ماذا فعل فادي الياس في اجتماع بعبدا بعد قرار وقف تنفيذ تعميم مصرف لبنان؟/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
ما ان أصدر مجلس شورى الدولة قراره بوقف تنفيذ تعميم مصرف لبنان الرقم 151 كتأكيد على حماية أموال المودعين بالعملة الأجنبية وتحديدًا الدولار الأميركي، حتّى نشطت ماكينة إعلامية بإيعاز مصرفي بتشويه متن هذا القرار وتصويره على أنّه ضدّ المودعين ويعيدهم إلى زمن تسعيرة الدولار الأميركي بـ 1508 ليرات بدلًا من سعر 3900 ليرة، مع ما في هذا الفارق الكبير من خسارة مهوّلة لهم لا يعوزونها بالتأكيد، في زمن القحط والغلاء الفاحش وتدهور القيمة الشرائية للعملة الوطنية والإرتفاع الجنوني للدولار الأميركي.
وفي حقيقة الأمر، أنّ قرار مجلس شورى الدولة الممهور بتواقيع القضاة فادي الياس رئيسًا ويوسف الجميل وكارل عيراني مستشارين والذي تفرّدت “محكمة” بنشره وتناقلته وسائل الإعلام عنها، يصبّ في مصلحة المودع قبل أيّ أحد آخر، ذلك أنّه بكلّ بساطة، يؤكّد بأنّ الأموال المودعة بالدولار الأميركي تعاد كما هي وبهذه العملة وليس بالليرة اللبنانية وليس وفق أيّ سعر معتمد في سوق الصرف، وهو أمر لم يرق للقطاع المصرفي الذي يعتبر نفسه متضرّرًا منه نتيجة عدم “توافر” الدولار الأميركي بحوزته بشكل كبير يخوّله تزويد طالبيه به من المودعين وفقًا لحساباتهم المالية الموضوعة لديه على سبيل الأمانة والإستفادة.
وأبدى القطاع المصرفي امتعاضه من قرار مجلس شورى الدولة لتضمّنه إحراجًا كبيرًا له، وتعمّد الإلتفاف عليه، بموازاة تحرّك الناس في الشارع ضدّ هذا القرار مع أنّه أتى لمصلحتهم، واستعجلوا السعي إلى استعادة ما أمكن من مالهم وجنى العمر وتخفيف خسائرهم ظنًّا منهم كما شُبّه لهم وصوّر لهم في بعض وسائل الإعلام، بأنّ قرار وقف تنفيذ تعميم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يعني عودة إلى الوراء لقبض دولاراتهم بسعر 1508 ليرات وليس 3900 ليرة الذي كان مصرف لبنان قد وضعه كمعيار للتداول في المصارف.
ومن المعروف أنّه لا يحقّ لمصرف لبنان تسعير الدولار الأميركي، فالإختصاص يعود للمجلس النيابي وفق قانون واضح وصريح يحدّد السعر لكي يجري اعتماده وتداوله في الأسواق المالية الداخلي وكلّ المعاملات التجارية. وهذا ما حدث مثلًا في عهد رئيس الجمهورية الأسبق سليمان فرنجية عندما اختلّت قيمة الليرة اللبنانية فسارع المجلس النيابي إلى استصدار قانون يحدّد السعر المقرّر اعتماده وذلك في سبيل منع المضاربات والتلاعب بما يؤثّر سلبًا في حياة الناس كما هو حاصل في الوقت الراهن حيث باتت توجد للدولار الأميركية أربعة أسعار هي: السعر القديم 1508، و3900 المصرفي، ثمّ 12000 في المنصّة المعتمدة من مصرف لبنان، و15500 ليرة في السوق السوداء الطاغية على كلّ شيء والتي باتت كلّ البضائع والمنتجات سواء أكانت مستوردة أو من إنتاج محلّي وصناعة وطنية، تحدّد قيمتها على أساسها، والدولة اللبنانية لم تحرّك ساكنًا لوقف هذا التدهور وكأنّها موافقة على هذا الإنهيار إن لم نقل إنّها شريكة فيه!
