شاب يروي لـ”محكمة” تجربته: هكذا أصبحتُ مثلياً!/مريانا برو
حاورته المحامية مريانا برو:
إلتقت “محكمة” الطالب الجامعي الشاب فادي(إسم مستعار) المصنّف مثلياً، وأجرت معه الحديث التالي:
• متى بدأ يراودك الشعور بأنّك مثلي؟
عندما كنت تقريباً في الخامسة عشرة من عمري، وكنت في الصف التاسع(البريفيه) حيث كنت دائماً، أحاول تصنيف زملائي من الأجمل إلى الأقلّ جمالاً، ولكن دون أن أعرف ما السبب، ولم أكن أرى أيّ إثارة في معلّماتي الشابات(كما كان يفعل الباقون)، بل كانت متعتي بالتحديق في تفاصيل أساتذتي الذكور، وانتهى العام وبدأت “المشكلة” تكبر، فلم يعد التصنيف تصنيفاً، بل تحوّل إلى إعجاب واستثارة وشعرت بأنّ هناك شعوراً داخلياً غريباً، فذهبت مباشرة للقراءة عن هذا الموضوع عبر شبكة الإنترنت، وما زلت أذكر حتّى الآن شغفي وتوتّري عندما كنت أقرأ عن المثلية الجنسية.. ومنذ ذلك الحين، إكتشفت أنّني مختلف ولا أشعر بانجذاب نحو الإناث أبداً، ولكن بسبب تديّني وإيماني، حاولت كثيراً كبت هذه المشاعر.
• هل تعتقد أنّك ولدت على هذا النحو، أم أنّك اكتسبت هذا الميل؟
ليس العامل الجيني الوراثي وغير الوراثي هو الوحيد الذي يؤثّر في تكوين الميول والهرمونات لدى الشخص، فسبب وجود هذا الميل لا يُعزى إلى البيولوجيا فحسب، بل يتعدّاه إلى عوامل تربوية نفسية إجتماعية وثقافية أخرى، لكن بالطبع المثليون/ات يولدون هكذا، فالمثلية ليست تيّاراً فكرياً أو موجة نمتطيها فترةً ثمّ نغادر بعيداً، أو موضة نتبعها، ثمّ نخلعها، وليست خياراً أبداً، لا بل هي أسلوب حياة وهي جزء لا يتجزأ من الشخص، وكما أنّه لا يوجد سبب واضح ومؤكّد حتّى الآن لماذا يولد المثليون/ات على هذا الميل، لا أحد يعلم لماذا يخلق المغايرون على هذا النحو أيضاً!.
• ماذا عن محيطك الإجتماعي (العائلة، الأصدقاء، زملاء الدراسة والعمل) هل يعرفون وما مدى تقبّلهم للأمر؟
معظمهم يعلم وليس عن طريق الخطأ أو اكتشفوا ذلك، بل أنا أخبرتهم بنفسي، وسأسرد كيف جرت الأمور:
بعد البحث طويلاً، إقتنعت نوعاً ما بطبيعة الأمر وتقّبلته، ولكن سرعان ما عدت ودخلت في دوّامة الصراع (الدين- الله -حياتي الجنسية)، حتّى صادفت “طبيبة نفسية” في مؤتمر وعرضت أنّها تقدّم إستشارات مجانية نفسية، فكنت بعد فترة صراع أتخيّل أنّ الإنترنت شبكة من صنع “الغرب”، ولذلك يعتبرون المثلية أمراً طبيعياً لأنّهم يريدون غزونا بثقافتهم الفاسدة، فتوجّهت بلا تردّد إلى هذه “الطبيبة”، وكنت في ذلك الحين في أوج الصراع، وتوقّعت أنّها مشكلة بسيطة سوف تحلّها بعدّة حبوب من الصيدلية وأعود “طبيعياً”، ولكنّ ذلك لم يكن كما توقّعت حيث أصبحت الأمور أكثر تعقيداً معها.
في نفس اليوم، وعندما عدت إلى المنزل، قرّرت أن أخبر أمّي، بعد أن كنت قد أخبرت بعض الأصدقاء الذين تقبّلوا الأمر برحابة صدر بعدما قلت لهم إنّني سوف “أعالج” نفسي، فكانت ردّة فعلها عنيفة تجاهي على الأقلّ لفظياً، وأنّبتني ووبّختني على هذ الشعور.. تدهورت علاقتنا، بعدما كانت وطيدة، لمدّة سنة ونصف السنة تقريباً، ثمّ بدأت تتحسّن الأوضاع دون أيّ حديث عن ميولي، لكنّها الآن بعد تقبّلي لنفسي ووعي وتوعيتها تقبّلتني كما أنا، وهذا ما كنت أنتظره منها، ولكنّها فاجأتني أنّها داعمة ومتابعة بعض الشيء لأخبار “مجتمع الميم” بسببي وأنا فخور جدّاً بها، والدي لا يعرف الكثير عني بشكل عام, لدي أخ واحد وحينما أخبرته قال لي “حاول أن تصلح نفسك” ولم يُعِر الموضوع أهميّة كبيرة، أمّا أصدقائي، فهم السند الأعظم في هذا المجال، وخلال هذه الفترة العصيبة من حياتي وبالطبع بعضهم تخلّى عني تماماً ولم يتقبّل الأمر وحاربني، وبعض زملاء الدراسة واجهوني بالتهديدات بالقتل والعنف لمجرّد شكّهم أنّني مثلي جنسياً وقد كان شيئاً بشعاً جدّاً، إحساس الخوف أنّه في يوم ما، لن أعود إلى المنزل سليماً!.
