قانونية الإجراءات المتخذة من المؤسّسات تجاه العمّال تحت ذريعة الأسباب الاقتصادية/هانيا فقيه
بقلم الدكتورة هانيا محمّد علي فقيه :
إنهاء جماعي لعقود العمل، حسم من الأجور يصل إلى خمسين بالمئة وإلزام العاملين بالتوقيع على ورقة تفيد قبولهم بقبض جزء من أجرهم وبدوام جزئي، إجازات سنوية دون أجر..وغيرها من الإجراءات التي اتخذت بحقّ العاملين والأُجراء، نتيجة الأزمة الإقتصادية والسياسية التي يمرّ بها لبنان، ولا سيّما التحرّكات الشعبية التي بدأت منذ ما يقارب الثلاثة أشهر، والتي أثرّت سلباً على القطاع السياحي والخدماتي والتجاري… وزادت من “ضعف الطرف الأضعف” في عقد العمل ضعفاً!
فما مدى قانونية هذه الإجراءات؟
• بالنسبة للإنهاء الجماعي لعقود العمل:
تنصّ الفقرة “و” من المادة 50 من قانون العمل، المعدّلة وفقاً للمرسوم 9640 تاريخ 1975/2/6 ،”على أنّه يجوز لصاحب العمل إنهاء بعض أو كلّ عقود العمل الجارية في المؤسّسة إذا اقتضت قوّة قاهرة أو ظروف اقتصادية أو فنّية هذا الإنهاء، كتقليص حجم المؤسّسة أو استبدال نظام إنتاج بآخر أو التوقّف نهائياً عن العمل. وعلى صاحب العمل أن يبلّغ وزارة العمل والشؤون الاجتماعية رغبته في إنهاء تلك العقود قبل شهر من تنفيذه، وعليه أن يتشاور مع الوزارة لوضع برنامج نهائي لذلك الإنهاء تراعى معه أقدمية العمال في المؤسّسة واختصاصهم وأعمارهم ووضعهم العائلي والاجتماعي وأخيراً الوسائل اللازمة لإعادة استخدامهم”.
يتبيّن من قراءة هذه الفقرة أنّها أوجبت على صاحب العمل الذي يريد إنهاء كلّ أو بعض عقود عمل أجرائه، إبلاغ وزارة العمل قبل شهر من تنفيذه، وذلك بغية التشاور معها لوضع برنامج نهائي لهذا الإنهاء يُراعي فيه وضع كلّ أجير، وهذا الشرط الشكلي الجوهري للإنهاء يتسم بطابع وأهمية بالغة، ذلك أنّه خلال مدّة الشهر المذكورة، تستطيع وزارة العمل مراقبة حقيقة دوافع الإنهاء من جهة والتنسيق مع صاحب العمل لمنعه من الإنفراد في قرار الانهاء. أمّا وفي حال مخالفة صاحب العمل هذا الشرط الجوهري وعدم اعتماد المهل المحدّدة في الفقرة “و” من المادة 50 عمل، يكون صرف العمّال حاصلاً لسبب غير مقبول وقد لحظته الفقرة “د-1” من قبيل الإساءة أو التجاوز في استعمال حقّ الصرف، ويحقّ لهم المطالبة بتعويض تقدره المحكمة وفقاً للأسس المبيّنة في الفقرة “أ-3” من المادة 50 عمل، وعلى ضوء الوقائع الثابتة في الملفّ، على أن لا ينقص عن بدل أجرة شهرين وأن لا يزيد عن بدل أجرة إثني عشر شهراً مهما بلغ مقدار الضرر، ومدى الإساءة في استعمال الحقّ وفقاً للأسس المنصوص عنها أعلاه.
تجدر الإشارة إلى أنّ الفقرة “ز” من المادة 50 عمل، حفظت للعمّال المصروفين من الخدمة، ولمدّة سنة تبدأ من تاريخ تركهم العمل، حقّ الأولوية (الأفضلية) في العودة إلى العمل في المؤسّسة التي صرفوا منها، إذا عاد العمل فيها إلى طبيعته، وأمكن استخدامهم في الأعمال المستحدثة فيها.
• حسم من الأجور يصل إلى خمسين بالمئة:
تنصّ المادة 44 من قانون العمل على :أنّه يجب أن يكون الحدّ الأدنى من الأجر كافياً ليسدّ حاجات الأجير الضرورية وحاجات عائلته، على أن يؤخذ بعين الاعتبار نوع العمل ويجب أن لا يقلّ عن الحدّ الأدنى”، كما تنصّ المادة 46 من نفس القانون على أنّه يعاد النظر في تحديد الأجر الأدنى كلّما دعت الظروف الاقتصادية إلى ذلك”.
