أبرز الأخبارعلم وخبر

ضدّ من يقدّم الاستئناف في إذن الملاحقة.. ومفهوم الأعمال الناشئة عن ممارسة المهنة/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
بحثت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت، الغرفة الحادية عشرة الناظرة في الدعاوى النقابية والمؤلّفة من القضاة الرئيس أيمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري وعضوي مجلس النقابة الأستاذين فادي بركات وندى تلحوق عدّة نقاط تتعلّق بالجهة التي يقدّم بوجهها الاستئناف في مسألة إذن الملاحقة، وفي مفهوم الفعل الناشئ عن ممارسة المهنة.
واعتبرت أنّ القرار المستأنف يندرج في إطار النوع الثاني من القرارات الصادرة عن مجلس نقابة المحامين، إذ إنّه يتعلّق بطلب إذن الملاحقة، فيكون الخلاف حاصلاً بين طالبة الاذن اي النيابة العامة الاستئنافية والمطلوب الاذن لملاحقته اي المحامي المدعى عليه جزائياً.
كما اعتبرت المحكمة ان الفعل يعتبر ناشئاً عن المهنة او بمعرضها عندما يتعلق الامر بأي عمل يقوم به المحامي اثناء دفاعه او تحضيراً له او ناتجاً عنه.
وقضت برد الاستئناف.
ومما جاء في القرار 30/2019 الصادر بتاريخ 2019/6/13
ثانياً: في تشكيل الخصومة
حيث ان المستأنفة تقدمت بالاستئناف الحاضر بوجه كل من نقابة المحامين في بيروت والنيابة العامة الاستئنافية في بيروت والقاضي السيد طعناً بالقرار الصادر عن مجلس نقابة المحامين في بيروت الصادر بتاريخ 2017/6/16 القاضي باعتبار الافعال المنسوبة للمحامية غير ناشئة عن ممارسة مهنة المحاماة.
وحيث انه يقتضي التحقق من مدى توافر صفة المستأنف عليهم لتقبل الطعن الراهن.
وحيث ان الخصوم في النزاعات المتعلقة بطلب منح الاذن بالملاحقة ضد المحامي المدعى عليه جزائيا وفق ما نصت عليه المادة /79/ من قانون تنظيم مهنة المحاماة يحددون بشكل حصري، ويكون النزاع في هذه الحالة محصوراً بين طالبة الاذن اي النيابة العامة الاستئنافية والمطلوب الاذن لملاحقته اي المحامي المدعى عليه جزائياً.
وحيث ان تحديد الخصوم بهذا الشكل يعود الى طبيعة الطلب المقدم الى مجلس النقابة والذي يرمي الى الحصول على اذن بملاحقة محام جزائياً، فتحريك الدعوى العامة يتوقف على منح الاذن من مجلس النقابة، ومن المعروف ان الدعوى العامة مناطة في المبدأ بالنيابة العامة الاستئنافية وهي التي تتولى مهام ممارسة دعوى الحق العام ومتابعتها والاشراف على سيرها، وبالتالي تكون هي المرجع المختص وصاحبة صفة للتقدم بطلب الحصول على الاذن بملاحقة محام او تقديم استئناف يتناول قرار مجلس النقابة في حال رفض اعطاء الاذن بالملاحقة، اما في حال تم اعطاء هذا الاذن فيقدم الاستئناف بوجهها من المحامي الممنوح الاذن بملاحقته، لاسيما وانه تبين ان النيابة العامة هي من طلب الاذن بالملاحقة بموضوع النزاع الراهن.
وحيث انه في ما خص مداعاة نقابة المحامين في بيروت، فإنه يقتضي التمييز بين نوعين من القرارات الصادرة عن مجلسها، الاول يتعلق بالمسائل التنظيمية المرتبطة بالتنظيم الداخلي للمهنة داخل صفوفها، والثاني يتعلق يالمسائل التي تخرج عن هذا الاطار ومنها طلبات الترخيص بالملاحقة الجزائية، وطلبات الاذن بالتوكل او اقامة الدعوى ضد محام، بحيث اعتبر ان الخصم في الحالة الاولى هو نقابة المحامين حرصاً على افساح المجال امامها لتبرير ما اتخذته من قرارات تنعكس على وضعها الداخلي، اما في الحالة الثانية فيكون الخصم هو من استجيب لطلبه اي من كان فريقاً مواجهاً في المرحلة الابتدائية للخلاف اي امام مجلس النقابة، فتكون النقابة في هذه الحالة غريبة وغير معنية مباشرة في النزاع وهي بمثابة المرجع الابتدائي الفاصل فيه، الامر الذي يحول دون توجيه الاستئناف ضدها.
وحيث ان القرار المستأنف يندرج في اطار النوع الثاني من القرارات الصادرة عن مجلس نقابة المحامين، اذ انه يتعلق بطلب اذن الملاحقة، فيكون الخلاف حاصلاً بين طالبة الاذن اي النيابة العامة الاستئنافية والمطلوب الاذن لملاحقته اي المحامي المدعى عليه جزائياً.
