علم وخبر

قرار سبّاق لمحكمة استئناف الشمال بمنح الجنسية اللبنانية لأميركي من أصول لبنانية: حقّ المغترب في استعادة جنسيّته اللبنانيّة لا يَضيع

خاص “محكمة”:
في زمنِ التّحسّرِ على الثّروات الضّائعة، يبدو الاغتراب الّلبنانيّ وكأنّه “ثروة لبنان الكبرى الّتي تستحقّ اهتمام المسؤولين على الأصعدة كافّةً”، وفق ما جاء في “الأسباب الموجبة” لقانون “تحديد شروط استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة” رقم 2015/4، الصّادر بمادّةٍ وحيدة لا يمكن تطبيقُها أو تفسيرُها على نحوٍ مُنتِجٍ وإيجابيّ، إلّا بوحيٍ من تلك “الأسباب الموجبة” الّتي تريد تحفيزَ المتحدّرين من أصلٍ لبنانيّ وتشجيعَهم على استعادة جنسيّتِهم الّلبنانيّة الّتي تحتاج، هي، إليهم، بقدر ما يحتاجون، هم، إليها، أقلّه عاطفيّاً وخُلُقِيّا ووطنيّاً.
وهو ما تصدّت له محكمةُ الاستئناف في لبنان الشّماليّ، المؤلّفة من القضاة سامر يونس رئيساً وريان نصر وألين أبي خالد مستشارَيْن مُنتدبَيْن، وذلك بموجب قرارِها الصّادر برقم 2023/71، بتاريخ 2023/4/3 حيث ربَطَتْ نصَّ القانونِ بروحه، واستلهَمَتْ أسبابَه الموجبة لتُطَبِّقَ أحكامَه، كما وربطَتْ بنودَ مادّتِه الوحيدة، بعضها ببعض، لتفسِّرَها على وجهٍ مترابطٍ ومتكاملٍ ومتناسق، رافضةً “تحميلَ المغترب المتحدّرِ من أصلٍ لبنانيّ عبءَ أو ثمنَ أو عقوبةَ فقدانِ الدّولةِ الّلبنانيّة المستنداتِ والسجلّاتِ الواقع على كاهلها، هي وحدها، موجب حمايتها وصونها والحفاظ عليها، كما هو الحال في القضيّة الرّاهنة، حيث أبرز المستأنِفُ الدّليلَ الرّسميَّ، الّلبنانيَّ والأجنبيّ، على أصله الّلبنانيّ، حتّى الدّرجةِ الثّانية من الذُّكور، الأمرُ الّذي يَتلاقى وروحيّةَ هذا القانونِ ويُحَقِّقُ غايتَه المنسجِمةَ مع نصِّه، بِما يَستَبعِدُ، بالتّالي، كلَّ تشدّدٍ في غيرِ محلِّه، وذلك من خلال تفسيرٍ ضَيِّقٍ يُجافي القانونَ في نصِّه، إذْ هو قانونٌ يريد للمنتشرين المتحدّرِين من أصلٍ لبنانيّ أن يستعيدوا جنسيّتَهم الّلبنانيّة الّتي حالَت بينَهم وبينَها عقباتٌ وتعقيداتٌ ومستنداتٌ وسجلّات لم تعد متوفرةً، في معظمها، كما جاء في أسباب القانون الموجبة، ولكنْ ليس بخطأ أو تقصيرٍ أو إهمالٍ منهم، ما يوجب تفسيرَ بنودِ هذا القانون وتطبيقَها على نحوٍ إيجابيّ يُتِيحُ لهؤلاء استعادةَ جنسيّتِهم الّلبنانيّة، بعدما أبرزوا ما يقع على عاتقهم من دليلٍ ثبوتيٍّ قاطع يُثْبِتُ أصلَهم الّلبنانيّ، وفق ما ينصّ عليه البند “باء” الّذي يُفَصِّلُ كيفيّةَ إثباتِ توفّرِ الشّرط المنصوصِ عليه في البند “أ” من المادّة الوحيدة في قانون “تحديد شروط استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة”.
وإذا كان لنا بعضُ تعليقٍ على هذا القرار، فإنّنا نبدي الآتي:
– إنّه قرارٌ طليعيٌّ وسبّاق، ويكاد يكون الأوّلَ، ربّما، في مقاربته مسألة استعادة المغتربين جنسيّتهم الّلبنانيّة، وفق قانون “تحديد شروط استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة” الصّادر برقم 2015/41.
– إنّه قرارٌ يَربِطُ ربطاً مُحْكَماً بين نصِّ القانون وروحِه المتمثّلةِ في “أسبابه الموجبة”، ليتمكّنَ من تفسير بنودِ مادّتِه الوحيدة، لا سيّما البندين “أ” و”باء” منها، تفسيراً مترابطاً، متناسقاً ومتكاملاً، وذلك على نحوٍ يُحَقِّقُ الغايةَ من قانونٍ وُجِدَ ليُساعِدَ، لا ليُعِيقَ، استعادةَ المغتربِين جنسيّتَهم الّلبنانيّة، متى أبرز هؤلاء ما يقع على عاتقهم من دليلٍ قاطع على أصلهم الّلبنانيّ، حتّى الدّرجة الثّانية من الذّكور.
– إنّه قرارٌ، إذْ يتأنّى في تمحيصِ دليلِ المستأنِفِ على أصلِه الّلبنانيّ، إنّما يرفض، في المقابل، “تحميلَ هذا الأخيرِ تَبِعَةَ أو مسؤوليّةَ فقدانِ الإدارة الّلبنانيّة سجلّاتِها الرّسميّة الواقع عليها، هي وحدها، موجب حمايتها وصونها والحفاظ عليها”، “فلا يَتِمُّ حَجْبُ استعادةِ الجنسيّة الّلبنانيّة عَمَّن استوفى شروطَها وأبرز أدلّتَها، في حين أنّ المفقودَ من مستنداتٍ أو سجلّاتٍ رسميّة، في هذه القضيّة، (وتحديداً سجلّات إحصاء 1921-1924 مقيمِين ومهاجرين، وسجلّ 1932 مهاجرِين)، إنّما هو على عاتق الدّولةِ الّلبنانيّة، باعتبارِها صاحبةَ السّيادةِ الحصريّة على قيودها وسجلّاتها”، وفق ما جاء في تعليل القرارِ الاستئنافيّ، موضوعِ هذا التّعليق، الأمرُ الّذي يَجعَلُ من اشتراط إبرازِ تلك السّجلّات المفقودة، بمثابة الشّرط المستحيل، لتعلّقه بسجلٍّ لم يعد موجوداً، وذلك لسببٍ لا علاقةَ لهذا المغترب، ذي الأصلِ الّلبنانيّ، به.
