علم وخبر
طبيعة قرارات مجلس نقابة المحامين والمحكمة.. ومفهوم سبق الادعاء/ناضر كسبار
ناضر كسبار(نقيب المحامين السابق في بيروت):
بحثت محكمة الاستئناف المدنية الناظرة في القضايا النقابية والمؤلفة من القضاة الرئيس أيمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري ومن عضوي مجلس النقابة الاستاذين بيار حنا وايلي بازرلي مسألة تتعلق بمنح إذن بالتوكل بوجه محامٍ. فاعتبرت ان القرارات التي تصدر عن مجلس النقابة والتي تبت بطلب منح الاذن بالتوكل او بالملاحقة الجزائية هي من القرارات الادارية. وكذلك القرارات التي تصدر عن محكمة الاستئناف بهذا الخصوص.
كما اعتبرت المحكمة انه وفقاً للمادة 303 أ.م.م. فإن الاحكام النهائية حجة في ما فصلت فيه الحقوق ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية، ولكن لا تكون لتلك الاحكام هذه الحجية الا في نزاع قام بين الخصوم انفسهم دون ان تتغير صفاتهم وتناول الموضوع والسبب نفسهما.
ومما جاء في القرار الصادر بتاريخ 2020/1/26.
بناء عليه،
اولاً: في الشكل
حيث ان الاستئناف الحاضر قدم من قبل محام، وارفقت ربطاً به صورة طبق الاصل عن الحكم المطعون فيه، وابلغت نسخة طبق الاصل عنه من المستأنف بتاريخ 2019/7/17 وفق ما هو مبين في خاتمة الصورة طبق الاصل المرفقة ربطاً بالاستحضار الاستئنافي، مما يتعين معه اعتباره وارداً ضمن المهلة القانونية بتاريخ 2019/7/22 سنداً للفقرة الرابعة من المادة /94/ معطوفة على الفقرة الرابعة من المادة /79/ من قانون تنظيم مهنة المحاماة، وسددت عنه الرسوم والتأمينات المتوجبة قانوناً، فضلاً عن ايراد الاسباب الاستئنافية فيه وتحديد الطلبات في خاتمته اصولاً، مما يتعين قبوله شكلاً سيما لاستيفائه شروطه الشكلية المنصوص عليها في المادة /655/ من قانون اصول المحاكمات المدنية.
ثانياً: في الاساس
وحيث ان المستأنفة تطلب فسخ القرار المستأنف والحكم من جديد بمنح الاذن بالتوكل بوجه المحامي جهاد في الاعتراض على تنفيذ المعاملتين التنفيذيتين من الاخير لانتفاء الحق كليا او جزئياً عملا بأحكام المادة 850 أ.م.م. لدى محكمة الاستئناف المدنية في بيروت وذلك لاختلاف موضوع الاذن المطلوب عن ما جاء في القرار المطعون فيه ولاحلال القرار المطعون فيه نفسه محل المحكمة المختصة للنظر بالاعتراض على التنفيذ.
وحيث ان المستأنف عليه يطلب، من نحو اول، رد الاستئناف اساساً لسبق الادعاء لسبق الحصول من مجلس نقابة المحامين على نفس الاذن لتقديم دعوى اعتراض على الاتعاب سنداً للمادة 850 أ.م.م.
وحيث ان قرارات مجلس نقابة المحامين التي تبت بطلب منح الاذن بالتوكل او بالملاحقة الجزائية وفق ما نصت عليه المادتين /79/ و/97/ من قانون تنظيم مهنة المحاماة هي من القرارات الادارية التي ترمي الى حماية المحامي من اي تعسف بالادعاء بحقه او الى المحافظة على المناقبية المهنية بين المحامين ولا تتسم من ثم بالصفة القضائية الملازمة للقرارات الصادرة عن السلطة القضائية وان كانت تخضع للاستئناف امام محكمة الاستئناف، وبالتالي فإنها لا تخضع لاحكام قانون اصول المحاكمات المدنية بل هي تصدر وفقاً لاحكام قانون تنظيم مهنة المحاماة والنظام الداخلي لنقابة المحامين الذي يحدد دقائق تطبيق القانون المذكور.
