أبرز الأخبارعلم وخبرميديا

لقاءات مثمرة بين القاضي عبود والنقيب خلف قد تنضج حلًا لكلّ الترسّبات/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
منذ 28 أيّار 2021 والمحامون المقيّدون على الجدول العام لنقابة المحامين في بيروت “عاطلون عن العمل” باستثناء من حظي بأذونات خاصة من النقيب ملحم خلف بمخالفة الإضراب المعلن منه لتدبير أمورهم ماليًا وتسيير ملفّات تخصّ موكّليهم أو لها طابع ما، وغيرها من الأعذار والمسوّغات التي أعطيت لها، وهي في كلّ الحالات تتعارض مع مبدأ المساواة بين أبناء الرعية، ولذلك ارتفعت أصوات مُعارضة للإستمرار في الإضراب غير الواضح الأفق والمعنى والمغزى لديهم، وأصوات مماثلة مندّدة بالتمييز غير المرغوب في أيّ حقل من حقول العمل والتنقيب عن لقمة العيش، فكيف بأمّ نقابات المهن الحرّة؟
لقد أطلق النقيب خلف في 8 حزيران 2021 خطابًا ناريًا تحت مسمّى “طفح الكيل”، تضمّن في ما احتواه من انتقادات، تهجّمًا غير مسبوق من نقيب للمحامين على السلطة القضائية حتّى وصل الأمر بالتهديد إلى إقفال العدلية التي كانت قبل ساعة من الزمن تضع أكاليل من الورد على النصب التذكاري لقضاة قضوا على مذبح العدالة رافضين تهديدات هذا وذاك، فما كان من رئيس المجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود وهو المسؤول الأوّل عن القضاء، إلّا أن انتفض بدوره ورفض السكوت وردّ الصاع صاعين قائلًا في بيانه الشهير في اليوم نفسه وبالمختصر المفيد ومن دون أيّ انفعال:” قصور العدل ستبقى مفتوحة كما دائمًا، وهي لم تقفل حتّى في أسوأ الظروف، ولن تقفل اليوم.”
يومها أيضًا، ذكّر عبود خلف بمضمون قسمه الذي يؤدّيه كلّ محام عن احترام القضاء بحسب نصّ المادة 10 من قانون تنظيم مهنة المحاماة.
ما قاله النقيب خلف يتناقض تمامًا مع مسار العلاقة اليومية الحتمية القويّة بين القضاة والمحامين، فإزالة الشوائب وإصلاح الخلافات عند وجودها يكون بالحوار والنقاش الهادئ الذي يوصل إلى حلول مقنعة ترضي الجميع وليس بالخطابات أو تصوير القضاء على أنّه فاسد أو منهار ويحتاج إلى تدخّل أجنبي أو أممي لإعادة الإعتبار إليه!
ولا شكّ أنّ النقيب خلف يعرف أنّ القضاة ليسوا مسؤولين عن وضع القوانين، وليسوا مؤتمنين على سنّ التشريعات، بل هم ملزمون بتنفيذ القانون والإجتهاد في حال الغياب أو التقصير أو الغموض، وبالتالي فإنّ المطالبة باعتبار المحاماة خارج التفسير الموضوع في نصّ المادة 111 من قانون أصول المحاكمات الجزائية ورفض مساواتها بمهن أخرى، ليس مسؤولًا عنه القضاء، بل يمكن الذهاب إلى النبع حيث المجلس النيابي وتقديم اقتراح قانون بالتعديل المرتجى، والنصابُ مؤمّن ولا يوجد اعتراض، شريطة أن يستتبع التعديل بعدم تقديس الحصانة النقابية أو رفض المساس بها أو وضع عراقيل في طريق رفعها عند حصول جرم ما، أو التباطؤ في توصيف الفعل المشكو منه في معرض ممارسة المهنة أم خارجها.
كان قد غفل على ما يبدو عن النقيب خلف ومن شاركه إعداد خطاب 8 حزيران 2021، أنّ المحامين زحفوا تحت زخّات الرصاص ودوي المدافع إلى قصر عدل بيروت في العام 1983 لانتخاب نقيب لهم هو عصام كرم الشجاع في قول الحقّ، وإبن البيت العروبي الأصيل الذي يجمع ولا يفرّق.
