لا يحقّ لمجلس القضاء ولا لوزير العدل إنتداب قاض لترؤس هيئة التفتيش/علي الموسوي
المحامي المتدرّج علي الموسوي:
هل يحقّ لمجلس القضاء الأعلى انتداب قاض من القضاء العدلي من الدرجة الرابعة عشرة وما فوق بغضّ النظر عن اسمه وعن المركز الذي يشغله بالأصالة، لكي يكون رئيسًا لهيئة التفتيش القضائي على أن يكون من الطائفة السنية بطبيعة الحال طالما أنّ المركز محسوب لها ضمن وظائف الفئة الأولى المقسّمة طائفيًا في لبنان؟
إنّ الجواب البديهي هو عدم جواز هذا التصرّف من مجلس القضاء الأعلى ومن وزير العدل أيضًا في آن معًا، لاستحالة تحقّق ذلك من الوجهة القانونية، ذلك أنّ الانتداب يكون بفعل قرار، بينما القضاة الموجودون في هيئة التفتيش معيّنون بصفة مفتّش عادي ومفتّش عام بفعل مراسيم صدرت عن مجلس الوزراء بعدما قام وزير العدل عند التعيين باقتراح الاسم، وهو اقتراح لطالما كان شكليًا، كما هو حال بقيّة المناصب الهامة في القضاء برمّته والأرجح في الدولة كلّها، ما دام هناك اتفاق سياسي وحزبي على هذا الاسم أو ذاك وبغضّ النظر إنْ كان مستحقًّا أو لا يستأهل في الأصل أن يكون قاضيًا ومن عداد السلطة القضائية المستقلّة بالاسم.
وبحسب التراتبية الهيكلية لتسلسل القواعد القانونية المعمول بها داخل الدولة، فإنّ المرسوم أسمى من القرار ويعلوه مرتبة، وكلّ قضاة هيئة التفتيش القضائي معيّنون بمرسوم أو مجموعة مراسيم وفقًا لحصول التعيين من السلطة التنفيذية، فأنّى لقرار أن يتقدّم على المرسوم حتّى ولو كان القاضي المطلوب انتدابه أعلى من كلّ قضاة التفتيش القضائي في الدرجة وأقدم منهم في السلطة القضائية؟ فالأمر هنا يخرج عن التراتبية المعمول بها بين القضاة أنفسهم نتيجة التفاوت الحاصل في سني دخولهم إلى القضاء، ويتعلّق بما هو أهمّ وأعلى ويمسّ جوهر القواعد القانونية المتفق عليها والتي لا يمكن المنازعة بشأنها.
وعليه، فإنّه لا يمكن لمجلس القضاء الأعلى لا الحالي ولا الآتي يومًا ما، أن يبادر إلى انتداب قاض لتولّي رئاسة هيئة التفتيش القضائي، أو أن يفكّر بالقيام بمثل هذه الخطوة غير القانونية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى وزير العدل، لذلك يقتضي اتباع التعيين الصادر بموجب مراسيم عن مجلس الوزراء.
والمفتّش العام يعلو المفتّش العادي وظائفيًا حتّى ولو كان هذا الأخير أعلى درجة وأقدم عهدًا من الأوّل في القضاء، وهذا واقع موجود راهنًا وسبق لنا في “محكمة” أن أشرنا إليه في مقال سابق بعنوان: ” سمر السوّاح أوّل إمرأة ترأس هيئة التفتيش القضائي حُكْمًا” بتاريخ 25 نيسان 2023، وقبل أن تتداوله وسائل إعلام إلكترونية ومرئية ومسموعة ومقروءة نقلًا عنا، فأنيطت المسؤولية بالقاضي السوّاح كونها مفتّشًا عامًا، بينما زميلتاها القاضيان صباح سليمان ومارلين الجرّ مفتّشين عاديين بحسب مرسوم تعيينهما حتّى ولو كانت سليمان أعلى درجة وأكبر عمرًا منهما.
ومن هذا المنطلق، فإنّ كلّ بدعة التسريبات الإعلامية التي تحدّثت عن انتداب القاضي أيمن عويدات لتولّي رئاسة هيئة التفتيش القضائي بفعل قرار من مجلس القضاء أو وزير العدل، لا أساس لها من الصحّة القانونية وتعتبر مردودة شكلًا وقبل التجرؤ على تنفيذها على أرض الواقع. وانطلاقًا من قاعدة “موازاة الشكل”، فإنّ الموقع الذي يجب تعيين شاغله بمرسوم، لا يصحّ التكليف أو الإنتداب إليه بقرار.
ولا يمكن الإكتفاء بهذا القدر من التوضيح، بل يتوجّب محاسبة القاضي العبقري الذي تفتّقت ذهنيته اللامعة عن مجرّد التفكير بهذا العمل غير القانوني، على أنّها ليست المرّة الأولى التي تنتهك فيها القوانين على أيدي قضاة، وتبقى الأمور من دون محاسبة. وكم من حكم أو قرار قضائي صدر منهكًا ومثخنًا بالمغالطات القانونية، والتعداد في هذا المجال، وفي هذه الحالة لا ينتهي.