– إنّه قرارٌ يَعْكِسُ أو يُجَسِّدُ نظرةً حمائيّةً متقدِّمة، تقارِبَ تشريعاتٍ يَتكاملُ فيها الجانبُ القانونيّ مع البُعْدِ الوطنيّ، فيُعِيدُ إلى الاغترابِ حقَّه في جنسيّةٍ لم تعد تُمَثِّلُ له، على الأرجحِ، سوى تكريسٍ لقيمةٍ أو لرابطةٍ عاطفيّةٍ ما زالت تَشُدُّه إلى وطنه الأمّ.
“محكمة” تتفرّد بنشر كامل قرار محكمة استئناف الشمال على الشكل التالي:
باسم الشّعب الّلبنانيّ
إنّ محكمة الاستئناف المدنيّة في لبنان الشّماليّ، الغرفة الثّامنة، النّاظرة في قضايا الأحوال الشّخصيّة، والمؤلّفة من القضاة سامر يونس رئيساً وريّان نصر وألين أبي خالد مستشارين منتدبين،
لدى التّدقيق والمذاكرة،
تبيّن أنّ مايكل أنطوني هيفا Michael Anthony Hiffa ، وكيلته المحامية الأستاذة شرلوت عاقله سعاده، قد تقدّم، بتاريخ 2018/12/21، باستئنافٍ بوجه الدّولة الّلبنانيّة، ممثّلة برئيس هيئة القضايا في وزارة العدل، وبوجه وزارة الدّاخليّة، طعناً بالقرار الصّادر بتاريخ 2018/10/30 برقم 2018/412 عن الّلجنة المختصّة بالنّظر في طلبات استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة والّذي قضى برفض طلب استعادة الجنسيّة المقدّم من المستأنف ومن أولاده أوستن مايكل، أنطوني مايكل وأماندا ميشال هيفا،
وأنّ المستأنف قد أدلى، في الشّكل، باختصاص هذه المحكمة للفصل في الاستئناف الرّاهن، لكونه من بلدة المنية، وقد جرى إبلاغه القرار المستأنف، بتاريخ 2018/11/1، عبر القنصليّة الّلبنانيّة في نيويورك، وبأنّ مهلة الاستئناف محدّدة بشهر من تاريخ التّبليغ، عملاً بالفقرة “ز” من المادّة الوحيدة في قانون “تحديد شروط استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة” رقم 2015/41، وبأنّ المادّة 420 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة تنصّ على أنّه إذا كان الشّخص الموجّه إليه الإجراء مقيماً في أميركا، تُزاد المهلة إلى ستّين يوماً، طالباً قبول استئنافه في الشّكل،
وأنّ المستأنف قد أدلى، في الأساس، بوجوب فسخ القرار المستأنف لجهة الخطأ الحاصل في عدم تطابق الأسماء الّذي يتبعه، حتماً، خطأ في هوّيّة الأشخاص المطلوب البحث عن قيودهم، إذ إنّ ما ورد في الصّفحة 2 في المقطع الثّاني من القرار المستأنف مغايرٌ للحقيقة لجهة أنّ والد جدّ المستأنف اسمه مخائيل هيفا وأنّه أنجب يوسف جدّ المستدعي، في حين أنّ الصّحيح هو أنّ المستأنف اسمه مايكل (مخايل)، وأنّ والده اسمه أنطوني م. هيفا، كما هو مبيّن في وثيقة ولادة مايكل، وأنّ جدّ المستأنف اسمه مخائيل ج. هيفا، كما يتبيّن من وثيقة ولادة أنطوني، وأنّ الجدّ المذكور هو الأصل الّلبنانيّ للمستأنف، وأضاف هذا الأخير بأنّ القرار المستأنف مستوجب الفسخ لناحية استناده إلى عدم العثور على السّجلّات ولناحية مسؤولية الإدارة عن عدم وجودها، ذلك أنّ تقرير المديريّة العامّة للاحوال الشّخصيّة في وزارة الدّاخليّة قد تضمّن عدم العثور على أيّ من الأصول الواردة أسماؤهم في الطّلب، بسبب عدم وجود السّجلّات المطلوبة العائدة لإحصاءات 1921 و1924 مقيمين ومهاجرين و1932 مهاجرين، لدى المديريّة العامّة المذكورة، موضحاً بأنّ الإدارة مسؤولة عن المحافظة على سجلّات المهاجرين والمقيمين، وبأنّ واقعة فقدان السّجلّات يحرمه من ممارسة حقوقه أسوةً بغيره من الّلبنانيّين، وبأنّه يقتضي فسخ القرار المستأنف لاعتماده واقعة عدم وجود السّجلّات كقرينة على عدم وجود الأسماء، خلافاً لنصّ القانون رقم 2015/41، مردفاً بأنّ القرار المستأنف مستوجب الفسخ، أيضاً، لعدم تقيّده بالوثائق والمستندات الرّسميّة والّتي تتمثّل، من جهة أولى، في حيازة المستأنف على وثيقة رسميّة صادرة عن سلطة أجنبيّة (أميركيّة) تفيد بأنّ مخائيل هيفا، جدّ المستأنف، هو لبنانيّ الأصل، كما وفي حيازته، من جهة ثانية، على وثيقة رسميّة لبنانيّة لم تُؤخَذ، هي أيضاً، بعين الإعتبار، وتتمثّل في محضر التّحديد والتّحرير الّذي يُظهِر بوضوح بأنّ جدّ المستأنف مهاجر إلى أميركا قبل 1932، ما يقتضي، معه، بالتّالي، فسخ القرار المستأنف لمخالفته أحكام القانون 2015/41 بعدم اعتماده على أيّ من المستندين المذكورين،
وأنّ المستأنف قد طلب، في النّتيجة، فسخ القرار المستأنف للأسباب المبيّنة أعلاه وإلزام المديريّة العامّة للأحوال الشّخصيّة بإبراز الميكروفيلم الموجود لديها من أجل التّحقّق من وجود اسم أحد أصوله في السّجلّات، ونشر الدّعوى والفصل فيها مجدّداً،
