مدى صلاحية القضاء المستعجل التدخّل لإيقاف أعمال بناء جارية/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
بحث قاضي الأمور المستعجلة في المتن الرئيس السيّد محمّد وسام المرتضى نقطة مهمّة ومبدئية تتعلّق بمدى صلاحية القضاء المستعجل التدخّل لإيقاف أعمال بناء جارية بموجب ترخيص إداري، فاعتبر أنّه، ولئن كان للقضاء المستعجل أن يتدخّل لإيقاف أعمال بناء جارية بموجب ترخيص إداري، إلاّ أنّ ذلك مرهون بتحقّق حالة ربط اختصاصه متجسّدة بثبوت انطواء تلك الأعمال على افتئات يدخل في باب التعدّي الواضح على حقوق مالك العقار المجاور.
كما اعتبر الرئيس المرتضى أنّه وبالاستناد إلى عدّة معطيات ومن بينها تقرير الخبير، لم يجد ما يشكّل التعدّي الواضح المبرّر لتدخّل قضاء العجلة.
وقضى بردّ الدعوى، وبإلزام المدعي بدفع مبلغ خمسماية ألف ليرة لبنانية للمدعى عليه على حساب ما تكبّده من مبالغ على حساب بدل أتعاب وكيله.
ومما جاء في الحكم الصادر بتاريخ 2003/6/9
بناء عليه،
حيث تقدّم المدعي بدعواه الحاضرة عارضاً بأنّه يملك العقار رقم 2570 بيت شباب، وأنّ المدعى عليه يملك العقار رقم 1153، وأنّ العقارين مواجهان لبعضهما تفصل بينهما طريق عام، مضيفاً أنّ المدعى عليه قد باشر مؤخّراً بأعمال بناء على عقاره إستناداً إلى ترخيص، استصدره من لدن اتحاد بلديات المتن كان قد استعصى عليه قبلاً ولسنوات خلت الاستحصال على مثله، مدلياً بعد ذلك ببطلان هذا الترخيص لكونه مبنياً على إفادات غير صحيحة صادرة عن رئيس البلدية ولمخالفته المرسوم رقم 69/11795 متظلّماً من أنّ تلك الأعمال تؤدّي إلى الإضرار به عن طريق حجب الرؤيا وعدم مراعاة التراجع القانوني، منتهياً إلى طلب منع التعدّي وإزالة المخالفة.
وحيث يبيّن ما سبق أنّ الدعوى الحاضرة هي، في اطارها والمدى، منصبّة من نحو أوّل وبشكل أساسي، على الطعن بصحّة الترخيص الذي يتوسّله المدعى عليه سنداً لأعمال البناء التي يقوم بها في عقاره، وتبعاً لذلك، وعطفاً عليه على التظلّم من أنّ هذه الأعمال تنطوي على ضرر لاحق بالمدعي متولّد عن عدم مراعاة من المدعى عليه للتراجع المفروض قانوناً.
وحيث من المعلوم أنّ القضاء المستعجل لا يملك، بحسب حدود وضوابط اختصاصه الوظيفي والنوعي، كما هي مرسومة قانوناً واجتهاداً مستقرّاً، السلطة أو السبيل الموليين لحقّ التعرّض إلى العلاقة التي تربط الادارة بالأفراد بمعرض ترخيص ممنوح منها لأحدهم، إذ يخرج عمّا هو من منوط به، أمر التمحيص في مدى استيفاء هذا الترخيص لشرائط منحه، أو في مدى اتساقه مع الأحكام المرعية الإجراء، أو في مدى انطوائه على أيّ عيب موجب لترتيب البطلان ولوصف الأعمال المجراة بالاستناد إليه بأنّها “مخالفة” وحيث من ناحية ثانية، من المعلوم ايضاً أنّ مجرّد وجود الترخيص لا يكفّ يد القضاء المستعجل، ولا يغلّها، إذا ما انطوت أعمال البناء على اعتداء على ملكية الغير، أو على حقوقهم، اعتداء فاضحاً واضحاً وناضحاً بأنّ استمرار هذه الأعمال سوف يؤدّي إلى تفاقم الضرر اللاحق بهم والناتج عنها، إذ يتدخّل القضاء المستعجل هنا، تأسيساً على انعقاد اختصاصه تبعاً لتحقّق حالة التعدّي الواضح المنصوص عنها في الفقرة الثانية من المادة 579 من قانون أ.م.م. ليتخذ التدابير اللازمة التي يستدعيها أمر وضع حدّ لهذا التعدّي ومنها وقف أعمال البناء.
