كلامٌ … في معجم هذا الزمان
كتب النقيب عصام كرم:
في معجم هذا الزمان عبارات تُحكى لتقول غير الحقيقة. طبعاً… معجم هذا الزمان لا يعاشر المعجم العربي، ولو أنّ التطلّعات المبرورة التفت، مؤخّراً، إلى وجوب السلامة اللُّغوية في كلام الضاد. مَثلٌ واحد أكتفي به لأنه فِعْلٌ يومي. ” العتيد” … يقولون عن المقبل. مع العلم أنّ العتيد هو الحاضر المهيّأ. أقول هذا لأتشارك في الأحزان مع سيبويه وأبي حيّان.
* * *
“النظام” عبارة تتردّد لتعني الحكم. مع أنّ النظام يكون، أحياناً، مشوباً بكثير من الهِنَات الهيّنات. لكنّ عبارة “نظام” إنوجدت لمواجهة كلمة “فوضى”. النظام اللبناني … يعني ماذا؟ النظام الطائفي، أو النظام الديموقراطي البرلماني كما في الدستور؟ الحكم بدل”النظام” …. أوليست العبارة أهنأ تعبيراً؟.
* * *
“المجلس سيّد نفسه”. كلّ رئيس مجلس نيابي عندنا قالها. ونبيه برّي في عداد القائلين. مع أنّ المجلس النيابي عندنا ما مارس سيادةً في أيّ زمن كان. هو موجود للتشريع والرقابة. “وحي” التشريع نعلم، نحن، كيف يسقط على “الملهَمين”. والرقابة على الحكومة ما كانت، يوماً، فعلاً برلمانياً. كانت الحكومات تسقط دوماً بإرادة السلطان. أو بإرادة القادرين … وما مرّةً بإرادة المجلس النيابي المتواري كثيراً وراء السلطة التنفيذية.
من 1922 ينتخب اللبنانيون مجلساً نيابياً. ومن 1926 ما انتخب المجلس النيابي رئيس جمهورية. أوّل رئيس، في سنة 1926، جاء بالإرادة السَنيّة … إرادة المفوّض السامي ، وكان، يومذاك، هنري دي جوفنيل. وهو أوّل مفوّض سامٍ مدني بعد العسكريين الثلاثة غورو،فيغان، سارّاي. كان النواب يتعشّون … وكان الدبّاس إلى طاولة دوجوفنيل، والد برتران وزوج الكاتبة كوليت. فدلّ عليه بإصبعه يقول للنوّاب اللبنانيين: هذا رئيسكم المقبل. فذهب النوّاب وانتخبوا الدبّاس. فَعْل المجلس النيابي كان دوماً إعلانياً ولم يكن يوماً إنشائياً. فهل هكذا تكون ممارسة السيادة؟!.
* * *
“الرئيس القوي”. هي عبارة روّج لها بشير الجميّل ليعني نفسه. وكلّ مرشَّح للرئاسة، اليوم، يحكي عن الرئيس القوي، إنما يردّد الكلمة نفسها ليتحدّث عن نفسه. مع أنّ الرئيس، ببساطة، هو القادر على إثبات وجوده رئيساً … وكفى!.
* * *
“العقد الإجتماعي” . الكلمة لـ جان جاك روسّو عنوانُ كتاب . اليوم يُراد بها بديلاً من الطائف. ومرّات بديلاً من ميثاق 1943. هذان عقدان سياسيان. ولبنان في حاجة إلى عقد إجتماعي، لا إلى عقد سياسي. وليس على أئمّة الإجتهاد إلاّ قراءة “العقد الإجتماعي” لـ روسّو . وهو واحد من الكتابات التي مهدّت للثورة.
* * *
معجم هذا الزمان مقتعَد العبارات الخطأ. في قراءة لي عن “سيريزا” في اليونان و”بوديموس” في إسبانيا، أنّ بابلو إيغليزياس أهدى الملك الإسباني نسخة عن كتاب “لعبة العروش” ليقول كيف علينا أن نُطْلِع من الخيال عملية الخلق الجديدة وكيف يساعد الخيال في إعادة تكوين الستراتيجية والخطاب. كأنّ إيغليزياس شعر مع الذين يلامسون مأساة المستوى في العالم بأنّ الحقيقة السياسية يجب أن تُصنع من جديد. كمثل ما يعمل بيار روزنفالون في فرنسا لإعادة صنع الديموقراطية. هذا يصير أكثر إلحاحاً بعدما استطاع اليمين المتطرّف أن يخيف العمق الفرنسي لأوّل مرّة منذ ثلاثين سنة. مع أنّ فرنسا تعرف أنّ ما بالتخويف تُنشأ الستراتيجية. اليمين حكم الجمهورية الخامسة بوسيلة إخافة الفرنسيين من اليسار… إلى أن كسر الفرنسيون طوق الخوف وانتخبوا رئيساً إشتراكياً في سنة 1952 هو فرانسوا ريني ميتّران … وهذا لنحافظ على تقليدية تسمية الرؤساء والمرشّحين للرئاسة بالإسم الثلاثي … مثلما يعمل أعضاء مجلس الشيوخ في أميركا. فهل تتكرّر نتيجة عملية التخويف مع مارين لويين؟.
* * *
مأساة المستوى إذاً. هي حكاية الوهن في العالم كلّه، خصوصاً بعدما تعولمت الفكرة الميليشياوية … في السياسة. في الإدارة. حتّى في القضاء. كأنّ عدوى التوتاليتارية انتقلت إلى الديموقراطية بدلاً من أن تتعولم الديموقراطية فتمسّ الأنظمة الكليّة بنعمة الإنفتاح على الدساتير والقوانين.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 3 – كانون الثاني 2016).