مقالات

خاص”محكمة”: الغِسْل الشعبي وتَعَب الديموقراطية/عصام كرم

النقيب عصام كرم:
ما أحد منهم يحقّ له التصفيق لنفسه. كلّهم خسروا في الغِسْل الشعبي الذي نزلوا إليه في 6 أيّار 2018. كلّهم خسروا. حتى الفائزون. وذلك لسببين: الأوّل، أنّهم استقتلوا لإقناع الناس بالمشاركة في التصويت. فجفاهم الناس. إنتخابات 6 أيار 2018 كانت مظهراً من مظاهر تَعَب الديموقراطية في لبنان. والثاني، أنّ الأصوات التي نالوها … والإستثناء يثبّت القاعدة … لا تقول شيئاً حلواً عن رضى الناس. أكثر من نصف اللبنانيين لازموا بيوتهم في 6 أيّار 2018. مِثْلهم مِثْل العراقيين. لأنّ الناس سئموا هذا الطراز من الإختيار كما سئموا هذا الطراز من المطلوب اختيارهم.
الأحزاب ؟ لا! الحزبيّات كانت، في يوم القصاص، في وقفة المذْنب أمام القاضي.لأنّها أخفقت، وقد تولّت، في الأشياء الكبيرة وفي الأشياء الحياتية الصغيرة. ما وظَّفت في التربية. ولا في الشؤون الإجتماعية. ولا في تأمين العدالة. ولا في ضمان المساواة. ولا في تحضير المستقبل… وصولاً إلى القصص اليومية. مثل الكهرباء والزبالة. حتّى السَّيْر ظلّ بلا انتظام في إشراف شرطة مائعة وأمنيّين مترهّلين.
المجتمع المدني … كم هو في حاجة، بعد، إلى فتّ خبز. فضلاً عن وجوب إفصاحه عن هُوّيته. كلام كثير. ومضمون خاوٍ.
والمرأة …أين هي المرأة ؟ ماية وإحدى عشرة مرشّحة اختصرتهنّ صندوقة الإقتراع بستّ. مع أنّ المرأة تستحقّ . بشرط أن تنزل الساحة مستحقّة شرف المنازلة. عندنا وفي بلاد الآخرين. تيريزا ماي … وهي ليست الصورة التي يُدعى إلى التشبّه بها.. جاءت لأنّ الذكور الإنكليز قادوا البلد إلى البريكسيت. كريستين لاغارد جاءت بعد دومينيك سْتراوس كان، وقد ذهبت به “غلطته” مع نافّيساتو ديالو. تأتي المرأة بعد تنكّب الرجل عن الإصطدام بالأزمات الحِداد من دون أن تنسى أُنوثتها وأناقتها. تيريزا ماي هاوية أحذية. مادلين أُولبرايت هاوية مجوهرات. سيغولين رْويّال واجهت وخافت. كلّ النساء الحاكمات في العالم، وهنّ تسع عشرة، يُطلقن على أنفسهنّ صفة “المرأة الحديدية”. كأنهنّ، بذلك، يسفهنّ القائلين إنّ الرجل هو القاعدة والمرأة الإستثناء. نساء الكونغرس الأميركي عشرون في المئة. وفي كلام ظريف يريد تعزيز المرأة أنّ ليمان براذْرز، لو كان دُعي ليمان سيسترز، كانت اختلفت النتيجة. هذا كلام يتماشى مع كلام ميشيل أُوباما: عندما ينحدرون نصعد. فهل هكذا في لبنان؟ انحدر الرجال … في معظمهم … ولم تصعد النساء. ميشيل أُوباما قادرة على قول هذا لأنّ شعبيتها أقوى من شعبية زوجها. بعكس هيلاري كلينتون مع بيل. أنا قرأت الإغريق. عندهم أنّ غضب الرجل هو عنوان القوة الشرعيّة. عنوان السلطة. وغضب المرأة هو ضعف هستيري. وقرأت تاريخ الأكاديمية الفرنسية. على مدى خمسماية سنة تقريباً ثماني نساء فقط دخلن نادي “الأربعين الخالدين” على سبعماية وتسعة وعشرين عضواً قُسط لهم الجلوس في المقاعد الحمراء الصغيرة.
