قراءة في القرار الفريد للقضاء اللبناني بإلزام شركات الخليوي والانترنت بقبض فواتيرها بالليرة اللبنانية/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
قرّر القضاء اللبناني ممثّلاً بالمحكمة الابتدائية السادسة في بيروت إلزام شركتي تشغيل الهاتف الخليوي “تاتش” و”الفا” وشركتي “موبايل انتريم كومباني 1″ و”موبايل انتريم كومباني 2” بإصدار فواتير بيع الخطوط وتسعير بطاقات الشحن أو التعبئة وخدمة الانترنت وسائر الخدمات التي تقدّمها للمستهلك اللبناني بالليرة اللبنانية وفقاً للتعرفة الرسمية لسعر صرف الدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانية، وأمهلها أسبوعاً للبدء بالتنفيذ تحت طائلة غرامة إكراهية قيمتها مئة مليون ليرة لبنانية عن كلّ يوم تأخير.
قرار فريد
وتكمن أهمّية هذا القرار الفريد وغير المسبوق في الأمور التالية:
أولّاً: جعل الغرامة الإكراهية مرتفعة جدّاً لمنع أيّ محاولة تنصّل من التنفيذ بعد فترة أسبوع من تبلّغ الشركات الأربع مضمون هذا القرار القضائي الصريح والواضح والمطلوب سابقاً خصوصاً وأنّ تعرفة خدمة الاتصالات والانترنت في لبنان باهظة جدّاً مقارنة بدول أخرى، ولم يعد أمام هذه الشركات سوى تحصيل فواتيرها بالعملة اللبنانية وبالتالي الرضوخ للقرار وإلاّ تعرّضت لدفع غرامة إكراهية يومية تفوق مجموع ما يمكنها جمعه من إيرادات من خلال الاتصالات والانترنت في اليوم الواحد.
إعطاء جمعية خاصة الصفة والمصلحة
ثانياً: بمقدور المدعية جمعية المستهلك التي تصنّف في خانة القانون الخاص، أن تتقاضى الغرامة الإكراهية المذكورة في حال مخالفة القرار القضائي المذكور، بعدما أعطيت الصفة والمصلحة في تقديم استحضارها، وهذا أمر نادر الحصول من قبل القضاء اللبناني، إذ سجّلت في السابق واقعتان تتعلّقان بمنح جمعية خاصة الصفة والمصلحة، وترتبط الواقعة الأولى بما حدث مع الرابطة المارونية عندما قدّمت مراجعة أمام مجلس شورى الدولة طعناً بمرسوم التجنيس الصادر في العام 1994، وتتصل الثانية بقضيّة محاولة تشييد شركة عقارية بنايات في فالوغا فاعترضت البلدية وآزرها الأهالي.
العقد بالليرة وليس بالدولار
ثالثاً: تمكّنت المحكمة الابتدائية بغرفتها السادسة في بيروت من التوصّل إلى النتيجة التي اتخذتها من خلال مضمون العقد الموقّع بين الدولة اللبنانية والشركات الأربع والذي يفرض في متنه أنّ العملة المستخدمة هي الليرة اللبنانية وليس الدولار الأميركي. ولو كان العقد يتحدّث عن استيفاء الفواتير بالعملة الأميركية لما أمكن للمحكمة أن تصل إلى فرض إلزامية تقاضي الفواتير بالليرة اللبنانية حتّى ولو حاولت أن تساير موجة الاعتراضات الشعبية الموجودة على الساحة اللبنانية الداخلية في الوقت الراهن ولتعرّض هذا القرار للطعن أمام محكمة التمييز حيث الاجتهاد مستقرّ على اعتبار أنّ العقد هو شريعة المتعاقدين، أيّ أنّه قانون المتعاقدين.
وبمعنى آخر، فلو كان العقد بين مصرف ما وزبون لديه بالليرة اللبنانية، فإنّ المصرف مضطرّ إلى استيفاء المال بالعملة اللبنانية، بينما إذا كان العقد بينهما بالدولار الأميركي، فلا يمكن للزبون أن يدفع بالليرة اللبنانية بحجّة أنّها العملة الوطنية كما شاع خطأ على ألسنة بعض القانونيين المكثرين من إطلالاتهم التلفزيونية، خلال شهري تشرين الأوّل وتشرين الثاني 2019 نتيجة وجود نقص فادح في السيولة بالدولار الأميركي في سوق القطع في لبنان، وقد تذرّع المنادون بوجهة النظر هذه بأنّهم يستندون إلى نصّ المادة 301 من قانون الموجبات والعقود التي تقول:”عندما يكون الدين مبلغاً من النقود، يجب إيفاؤه من عملة البلاد وفي الزمن العادي حين لا يكون التعامل إجبارياً بعملة الورق، يظلّ المتعاقدون أحراراً في اشتراط الإيفاء نقوداً معدنية معيّنة أو عملة أجنبية”، بينما القضاء وتحديداً محكمة التمييز، يمضي قدماً نحو تطبيق نصّ المادة 299 من قانون الموجبات والعقود التي تتحدّث عن أنّه “يجب إيفاء الشيء المستحقّ نفسه، ولا يجبر الدائن على قبول غيره وإنْ كان أعلى قيمة منه. وإذا كان الشيء لم يعيّن إلاّ بنوعه فلا يجب على المديون تقديمه من النوع الأعلى ولكن لا يجوز له تقديمه من النوع الأدنى”، ولذلك فإنّ المصرف الذي لديه عقد مع الزبون(أو العميل) بالليرة اللبنانية، لا يمكنه أن يطلب تغييره بعملة أخرى، ومن لديه عقد مع المصرف بالعملة الأميركية لا يمكنه التحجّج بتدنّي العملة الوطنية لكي يدفع بها، “فالعقود المنشأة على الوجه القانوني تلزم المتعاقدين ويجب أن تفهم وتفسّر وتنفّذ وفاقاً لحسن النيّة والإنصاف والعرف” بحسب منطوق المادة 221 من قانون الموجبات والعقود.