وتبيّن أنّ الدّولة الّلبنانيّة، ممثّلة برئيس هيئة القضايا في وزارة العدل، بوكالة المحامي معن هوشر، قد أبرزت، في 2019/8/6 ، لائحة جوابيّة، طالبةً ردّ الأستئناف بالاستناد إلى ما ورد في مطالعة المديريّة العامّة للأحوال الشّخصيّة رقم الصّادر 38/2030/2019 المسجّل لدى قلم هيئة القضايا برقم 534 بتاريخ 2019/7/2 الّتي اعتبرت بأنّ القرار المستأنف واقع في موقعه القانونيّ، مضيفةً بأنّ تحقيقات الأمن العامّ الّلبنانيّ في هذه القضيّة تستند إلى أقاويل مفادها أنّ والد جدّ المستأنف هاجر إلى أميركا قبل الإحصاء وتأهّل هناك، فلا يمكن إجابة طلبه بناءً على تلك الأقاويل، وبأنّ الاستئناف مستوجب الرّدّ لعدم قيام المستأنف بإثبات أصوله الّلبنانيّة، طالبةً إلزامه بالرّسوم وبالعطل والضّرر،
وتبيّن أنّه، بتاريخ 2020/11/12، صدر قرار عن هذه المحكمة قضى بتكليف الدّولة الّلبنانيّة، ممثّلة بهيئة القضايا في وزارة العدل، إيداع المحكمة الملفّ الابتدائيّ المفصول بالقرار 2018/412 من قبل الّلجنة المختصّة بالنّظر في طلبات استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة المنشأة بموجب القانون رقم 41 تاريخ 2015/11/24 لدى وزارة الداخليّة، ليُصار إلى ضمّه إلى الملفّ الحاضر، وأنّ هيئة القضايا في وزارة العدل قد أبرزت، بتاريخ 2021/5/26، ما اعتبرته “صورة عن كامل الملفّ من استحضار استئنافيّ وملفّ البداية وقرار الّلجنة رقم 2018/412 المستأنَف”، وأنّ الإحالة من هيئة القضايا قد وردت إلى الملفّ بتاريخ 2021/6/1،
وتبيّن أنّ هذه المحكمة قد عادت فأصدرت، بتاريخ 2021/10/11، قراراً قضى بتكليف قلم المحكمة إرسال مذكّرة إلى المديريّة العامّة للأحوال الشّخصيّة في وزارة الدّاخليّة والبلديّات يطلب بموجبها ضمّ الملفّ الابتدائيّ المفصول بالقرار رقم 2018/412 تاريخ 2018/10/30 والصّادر عن الّلجنة المختصّة بالنّظر في طلبات استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة المنشأة بموجب القانون 41 تاريخ 2015/11/24 ، وذلك في الاستدعاء المقدّم من المستأنف وأولاده، إلى الملفّ الحاضر، وبتكليف المستأنف بوجهها، الدّولة الّلبنانيّة، إبراز المطالعة الصّادرة عن المديريّة العامّة للأحوال الشّخصيّة بتاريخ 2019/6/27 رقم الصّادر 38/2030/2019، مع مرفقاتها المشار إليها في الصّفحة الثّانية منها،
وتبيّن أنّه، بتاريخ 2022/3/4، ورد إلى الملفّ كتاب يحمل تاريخ 2022/3/10 برقم 283/2021/2030 موجّه إلى هذه المحكمة وصادر عن المديريّة العامّة للأحوال الشّخصيّة في وزارة الدّاخليّة والبلديّات وموقّع من المدير العامّ يتضمّن إيداع المحكمة مصوّراً عن القرار رقم 2018/412 تاريخ 2018/10/30 مع مصوَّر عن مرفقات القرار كافّةً، وأنّه، بتاريخ 2022/6/15، طلبت وكيلة المستأنف بتّ الدّعوى بعد ورود الملفّ الابتدائيّ من المديريّة العامّة للأحوال الشّخصيّة، هذا مع العلم أنّه قد سبق لأطراف الملفّ كافةً أن وافقوا على تطبيق أحكام المادّة 462 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة للفصل في الملفّ الحاضر،
بناءً عليه،
أوّلاً: في الشّكل
حيث يطلب المستأنف قبول الاستئناف في الشّكل، مدلياً بأنّ هذه المحكمة هي المختصّة مكانيّاً، بوصفه من بلدة المنية، وبأنّ الاستئناف ورد ضمن المهلة القانونيّة، إذ إنّه قد تبلّغ القرار المستأنف بواسطة القنصليّة الّلبنانيّة في نيويورك، بتاريخ 2018/11/1، وهو يستفيد من مهلة الاستئناف المحدّدة في المادّة 420 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة، بستّين يوماً، باعتباره مقيماً في الولايات المتّحدة الأميركيّة،
وحيث ينصّ البند “ز” من المادّة الوحيدة في “قانون تحديد شروط استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة”، رقم 41 تاريخ 2015/11/24 والمنشور في الجريدة الرّسميّة العدد 48 الصّادر بتاريخ 2015/11/26 ، على أنّ:
“قرارات القبول أو الرّفض (لاستعادة الجنسيّة) تُبلَّغ إلى كلّ من وزير الدّاخليّة والبلديّات وإلى صاحب العلاقة في المقام المختار المحدّد في الطّلب”.
“تبقى قرارات الّلجنة قابلة للاستئناف، خلال مهلة شهر من تاريخ التّبليغ، أمام محكمة الاستئناف المدنيّة الّتي يقع المكان المحدّد لقيد طالب استعادة الجنسيّة ضمن نطاق اختصاصها. يُقدَّم الاستئناف من قبل صاحب العلاقة أو من قبل وزير الدّاخليّة والبلديّات. ولا تقبل قرارات محكمة الاستئناف أيّ طريق من طرق المراجعة باستثناء الاعتراض على الأحكام الغيابيّة”.