لا “الأحزاب” الذاهبة،اليوم، إلى التلاقي بعد فِرْقة حتّمتها المصلحة الصغيرة في الغِسْل الشعبي. ولا المجتمع المدني. ولا المرأة … ما أحد طلع رابحاً في يوم الشهداء في 6 أيّار. وحتماً ما الدولة. لأنّ الدولة هي الغائب الأكبر الساعية، بعد اجتيازها رواق التجرية بلا نجاح، لشراء غيبتها بوعود سمّتها، هي، تطلُّعات. كمثل ما يفعل كلّ حاكم يُطلع من الضغف قوّة. إيمانويل ماكرون بدأ عهده من سنة وعلى لسانه كلام يقول إنّ الحكْم هو الفاعلية والنجاح. فهل كانت السنة الأُولى من حكمه خليقة بهذين العنوانين؟ في بداية عهده بالـ إيليزي … القصر الذي أهداه لويس الخامس عشر إلى عشيقته مدام دو بوبادور كان يرى إلى نفسه ديغول 1958 أو ميتيران 1981 … وفي حاشيته من نظر إليه نابوليون القرن الحادي والعشرين. مع أنّه تحاشى، يوم احتفاله بنصره، أن يكون “بْلينغ بلينغ” مثل نيكولا ساركوزي. فلم يذهب إلى الفوكيتس. تعشّى والأصدقاء في “لاروتوند” مقهى كان يرتاده كوكتو وبيكاسْو. وفي بداية عهده بالـ إيليزي كان متأنيّاً. يلتّقف الفكرة فلا يتسّرع في إعلانها. يدفعها إلى مدير القصر ألكسي كوهلر لتتخمر … وفي باله أنّ الرئيس حارس المرمى. وأنْ لا منفعة من إذاعة الفكرة إذا كانت لن تسلك دربها إلى التنفيذ. يا ليت حكّامنا يقرأون ويسمعون ويعون! كلام كثير ووعود وهم يعرفون أنّ الناس لا يصدّقون! يعملون كأنّهم لا يهتمّون لرأي الناس. ماكرون حَرِد عليه أهل الفكر. ميشيل أونفري. ألان فينكيلكراوت. ريجيس دوبريّ. فبادلهم حرداً بحرد لأنّه واحد منهم. هو كان معاون بول ريكور في كتابة مولَّفه “ألذاكرة . ألتاريخ . النسيان” ، مكتفياً بمجالسة دانييل كوهين بنديت في ذكرى 5 أيّار 1968. كأنّ الثائر على “الفارس” صار عنواناً لمرحلة في تاريخ فرنسا. أنا أُريد أن أتصوّر لو كان جان دورهيسّون في الحياة، ماذا كان كتب عن ذلك، والإدارة الماكرونية، بعد سنة من عهد ماكرون، ما تزال كما كانت في أيّام فرانسوا هولاند، ولو أنً تفكيراً مبروراً حدا الرئيس الشاب على الإنفتاح على الإسلام!
بعض الرؤساء يتصرّفون متنكّرين لماضيهم. لزمانهم بما قبل الرئاسة. ألرئيس الفرنسي يبتعد عن الصحافة لأنّ الصحافة تُحاسب. دونالد ترامب رجل فِعْلَتيْ الإفتراء على السيرورة العادلة الطبيعية بإعلانه القُدس عاصمة إسرائيل وبنقل سفارته إليها في ذكرى النكبة في ذكراها السبعين وبطلوعه من الإتّفاق النووي مع إيران. كان قال لـ الواشنطن بوست، في إبّان معركته الإنتخابية إنه ضدّ غزو العراق. وكان قال، ثلاثة أشهر من قبل، إنه يؤيّد الغزو وظلّ مؤيّداً لا يتراجع عن كلامه إلاّ يوم تراجع الغزو في سنة 2004. يومذاك كتبت “الغارديان” صحيفة اليسار الليبيرالي: هل للحقيقة قيمةٌ بعد؟
لا! كلّ القِيَم في أزمة. وملازمة الهاوية تُضاعف احتمالات السقوط فيها. ذوو “الخناجر الأخوية” عندنا ذاهبون إلى المصالحة، والخناجر في ثنايا الثوب الذي يلبسون لأنّ الحالة … حالة ما بعد الإنتخبات … تفرض ذلك. ألمصلحة فرضت حمل الخناجر. والمصلحة تفرض إعادة الخناجر إلى الأغماد. والأزمات هي هي. لا يحلّها تلاقٍ ظرفيّ مكدود. لا التوافق، وهو تحصيل حاصل، على عودة الرئاستين الثانية والثالثة إلى حمل مستحقّيها. ولا الكلام على سْتراتيجية دفاعية كلّنا يعرف مآلها. ولا النأي بالنفس. ولا ربط النزاع. كلّها كلام كان أفضل ألاّ يُقال في معرض وعود لن ترى سبيلها إلى التنفيذ. والحكومة؟ ماذا عن الحكومة … حكومة العهد. حكومته الأُولى بعد أكثر من ثمانية عشر شهراً على قيام العهد. مرّات … لا يبدأ عمر الحِقاب من بداية الحقبة. ألقرن العشرون بدأ في سنة 1914. والقرن الحادي والعشرون بدأ في 11 أيلول 2001. ديغول اعتبر أنّ بيتان مات في سنة 1925 يوم أرسله بول بانلوفي وأريستيد بْريان إلى المغرب للقضاء على الجنرال ليوتي. وديغول كان يسخر من بيتان يوم يسعى الماريشال ليكون أكاديمياً. مع أنّه، يقول ديغول، وهو كان يكتب خطبه في زمن، ما كتب مرّةً في حياته. بل كان طِلْب وجاهة تسبقه إليها زوجته.
