كسبار في تشييع النقيب الوزير عصام الخوري في الحدث: رحل الآدمي كأنّه رحيل الحياة
ودّعت بلدة الحدث ونقابة المحامين في بيروت وعائلة الخوري، الوزير السابق النقيب عصام الخوري، في مأتم مهيب في كنيسة النبي إيليا للروم الإرثوذكس- الحدث بحضور حشد من السياسيين والقضاة والمحامين وأهالي البلدة.
وألقى النقيب كسبار الكلمة الآتية:
«لم أكن أتصوّر أن أقف في الأسبوع الأخير من ولايتي، لأرثي من وقف إلى جانب نقابته وإلى جانبي منذ أول أسبوع من ولايتي، وحتى آخر ساعة من عمره.
إنه الحبيب عصام الخوري. معالي النقيب ونقيب المعالي كما وصفه الرئيس الأول غالب غانم.
من الحدث، التي أطلقت كبار القوم، انطلق معالي النقيب، فتخرّج من كلية الحقوق في جامعة القديس يوسف. وانتسب إلى نقابة المحامين. النقابة التي تولى رئاستها كبير من لبنان، وصل إلى أعلى المراكز التي ممكن أن يصل إليها مواطن ارثوذكسي كما كتب في مؤلفه: “النيابة في لبنان”. عنيت به معالي النقيب فؤاد الخوري، والد الفقيد. فقد تبوأ منصب نقيب المحامين في بيروت، ومنصب نائب، ونائب رئيس مجلس النواب. ومنصب وزير، ونائب رئيس مجلس الوزراء. ورئيس المركز الملّي الأرثوذكسي.
ومشى معالي النقيب عصام الخوري على هدى وتعاليم المرحوم والده. وحافظ على الإرث الغني. وزاده غنى. وازدادت الوزنات.
عمل المحامي الشاب بكل نشاط وصبر وحكمة. وتابع الآراء الفقهية واجتهادات المحاكم. وحافظ على الإرث الأدبي حتى أصبح دماغه متحفاً للفقه والأدب. وباتت مؤلفاته تشكّل أكثر من كتب أو موسوعة. بل فلسفة الحياة بحد ذاتها. وتخرّج من مكتبه عشرات الزملاء المحامين، وعلى رأسهم النقيبة العزيزة الأستاذة أمل حداد، ابنة شقيقته، وحافِظَة أخباره وأسراره ومواقفه، والتي بقيت وفية له وللعائلة. وكان فرحاً لموافقة ابن شقيقه عصام الذي يحمل اسمه، على الإنتماء إلى نقابة المحامين بعد أن كان مهندساً منتمياً إلى نقابة المهندسين.
أما العزيزة مارسيل. المحامية التي كانت وإياه على مقاعد الدراسة في الجامعة. وشريكة حياته. فإن حزنها ممزوج بالمرارة من فقدان الحبيب، وهي في حالة صحية صعبة منذ سنوات وسنوات. وقفت إلى جانبه تؤازره في جميع قراراته. يوم فاز بمنصب نقيب، كنا في منزلهما في الحدث. ومارسيل لا تزال متحمسة. فقال لها معالي النقيب فؤاد الخوري: “يا مارسيل النصر يمحو الضغينة”. ولا أزال أردد هذه العبارة أمام الجميع.
أيّها الأحبة،
النقيب عصام الخوري، عَلم من أعلام هذا الوطن، وركن من أركانه. أمين على رسالة المحاماة بأبهى صورها. يحب نقابته بكبر وبعقل راجح ومتسامح.
فارس البلاغة والفصاحة، وهو الذي يردد الأمثلة في كل مناسبة، وبيوت الشعر التي تعبّر عن المواقف التي يتطرّق إليها.
دعوناه مرة لحضور خلوة في النقابة. وما إن جلس على كرسيه حتى قال: « كلما دعتني نقابتي للحضور أحضر، تماماً كما حصل مع سعيد تقي الدين وأشقائه وكانوا من كبار القوم، ودعتهم والدتهم لزيارتها: فأنشد:
بنوك فديت يا أم البنينا هم أهل الوفا لو تعلمينا
دعوتهم فلبّينا كأنا رجعنا للصبا لما دعينا»
كان النقيب عصام الخوري حريصاً على مؤسسة التقاعد والصندوق. ويعتبره كما قالت لي النقيبة العزيزة، إبنه المدلل. كما كان يدعو دائماً في الإنتخابات النقابية للمحافظة على ميثاق الشرف.
كان صديقاً صدوقاً. وكانت هناك مودّات بينه وبين جميع الناس. وكان من أهل الرحابة والإنفتاح. متواضعٌ، ومتصالحٌ مع نفسه ومع الآخرين. يعطي كل ذي حق حقه. نلجأ إليه كلما أعيتنا الحجة، فيُفتي بما ملكه من علم وخبرة وحكمة وتبصّر وبُعْد نظر.
رحل النقيب الآدمي كأنه رحيل الحياة.
رحل وترك الغصّة في قلوبنا. فالموت حق ولكنّ الفراق صعب.
اليوم تحتضن أرض الحدث إبنها البار بحزن وأسى وسط دموع محبيه. وقد تكلّلت شوارعها بالسواد. فالأستاذ عصام لم يعد موجوداً.
النقيب عصام الخوري مات حزيناً. ففي هذا البلد الجميل قتلوا كل شيء واستباحوا كل شيء، وأصبح القانون استثناء. فهل يمكن لمن يعشق الجمال والأدب، ويتنفس هواء إسمه القانون ألا يكون حزيناً؟
أيها النقيب الحبيب،
أتمنى أن تلاقي عند ربك ما لم تلاقيه على الأرض من محبة وسلام ووئام.
وسوف تبقى ذكراك بيننا. انت رحلت ولن تعود، لأن البحارة الكبار لا يموتون. إنهم فقط لا يرجعون.
رحمك الله.»
“محكمة” – الإثنين في 2023/11/13