“يُقدَّم الاعتراض على الحكم الغيابيّ من قبل صاحب العلاقة خلال مهلة خمسة عشر يوماً من إبلاغه القرار”.
وحيث إنّ البند “ج” من القانون 2015/41 ، المذكور أعلاه، ينصّ على أنّ صاحب العلاقة، أو من يوكّله قانوناً، يقدّم طلباً لاستعادة الجنسيّة، إمّا مباشرة أمام وزارة الدّاخليّة والبلديّات-المديريّة العامّة للأحوال الشّخصيّة، وإمّا بواسطة البعثات الدّيبلوماسيّة العاملة في الخارج،
وحيث إنّ القانون نفسه قد حدّد أصول الطّعن في قرار رفض أو قبول طلب استعادة الجنسيّة، عبر تقديم استئنافٍ مباشرةً أمام المحكمة المختصّة مكانيّاً، وذلك من دون أن يلحظ القانون عينه تطبيق الأصول الخاصّة للطّعن في القرارات الرّجائيّة المنصوص عليها في المادّتين 601 و603 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة، بِما يُعتبَر أصولاً خاصّة للطّعن في القرارات الرّجائيّة الصّادرة عن اّللجنة المكوّنة بمقتضى القانون 2015/41 تُفضي إلى تقديم الاستئناف مباشرةً أمام المحكمة المختصّة مكانيّاً،
وحيث إنّه، وبمعزل عن صفة وزير الدّاخليّة والبلديّات الشّخصيّة للتّقدّم باستئنافٍ طعناً بالقرارات الصّادرة عن الّلجنة المذكورة أعلاه أو مدى صفته، هو، للتّقدّم في وجهه باستئنافٍ من قِبل صاحب العلاقة المرفوض طلبه، إلّا أنّ المادّة 16 من المرسوم الاشتراعيّ رقم 1983/151 المتعلّق بتنظيم وزارة العدل، تنصّ على أنّ “رئيس هيئة القضايا يتولّى تمثيل الدّولة في لبنان والخارج أمام جميع المحاكم العدليّة أو الإداريّة أو التّحكيميّة على اختلاف أنواعها ودرجاتها وأمام سائر الهيئات ذات الصّفة القضائيّة، وذلك إمّا شخصيّاً وإمّا بواسطة أحد معاونيه من قضاة الهيئة أو أحد محامي الدّولة”، وعلى أنّه “لا يجوز تبليغ الأحكام الصّادرة في دعاوى الدّولة إلّا إلى رئيس هيئة القضايا شخصيّاً، وأنّه لرئيس الهيئة أن يفوّض أحد معاونيه من القضاة بالتّبليغ عنه، وعلى أنّه لوزير العدل، عند الاقتضاء، وفي حال غياب رئيس الهيئة، تكليف أحد قضاة الهيئة بتبليغ الأحكام”،
وحيث إنّ دعاوى الجنسيّة تُقدَّمُ بوجه الدّولة الّلبنانيّة، ممثّلة برئيس هيئة القضايا في وزارة العدل، باعتبارها، أي الدّولة الّلبنانيّة، هي صاحبةَ السّيادة على قضايا الجنسيّة وعلى القيود الواردة في سجلّات الأحوال الشّخصيّة؛ وقياساً عليه، فإنّ النّزاعات النّاشئة عن استعادة الجنسيّة، بما في ذلك الاستئناف الحاضر، إنّما تُقدَّم، هي الأخرى، أيضاً، بوجه الدّولة الّلبنانيّة،
وحيث يدلي المستأنف بأنّه من بلدة المنية الدّاخلة، مكانيّاً، ضمن اختصاص هذه المحكمة، فتكون هذه الأخيرة، مختصّة، مكانيّاً، كمرجع استئنافيّ لقرارات الّلجنة النّاظرة في طلبات استعادة الجنسيّة، كما ويكون انعقاد الخصومة صحيحاً في معرض الاستئناف الحاضر،
وحيث إنّ القانون رقم 2015/41 قد نصّ، في البند “ز” منه، على أنّ الاستئناف يُقدَّمُ ضمن مهلة شهر من تاريخ تبليغ صاحب العلاقة على مقامه المختار في طلب استعادة الجنسيّة،
وحيث يتبيّن، من مصوَّر الأوراق المحالة إلى هذه المحكمة من قبل المديريّة العامّة للأحوال الشّخصيّة، بأنّ المستأنف قد تقدّم بطلب استعادة الجنسيّة بواسطة القنصليّة الّلبنانيّة في نيويورك وحدّد مقامه المختار ضمن الطّلب، بعنوانه في الولايات المتّحدة الأميركيّة، وبأنّه قد أدلى بتبلّغه القرار المستأنف بواسطة القنصليّة الّلبنانيّة هناك بتاريخ 2018/11/1،
وحيث، بغياب تحديد أصول خاصّة للاستئناف، فإنّه يقتضي تطبيق الأصول العامّة المنصوص عليها في قانون المحاكمات المدنيّة لناحية مهلة الاستئناف، فتُضاف إلى مهلة الاستئناف المحدّدة في القانون 2015/41 بشهرٍ واحد، مهلةُ ستّين يوماً بمقتضى الفقرة 2 من المادّة 420 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة، باعتبار أنّ المستأنف مقيم في البلدان الأخرى (غير الدّول العربيّة وتركيا وقبرص)، فيكون الاستئناف الحاضر وارداً، بالتّالي، ضمن المهلة القانونيّة، هذا فضلاً عن استيفائه سائر شروطه الشّكليّة، ما يرتّب قبوله شكلاً.
