لجنة نجم قانونية بامتياز”لمعالجة” كيفية الإيفاء بعد تدهور الليرة وارتفاع الدولار!/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
أصدرت وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال الدكتورة ماري كلود نجم قرارًا قضى بتشكيل لجنة قانونية لإعداد دراسة مُعْتَبرة تساعد في الحدّ الأدنى، في مقاربة أو معالجة إشكالية الفارق الكبير الحاصل في تحديد سعر صرف الدولار الأميركي بعد بروز ثلاثة أسعار في السوق اللبنانية تحمل تفاوتًا كبيرًا بينها وتؤكّد بلا شكّ، أنّ هناك عجزًا ماليًا واقتصادًا منهارًا وإفلاسًا غير مسبوق في تاريخ لبنان.
وإنْ كان سعر ما يعرف بـ “السوق السوداء” البالغ نحو تسعة آلاف ليرة، هو الطاغي في الإستخدام في المعاملات التجارية بين الناس بدليل الإرتفاع الجنوني لأسعار مختلف أنواع البضاعة وشتّى أصناف المواد من دون أن تتحرّك الحكومة اللبنانية ممثّلة بالقطاعات المعنية للجم هذا التدهور للعملة الوطنية ولمكافحة التلاعب العلني بالأسعار، إلاّ أنّ هناك أيضًا سعرين، الأوّل بات “وهمًا” ولا عودة إليه راهنًا وفي المدى المنظور وربّما نهائيًا حتّى ولو أعطي صفة رسمية كونه يصدر عن مصرف لبنان وقد تجمّد على 1507.5 ليرة للدولار الواحد، والثاني يتمثّل بسعر المنصّة المتعامل فيه بين المصارف والمستقرّ على 3900 ليرة.
وقد ولّد هذا التفاوت بين الأرقام والأسعار الثلاثة إشكاليات كثيرة لم يتمكّن القضاء اللبناني من التعاطي معها بالشكل المطلوب باعتبار أنّه ليس مختصًا لتسعير قيمة الدولار الواحد بالعملة اللبنانية، وبالتالي لا قدرة له على التحكّم بتقلّبات الأسعار، ولا إمكانية له للحلول مكان المشرّع والسلطة التشريعية لاستصدار القوانين المتماشية مع هذه المتغيّرات، فصدرت قرارات قضائية متعارضة بين معترف بسعر مصرف لبنان، ومقرّ بالسعر المتداول في القطاع المصرفي، ورافض لاعتماد التعاميم الصادرة عن حاكم مصرف لبنان لمصلحة المصارف كونها لا تأتلف والقانون، فضلًا عن ضرورة اعتماد إيفاء الدين والمتوجّبات المالية بالعملة الوطنية وليس بالعملة الأجنبية إنفاذًا لقانون النقد والتسليف، ولما لهذه العملة من قوّة إبرائية شاملة لا يمكن المساس بها.
وتكاثرت تساؤلات الناس باختلاف شرائحها الإجتماعية حول طريقة التعاطي مع العقود المرتبطة بها ومنها عقود بيع وإيجار محرّرة بالدولار الأميركي، إذ لا يعقل على سبيل المثال أن يصل إيجار منزل مؤلّف من أربع غرف في منطقة شعبية إلى خمسماية دولار أميركي، أيّ ما يقارب الأربعة ملايين وخمسماية ألف ليرة، فيما الراتب الشهري للمستأجر يتراوح بين مليون وخمسماية ألف ليرة ومليوني ليرة، لذلك كان لا بدّ من التحرّك في هذا المجال لتصحيح الأمور على أقلّ تقدير، في ظلّ عدم قدرة الدولة العاجزة والغارقة في المديونية العامة، على تصحيح الرواتب والأجور.
وما ان انتشر قرار الوزيرة نجم الممهور منها بتاريخ 28 كانون الثاني 2021، حتّى صدرت مواقف ومقالات وآراء تستنكر عليها استخدامها لحقّها المنصوص عليه في القانون وتحديدًا في قانون تنظيم وزارة العدل، إذ أبدى قضاة ومحامون وأساتذة جامعيون وحقوقيون تذمّرهم من عدم لجوء وزيرة العدل إلى مجلس شورى الدولة أو هيئة التشريع والإستشارات التابعة للوزارة التي ترأسها وتديرها، لأخذ رأيها حتّى ولو كانت استشاراتها غير ملزمة.
وقد فات هؤلاء أنّ نجم انطلقت كما يظهر من مطلع القرار، من نصّ المادة 33 من قانون تنظيم وزارة العدل التي تقول بشكل واضح وصريح إنّ “لوزير العدل أن يعيّن عند الإقتضاء لجانًا للقيام بدراسات قانونية أو وضع مشاريع قوانين يمكن أن تضمّ المدير العام وقضاة عدليين أو إداريين متقاعدين أو عاملين من بين القضاة الملحقين بالوزارة، أو غيرهم ومن المحامين وسائر رجال القانون وأهل الخبرة. يحدّد وزير العدل تعويضات هذه اللجان بقرار منه وتصرف من الاعتمادات التي يجب أن ترصد لهذه الغاية في الموازنة.”
ويستشفّ من مضمون المادة 33 المذكورة أنّ وزيرة العدل لم تبتكر اللجنة في قرارها من العدم، ولم تأت بها من فراغ، إنّما عملت بما يتيحه لها القانون بغضّ النظر عمّا إذا كانت الدراسة المنتظرة التي يمكن أن تخرج من تحت أيدي هذه اللجنة صالحة للتنفيذ والعمل بها والأخذ بمضمونها كاستشارة، فهي دراسة قانونية غير ملزمة على الإطلاق، لا لوزارة العدل ولا للمحاكم باختلاف درجاتها، ولكنّها بلا شكّ قد تمهّد الطريق أمام مشروع قانون مستقبلي قد يُطلب من وزارة العدل أو مقترح شبيه له أمام المجلس النيابي، فتكون هذه الدراسة جاهزة لتقديمها والإستعانة بها.