وحيث ان القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف الناظرة في الطعون التي تتناول القرارات المذكورة انما تتمتع بنفس الصفة اي بالصفة الادارية وليس القضائية.(قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز – رقم 2013/53 – تاريخ 2013/12/16 – غير منشور).
وحيث طالما ان القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف الناظرة بالدعوى النقابية هي ذات طابع اداري فلا تنطبق عليها بالتالي احكام قانون اصول المحاكمات المدنية لا سيما تلك المتعلقة بحجية الاحكام والقرارات النهائية الصادرة عن المرجع القضائي والمنصوص عنها في المادة /303 من القانون المذكور.
وحيث انه نظراً لانتفاء اي نص مماثل في قانون تنظيم مهنة المحاماة، فإنه لا يجوز ايلاء قرار مجلس النقابة ومن بعده قرار هذه المحكمة المتذرع به من المستأنف عليه اية حجية، ويقتضي بالتالي رد الدفع بسبق الادعاء لسبق الحصول على نفس الاذن لتقديم دعوى اعتراض على الاتعاب سنداً للمادة 850 أ.م.م.
وحيث ان المستأنف عليه يطلب، من نحو ثان، رد الاستئناف اساساً لصدور حكم قضائي نهائي فصل بالنقاط القانونية المثارة يحوز حجية القضية المقضية كون النزاع يتمحور حول حصول الايفاء وسقوطه لا بانتفائه اصلاً فيكون الاعتراض الذي يطلب الاذن بخصوصه مردود شكلاً.
وحيث ان المادة 94 من قانون تنظيم مهنة المحاماة نصت على انه لا يحق للمحامي ان يقبل الوكالة بدعوى ضد زميل له او ان يقيم هو عليه دعوى شخصية قبل استحصاله على اذن من النقيب الصريح او الضمني امام مجلس النقابة ضمن مهلة عشرة ايام من تاريخ تبلغ القرار الصريح او من تاريخ صدور القرار الضمني، يقبل قرار مجلس النقابة الصريح او الضمني بهذا الخصوص الاستئناف وفقا للاصول المنصوص عليه في الفقرة الاخيرة المعدلة من المادة 79 من القانون نفسه.
وحيث ان للنقيب ومن بعده مجلس النقابة سلطة تقدير واسعة في منح الاذن او حجبه وذلك انطلاقاً من دورهما كجهازين قيمين على حسن ممارسة المهنة وحسن العلاقة فيما بين المحامين بحيث انه اذا وجدا ان النزاع لا يستحق الخصومة او المداعاة او مواجهة المحامي بالدعوى كان لهما تقرير حجب الاذن.
وحيث في المقابل اذا تبين لهما ان النزاع القائم يتسم بالجدية يكون لهما اعطاء الاذن وان هذا الحل يتماشى مع وجوب الحفاظ على حقين اساسيين يعودان لكل متقاضٍ هما حقي الادعاء والدفاع، ذلك انه لا يجوز حرمان صاحب الحق من مداعاة خصمه بحجة ان هذا الاخير محامٍ، لاسيما وان القانون يوجب على الفرد توكيل محامٍ للمطالبة بحقوقه امام المحاكم.
وحيث وانطلاقاً من هذين المبدئين فانه على المحكمة النظر في مدى ملاءمة قرار اعطاء الاذن مع معطيات القضية الراهنة، لا يشكل اعطاء هذا الاذن وسيلة بيد المدعي الموكل للضغط على المحامي وعرقلة اعماله، وعليه لا بد من العودة الى وقائع ومستندات الملف الراهن، من اجل التثبت مما اذا كان النزاع يستحق الخصومة او المداعاة ومواجهة المحامي بدعوى، وذلك من خلال التدقيق في مدى حيازة المطالب المساقة بوجه المستأنف للحد الادنى من الجدية، والتي يقتضي ان تحوزها حماية للاخير من اي تعسف قد يكون ضحيته.