(استئناف بيروت الغرفة الثالثة عشرة – قرار رقم 4 تاريخ 2000/3/29 – المحامي نبيل طوبيا حصانة المحامي في الاجتهاد اللبناني – 2011 – ص 221-222)
وحيث كذلك فانه لا صفة للشاكي بموضوع النزاع الراهن كون من طلب اذن الملاحقة هي النيابة العامة الاستئنافية وليس الشاكي، ما يجب اخراج القاضي السيد من النزاع الراهن.
وحيث على هدي ما تقدم، يقتضي اعتبار الاستئناف الراهن مقدماً من المحامية المستأنفة بوجه النيابة العامة الاستئنافية في بيروت فقط، وبالتالي تقرير اخراج المستأنف عليهما نقابة المحامين في بيروت والقاضي السيد من المحاكمة الراهنة لانتفاء صفتهما في المنازعة المذكورة.
ثالثاً: في الاساس
حيث ان المستأنفة تطلب فسخ القرار المستأنف ونشر النزاع مجدداً واعطاء القرار تالياً باعتبار الافعال المنسوبة لها ناشئة عن ممارسة المهنة، وهي جميعها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بوكالتها عن ه.ا. وبمعرض دفاعها عنه.
وحيث ان النيابة العامة الاستئنافية في بيروت لم تقدم لائحة بدفاعها بالرغم من تبلغها، فإن المحكمة لا تستجيب لمطالب المستأنفة، عملاً بالمادة /468/أ.م.م. الا اذا وجدتها قانونية في الشكل وجائزة القبول ومبنية على اساس صحيح.
وحيث ان نص المادة /79/ من قانون تنظيم مهنة المحاماة يعطي مجلس النقابة صلاحية اتخاذ القرارات الادارية الخاصة الهادفة الى حماية المحامي من اي تعسف بالادعاء ضده لفعل متعلق بممارسة المهنة او بمعرضها، وذلك كي يتمكن من القيام بدوره على اكمل وجه دون التعرض والخوف من الافتراء عليه بإقامة شكاوى جزائية ضده هدفها التأثير عليه او الانتقام منه بسبب مهنته، بحيث انه اذا كانت هذه الافعال ناشئة عن ممارسة المهنة او بمعرضها وكانت مخالفة للقانون وتشكل في الظاهر جرماً جزائياً تنتفي عندها هذه الحماية ويعطى الاذن بملاحقته.
وحيث ان الغاية من الامتياز الذي اقره القانون للمحامين بإخضاع ملاحقتهم جزائياً الى اذن من مجلس النقابة ترمي الى الحد من كل تعرض قد يتناول حرية المحامي في ممارسة مهنته، الامر الذي يجعل مجلس النقابة رقيباً على عدم استعمال الملاحقة كوسيلة للتعرض لهذه الحرية، اي رقيباً على عدم التجاوز في حق الملاحقة.
(قرار محكمة الاستئناف – الغرفة السادسة – رقم 3 – تاريخ 1973/2/14 – منشور في كتاب المحامي نبيل طوبيل المشار اليه اعلاه – ص 197 – رقم 113)
وحيث انه للقول بإعطاء الاذن بالملاحقة او رفضه، او اعطائه جزئياً لناحية بعض الشاكين، لا بد من العودة الى معطيات الملف الراهن من اجل تقدير الواقعات الثابتة فيه والتمعن في مدى جديتها، لمعرفة في ما اذا كانت الافعال المدعى بها في الشكوى امام النيابة العامة الاستئنافية في بيروت تشكل ظاهرياً جرماً جزائياً يقتضي ملاحقة المستأنفة بسببها.
وحيث يعتبر الفعل ناشئاً عن ممارسة مهنة المحاماة او بمعرضها عندما يتعلق الامر بأي عمل يقوم به المحامي اثناء دفاعه او تحضيراً له او ناتجاً عنه.
وحيث لدى التدقيق في الشكوى الجزائية المقدمة من الشاكي القاضي السيد(..) امام قاضي التحقيق الاول يتبين انه ادعى على المحامية المستأنفة بصفته مقرراً للجنة المتابعة الرسمية لقضية تغيب الامام ورفيقيه معتبراً انها حاولت بشتى الطرق الضغط باتجاه اخلاء سبيل السيد ه.ا. الذي جرى توقيفه بناءً لاشارة النائب العام التمييزي وقد تبين بالاستماع اليه في قضية ا.م.ا. انه يصرح بمعلومات ويكتم معلومات، كما انها راحت تطلق تصريحات اعلامية دون اذن نقابة المحامين خلافاً لانظمة النقابة تفشي فيها اسرار التحقيق وتتعرض لكرامة القاضي ونسبت اليه كتابة بما يمس شرفه وكرامتة بحيث يعتبر افتراءً وقدحاً وذماً اذ قالت عنه انه ينتمي الى تيار سياسي ديني محلي ونسبت اليه تهديد للسيد ه.ا. وشتم ابيه، كما واتهمته في مقابلة على “تلفزيون الجديد” انه ذهب الى ليبيا للمناقشة في ارصدة موجودة بالمصارف اللبنانية كونهم مؤسسين شركة تحصيل اموال واضافت في تصاريح تلفزيونية اخرى انه يحرض على القتل وانه ليس بقاض انما فقط موظف بوزارة العدل.
