كورونا.. والإساءة إلى الآخرين والتبرّع/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
في خضم ما يحصل في لبنان، نتوقّف عند ثلاث نقاط:
النقطة الأولى، أنّ الحكومة التي لم أعطها الثقة، وازدادت قناعتي أكثر فأكثر بعد أزمة “كورونا”، وما يحصل مع المصارف، وعدم حسم موضوع الوظائف والمعاشات الباهظة لموظّفين لا لزوم لهم بالإضافة إلى عدّة مواضيع أخرى…إلاّ أنّ اللافت أكثر فأكثر في موضوع “كورونا” الذي هو حدث الساعة، هو أنّ القرارات تؤخذ بالتقسيط وسط التخبّط في القرارات المتناقضة كما أسماها أحد السياسيين. فلو اتخذ القرار منذ بدء انتشار هذا الوباء عالمياً بمنع التجوّل لايّ كان ما عدا بعض الاستثناءات كالأطباء والممرّضين، وهو امر لم نقرأه حتّى من ضمن الاستثناءات الحالية التي صدرت، لمدّة أسبوعين مع إقفال تام للحدود إلى حين إيجاد طريقة لفحص القادمين إلى لبنان وإبقائهم في أماكن مخصّصة لهذه الغاية إلى حين معرفة ما إذا كانوا يحملون هذا الوباء أم لا، لكنّا أنقذنا لبنان من هذه الكارثة.
ولا يردّ على ذلك أنّ شعوب العالم مصابة في بعض الدول، لأنّ دولاً أخرى، وبفضل خبرة حكوماتها، استطاعت تجنّب دخول هذا الوباء، وبعضها الآخر وضعه تحت السيطرة.
أما في لبنان فكلّ يوم نقرأ بياناً صادراً عن الحكومة أو عن المسؤولين، وبعضها يحتاج إلى خبراء في تفسير النصوص حتّى نفهمها، وهي برأينا غير ناجعة وغير مفيدة. إذ إنّ منع التجوّل ليلاً غير مفيد اصلاً لأنّه يحصل في النهار. كما لا يردّ على ذلك أنّ هناك مواطنين بحاجة إلى العمل لأنّهم يطبّقون الصلاة:”اعطنا خبزنا كفاف يومنا”. فهؤلاء هم من يجب أن تلتفت إليهم الدولة وتؤمّن لهم ما يجب تأمينه من طعام وأدوية وغيرها. وبرأينا يمكن حالياً معالجة الموضوع عن طريق تأمين مستلزمات الحياة للمواطنين لمدّة أسبوعين واتخاذ القرار بالحجر التام في المنازل، ومنع التجوّل طوال هذه المدّة وإلاّ فالآتي أعظم.
النقطة الثانية تتعلّق بما نقرأه يومياً على وسائل التواصل الاجتماعي أو “تويتر”…الخ والذي يشكّل إساءة للآخرين. إلاّ أنّ ما لفتني في هذا المجال هو الإساءة ثمّ الإعتذار. وهذا أمر ذكّرني بطرفة يرويها المحامي الألمعي سامي أبو جودة، إذ إنّ تلميذاً حضر إلى المنزل ومعه ورقة العلامات. وجاء فيها أنّ علامة تعاطيه مع زملائه صفر وعلامة اللياقة عشرين. فذهبت والدته إلى المدرسة للإستفسار فأجابها المدير أنّ ابنها يتعامل مع رفاقه بقلّة احترام ويضربهم ويشتمهم فنضع له علامة صفر. إلاّ أنّه يعتذر منهم بكلّ احترام، وكذلك يعتذر من إدراة المدرسة بكلّ تهذيب واحترام ومحبّة فنضع له علامة عشرين. فلماذا نضطرّ للتصرّف بشكل مشين، أو لاستعمال عبارات نابية او مهينة، لنعود ونعتذر عمّا بدر منا؟.
في إحدى الندوات التي كانت تعقد في قاعة المحاضرات في بيت المحامي، حضر النقيب المرحوم عصام كرم وجلس في غير الصفّ الأوّل. وعندما اقتربت وطلبت منه الجلوس في الصفّ الأوّل أجابني حرفياً: يا شيخ ناضر، أنا انسان بحترم نفسي. إذا جلست في مكان ما في الصفّ الأوّل لا أقبل أن يأتي أحد ويطلب مني الرجوع إلى الوراء لأنّ هناك رؤساء ووزراء وكبار المسؤولين مكانهم في الصف الأوّل وأنا إذا جلست في مكان ما، لا أقبل أن أتركه مضيفاً: المكان المهمّ حيث أجلس، وأنا أعطيه القيمة. كلام من ذهب يجب تطبيقه في كلّ زمان ومكان.
النقطة الثالثة تتعلّق بهذه الظاهرة الإعلامية في التبرّع. إذ إنّ هناك العديد العديد من المتبرّعين لا يتبرّعون إلاّ إذا صوّرهم الإعلام أو تكلّم عنهم، في حين أنّ هناك العديد ممن يتبرّعون ويساعدون الناس، ليس فقط في زمن الكورونا، بل في الأيّام العادية ولا يعرف أحد بهم، لا بل يتعمّدون التبرّع من دون أن يعرف من تمّ التبرّع له، من قام بذلك، حتّى لا يجرح شعوره، أو لأنّ المساعدة يجب أن تتمّ بهذه الطريقة. ولكن. وبما أنّ المئات، لا بل الآلاف قد لا يتبرّعون إلاّ بعد أن يحثّهم أحد على ذلك، أو بسبب عدم معرفتهم إلى أين تذهب أموالهم التي يتبرّعون بها، أو لأنّهم لا يتبرّعون إلاّ بعد تظهير صورتهم أمام الرأي العام بأنّهم يتبرّعون، فأنا أشجّع فتح باب التبرّع ضمن آلية قد تحتاج إلى عدّة بنود لشرحها ولكن من ضمنها أن يتبرّع من ينتمون إلى نقابات إلى نقابتهم بهدف تخفيف الأعباء عمن ينتمون إليها وحالتهم ضيّقة.
“محكمة” – الجمعة في 2020/3/27