وحيث، بالمصلحة وخلاصة لما نوّه به، يصحّ القول بأنّه ولئن كان للقضاء المستعجل، بلا ريب، أن يتدخّل لإيقاف أعمال بناء جارية بموجب ترخيص إداري، إلّا أنّ ذلك مرهون بتحقّق حالة ربط اختصاصه متجسّدة بثبوت انطواء تلك الأعمال على افتئات يدخل في باب التعدّي الواضح على حقوق مالك العقار المجاور.
وحيث، وخلافاً لما أدلى به به المدعى، ثبت في تقرير الخبير الغول، أنّ التراجع المفروض قانوناً عن العقارات المجاورة، قد روعي من قبل المدعي عليه وأنّ جلّ ما في الأمر إشكالية تتمحور حول مدى مراعاة هذا الأخير للتراجع عن الطريق العام الفاصلة بين عقاريهما، علماً بأنّ منبع هذه الاشكالية اختلاف التوجّهات بين بلدية وأخرى باعتبار أنّ بعضهما يسمح بالبناء فوق مسقط بناء منجز قبل العام 1964 حتّى ولو كان البناء ضمن براح الطريق العام ولكنّها تشترط بالمقابل على مالك البناء عدم تقوية الهيكل والتنازل عن حقّه في التعويض، في حين أنّ بلديات أخرى لا توافق على ذلك آخذة بعين الاعتبار أنّه سوف يؤدّي إلى زيادة العقبات والتعويضات في حال أرادت في يوم ما، توسيع الطريق.
وحيث لا يكون ثمّة افتئات على حقّ المدعي في مراعاة التراجع عن عقاره، بل إنّ الأمر لا يعدو، في أحسن الأحوال، أن يكون افتئاتاً على براح الطريق العام، وعلى حقّ البلدية بتوسيع هذه الطريق مستقبلاً من غير أيّة معوّقات، ومن غير أن تضطرّ، بمعرض هذا التوسيع، إلى دفع تعويضات إضافية.
وحيث إنّ ارتفاع البناء المنوي تشييده، والذي بوشر بأعمال تشييده، لن يتجاوز ارتفاعه العلو الأقصى المسموح به في تلك المنطقة وهو 13,5 م فلا أساس لمقولة المدعي أنّ هذا البناء يحجب الرؤية عن عقاره.
وحيث وعطفاً على مجمل ما سبق، وترجمة واقعية للمبادئ المنوّه بها آنفاً بتطبيقها وإسقاطها على المعطيات التي يختزنها ملفّ الدعوى الحاضرة، تخلص المحكمة إلى أنّها لم تجد في هذه المعطيات ما يشكّل ذلك التعدّي الواضح المبرّر لتدخّلها، ما يمتنع معه عليها إتخاذ أيّ تدبير بشأن الأعمال التي يشكو المدعي من إجرائها.
وحيث لا ترى المحكمة موجباً لإلزام المدعي بتعويض أو بغرامة، ولكنّها ترى إلزامه بأن يدفع إلى المدعى عليه السيّد ميشال مبلغ خمسمئة ألف ل.ل. على حساب ما تكبّده هذا الأخير من مبالغ على حساب بدل أتعاب المحامي وكيله.
وحيث، في ضوء التعليل السابق، والنتيجة المنتهى إليها، لم يعد ثمّة داع للبحث في سائر ما زاد أو خالف من مطالب وأسباب، أو لمزيد من البحث.
لذلك
يحكم:
1- بتدوين رجوع المدعي السيّد أنطوان عن الدعوى في ما خص المدعى عليه ايلي
2- بردّ الدعوى برمّتها
3- بإلزام المدعي بأن يدفع إلى المدعى عليه السيّد ميشال مبلغ خمسمئة ألف ل.ل. وفقاً لما ورد في متن هذا الحكم، وبتضمينه النفقات كافة، وبردّ كلّ ما زاد أو خالف.
حكماً قابلاً للإستئناف صدر وأفهم علنا في جديدة المتن بتاريخ 2003/6/9.
“محكمة” – الأربعاء في 2019/7/17