لبنان في زمن التهديدات بتوسيع الأعمال الحربية/خالد مكي
المحامي خالد مكي:
يقف لبنان اليوم على حافة الخطر في ظلّ تهديدات بتوسيع الحرب، لكنّ الحقيقة المؤلمة هي أنّ لبنان يعيش حرباً على مختلف الأصعدة منذ سنوات طويلة.
إنّ من يتحدّث عن الحرب بالبارود والنار يغفل أن الحرب لها أوجه متعددة، وكل لبناني يشعر بها يومياً.
• الفساد كوجه من أوجه الحرب:
الفساد الذي ينخر في مؤسسات الدولة من الداخل هو أحد أشد أوجه الحرب ضراوةً.
الفساد لا يقتصر فقط على سرقة المال العام، بل يضرب كل جانب من جوانب الحياة اليومية للمواطنين. الرشوة والمحسوبية وسوء الإدارة كلها أسلحة تُستخدم لتدمير ما تبقّى من كيان الدولة اللبنانية.
هذه الحرب تستنزف قدرات البلد وتدمر آمال المواطنين في العيش بكرامة.
• الإنهيار الاقتصادي والمصرفي:
الانهيار الاقتصادي الذي شهده النظام المالي والمصرفي في لبنان هو شكل آخر من أشكال الحرب. تهاوي الليرة اللبنانية وتبخّر مدخرات الناس أفقدهم الأمان المالي وأدخلهم في دوّامة من الفقر والعوز. هذه الحرب الاقتصادية لا تقل ضراوة عن الحروب التقليدية، بل ربما تكون أشدّ تأثيراً لأنّها تطال كلّ فرد في المجتمع وتسرق منه مستقبل أبنائه.
• الشغور في سدّة الرئاسة:
الإمعان والتمادي في جعل الشغور في سدّة رئاسة الجمهورية أمراً واقعاً ومألوفاً، وتسيير الدولة دون مراعاة القوانين وجعلها دون رأس، هو وجه آخر من وجوه الحرب على لبنان ومواطنيه. هذا الفراغ في القيادة يؤثّر بشكل مباشر على استقرار البلاد ويزيد من حدة الأزمات.
• شلل السلطة القضائية:
فرملة عجلة القضاء وشل المحاكم وجعل السلطة القضائية شاغرة من قضاتها الأصليين، وتسيير مرفق القضاء بالانتداب والتكليف، هو وجه آخر من وجوه الحرب على لبنان ومواطنيه.
فبدون قضاء مستقل وفعّال، تنعدم العدالة ويزداد الشعور بالظلم وانعدام الأمان.
• الأمن بالتراضي والانفلات الأمني:
الأمن بالتراضي والانفلات الأمني هما أيضاً أوجه قاسية من الحرب على لبنان ومواطنيه.
الاعتماد على الأمن الذاتي بدلاً من مؤسّسات الدولة الرسمية يؤدي إلى زيادة الفوضى وانعدام الأمان. الانفلات الأمني وانتشار السلاح بين الأفراد والجماعات يعرّض حياة الناس للخطر ويزيد من حدة التوترات الاجتماعية والسياسية.
• فراغ الدولة من موظّفيها:
إفراغ الدولة من موظفيها وتسيير مصالحها بموظفين بالوكالة والانتداب والتكليف، هو أيضاً شكل من أشكال الحرب على المواطن اللبناني. هذا الوضع يؤدي إلى ضعف الكفاءة الإدارية وتعطيل العمل الحكومي، ممّا يزيد معاناة المواطنين في الحصول على خدماتهم الأساسية.
• فشل الدولة في تأمين الخدمات الأساسية:
شلل الدولة في توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والاتصالات والأمن والعدالة هو أحد الأوجه القاسية للحرب على المواطن اللبناني.
العيش بدون كهرباء مستقرة أو مياه صالحة للشرب، في ظلّ انهيار البنية التحتية وانعدام الأمن، وفقدان العدالة يجعل الحياة اليومية في لبنان معركة دائمة من أجل البقاء.
• أوجه أخرى للحرب:
هنالك أوجه أخرى لهذه الحرب، مثل الهجرة القسرية للشباب بحثاً عن فرص أفضل في الخارج، وما يترتّب على ذلك من تفكّك الأسر والمجتمعات.
وهناك أيضاً الأزمات الصحية والتعليمية التي تواجهها البلاد، والتي تجعل من الصعب على اللبنانيين الحصول على رعاية صحية وتعليم لائق.
يعيش لبنان حرباً متعددة الأوجه، والتهديدات بتوسيع الأعمال الحربية ليست سوى جزء من الصورة الكبرى. الحرب الحقيقية هي تلك التي يعيشها المواطن اللبناني يومياً في ظل الفساد والانهيار الاقتصادي وفشل الدولة في تقديم أبسط حقوقه.
هذه الحرب تستدعي منا جميعاً الوقوف معاً لإيجاد حلول حقيقية تعيد للبنان أمانه واستقراره.
“محكمة” – الخميس في 2024/7/25