وهذه اللجنة مماثلة للجان أخرى موجودة في وزارة العدل ومكلّفة بملفّات وإعداد دراسات قانونية أخرى، وبعضها قديم ومتوارث من عهود وزراء سابقين، وبعضها مستحدث منذ تولّي نجم حقيبة وزارة العدل في 21 كانون الثاني 2020، أيّ أنّه لا يوجد أيّ افتئات من نجم على القانون وعلى هيئة التشريع والإستشارات، ففي نهاية المطاف دراسة هذه اللجنة كاستشارة الهيئة القضائية غير ملزمة البتّة، والإختلاف بينهما أنّ هيئة التشريع والإستشارات هيئة قضائية، بينما اللجنة مؤلّفة من قضاة ومحامين وأستاذة جامعية.
ويتضح من متن قرار تأليف هذه اللجنة أنّ عمل رئيسها وأعضائها مجاني، ولا يرتّب أيّة أعباء مالية على عاتق وزارة العدل، بالإضافة إلى أنّه محصور ومؤقّت ينتهي بمجرّد التوصّل إلى وضع الدراسة المطلوبة خلال شهر واحد فقط، مع ضرورة الأخذ بعين الإعتبار الإستباحة القاتلة لوباء “كورونا” لحركة الإنسان ممّا قد يعيق عمل هذه اللجنة ويؤخّر صدور دراستها ضمن المهلة الزمنية المحدّدة لها.(لم تجتمع هذه اللجنة لغاية كتابة هذه السطور).
ومن المفيد أن تستأنس هذه اللجنة بما فعلته دول أخرى شهدت انهيارًا لعملتها الوطنية، وماهية القوانين والإجتهادات التي صاغتها ووضعتها لعلّها ترشدها في طريق إعداد دراسة وافية وشاملة تجيب على الأسئلة المطلوبة في قرار نجم وإنْ كانت ثمّة قوانين واضحة لا يمكن الإلتفاف عليها وتقدّم أجوبة نهائية على هذه الأسئلة التي تراود الجميع من دون استثناء.
وتتألّف هذه اللجنة من القاضي المتقاعد مهيب معماري رئيسًا، والقضاة العاملين أيمن عويدات، وريما خليل، وحبيب مزهر، ونادين أبو علوان، وأنطوان نعمة، والمحاميين البروفسور بول الحاج شاهين، وجهاد الزين والأستاذة الجامعية أمل عبد الله.
ماذا تضمّن قرار نجم الذي أعطي الرقم 1189 تاريخ 2021/1/28؟
إنّ وزيرة العدل،
بناء على المرسوم رقم 6175 تاريخ 2020/1/21(تشكيل الحكومة)،
بناء على المرسوم الإشتراعي رقم 151 تاريخ 1983/9/16 وتعديلاته(تنظيم وزارة العدل) لا سيّما المادة 33 منه،
بناء على متطلّبات المعالجة القانونية للأزمة المالية والنقدية التي تمرّ بها البلاد وبصورة خاصة لتدنّي سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، والقرارات المتلاحقة الصادرة من مصرف لبنان، والقرارات القضائية المختلفة الصادرة في شأن إيفاء مستحقّات مالية بالعملة الأجنبية.
يقرّر ما يأتي:
أوّلًا: تشكّل لجنة برئاسة القاضي مهيب معماري وعضوية كلّ من:
– السادة القضاة أيمن عويدات، وريما خليل، وحبيب مزهر، ونادين أبو علوان، وأنطوان نعمة،
– والمحامين البروفسور بول الحاج شاهين، والأستاذ جهاد الزين،
– والأستاذة المحاضرة في الجامعة اللبنانية أمل عبد الله،
مهمّتها البحث في إمكانية إصدار نصّ قانوني يعالج الإشكاليات التالية:
1- هل يحقّ للأطراف إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية؟ في حال كان الجواب إيجابياً، هل يؤدّي بطلان البنود المحرّرة بالعملة الأجنبية كوسيلة دفع إلى بطلان الإتفاقية برمّتها؟
2- في حال تمّ الإتفاق على التعامل بالعملة الأجنبية، هل يحقّ للمدين أن يبرئ ذمّته بالعملة الوطنية؟
3- هل يعتبر سعر صرف الدولار المحدّد لتعاملات مصرف لبنان مع المصارف(1507.5 ليرة لبنانية للدولار الواحد) سعرًا رسميًا لصرف الدولار؟ وفي حال كان الجواب سلبيًا، كيف يتمّ تحديد سعر صرف الدولار من قبل القضاء؟
4- هل يحقّ للدائن أن يرفض الإيفاء بواسطة شيك محرّر بالعملة الأجنبية إذا كانت المؤونة محجوزة لدى المصرف(علمًا بأنّ الأوضاع الحالية تحول دون إمكانية صرف الشيك نقدًا)؟
يعاون اللجنة في إجراء الأبحاث التحضيرية القاضيان الملحقان بوزارة العدل فادي أبي شبل ومحمّد شريم.
ثانيًا: ترفع اللجنة دراستها إلى وزيرة العدل خلال مهلة شهر من تاريخ هذا القرار.
ثالثًا: لا يترتّب على وزارة العدل أيّة نفقة من جرّاء هذه الدراسة.
رابعًا: يبلّغ هذا القرار حيث تدعو الحاجة.
“محكمة” – الإثنين في 2021/2/8