وإزاء ما تقدّم، تبقى القاضي سمر السواح رئيسًا بالإنتداب للتفتيش القضائي بانتظار مبادرة مجلس وزراء أصيل غير مستقيل أو يصرّف الأعمال “بنطاقها الضيّق”، إلى تعيين رئيس أصيل لهيئة التفتيش بعد انتخاب رئيس للجمهورية في يوم ما، ويكون عضوًا حكميًا في مجلس القضاء الأعلى إلى جانب زميليه الحكميين رئيس المجلس ونائبه، أيّ الرئيس الأوّل لمحاكم التمييز والنائب العام التمييزي.
كما أنّ رئيس هيئة التفتيش القضائي يجب أن يكون متفرّغًا لهذه المهمّة، ولا يكون بالتوازي رئيسًا لمحكمة أو أكثر. وكلّ القضاة الذين تعاقبوا على ترؤس هيئة التفتيش بدءًا من كمال العيتاني(1898-1977) في العام 1962 قبل شهور من تقاعده، ومرورًا بكلّ من: شوكت المنلا(1902-1986)، وممدوح خضر(1913-1982)، وعبد الباسط غندور(1924-2008)، وديب درويش(1927-1996)، ووليد غمرة، وطارق زيادة(1936- 2020)، وأنطوني عيسى الخوري، ومحمد علي عويضة، ومحمد سمير أحمد حاطوم(1942-2023)، وأحمد أكرم بعاصيري، ومالك صعيبي وبركان سعد، ووصولًا إلى سمر السوّاح التي توجّت كأوّل قاضي إمرأة تشغل هذا المنصب ولو بالإنتداب بدءًا من 2 أيّار 2023، لم تكن لديهم أيّ مهام قضائية غير رئاسة هيئة التفتيش، مع ما تعنيه هذه الصفة الأهمّ في القضاء، من محاسبة ومساءلة وصرامة في الملاحقة المسلكية، وإنْ لم تكن دومًا متوافقة مع المعنى الحقيقي للفظة قانون في منشئها اليوناني بشهادة جامعة من قضاة متقاعدين وعاملين!
ويستدلّ من هذه الأسماء المذكورة آنفًا، أنّ منصب رئيس هيئة التفتيش القضائي خلا مرارًا بالتقاعد من شاغله، ولم يأت مرّة مجلس القضاء الأعلى ولا وزير العدل على انتداب قاض مكانه، بل كانت الرئاسة تؤول تلقائيًا إلى المفتّش العام الأعلى درجة بين زملائه الموجودين، وهكذا نجد أنّ هذا المفتّش ليس من الطائفة السنّية لكي يستلم الرئاسة بصورة مؤقّتة، بل من طوائف أخرى واعتمادًا على التراتبية الوظيفية من حيث الدرجة المعمول بها في القضاء العدلي.
وشاءت المصادفة أن تنتقل رئاسة هيئة التفتيش أكثر من مرّة إلى قاضيين من الطائفة المارونية (عيسى الخوري، وصعيبي) وقاض من الطائفة الشيعية(حاطوم) وقاض من الطائفة الدرزية(السوّاح) باعتبار أنّهم مفتّشون عامون وأعلى درجة من زملائهم الآخرين، سواء أكانوا مفتّشين عامين أو مفتّشين عاديين.
وبحسب معلومات “محكمة”، فإنّ المعنيين في وزارة العدل درسوا بدقّة متناهية من الوجهة القانونية، مسألة تصدّي مجلس القضاء الأعلى أو وزير العدل لانتداب قاض من القضاء العدلي لترؤس هيئة التفتيش بصورة مؤقّتة بطبيعة الحال، وتوصّلوا إلى قناعة كاملة وكافية باستحالة حدوث هذا الانتداب، ولأيّ قاض كان بمن فيهم أيمن عويدات نفسه الذي يعلو زملاءه القضاة في هيئة التفتيش في الدرجة ويكبرهم في العمر، فالعقبة الأولى والأخيرة قانونية بحتة، وتتمثّل في عدم قدرة قرار على تجاوز مرسوم واضح وصريح ومنشور في الجريدة الرسمية للإعلان عنه ولإعلام الجمهور به، وهذا النشر واجب وحتمي عملًا بمنطوق المادة الأولى من المرسوم الاشتراعي رقم 9/L.E الصادر بتاريخ 1939/11/21، خلال عهد الاستعمار الفرنسي المسمّى زورًا، بـ”الانتداب”.
“محكمة” – الأربعاء في 2024/2/14
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتصوير أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” وتبادله عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا منها “الفايسبوك” و”الواتساب”، ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.