ألرجال المصنّفون “رجل قَدَر” يبالغون في الفكر والمآتي. ألرجال والدول. ألعالم العربي ليس “الربيع العربي”. هو العالم القديم. دمشق الأُمويين. بغداد بني العبّاس. يوم الحكم العربي دنيا … من جبال البيرينّي إلى الصين والهند. الإستعمار ذهب بالحكم العربي، وليس سهلاً القول إنّ حكماً بهذه الوضاءة قد يستعاد … وأمامنا محاولات من محمّد علي إلى عبد الناصر. هذا يومَ مصر هي مصر. لا يوم صار رمزٌ مثل ميدان التحرير حكاية حُفظت في كتاب الزمان. كمثل ما تُكتب الحكاية الفلسطينية باللحم الغزّاوي الحيّ على رغم افتئات دولي يبدأ بـ أميركا وينتهي بـ إسرائيل، وفي واشنطن وفي تلّ أفيف رئيس “رسولي”، ولو كان تحت التحقيق القضائي. فرانسوا فيّون، قبل أن يظهر على حقيقته، يوم كان ذاهباً إلى الإنتخابات التمهيدية اليمينية، كان يقول، وأمامه نيكولا ساركوزي في السباق، من يتصوّر الجنرال ديغول قيْد التحقيق؟
بعد الحرب الكونيّة الثانية صارت أميركا شرطيّ العالم. كأنّها حاملة رسالة إنقاذ من الله لنشر نظامها وفكرها وقِيَمها. كانت ترنو إلى أخذ الشمال الأميركي بضمّ الـ تكساس، ولو بحرب مع المكسيك في 1840. “هي أرض منحتنا إيّاها الإرادة الإلهية”. والإرادة الإلهية حملتها على فرض سياستها الخارجية. وهكذا بسْط الحماية على كوبا والفيليبيّن في 1898. وغزو العراق في 2003. وما انكفأت هذه الرسولية إلاّ بين 1919 و 1920. يومذاك رفضت أميركا توقيع معاهدة فرساي. كما رفضت دخول “عصبة الأُمم” مع أنّ رئيسها، توماس وودرو ويلسون هو صاحب فكرة إنشائها. هل يكون دونالد ترامب في هذا الإتّحاه، وفي المواجهة صين، جينبيغ وروسيا بوتين؟
أللهجة لهجة حرب. ما أحد يريد الحرب. خصوصاً لبنان. إلاّ إذا فُرضت عليه. وفي وجهه دولة تعتدى وتحترب بشرطين:أن تقضي مصلحتها بالذهاب إلى الحرب وأن يكون في مِكْنتها ربْح الحرب.
* * *
لبنان بلد السِلْم … حتّى يوم صار قادراً على ردّ العُدوان. لكنّه في عين الإعصار. لأنّه يقاوم. والمقاومة فعل محظور عند القادرين المعتدين!
* * *
الإنتخابت ما غيّرت شيئاً. اْسودّت بها وجوه واْبيضّت وجوه. لكنّ البياض التمّ ظلّ يجفو الرؤية اللبناية بعد الغِسْل الشعبي المنقوص فيه يوم 6 أيّار. وافتعال الفرحة في المهرجانات بعد يوم الشهداء محاولة لشراء الشعور بالخيبة المنغَّصة!
والغرب يتجافى. في كلام الأُوروبي أنّ من كان ترامب صديقه لا يحتاج إلى أعداء. هكذا قالوا عن أنور السادات بعد عودته من زيارة إسرائيل ومصافحته مناحيم بيغين.
(نشر في محكمة – العدد 30 – حزيران 2018 – السنة الثالثة)
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!