لقد وضعت المادة 301 من قانون الموجبات والعقود عندما كان تقييم العملة الوطنية يتمّ بالذهب في ثلاثينيات القرن العشرين، بينما اليوم في عصرنا في القرن الواحد والعشرين، فالعملة الوطنية هي الليرة والنظام الإقتصادي في لبنان حرّ، وأيّ محاولة إلزام لطرف من طرفي العقد بوجوب تغيير نوع العملة المنصوص عليها في العقد يجابه برفض كلّي من محكمة التمييز اللبنانية إنطلاقاً من أنّ العقد هو الذي يحكم العلاقة بين الطرفين.
كان لا بدّ من هذه الإيضاحات في هذه المقدّمة لتبيان الصورة الحقيقية للقرار القضائي الذي تنشر “محكمة” نصّه الحرفي على الشكل التالي:
“إنّ الغرفة الابتدائية السادسة في بيروت الناظرة في القضايا المالية، والمؤلّفة من القضاة الرئيسة زلفا الحسن، والعضوين لارا كوزاك ونانسي كرم،
لدى التدقيق والمذاكرة ،
وسنداً للمواد 589 و 604 و 605 أ.م.م. وحفظاً للحقوق ومنعاً للضرر، وفي ضوء ما ورد في استحضار الجهة المدعية جمعية المستهلك – لبنان لناحية أنّ الشركات الأربع المدعى عليها تقوم بإصدار الفواتير وبطاقات التعبئة بالدولار الأميركي، وببيع الخطوط العادية والمسبقة الدفع والخطوط المخصّصة لخدمة الانترنت بالدولار الأميركي، وسنداً للمادتين 5 و 25 من قانون حماية المستهلك لجهة أنّه يتوجّب على المحترف الإعلان عن الثمن بالليرة اللبنانية وتسليم المستهلك فاتورة تتضمّن القيمة الاجمالية بالعملة اللبنانية.
وتبعاً لما ورد في نصّ المادة 14 من العقد الموقّع بين الدولة والشركتين الثالثة والرابعة، والذي يستدلّ منه أنّه يقتضي على هاتين الشركتين استيفاء الفواتير بالعملة اللبنانية، وتبعاً لثبوت قيام الشركات المدعى عليها بقبض قيمة الفواتير من المستهلك اللبناني بالدولار الأميركي،
وفي ضوء الأزمة المالية التي تمرّ بها البلاد لا سيّما لناحية النقص في كمّية الدولار الأميركي الموجود في السوق اللبناني، واضطرار المستهلك اللبناني إلى تصريف العملة اللبنانية إلى الدولار الأميركي بأسعار مرتفعة متداولة في السوق السوداء، وما ينطوي عليه ذلك من صعوبة كبيرة يواجهها هذا المستهلك في تسديد الفواتير المستحقّة بذمّته للشركات المدعى عليها بالدولار الأميركي، وما يلحق به من ضرر واضح وصريح، وهو ضرر جماعي يلحق بالمستهلكين اللبنانيين عامة يضاف إلى الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها هؤلاء في ظلّ الأزمة الراهنة، وتبعاً لوجوب الحدّ من هذا الضرر عبر الحدّ من مخالفة المادتين 5 و 25 من قانون حماية المستهلك المذكورتين أعلاه والأخذ بعين الاعتبار نصّ المادة 192 من قانون النقد والتسليف التي تنصّ على أنّ من يمتنع عن قبول العملة اللبنانية بالشروط المحدّدة في المادتين 7 و 8 العقوبات المنصوص عليها في المادة 319 عقوبات ،
تقرّر بالاجماع وكتدبير مؤقّت واحتياطي ولمدّة ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ صدور القرار الراهن،
1- إلزام الشركات المدعى عليها الأربع:
• شركة (MIC 2) mobile interim company 2 SAL
• شركة (MIC1) Mobile interim company 1 SAL
• شركة (MTC) Mobile telecommunications company SAL
• شركة ORASCOM Telecom Lebanon SAL
بإصدار الفواتير المتعلّقة ببيع الخطوط وتسعير بطاقات الشحن أو التعبئة وخدمة الانترنت وسائر الخدمات التي تقدّمها للمستهلك اللبناني بالليرة اللبنانية وفقاً للتعرفة الرسمية لسعر صرف الدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانية بتاريخ صدور القرار الراهن، وذلك في مهلة أسبوع من تاريخ إبلاغها القرار، تحت طائلة غرامة إكراهية قيمتها مئة مليون ليرة لبنانية عن كلّ يوم تأخير في التنفيذ من تاريخ انتهاء المهلة المذكورة أعلاه، وتكليف رئيس القلم بالإنتقال لإبلاغ الشركات الأربع المدعى عليها القرار الراهن، على أن تسلّف الجهة المدعية مبلغ 400.00 ل.ل. كبدل انتقال له، مع الترخيص له بالاستعانة بالقوّة العامة عند الاقتضاء.
2- إبلاغ الاستحضار من الشركات المدعى عليها وتكليفها بالجواب ضمن المهلة القانونية، وتكليف رئيس القلم بذلك.
قراراً صدر في بيروت بتاريخ 14/11/2019″.
“محكمة” – الخميس في 2019/11/14
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.