وحيث ان تقدير ملاءمة اعطاء الاذن بالنظر لمدى جدية النزاع القائم مع المحامي المطلوب الاذن بمواجهته انما يتم بالاستناد الى معطيات النزاع كافة وليس الى واقعة او عنصر معين، وبصرف النظر عن مدى صحة الافعال المنسوبة الى المحامي او النتيجة التي ستؤول اليها الدعوى والتي يعود امر البت بها الى المرجع القضائي المختص.
وحيث تمهيداً للبت بالسبب المثار من قبل المستأنف عليه فإنه يقتضي العودة الى مجريات النزاع القائم بين الفريقين حيث يتبين من مراجعة مجمل اوراق الملف انه:
– بتاريخ 2006/6/6 تم توقيع اتفاقية اتعاب بين المستأنف عليه والسيد ق. بقيمة /80,000/د.ا.
– تقدم المستأنف عليه بمعاملة تنفيذية برقم 2061/2009 طالب بموجبها تنفيذ اتفاقية الاتعاب المشار اليها اعلاه.
– بتاريخ 2010/6/22 استحصلت الاستاذة على اذن للتوكل ضد المستأنف لتمثيل السيد ق. امام محكمة الاستئناف المدنية في بيروت الناظرة في دعاوى الاتعاب.
– بتاريخ 2011/2/1 استحصلت الاستاذة على اذن لتقديم دعوى موضوعها انتفاء الحق كلياً بالاتعاب لحصول المستأنف عليه على كامل حقوقه.
– بتاريخ 2010/1/25 تقدمت الاستاذة باعتراض على التنفيذ امام المحكمة الابتدائية المدنية موضوعها الحكم بكون اتفاقية الاتعاب موضوع المعاملة التنفيذية 2009/2061 دون موضوع كونه حصل على كامل حقوقه.
– بتاريخ 2010/3/13 تقدمت الاستاذة باعتراض على التنفيذ امام محكمة الاستئناف الناظرة في دعاوى الاتعاب موضوعها الحكم بكون اتفاقية الاتعاب موضوع المعاملة التنفيذية 2009/2061 دون موضوع كونه حصل على كامل حقوقه سنداً للمادة 850 أ.م.م.
– بتاريخ 2011/2/1 تقدمت الاستاذة باستحضار دعوى امام المحكمة الابتدائية المالية بوجه المستأنف موضوعها الحكم بانتفاء الحق بالاتعاب بسبب مخالفة وكيل المدعى عليه لاصول الوكالة الممنوحة له ولحصوله على كامل حقوقه.
– بتاريخ 2011/1/26 صدر قرار عن محكمة الاستئناف المدنية بمعرض الاعتراض المقدم امامها بتاريخ 2010/3/13 قضى برد الاعتراض شكلاً لوروده خارج المهلة القانونية.
– بتاريخ 2016/7/1 رد مجلس نقابة المحامين طلب المستأنف لاستحصال على اذن لاقامة دعوى محاسبة بوجه المستأنف عليه.
– بتاريخ 2018/2/26 رد نقيب المحامين طلب المستأنف للاستحصال على اذن لاقامة دعوى مدنية ضد المستأنف عليه.
– بتاريخ 2018/10/20 استحصل المستأنف من نقيب المحامين على الاذن لتقديم اعتراض على التنفيذ لانتفاء الحق سنداً لاحكام المادة /850/ أ.م.م.
– بتاريخ 2019/3/22 بعد ان اعترض المستأنف عليه على قرار النقيب تاريخ 2018/10/20 صدر القرار موضوع الاستنئاف الراهن عن مجلس النقابة بقبول الاعتراض وفسخ قرار النقيب ورد طلب الاذن المقدم من المستأنف للتوكل بوجه المستأنف عليه لتقديم دعوى محاسبة بوجه الاخير.