وإزاء البلبلة المتعمّدة في تفسير قرار مجلس شورى الدولة برغم صراحته وشفافيته، حصل اجتماع في القصر الجمهوري في بعبدا برئاسة الرئيس العماد ميشال عون وحضور المعنيين بالقرار والتعميم، أيّ رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي الياس وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمستشار الرئاسي وزير العدل الأسبق سليم جريصاتي، للإستفسار عن مدى قانونية قرار مجلس شورى الدولة.
وقد حرص الياس على تبيان وجهة نظره القانونية بتأكيده أنّ تعميم مصرف لبنان لا يتماشى على الإطلاق مع بعض أحكام قانون النقد والتسليف، لا بل يتعارض معها بشكل كلّي ممّا استوجب وقف تنفيذه إلى حين البتّ نهائيًا بالمراجعة الرامية إلى إبطاله.
كما أنّ القاضي فادي الياس كان حريصًا خلال هذا الإجتماع على تأكيد حقّ مجلس شورى الدولة المكرّس قانونًا بموجب المادة 57 من نظامه، في وجوب استشارته في أيّ مشروع مرسوم أو نصّ تنظيمي يصدر عن الجهات المعنية في الدولة بما فيها القرارات والتعاميم التي يمكن أن تصدر عن حاكم مصرف لبنان، وذلك من أجل تمتين هذا المرسوم أو النصّ، وإزالة أيّ التباس فيه، والحؤول دون تعريضه للإبطال.
وقد نصّت المادة 57 المذكورة بصورة جازمة على وجوب حصول استشارة مسبقة والوقوف على رأي مجلس شورى الدولة، فورد فيها التالي:” يجب أن يستشار مجلس شورى الدولة في مشاريع المراسيم التشريعية وفي مشاريع النصوص التنظيمية وفي جميع المسائل التي نصّت القوانين والأنظمة على وجوب استشارته فيها. ويمكن أن يستشار في مشاريع المعاهدات الدولية ومشاريع التعاميم وفي أيّ موضوع هام يقرّر مجلس الوزراء استشارته فيه.”
ومن المعروف قانونًا أنّ تنفيذ أيّ قرار صادر عن مجلس شورى الدولة بحقّ أيّة سلطة إدارية لا يتمّ إلّا بناء على طلب المستدعي أو بالأحرى مقدّم المراجعة، فتُقدّم طلبات التنفيذ إلى رئيس المجلس حصرًا لكي يرسلها إلى الجهات المعنية لتعطيها مفعول التنفيذ الفوري كما أوصحت المادة 126 من نظام مجلس شورى الدولة التي جاء فيها التالي:” تقدّم طلبات تنفيذ القرارات الصادرة بحقّ السلطة الإدارية إلى رئيس مجلس شورى الدولة الذي يحيلها بلا إبطاء مع النسخة الصالحة للتنفيذ إلى المراجع المختصّة لإجراء المقتضى.”
وبشأن تنفيذ قرار مجلس شورى الدولة بوقف تنفيذ تعميم مصرف لبنان الرقم 151، فإنّ مقدّمي مراجعة الطعن لم يكونوا عند حصول اجتماع بعبدا السياسي القضائي المالي بحسب التوصيف المعطى له، والذي عقد قبل ظهر اليوم التالي لصدور قرار وقف التنفيذ، قد تقدّموا بطلب تنفيذه، ولذلك لم يجر تبليغ صورة صالحة للتنفيذ لمصرف لبنان وفقًا للأصول القانونية.
والصورة العادية أو انتشار الخبر عبر وسائل الإعلام ليس تبليغًا رسميًا يمكن التصرّف على أساسه، ولا يمكن الركون إليه لتنفيذ القرار، ووحدها الصورة الصالحة للتنفيذ المدخل الصحيح والحقيقي لوضع قرار مجلس شورى الدولة قيد التنفيذ الفعلي.
وهذا ما تحدّث عنه البيان الصادر عن المجتمعين في بعبدا والذي جاء لكبح جماح التداعيات الأمنية الحاصلة في الشارع من دون وجه حقّ، وكأنّها “بروفة” إستباقية لما يمكن أن تؤول إليه الأمور يومًا ما، في ظلّ الشرخ المتزايد بين قيمة الرواتب والأجور ولقمة العيش الكريم، والذي أصبح بحاجة ماسة إلى تضييق وإعادة تصحيح قبل فوات الأوان.
“محكمة” – الثلاثاء في 2021/6/15
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.