عودة الحكيم إلى مجلس القضاء في انتخابات مجتزأة لمحكمة التمييز والانتدابات قريبًا/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
للمرّة الأولى في تاريخ القضاء اللبناني وتحديدًا منذ الشروع بانتخاب رئيسي غرفتين من محكمة التمييز لعضوية مجلس القضاء الأعلى في العام 2002 في عهد القاضي الراحل نصري لحود(1934-2014)، يجري انتخاب قاض واحد من أصل إثنين في جلسة انتخاب عامة بعدما كانت العادة قد جرت حسب الأصول ووفق القانون بانتخاب القاضيين معًا سواء بحصول إنتخاب فعلي أو بالتزكية تحت مسمّى انتخاب.
فقرابة الساعة الواحدة من ظهر يوم الثلاثاء الواقع فيه 18 أيّار 2021، إلتأمت الهيئة الناخبة لغرف محاكم التمييز العشر والمؤلّفة من رؤساء ومستشارين في القاعة الكبرى لمحكمة التمييز في الطابق الرابع من قصر عدل بيروت بناء لدعوة متأخّرة من الرئيس الأوّل لمحاكم التمييز القاضي سهيل عبود، وهي المرّة الأولى في تاريخ القضاء اللبناني التي يحصل فيها هذا التأخير لإجراء هذه الإنتخابات بعدما كانت ثمّة مساع واتصالات في الخفاء لإصدار مرسوم تشكيلات قضائية جزئية يرمي إلى ملء الشغور في رئاسات ستّ محاكم تمييز شهدت انتدابات لتسيير الأعمال فيها والحؤول دون الإضرار بمصالح الناس، غير أنّها لم تسجّل أيّ تقدّم ملحوظ، لا بل باءت بالفشل الذريع.
تاريخ
وقد وجّهت الدعوة إلى هذا الواجب الإنتخابي قبل أسبوع واحد فقط من تاريخ حصوله بصورة مجتزأة وناقصة، وإنْ كان ضمن مهلة الشهر الذي يسبق تاريخ انتهاء ولاية المجلس القائم بحسب الفقرة “باء” من المادة الثانية من قانون تنظيم القضاء العدلي، وهو ما يحصل للمرّة الأولى، بعدما كانت كلّ الدعوات السابقة لمثل هذه الإنتخابات تحصل قبل فترة زمنية معقولة، ويُعرف بنتيجتها القاضيان المنتخبان اللذان وقع الخيار عليهما في الغرف المغلقة لكي يكونا عضوين في مجلس القضاء كممثّلين عن محاكم التمييز.
ففي 7 تشرين الأوّل 2002، إنتخب القاضيان عفيف شمس الدين وغسّان أبو علوان، وفي 11 تشرين الثاني 2002، صدر مرسوم تعيين الأعضاء الخمسة الباقين.
وفي 19 تشرين الأوّل 2005 إنتخب القاضيان سهيل عبد الصمد ورالف الرياشي، وفي 12 حزيران 2006 صدر مرسوم تعيين الأعضاء الخمسة الآخرين. ويعود سبب هذا الفارق الزمني الكبير بين الإنتخاب والتعيين إلى اشتعال الخلافات السياسية بين فريق 14 آذار والرئيس نبيه بري حول اسمي القاضيين الشيعيين، فكان القرار في نهاية المطاف “للأستاذ أبي مصطفى”.
وفي 28 أيّار 2009 إنتخب القاضيان سامي منصور ونديم عبد الملك، وبعد أسبوع وتحديدًا في 5 حزيران 2009 صدر مرسوم تعيين الأعضاء الخمسة.
وفي 8 أيّار 2012 إنتخبت محاكم التمييز القاضيين أنطوان ضاهر وسهير الحركة، وما لبث مرسوم تعيين الأعضاء الخمسة أن صدر في 5 حزيران 2012.
وفي 26 أيّار 2015 إنتخب القاضيان حبيب حدثي وغسّان فوّاز، وصدر مرسوم تعيين الأعضاء الخمسة بعد يومين وتحديدًا في 28 أيّار 2015، وهو الأسرع بين كلّ هذه المراسيم المشابهة، غير أنّ أداء اليمين القانونية أمام رئيس الجمهورية تأخّر لغاية 27 كانون الأوّل 2016 بسبب وجود شغور رئاسي وكان العماد ميشال عون قد انتخب قبل نحو شهرين من التاريخ المذكور، فتمّ قسم اليمين أمامه.
وفي 17 أيّار 2018 إنتخب القاضيان كلود كرم وسهير الحركة عضوين، وبعد ثلاثة أيّام أي في 21 أيّار 2018 صدر مرسوم تعيين الأعضاء الخمسة.