ثانياً: في الأساس
حيث يطلب المستأنف فسخ القرار المستأنف، مدلياً بأنّ عدم العثور على أيٍّ من أصوله الواردةِ أسماؤهم ضمن طلب استعادة الجنسيّة، وذلك في السّجلّات المطلوبة العائدة لإحصاءات 1921 و1924 مقيمين ومهاجرين و1932 مهاجرين، لدى المديريّة العامّة للأحوال الشّخصيّة في وزارة الدّاخليّة، إنّما يعود، بحسب مطالعة المديريّة العامّة نفسها، إلى عدم وجود تلك السّجلّات، موضحاً بأنّ الإدارة هي، وحدها، المسؤولة عن المحافظة على سجلّات المهاجرين والمقيمين، كما يطلبُ المستأنِفُ فسخَ القرارِ عينِه، لاعتماده واقعة عدم وجود السّجلّات كقرينةٍ على عدم وجود الأسماء، خلافاً لنصّ قانون “تحديد شروط استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة”، رقم 2015/41 ، وفسخَه، أيضاً، لعدم تقيّدِه بالوثائق والمستندات الرّسميّة الثّبوتيّة، الّلبنانيّةِ والأجنبيّة، المنصوصِ عليها القانون 2015/41 والّتي تتمثّل في حيازة المستأنف، من ناحية أولى، على وثيقة رسميّة صادرة عن سلطة أجنبيّة (أميركيّة) تُفيد بأنّ مخايل هيفا، جدّ المستأنف، هو لبنانيّ الأصل، كما وفي حيازته، من جهة ثانية، على محضر التّحديد والتّحرير الصّادر عن السّلطات الّلبنانيّة، والّذي يؤلّف، بدوره، وثيقة رسميّة صادرة عن الإدارة الّلبنانيّة تُظْهِرُ، بوضوح، بأنّ جدّ المستأنف مُهاجِرٌ إلى أميركا قبل 1932،
وحيث تطلب المستأنف بوجهها ردّ الاستئناف، بالاستناد إلى ما ورد في مطالعة المديريّة العامّة للأحوال الشّخصيّة رقم الصّادر 38/2030/2019 المسجّل لدى قلم هيئة القضايا برقم 534 بتاريخ 2019/7/2 ، حيث جاء بأنّ القرار المستأنف واقعٌ في موقعه القانونيّ، وبأنّ تحقيقات الأمن العامّ الّلبنانيّ تستند إلى أقاويلَ بأنّ والد جدّ المستأنف هاجر إلى أميركا قبل الإحصاء وتأهّل هناك، مردفةً بأنّه لا يمكن إجابة طلبه بناءً على تلك الأقاويلِ، ما يوجب، بالتّالي، ردّ الاستئناف الرّاهن، لعدم قيام المستأنف بإثبات أصوله الّلبنانيّة،
وحيث يتبيّن من المستندات الصّادرة عن السّلطات الرّسميّة المختصّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة، المبرزة من المستأنِف مع استحضار الاستئناف ومع طلبِه استعادةَ الجنسيّةِ الوارد إلى الملفّ الحاضر، مُرسَلاً من قبل المديريّة العامّة للأحوال الشّخصيّة في وزارة الدّاخليّة كمصوَّر مع مرفقاته، أنّ المستأنف مايكل Michael هيفا، والدته مرغريت كسّاب، المولود بتاريخ 1954/11/1 في مدينة Utica في ولاية نيويورك في الولايات المتّحدة الأميركيّة، هو ابن أنطوني هيفا المولود في المكان عينِه، بتاريخ 1923/8/9، وأنّ انطوني المذكور هو ابن مخايل هيفا Michael J. Hiffa الّذي يتبيّن من شهادة وفاتِه الحاصلة بتاريخ 9 آذار 1971، أنّه مولود في العام 1886 (Aug 10 1886) في لبنان (state of birth not in Usa: Lebanon)، وأنّه ابن ليوسف هيفا (father name: Joseph Hiffa وأنّه أب لأنطوني هيفا (infant name: Anthony Hiffa)، والد المستأنف،
وحيث يتبيّن من محضر التّحديد والتّحرير العائد للعقار 133- المنية، أنّ القرار بملكيّته قد صدر بالتّساوي، بواقع 1200 سهم، في ما بين أسعد ومخايل وَلَدَيْ يوسف هيفا، وأنّه قد ورد في متن قرار الملكيّة، منذ صدوره، أنّ أسعد بن يوسف هيفا مقيمٌ في المنية، وبأنّ مخائيل بن يوسف هيفا مقيمٌ في أميركا،
وحيث يتبيّن من سجلّ المقيمين الوارد من ضمن مصوَّر المستندات من المديريّة العامّة للأحوال الشّخصيّة لبلدة المنية، أنّ أسعد هيفا مُسَجَّلٌ كمُقيمٍ في المنية، ومولود في العام 1897، وهو ابن يوسف ديب ووالدته كاملة عسكر، وأنّ الأخيرة، والدة أسعد، هي، أيضاً، والدة مخايل يوسف هيفا، جدّ المستأنف، والمدوَّن اسمُها في الخانة الواردة بجانب اسم الأب في شهادة وفاة مخايل المذكور (Mother maiden name: Camleh Asker)، وأنّه يتبيّن من صُوَرِ مَحاضرِ الانتقال المبرزة، أنّ أسعد يوسف ديب هيفا المذكور، المالك 1200 سهم في العقار 133- المنية، قد أدركته الوفاة وجرى نقل ملكيّته إلى ورثته، ومن ثمَّ إلى ورثة المتوفّين مِن بين هؤلاء،