وحيث انه، في المقابل، افادت المحامية المستأنفة لدى استماعها من قبل النقابة بان موضوع الشكوى لا يشكل اي جرم وهي كيدية وان اغلب ما ورد في تصريحاتها كانت ردود لتصريحات كانت تصدر عن الشاكي بالاعلام تتضمن قدحاً وذماً، فضلاً عن ان جميع الافعال المنسوبة لها عن ممارسة المهنة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بوكالتها عن ه.ا. وبمعرض دفاعها عنه.
وحيث ان الافعال الجرمية موضوع الشكوى الجزائية هي المس بالقانون الدولي، الافتراء، افشاء اسرار التحقيق، القدح والذم والتحقير واثارة النعرات الطائفية، وهي من الجرائم المعاقب عليه في قانون العقوبات، بحيث في حال صحتها لا شيء يمنع الشاكين من التقدم بدعوى امام القضاء الجزائي للمطالبة بحقوقهم.
وحيث ان بعض الافعال المذكورة اعلاه وعلى فرض ثبوت حصولها، لا تعتبر ناشئة عن ممارسة مهنة المحاماة التي تفرض على المحامي القائم بها التزام القوانين والانظمة المرعية والحفاظ على حقوق موكله وصيانتها كما والتصرف على قدر الثقة الممنوحة له، لاسيما وان الخلافات السياسية بين المحامي والغير لا يمكن ان تدخل في سياق ممارسة مهنة المحاماة، فضلاً عن ان التصريحات الاعلامية التي اقدمت عليه المحامية تتعارض مع قانون تنظيم مهنة المحاماة ومع انظمة النقابة لاسيما وان ظهورها هذا لم يكن مرخصاً به مسبقاً من النقيب ما يخالف المادة /39/ من نظام آداب المهنة ومناقب المحامين، فضلاً عن انها سلكت تجاه القاضي السيد مسلكاً لا يتفق وكرامة المحاماة ولم تتجنب كل ما يخل بالاحترام الواجب للمحاكم والقضاة عملاً بالمادة /87/ فقرة /2/ من النظام الداخلي بحيث انها لم تنكر مضمون تصريحاتها الاعلامية التي استخدمت فيها عبارات واقوال تعتبر مسيئة لشخص القاضي وكرامته وادت الى التجريح فيه بل اكدت عليها خلال استماعها من قبل نقابة المحامين مؤكدة على ان اغلب ما ورد في تصريحاتها كانت ردوداً لتصريحات كانت تصدر عنه في الاعلام بحيث لم تنكر مضمون هذه التصريحات.
وحيث انه في مطلق الاحوال، وعلى فرض تصرف المستأنف عليها بموجب الوكالة المعطاة لها، فإن الاعمال التي يأتيها المحامي ولئن كانت ناشئة عن ممارسة مهنة المحاماة او حاصلة بمعرضها، لا تحول دون اعطاء الاذن فيما لو تبين بصورة جدية بأنها قد تتضمن افعالاً معاقباً عليها قانوناً وانها تستأهل بالتالي التحقيق بشأنها لتوضيح ملابسات القضية وجلاء الحقيقة، لان توسل الوكالة للاقدام على تلك التصرفات لا ينفي عنها صفتها الجرمية، لكون ان الوكيل يجب ألاّ يتخطّى إرادة موكّله أو استغلال الوكالة لأغراض خاصة أو تجاوز الحدود المعطاة لأجلها.
وحيث ان اعطاء الاذن بالملاحقة الجزائية لا يشكل ادانة للمحامي، بل سبيلاً كي يتمكن المرجع الجزائي المختص من سماع المحامي واجراء التحقيقات اللازمة في الشكوى توصلاً لمعرفة الحقيقة، بحيث ان الملاحقة الجزائية ليس من شأنها تعريض مهابة مهنة المحاماة وكرامة النقابة الى نقاش علني بل من شأنه اظهار الحقيقة ومجازاة المحامي بحال ثبت ارتكابه الفعل المنسوب اليه.
وحيث إنّه بعد الاطلاع على القرار المستأنف وعلى معطيات النزاع كافةً، ينبغي رد الاستئناف وتصديق القرار المستأنف القاضي باعتبار الأفعال المنسوبة للمحامية غير ناشئة عن ممارسة مهنة المحاماة.
لذلك
تقرّر بالاجماع:
1- قبول الاستئناف شكلاً.
2- اخراج المستأنف عليهما نقابة المحامين في بيروت والقاضي من المحاكمة الراهنة لانتفاء صفتهما في المنازعة المذكورة.
3- ردّ الاستئناف أساساً وتصديق القرار المستأنف.
4- ردّ ما زاد أو خالف.
5- مصادرة التأمين وتضمين المستأنف النفقات كافةً.
قراراً صدر وأفهم علناً في بيروت بتاريخ 2019/6/13
“محكمة” – الأحد في 2019/7/7

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!