وتنصّ المادة 59 عمل على “أنّ كلّ نصّ في عقد إجارة الخدمة وبصورة عامة كلّ اتفاق يعقد بين ربّ العمل والأجير قبل العمل وخلال مدّته يراد به إسقاط أحكام الفصل الرابع المتعلّق بالأجور أو تخفيض المبلغ الذي يحقّ للأجير بمقتضى هذه الأحكام يكون باطلاً حكماً”.
وتنصّ المادة 221 من قانون الموجبات والعقود اللبناني على أنّ “العقود المنشأة على الوجه القانوني تلزم المتعاقدين. ويجب أن تفهم وتفسّر وتنفّذ وفاقاً لحسن النيّة والانصاف والعرف” .
إذن، في الأوضاع العادية، أن اقتطاع قسم من أجر العامل دون موافقة هذا الأخير، من شأنه أن يجعل شروط عقد الاستخدام أقلّ فائدة بالنسبة إليه، ممّا يتيح له رفض هذه الشروط الجديدة وترك العمل، والمطالبة بالتعويضات، على اعتبار أنّ إقدام صاحب العمل على تخفيف أجر الأجير يجعل العقد مفسوخاً على مسؤوليته.
ولكن وفي الأوضاع الاستثنائية، وبهدف تخفيف الأعباء عن المؤسّسات تفادياً لإقفالها، فإنّه يحقّ لصاحب العمل أن يعدّل في شروط العقد الذي يربطه بأجرائه سواء لجهة الأجر (شرط أن لا يقلّ عن الحدّ الأدنى له) أو لجهة الدوام، وفي حالة كهذه، إمّا أن يرضخ الأجير لهذا التعديل وإمّا أن يرفضه.
• لجهة إلزام العاملين بالتوقيع على مذكّرة تفيد قبولهم بقبض جزء من أجرهم:
ممّا لا شكّ فيه أنّ تذرّع العامل بالإكراه لدى توقيعه على تعديل راتبه، يتطلّب إثبات حصول هذا الإكراه،
ومن المعلوم أنّ البيّنة تقع على من يدعي وجود الإكراه أو العيب في الرضى، وأنّ الإكراه مبدئياً غير مقدّر الوجود، ومن الواجب إثباته، وإنّ موافقة العامل على التعديل الحاصل على شروط عقد العمل، يمكن استخلاصها صراحة أوضمناً، بتوقيعه على المذكّرة دون تدوين أيّ تحفّظ، بالإضافة إلى استمراره في عمله.
• بالنسبة للإجازات السنوية دون أجر:
تنصّ المادة 39 من قانون العمل على أنّه “لكلّ أجير الحقّ في إجازة سنوية خمسة عشر يوماً بأجر كامل بشرط أن يكون مستخدماً في المؤسّسة منذ سنة على الأقلّ.
لربّ العمل أن يختار تاريخ هذه الإجازات بحسب مقتضيات الخدمة. وليس له أن يصرف الأجير ولا أن يوجّه إليه علم الصرف خلال الإجازة”.
وبالإطلاع على هذه المادة يتضح أنّه لا يحقّ للأجير المطالبة بأجرة إجازة سنوية ما لم يكن مستخدماً منذ سنة على الأقلّ، وبالتالي يلتزم صاحب العمل بدفع بدل خمسة عشر يوم عمل فعلي كإجازة سنوية.
وعليه، إنّ منح العامل إجازة سنوية غير مدفوعة، هو بالمبدأ أمر غير قانوني، إلاّ أنّه وبالنظر إلى الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد، فإنّه يبقى تدبيراً مؤقّتاً يرمي إلى الحدّ نسبياً من آثار الجمود التي تعاني منه مختلف القطاعات وانخفاض أعمال المؤسّسات وعائداتها ولا سيّما المطاعم والمتاجر…
إذا كانت الحاجة إلى التعاقد بغية تأمين حاجات الإنسان الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن.. هي التي تدفع بالعامل إلى القبول بشروط أقلّ فائدة بالنسبة إليه، فإنّ الوضع الاقتصادي المنهار سيدفعه إلى القبول بأيّ أجر لقاء عمله لكي يؤمّن لقمة العيش له ولعائلته.. فهو مذعن وليس راضياً وما رضاه إلاّ حبر على ورق. فما الذي أجبره على المرّ..غير الأمرّ منه!
*أستاذة محاضرة في كلّية الحقوق والعلوم السياسية، الجامعة اللبنانية.
“محكمة” – الخميس في 2020/1/16