وحيث ثبت من المستندات الرّسميّة، المبيّنة أعلاه، أنّ مايكل هيفا، المستأنف، هو ابن أنطوني هيفا وحفيد مخايل هيفا المولود في لبنان والمقيم في أميركا، شقيق أسعد هيفا المقيم في لبنان، وأنّ مخايل وأسعد المالِكَيْن، بالتّساوي، للعقار 133- المنية، هما ابنان ليوسف هيفا، والدتهما كاملة عسكر، هذا مع الإشارة إلى أنّ مخايل، جدّ المستأنف وخلفاءَه من بعده، وصولاً إلى المستأنف نفسِه، والمهاجرِين جميعهم إلى أميركا، قد احتفظوا، هناك، باسم العائلة “هيفا”، من دون تغيير،
وحيث إنّ ما تقدّم بيانُه، إنّما يتلاقى والنّتيجةَ الّتي توصّل إليها الأمن العامّ الّلبنانيّ في استقصاءاته الواردة خلاصتها بتاريخ 2018/1/19 والمبرزة صورتها، أيضاً، من ضمن الأوراق المصوَّرة، إذ “أشارت تلك الاستقصاءات إلى أنّ الأميركيّ مايكل أنطوني هيفا (أي المستأنف)، تولّد 1954، موجود وعائلته في الولايات المتّحدة الأميركيّة ويتردّد إلى لبنان لزيارة أقارب به، كونه من أصول لبنانيّة وله أقارب في بلدة المنية، حيّ الكنيسة، وأنّ والد جده، ميخائيل هيفا، قد هاجر إلى أميركا قبل الإحصاء، ويُقال أنّه تأهّل هناك وأنجب يوسف (جدّ المستدعي)”، وهو أمرٌ يؤكِّدُه، بشكلٍ متكاملٍ، ما جاءَ، صراحةً، في المستندات الرّسميّةِ الّلبنانيّة والأميركيّة، المبيّنة ماهيّتُها آنفاً، وذلك على نحوٍ يُثْبِتُ ما “يُقال” – تبعاً للتّعبير الواردِ في ختام تحقيق الأمن العامّ الّلبنانيّ – ويُضْفي عليه، بالتّالي، صفةَ الثّبوت،
وحيث تجدرُ الإشارةُ، هنا، إلى أنّ الأمنَ العامّ الّلبنانيّ هو الجهازُ الرّسميّ المُولَجُ، حصراً، إجراءَ الاستقصاءاتِ ووضْعَ تحقيقٍ بنتيجتها، بمقتضى البند “د” من المادّة الوحيدة في قانون “تحديد شروط استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة”، رقم 2015/41، وهو، أي الأمنُ العامُّ الّلبنانيّ، قد تثبّت، في معرض تحرّيّاته، من حركة دخولِ المستأنفِ إلى لبنان وخروجِه منه،
وحيث يقتضي، وبعد التّحقّق من ثبوت تلك الوقائعِ بالمستندات الرّسميّةِ الّتي تُؤيّدها، تحديدُ شروطِ استعادةِ الجنسيّة الّلبنانيّة، وذلك وفقاً للأحكام القانونيّةِ ذاتِ الصّلة، الأمرُ الّذي سيجري تفصيلُه في ما يلي.
وحيث ينصّ البند “أ” من المادّة الوحيدة في القانون المعجّل رقم 2015/41 (قانون “تحديد شروط استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة”)، على أنّه “يحقّ لكلّ شخص يتوفّر فيه الشّرط التّالي أن يطلب استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة، إذا كان مُدرَجاً اسمُه، هو أو اسم أحد أصوله الذّكور لأبيه أو أقاربه الذّكور لأبيه، حتّى الدّرجة الثّانية، على سجلّات الإحصاء الّتي أُجْرِيَتْ بعد إعلان دولة لبنان الكبير، أي سجلّات 1921 – 1924 مقيمين ومهاجرين وسجلّ 1932 مهاجرين، الموجودة لدى دوائر الأحوال الشّخصيّة في وزارة الدّاخليّة والبلديّات والّذين لم يمارِسوا حقّهم باختيار الجنسيّة الّلبنانيّة، شرط ألّا يكون المُدرَجُ اسمُه على السّجلّات قد اختار، صراحةً أو ضمناً، تابعيّة إحدى الدّول الّتي انفصلت عن السّلطنة العثمانيّة مع مراعاة واحترام أحكام الدّستور”.
وحيث ينصّ البند “ب” من المادّة الوحيدة في قانون “تحديد شروط استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة” رقم 2015/41 ، على أن “يتقدّم صاحب العلاقة، أو مَن يوكله قانوناً، بطلب استعادة الجنسيّة، ويُبرِز، مع طلبه الخطّيّ، الوثائق والمستندات الّتي تُثبت توفّر الشّرط المذكور في البند (أ) أعلاه وهي:
1 – القيود في سجلّات الأحوال الشّخصيّة القديمة المحدّدة في البند (أ) أعلاه، عنه أو عن أحد أصوله أو أحد أقاربه الذّكور حتّى الدّرجة الثّانية.
2 – الوثائق الرّسميّة الصّادرة عن الإدارة الّلبنانيّة المتعلّقة به أو بأحد أصوله أو أقاربه الذّكور، حتّى الدّرجة الثّانية، كما الوثائق الرّسميّة الصّادرة عن السّلطات المختصّة في البلد الأجنبيّ الّذي يحمل جنسيّته، مصدّقة من القنصليّة الّلبنانيّة في ذلك البلد.