كانت غاية القصف المنطلق من مرابض عائدة للجيش اللبناني يومذاك، أن تمنع انتخاب عصام كرم الممتلئ فخرًا بوطنيته وانفتاحه وعقلانيته وجرأته، لأنّ رئيس الجمهورية أمين الجميل لا يتحمّل أخوين من بيت واحد يرئسان نقابتين فاعلتين، وهو كان ممتعضًا من وجود ملحم كرم على رأس نقابة المحرّرين الصحافيين، فأنّى له أن يجد شقيقه الأكبر منه سنًّا على رأس نقابة دأبت على رفد السياسة اللبنانية برؤساء جمهورية وحكومات ومجالس نيابية ووزراء ونوّاب ومسؤولين في الأحزاب المهمّة والمهمّشة والهامشية؟
بذل كثر من سعاة الخير جهودًا مضنية لجمع القاضي عبود والنقيب خلف في لقاء خاص “يفضفض” فيه كلّ واحد منهما ما قد يراه “مآخذ” في عمل القضاء والمحاماة، وبالتالي تذليل العقبات الموجودة في طريق اللقاء، ففي نهاية المطاف ومهما بلغ منسوب الخلافات في وجهات النظر، فإنّه لا غنى عن الإلتقاء خصوصًا وأنّ ما يجمع القضاء والمحاماة أكبر وأكثر ممّا يفرّق بينهما.
حاولت وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال الدكتورة ماري كلود نجم جمع عبود وخلف، وكذلك فعل نقيب المحامين في الشمال محمّد المراد، وسعى كثر من المعنيين بصورة العدالة المشرقة وبتمتين أواصر العلاقة بين جناحي العدالة، إلى أن قُدّر لأحد الحرصاء في وصل ما انقطع فحصل بهمّته ورعايته، لقاءٌ أُتبع بلقاء حتّى تعدّدت اللقاءات والغاية المنشودة واحدة ومن الجميع وترمي إلى إعادة تحريك عجلة العمل حفاظًا على حقوق الناس التي هي وديعة بين أيدي القضاة والمحامين على حدّ سواء.
ما سهّل الطريق أمام لقاء الرجلين، أنّ الخلاف ليس شخصيًا بينهما، فلا القاضي عبود ناقم على النقيب خلف، ولا هذا الأخير غاضب من طريقة أداء عبود الذي سبق له ومنذ استلامه مهامه في أيلول 2019 كرئيس لمجلس القضاء الأعلى وقبلها في فترة تولّيه مركز الرئيس الأوّل لمحاكم الإستئناف في بيروت، أن عالج إشكاليات عديدة طفت على سطح العلاقة بين قضاة ومحامين.
المهمّ أنّ اللقاءات تتابعت وتوالت بين عبود وخلف، وحصل تبادل في الأفكار أملًا في إرساء حلّ يرضي الجميع.
ما يمكن قوله في هذا الصدد ما علمته “محكمة” من أنّ عبود وخلف وصلا إلى مرحلة إنضاج الحلّ المنطقي، والرهان قائم على الإستمرار في المعالجة لملامسة الخاتمة السعيدة التي تنزل بردًا وسلامًا على المنتظرين من قضاة ومحامين ومتقاضين.
لا شكّ أنّ السرّية ضرورية لإنجاح هذا التواصل المثمر بين عبود وخلف، والمهمّ أنّ النيّات سليمة وهذا منطلق رئيسي يبشّر بالخير، إلّا أنّ المسعى الأساس يتمحور حول وجوب إنضاج حلّ مقنع لكلّ الترسّبات التي حصلت في الفترة الماضية بغية الوصول إلى نتيجة تساعد على إعادة تشغيل مولّدات العمل في العدليات والمحاكم عن طريق فكّ الإضراب الذي أوجع المحامين والناس أكثر من القضاة، إذ لم يعد بمقدور أحد أن ينتظر هدر المزيد من الوقت.
وأجمل الكلمات في هذا المنحى “حيّ على خير العمل”!
“محكمة” – الأربعاء في 2021/8/18

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!