومعتذراً من الشاعر الكبير نزار قباني ، ما قاله في مقدّمة ديوانه الشعري الشهير، “الرسم بالكلمات” ، مُحوَّراً بما يتناسب مع موضوع المؤتمر، فأقول “سبعون عاماً على درب حقوق الإنسان وما زال الدرب طويلَاً ، سبعون عاماً يا حقوق الإنسان وما زلنا في الصفحة الاولى”.
أين نحن اليوم من الشرعة العالمية التي وُقّعت، وكان لبنان، بشخص مندوبه في الأمم المتحدة ألدكتور شارل مالك، من الموقّعين عليها سنة 1949 والتي أعلنت حقوق الإنسان منذ ولادته حتى وفاته.
للأسف نقول إنّ حقوق الإنسان تُخالف من غالبية، لكي لا نقول من جميع الدول التي وقّعت عليها ، ويمكن حتّى القول إنّه في لبنان كنا بتاريخ توقيعها ننعم بظروف حياتية وبحُكم وحكومة، وليس كما نحن الآن نعيش وكافة الحقوق التي وقّعنا على إنشائها مهدورة، في غياب سلطة تنفيذية ترعى وتدير، وإذا وجدت تكون متناحرة بحيث تصبح غير منتجة، ما يجعلنا دولة إفتراضية لم يوجد لها تصنيف بين الدول كما عرفها العلم الدستوري.
وليس من قبيل الصُّدف، أو قد يكون من قبيله، أنّ المؤتمر يُعقد اليوم في هذا الصرح الجامعي العريق، فلا يَستغرب من يلم بتاريخ جامعة بيروت العربية أن يُعقد وتحت هذا العنوان في حرمها، فالرئيس الخالد جمال عبـد الناصر واضع المدماك الأوّل لها، والتي تحمل هذه القاعة إسمه كان من الزعماء العالميين الأوائل الذين رفعوا شعار المدافعة عن الكرامـة والحرية والوطنية ، عندما رفع لثورته التي غيّرت مجرى التاريخ ، خاصة في منطقة الشرق الأوسط شعار”إرفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الإستعباد”.
كما كان لهذه القاعة، حتّى بداية الحرب الأهلية سنة 1975، أكثر من لقاء سنوي، مع أمير الشهداء المعلّم كمال جنبلاط ، مؤسّس ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي تحت شعار “مواطن حرّ وشعب سعيد”. و قضى الإثنان دفاعاً عن حقوق الإنسان في الحرّية والدمقراطية والحياة الكريمة، فالأوّل ذُبح قلبه من التآمر عليه ، والثاني فجّروا رأسه لأنّهم لم يكونوا على قدر فهم رؤياه للبنان والإنسان.
الســادة الكرام ،
الحياة الكريمة هي العنوان الذي يجب المدافعة تحته عن كافة حقوق الإنسان، خاصة في عالمنا العربي حيث هذه الحقوق مختلفة المفهوم بين دولة وأخرى، وأكثر من ذلك بين أبناء الوطن الواحد، فما هو حقّ لدى مجموعة، يعتبر جريمة لدى مجموعة أخرى، وما هو حضارة لدى فئة هو خلاعة لدى فئة أخرى، ودون المتابعة لأنّ القائمة طويلة.
إنّ هذا التكوين المزخرف للمجتمع العربي يستوجب من الناشطين في مجال حقـوق الإنسان، والدفاع عنها، الإنطلاق من مبداً سيادة المواطنية والإنتماء إلى الوطن، وأختصر هذا القول بكلمة العلمانية، والإستفادة من تجارب الغرب في هذا الموضوع. فالغرب لم يصل إلى ما وصل إليه من حضارة إلا بثقافـة الوطنية وفصله الدين عن الدولة، وهي الفلسفة التي شرحها “فولتير” و “روسو” ونتيجة النضال لسيادة هذه الثقافة نجد المواطن الغربي، يصل إلى معبده وطنياً فيدخله ويصبح منتمياً إلى طائفتـه وبيئته الإجتماعية، وعند خروجه من المعبد يعود مواطناً، وطنه هو مرجعه، وذلك خلافاً لمجتمعنا حيث يدخل المواطن إلى معبده منتمياً إلى طائفة فيخرج منه متعصّباً، فالمواطنية هي من سيجعل حقوق الإنسان واحدة للمواطنين كافة ويجعلهم متساوين بالحقوق والواجبات.
ولا بد من الإشارة إلى ما جرى في الشارع الفرنسي في الأسابيع الأخيرة عندما عبّر المواطنون عن غضبهم فجاءت النتيجة، إعتذار الرئيس واعترافه بأنّ مطالب الشعب محقّة ووعدهم بتلبيتها ، والسؤال الذي يطرح نفسه ، ماذا كان سيحصل في أيّ دولة من دولنا العربية لو قام الشعب بمثل هكذا حركة شعبية ، هل كانـت السجون ستستوعب عدد من سيعتقل منهم؟ هل كان سيوجد الإجماع الشعبي مع انعدام الإنتماء الوطني، وحلول مكانه الإنتماء المذهبي وليس الطائفي؟ فإذا إنتفضت طائفة عارضتها طائفة أخرى وحتى المذاهب ضمن نفس الطوائف تتناحر بسبب خلافهم على المفاهيم الوطنية.
أمام ممثل هذه الفسيفساء الإجتماعية، نجد أنّ الحق بحاجة إلى مدافعين عن طلبات المواطنين ومفاهيمهم المختلفة لحقوق الإنسان، وهو ما يعيدنا إلى بحث المواطنية، فعندما يرتبط الإنسان بوطنه، ويتشرّب ثقافة الوطن ونجعل حقوقه مرتبطة بهذا الشخص المعنوي السامي، تصبح حقوق المواطنين واحدة تدافع وتشرف عليها وتحميها الحكومات.
والمواطنون في لبنان قبل البحث والمدافعة عن حقوقهم الإنسانية في الوطن، لا بدّ من الإبتهال إلى الله والمدافعة عن حقّهم بوجود حكومة تنظّم شؤونهم قبل حقوقهم، وعن حكم يحكم بالسواسية و لا يقول إنه يسعى لتحصيل حقوق طائفة أو مذهب وكأنّه الرئيس لفئة دون أخرى.
إنّ ما يجري في لبنان اليوم هو هدر لحق الإنسان بوجود سلطة ترعاه، ولا بدّ من المدافعة عن هذا الحقّ، ورفع الصوت بوجه جميع المسؤولين عن تشكيل الحكومة، بالقول إنتبهوا إنّ الإنسان في لبنان بخطر و ليس حقوقه فقط .
متمنين لمؤتمركم النجاح ، شاكراً إصغاءكم معتذراً إذا شطت. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
“محكمة” – الخميس في 2019/1/24
• ألقيت هذه الكلمة في جامعة بيروت العربية ، بمناسبـة إحتفـال المفوضية الساميـة لحقـوق الإنسـان، بالذكرى السبعيـن لتوقيـع الشرعة العالمية لحقوق الإنسان ممثّلاً معالي وزير الدولة لشؤون حقوق الإنسان، بتاريخ 2018/12/12.