وحيث إنّ البند “ب” من المادّة الوحيدة في قانون “تحديد شروط استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة”، رقم 2015/41 ، قد فصّل، بدوره، كيفيّة إثبات توفّر الشّرط المنصوص عليه في البند “أ” من المادّة عينِها المذكورة أعلاه، إذ نصّ على ماهيّة المستندات الواجبِ إبرازُها من قِبل طالب استعادة الجنسيّة، والمتمثّلة بالقيود في سجلّات الأحوال الشّخصيّة القديمة المحدّدة في البند “أ”، عنه أو عن أحد أصوله أو أحد أقاربه الذّكور حتّى الدّرجة الثّانية، وبالوثائق الرّسميّة الصّادرة عن الإدارة الّلبنانيّة المتعلّقة به أو بأحد أصوله أو أقاربه الذّكور حتّى الدّرجة الثّانية، كما وبالوثائق الرّسميّة الصّادرة عن السّلطات المختصّة في البلد الأجنبيّ الّذي يحمل جنسيّته، مصدّقة من القنصليّة الّلبنانيّة في ذلك البلد،
وحيث، لجهة توفّر القيود في سجلّات الأحوال الشّخصيّة القديمة العائدة للمستأنف أو لأحد أصوله أو لأحد أقاربه الذّكور حتّى الدّرجة الثّانية، فإنّ المديريّة العامّة للأحوال الشّخصيّة قد أفادت، في كتابها الموجّه إلى وزير الدّاخليّة والبلديّات، بتاريخ 28 شباط 2018، والمبرَزة نسختُه ضمن مصوَّرِ المستندات، بأنّه “لم يُعثَرْ على أيّ من الأصول المطلوبة بسبب عدم وجود السّجلّات المطلوبة العائدة لإحصاء 1921 مقيمين ومهاجرين وإحصاء 1924 مهاجرين وإحصاء 1932 مهاجرين في المحفوظات”، كما أنّ المديريّةَ العامّة نفسَها، وفي مطالعتها الصّادرة عنها، بتاريخ 27/6/2019، والموجَّهة إلى هيئة القضايا في وزارة العدل، قد عادت فكرّرت بأنّ “السّجلّ الّذي يرتكز إليه المستأنف هو من سجلّات بلدة المنية غير الموجودة لدى هذه الإدارة”،
وحيث أفادت المديريّة العامّة للأحوال الشّخصيّة، في مطالعتها ذاتِها إلى هيئة القضايا، والمشارِ إليها أعلاه، بأنّه قد “تبيّن وجود قيد لأسعد يوسف هيفا في سجلّ إحصاء 1932 مقيمين، دون ثبوت أيّ قيد له في السّجلّات المنصوص عليها في القانون 2015/41 ، أيْ سجلّ 1921 مقيمين ومهاجرين وسجلّ 1924 مهاجرين وسجلّ 1932 مهاجرين”، وبأنّه “لم يتبيّن وجود أيّ قيد لمخايل، شقيق أسعد المذكور، في السّجلّات الّلبنانيّة”،
وحيث، وبمقتضى البند “ب” من المادّة الوحيدة في قانون “تحديد شروط استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة”، رقم 2015/41 ، فإنّ إثبات القيود في السّجلّات المذكورة لم ينحصر بورودها في السّجلّات المنصوص عليها في البند “أ”، بل هو تجاوزه إلى الإثبات بالوثائق الرّسميّة الصّادرة عن الإدارة الّلبنانيّة المتعلّقة بطالب الاستعادة أو بأحد أصوله أو أقاربه الذّكور حتّى الدّرجة الثّانية، كما وبالوثائق الرّسميّة الصّادرة عن السّلطات المختصّة في البلد الأجنبيّ الّذي يحمل جنسيّته، على أن تكون مصدّقة من القنصليّة الّلبنانيّة في ذلك البلد،
وحيث من الثّابت بمحضر تحديد وتحرير العقار 133- المنية، بوصفه مستنداً رسميّاً صادراً عن الإدارة الّلبنانيّة، كما وبالمستندات الرّسميّة الصّادرة في الولايات المتّحدة الأميركيّة والّتي أبرزها المستأنف، على الوجه المعروض أنفاً، بأنّ مخايل، ابن يوسف هيفا، المولود في لبنان والمُهاجِر الى أميركا، هو شقيق أسعد يوسف هيفا المقيم في لبنان، وبأنّ مخايل المذكور هو والد أنطوني، والد المستأنف، أي أنّ مخايل يوسف هيفا هو جدّ المستأنف، فيكون، هو، الأصلَ الّلبنانيَّ للمستأنف من الذّكور حتّى الدّرجة الثّانية،
وحيث، ولئن كان الشّرط المنصوص عليه في البند “أ” من المادّة الوحيدة للقانون 2015/41 لجهة وجود قيود لطالب الاستعادة أو لأصوله الذّكور حتّى الدّرجة الثّانية في السّجلّات المنصوص عليها في القانون المذكور، يُعتَبَرُ شرطاً أساسيّاً لاستعادة الجنسيّة الّلبنانيّة، إلاّ أنّ عدم وجود السّجلّات المطلوبة، كما ورد في كتاب المديريّة العامّة للأحوال الشّخصيّة إلى وزير الدّاخليّة والبلديّات تاريخ 2018/2/28 ، والعائدة لإحصاء 1921 مقيمين ومهاجرين وإحصاء 1924 مهاجرين وإحصاء 1932 في المحفوظات، ليس من شأنه أن يجعل طلب المستأنف، في الحالة الحاضرة، مردوداً وأن يحرمه، بالتّالي، من حقّه في استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة، ذلك أنّه لا يمكن تحميل المستأنف تَبِعاتِ فقدان الإدارة للسّجلّات، موضوعِ قانونِ “تحديد شروط استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة”، رقم 2015/41، لا سيّما وأنّه، أي المستأنف، قد أبرز المستندات الثّبوتيّة المكمِّلة الواقعة على عاتقه، والمُثبِتة لتحقّق الشّرط المنصوص عليه في البند “أ” من قانون “تحديد شروط استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة”، وفق ما تمّ إيرادُه آنفاً،
وحيث لا يمكن فصلُ هذا القانونِ أو عزلُه عن “أسبابه الموجبة” الّتي يجب الاسترشادُ بها واستلهامُها واستحضارُها، على الدّوام، من أجل تفسيرِه وتطبيقِه على نحوٍ يتلاءَمُ والغايةَ من إقرارِه، إذ جاء في تلك الأسباب أنّ “العديد من المسجَّلين على سجلّات الإحصاء سنوات 1921 – 1924 و 1932 قد هاجروا وأغفلوا تسجيل وقوعاتهم الشّخصيّة على مرّ السّنين”، وأنّ “عشرات آلاف المنتشرين الّلبنانيّين قد اختاروا الجنسيّة الّلبنانيّة بين الأعوام 1924 و1958، وفقاً لمعاهدة لوزان عام 1924، وتسجّلوا على سجلّات الأحوال الشّخصيّة في وزارة الدّاخليّة والبلديّات، ولكنّ الدّولة الّلبنانيّة تقاعست عن تبليغ معظمهم بحصولهم على الجنسيّة الّلبنانيّة”، وأنّ “المتحدِّرين من هؤلاء الّلبنانيّين المسجَّلين يرغبون بالحصول على الجنسيّة الّلبنانيّة ولكنّهم يصطدمون بعقبات وتعقيدات عدّة بسبب تراكم الأجيال وتعدِّد المستندات المطلوبة وغالباً غير المتوفّرة”، وأنّ “الاغتراب الّلبنانيّ هو ثروة لبنان الكبرى ويستحقّ اهتمام المسؤولين على الأصعدة كافّةً”،