عقبات بين العرف والقانون
ومردّ التأخّر الحاصل كما ذكرت “محكمة” سابقًا، أنّ هناك نقصًا فادحًا في عداد رؤساء محاكم التمييز الذين يحقّ لهم الترشّح، فمن أصل عشر محاكم لا يوجد إلّا محكمة واحدة بمقدور رئيسها وهو القاضي عفيف الحكيم الترشّح، باعتبار أنّ هناك قاضيين هما سهير الحركة وروكز رزق إنتهت ولايتهما في عضوية مجلس القضاء الأعلى ويمنع القانون التجديد لهما، وأن هناك قاضيين يشغلان بالإنتداب رئاسة الغرفتين الثانية والتاسعة هما رولا المصري وجمال الخوري ويفرض القانون أن يكونا أصيلين لكي يتاح لهما الترشّح، وأنّ هناك أربع غرف في محكمة التمييز بدون رؤساء فعليين بسبب التقاعد، هي الغرفة الأولى(رئيس ماروني)، والغرفة الخامسة(رئيس أرثوذكسي)، والغرفة السادسة(رئيس كاثوليكي)، والغرفة الثامنة(رئيس شيعي).
أمّا رئيس الغرفة السابعة القاضي جمال الحجّار، فلا يسمح له العُرْف الطائفي المتبع بخوض هذه الإنتخابات كون الطائفة السنّية التي ينتمي إليها ممثّلة بالعضوين الحكميين النائب العام التمييزي ورئيس هيئة التفتيش القضائي، لذلك نزل عفيف الحكيم إلى الميدان منفردًا وخرج منتصرًا بالتزكية. أسبقيات
ونذكّر بأسبقيات كثيرة حصلت “لانتخاب” قاض واحد بعينه بحُكم التوزيع الطائفي ليخلف ابن طائفته المتقاعد. فحلّ القاضي أمين بو نصّار(1940- 2016) مكان القاضي سهيل عبد الصمد(1938-2019) في العام 2008 لشهور قليلة قبل أن يتقاعد بدوره، وجاء القاضي أنطوني عيسى الخوري مكان القاضي أنطوان ضاهر في العام 2014، واختير القاضي جان عيد مكان القاضي حبيب حدثي في العام 2016.
تقدير عبود
على أنّ حضور القضاة انتخاب زميلهم الحكيم في ظلّ تفشّي جائحة “كورونا”، وأزمة تعبئة مادة البنزين من محطّات الوقود، ومعرفة نتيجة الإنتخاب مسبقًا، يدلّ بشكل قاطع على ما يكنّه القضاة الحاضرون التسعة والعشرون من تقدير للرئيس الأوّل سهيل عبود الذي يستبسل لمنع حصول فراغ في مجلس القضاء الأعلى قد تكون له تبعات وخيمة على السلطة القضائية برمّتها في بلد يعاني انهيارًا شاملًا على الصعيد الإجتماعي والإقتصادي والمالي والسياسي أيضًا.
إنتدابات
وعلمت “محكمة” من مصادر قضائية أنّ هناك توجّهًا لدى مجلس القضاء الأعلى وقبل انتهاء ولايته يوم الجمعة الواقع فيه 28 أيّار 2021، إلى انتداب أربعة قضاة لترؤس أربع غرف في محكمة التمييز، إذ لم يعد مقبولًا أن تبقى مبتورة وبدون رأس وبشكل يرهق قضاة آخرين يجري تكليفهم مؤقّتًا لتسييرها فيوزّعون جهودهم بينها وبين ملفّات محاكمهم، والمسؤولية هنا وهناك كبيرة.
وبحسب معلومات “محكمة”، فإنّه بات محسومًا انتداب القضاة ماجد مزيحم لترؤس الغرفة الثامنة، وناجي عيد الغرفة الأولى، ورندى الكفوري الغرفة السادسة، أيّ الأسماء نفسها التي وردت في مشروع التشكيلات القضائية في العام 2020 من دون أن يبصر النور ويتحوّل إلى مرسوم.
وتبقى رئاسة الغرفة الخامسة ويطرح لها كلّ من القضاة نسيب إيليا، سانيا نصر، جانيت حنّا، وندى الأسمر التي تعمل في الحقل الجزائي، بينما هؤلاء الثلاثة يعملون في الشقّ المدني منذ سنوات، والغرفة الخامسة لمحكمة التمييز مدنية ودقيقة وحسّاسة من حيث الملفّات التي تنظر فيها.
“محكمة” – الثلاثاء في 2021/5/18
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.