أمّا بالنسبة للعمل، فقد تمّ طردي منه في الصيف، لهذا السبب، وتمّ تقبّلي من معظم الزملاء لأنّني شخص يتقن عمله وهذا ما تهتم به مؤخّراً الشركات والمؤسّسات لا حياتك الشخصية، هذا بشكل عام ما مررت به في رحلة الإعلان والتقبّل.
• هل تتعرّض للمضايقات حين توجد في بعض الأماكن؟
عندما كنت أصغر سنّاً من الآن، نعم كثيراً ما كانت تحصل لي مضايقات، لأنّني كنت ذاك الشخص الضعيف الناعم اللطيف، لكنّني أقوى اليوم وأعلم كيف يمكنني ردّ الإهانة بشكل محترم إنْ أردت لكنْ عادةً ما أتجاهل الجاهلين، وأنا أمتلك حتّى الآن صوتاً ناعماً وهذا ما خلقني الله عليه، ولا أشعر بالخزي بسببه، بكيت كثيراً في السابق، بسبب السخرية وبعض التعابير التي تُلْقى على مسامعنا نحن المثليين/ات على نحو يومي لكنّنا اعتدناها.
• هل حاولت تغيير ميولك في السابق بسبب تديّنك، أو كما قلت لي تردّدك إلى طبيبة نفسية؟
نعم، حاولت حوالي الثلاث مرّات تغيير ميولي، ولكنّني أعود إلى رشدي وعقلي ونضجي كلّ مرّة أقترب من الذهاب إلى طبيب نفسي لدرجة أنّني صرت أعرف أسماء كثيرة ممن يدعون أنّهم “عالجوا” مثليين/ات من قبل. التغيير في الماضي كما يستعملونه –لا أعلم كيف- الآن هو التحويل ( (Conversion therapy والذي أثبت فشله ولم يغيّر أحد البتّة، لا على العكس، بل تسبّب بموت الكثير وبانتحار الكثير من الشباب، لكنّني كنت أوعى من الإنجرار في دوّامة الدجل والإكتئاب هذه.
• هل سبق لك أن أحببت فتاة، أم أنّ وجودك في مدرسة للذكور لم يسمح لك بذلك، وبالتالي أصبحت مثلياً؟
لا، لم أحبّ فتاة لا من قبل، ولن أحبّ في المستقبل، لأنّني وببساطة لا أميل إليهنّ، وبالتأكيد لم يكن وجودي مع ذكور معظم الأوقات، هو سبب ميولي، فقد كنت محاطاً بإناث أيضاً خارج المدرسة، وكنت في مجتمع مختلط(بين ذكور وإناث) بشكل عام، ثمّ إنْ كان هذا سبباً، فلماذا لا يصبح كلّ زملائي مثليين!
• كيف تقيّم نفسك الآن من ناحية تقبّلك لميولك؟ وهل تتخيّل أنّك ستتزوّج فتاة في المستقبل؟
الآن، أنا متقبّل لنفسي تماماً ومحبّ لميولي وفخور بها، كما أنّني مناضل في حقوق “مجتمع الميم”، وأعتبر نفسي عضواً فاعلاً في المجتمع ككلّ، ولا لن أتزوّج فتاة، ولن أكذب على نفسي، أو على أيّ أحد.
• هل تعتبر المثلية الجنسية مشكلة صحيّة؟
طبعاً ليست مشكلة صحيّة، وأنا لا أكره النساء، كما أنّني لا أعاني من عقد نفسية بسببهنّ، لذلك اتجهت نحو الرجال، لا أبداً، والموضوع أبسط من ذلك، فكما لا يمكننا تغيير لون العينين الطبيعي إلاّ بوضع عدسات لاصقة، أو تغيير لون الشعر إلاّ بالصبغة، فلا يمكننا تغيير الميول، ومن يعتبر نفسه أنّ بإمكانه معالجة هذه “المشكلة” فليتفضل ويرينا، كما أنّ الكثيرين يكبتون مشاعرهم ويعتبرون أنفسهم قد غيّروا ميولهم، وهذا أمر خاطئ يؤدّي إلى خلق أمراض نفسية.
• هل يوجد في لبنان من يدافع عن حقوق “مجتمع الميم”، وما مدى فعاليتها؟
نعم، يوجد الكثير من التجمّعات والجمعيات التي تعنى بحقوق “مجتمع الميم”، وتأمين بعض الخدمات والمساعدات كالمساعدة القانونية في حال التوقيف بتهمة المادة 534 عقوبات، والمساعدة النفسية والمساعدة الطبّية، كما تعمل على حملات الوقاية من مرض الإيدز، إلى جانب المناصرة والمدافعة عن الحقوق بالضغط على السلطة من أجل تغيير القانون الجزائي بما يتعلّق بالعقوبات والدراسات التي تقوم بها وحملات التوعية حول العبور الجنسي، أو حتّى المثلية الجنسية. وبرأي، فإنّ كلّ هذه الأعمال والنشاطات التي تقوم بها تؤثّر بشكل إيجابي في المجتمع والدولة والقضاء، فتجرؤ القضاة على إعلاء إنسانيتهم وحقوق الناس على العادات والتقاليد السائدة، كان بدفع من هذه الحركات أيضاً وهي فعّالة جدّاً في المضمار.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 27 – آذار 2018)
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.