وحيث انه يقتضي، بعد عرض الوقائع الثابتة للملف، معرفة ما اذا كان سبق ان صدر قرار يتمتع بحجية القضية فصل بالنقاط القانونية المثارة من المستأنف ويتعلق بنفس موضوع الاذن المطلوب منحه يمنع بالتالي اقامة الاعتراض من جديد.
وحيث انه وفقاً للمادة 303 أ.م.م. فإن الاحكام النهائية حجة في ما فصلت فيه الحقوق ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية، ولكن لا تكون لتلك الاحكام هذه الحجية الا في نزاع قام بين الخصوم انفسهم دون ان تتغير صفاتهم وتناول الموضوع والسبب نفسهما.
وحيث ان حجية القضية المقضية تعني ان الحكم حجة في ما بين الخصوم انفسهم بالنسبة الى ذات الحق موضوعاً وسبباً بحيث يكون الحكم ضمن هذه الحدود حجة لا تقبل اعادة المناقشة بما قضى به الا بسلوك طرق الطعن، فإذا كان الحكم غير قطعي لا تزول حجيته الا بسلوك طرق الطعن ضده.
وحيث انه اذا اجتمعت الشروط الثلاثة التالية: وحدة الخصوم بالصفات عينها وبنفس الموضوع والسبب بين الدعويين، ثبتت عندها وحدة النزاع بين الدعويين وجاز التمسك في الدعوى الثانية بدفع عدم قبولها لسبق الفصل فيها.
وحيث يتبين ان موضوع النزاع يتعلق بطلب اذن للمستأنف بالتوكل عن السيد ق. للتقدم باسم هذا الاخير امام محكمة الاستئناف المدنية في بيروت الناظرة بقضايا الاتعاب باعتراض على التنفيذ لانتفاء الحق كلياً او جزئياً عملاً باحكام المادة 850 أ.م.م. كونه حصل على كامل حقوقه.
وحيث ان موضوع الاعتراض على التنفيذ تاريخ 2010/3/13 المقدم من موكل المستأنف الذي صدر بموجبه قرار عن محكمة الاستئناف المدنية الناظرة في دعاوى الاتعاب والذي اضحى مبرماً، انما يتعلق بوجوب الحكم بان اتفاقية الاتعاب موضوع المعاملة التنفيذية 2009/2061 قد اصبحت دون موضوع كونه حصل على كامل حقوقه، وقد اسند المستأنف اعتراضه على المادة 850 أ.م.م. والمادة 357 م.ع.
وحيث انه طالما ان كلاً من الاعتراض تاريخ 2010/3/13 الذي صدر بنتيجته القرار المذكور والاعتراض موضوع الاذن قائمين بين الخصوم انفسهم دون ان تتغير صفاتهم ويتناولان الموضوع والسبب نفسهما، فتكون شروط الدفع بقوة القضية المحكوم بها متوافرة فيمنع بالتالي البحث به مجدداً.
وحيث انه تأسيساً على ما تقدم، ترى المحكمة ان قرار مجلس النقابة القاضي بحجب الاذن بالتوكل جاء في موضعه السليم لكونه سبق ان صدر قرار قطعي في نفس موضوع الاعتراض المطلوب الاذن لتقديمه، وبالتالي يقتضي رد الاستئناف اساساً وتصديق القرار المذكور.
وحيث بنتيجة الحل المساق، تغدو سائر الاسباب او المطالب الزائدة او المخالفة مستوجبة الرد اما لكونها لاقت رداً ضمنياً او لعدم تأثيرها على النزاع، بما فيه طلب الحكم بالعطل والضرر لانتفاء شروط ذلك.
لذلك
تقرر بالاجماع:
1- قبول الاستئناف شكلاً
2- رد الاستئناف اساساً، وتصديق القرار المستأنف المستأنف تاريخ 2017/7/19.
3- رد سائر الاسباب او المطالب الزائدة او المخالفة
4- مصادرة التأمين الاستئنافي، وتضمين الجهة المستأنفة النفقات كافة
قراراً صدر وافهم علناً في بيروت بتاريخ 2020/1/16.
“محكمة”- الأربعاء في 2024/9/4