وحيث إنّ غاية هذا القانون، وفق نصِّه وروحِه المتجسِّدة في “أسبابه الموجبة”، إنّما تتمثّل في تمكين “المتحدِّرين من هؤلاء الّلبنانيّين” – وهم “ثروةُ لبنان الكبرى” – كما تصفهم “الأسبابُ الموجِبةُ” عينُها، مِن استعادة جنسيّتِهم الّلبنانيّة، بعد استيفائِهم شروطَها، وعدم حرمانِهم إيّاها، في المقابل، عبرَ تحميلِهم عبءَ أو ثمنَ أو عقوبةَ فقدانِ الدّولةِ الّلبنانيّةِ المستنداتِ والسّجلّات الواقع على كاهلِها، هي وحدَها، موجِبُ حمايتِها وصونِها والحفاظِ عليها، كما هو الحال في القضيّة الرّاهنة حيث أبرز المستأنفُ الدّليلَ الرّسميَّ، الّلبنانيَّ والأجنبيّ، على أصله الّلبنانيّ حتّى الدّرجة الثّانية من الذّكور، الأمرُ الّذي يتلاقى وروحيّةَ هذا القانونِ ويُحَقِّقُ غايتَه المنسجِمةَ مع نصِّه، بِما يَستبعِدُ، بالتّالي، كلَّ تشدّدٍ في غير محلِّه، وذلك من خلال تفسيرٍ ضيّقٍ يُجافي القانونَ في نصِّه وفي روحِه، إذْ هو قانونٌ يريدُ للمنتشرين المتحدِّرِين من أصلٍ لبنانيّ أن يستعيدوا جنسيّتَهم الّلبنانيّة الّتي حالَ بينَهم وبينَها عقباتٌ وتعقيداتٌ ومستنداتٌ وسجلّاتٌ لم تعد متوفّرةً، في معظمها، كما جاء في أسباب القانونِ الموجبة، ولكنْ ليس بخطأٍ أو تقصيرٍ أو إهمالٍ منهم، ما يوجِبُ تفسيرَ بنودِ هذا القانون وتطبيقَها على وجهٍ إيجابيٍّ يُتيحُ لهؤلاءِ استعادةَ جسيّتِهم الّلبنانيّة، بعدما أبرزوا ما يقع على عاتقهم من دليلٍ ثبوتيٍّ قاطعٍ يُثبِتُ أصلَهم الّلبنانيّ، وفق ما ينصّ عليه البند “ب” الّذي يفصّل كيفيّة إثبات توفّر الشّرط المنصوص عليه في البند “أ” من المادّة الوحيدة في قانون “تحديد شروط استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة”،
وحيث يقتضي، في هذا السّياق، ربطُ البند “أ” بالبند “ب” من المادّة عينِها، لأنّ الثّاني، وكما جاء فيه، يحّدد ويفصّل كيفيّة إثبات توفّرِ الشّرطِ المنصوص عليه في البند الأوّل، وذلك إعمالاً لقاعدة تفسير النّصوص أو البنود أو الفقرات القانونيّة المتتالية، تفسيراً مُنْتِجاً يقوم على التّرابط والتّناسق والتّكامل في ما بينَها، حتّى يُحَقِّقَ القانونُ غايتَه المنسجمةَ مع روحيّتِه، فلا يتمّ حَجْبُ استعادةِ الجنسيّةِ الّلبنانيّة عَمَّن استوفى شروطَها وأبرز أدلَّتَها، في حين أنّ المفقودَ من مستنداتٍ أو سجلّاتٍ رسميّة، في هذه القضيّة، إنّما هو على عاتق الدّولةِ الّلبنانيّة، باعتبارِها صاحبةَ السّيادةِ الحصريّةِ على قيودها وسجلّاتِها،
وحيث إنّه، استطراداً، ولولا أصولُ المستأنفِ الّلبنانيّةُ ووجودُ أقاربَ له في لبنان، لا سيّما في بلدة المنية، لَمَا كان من مبرِّرٍ أو من سببٍ منطقيٍّ يُوجِبُ اجتيازَه القارّاتِ وعبورَه إيّاها، مُتَكَبِّداً عناءَ السّفرِ من الولايات المتّحدة الأميركيّة إلى لبنان، ليتردّدَ إلى هذا الأخير وليزورَ أقاربَ له في بلدة المنية، حيّ الكنيسة، تحديداً، وفق ما تُثْبِتُه تحقيقاتُ المديريّةِ العامّةِ للأمن العامِّ لهذه الجهة،
وحيث يكون القرارُ المستأنَفُ، المنتهي إلى ردّ طلب المستأنف باستعادة جنسيّتة الّلبنانيّة، واقعاً في غير موقعه القانونيِّ السّليم، فيقتضي، بالّتالي، قبول الاستئناف أساساً وفسخ القرار المستأنف، وإصدار القرار، مجدّداً، بقبول طلب استعادة الجنسيّةِ الّلبنانيّة المقدَّمِ من المستأنِف مايكل أنطوني هيفا Michael Anthony Hiffa واعتباره لبنانيّاً، وإبلاغ القرار الحاضر حيث يلزم لإجراء المقتضى وفقاً لأحكام البند “ز” من المادّة الوحيدة في القانون 2015/41 المتعلّق بتحديد شروط استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة،
لذلك، تقرّر بالإجماع:
1. قبول الاستئناف شكلاً.
2. قبوله في الأساس وفسخ القرار المستأنف الصّادر، بتاريخ 2018/10/30 برقم 2018/412 ، عن “الّلجنة المختصّة بالنّظر في طلبات استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة المنشأة بموجب القانون رقم 41، تاريخ 2015/11/24 “، وإصدار القرار، مجدّداً، بقبول طلب استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة المُقدَّم من المستأنف مايكل أنطوني هيفا Michael Anthony Hiffa واعتباره لبنانيّاً.
3. إبلاغ القرار الحاضر حيث يلزم لإجراء المقتضى وفقاً لأحكام البند “ز” من المادّة الوحيدة في القانون رقم 2015/41 المتعلّق بتحديد شروط استعادة الجنسيّة الّلبنانيّة.
4. حفظ الرّسوم والنّفقات وإعادة التّأمين الاستئنافيّ إلى المستأنف.
قراراً وجاهيّاً صدر وأفهم علناً في طرابلس بتاريخ 2023/4/3
“محكمة” – الأربعاء في 2023/5/31
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتصوير أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” وتبادله عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا منها “الفايسبوك” و”الواتساب”، ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!