مفهوم جرم الافتراء وشروط تحقّقه/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
اعتبرت محكمة التمييز الجزائية العليا – الغرفة السادسة – المؤلفة من القضاة الرئيس رالف الرياشي ومن المستشارين خضر زنهور وبركان سعد أنّ جرم الافتراء المنصوص عليه في المادة 403 عقوبات لا تكتمل عناصره إلاّ بقيام سوء النيّة لدى المفتري، وأنّ السوء لا يعتبر بالضرورة متحقّقاً إذا وصف الفاعل واقعة معينة بأنها تنطبق على وصف جزائي في حين انها ليست كذلك في الواقع، وذلك لأنّ الوصف القانوني للفعل يعود شأنه للقاضي بمعزل عن الوصف المعطى له من المدعي. وان العبرة لقيام جرم الافتراء هي بعدم صحة نسبة الواقعة المدعى بها او اختلاقه لادلة مادية على وقعها واقدامه بالرغم من ذلك على اعتماداها كسند للدعوى المقامة منه. وان نفي النية الجرمية يعود تقديره لمحكمة الاساس. قضت برد الاستدعاء وابرام القرار المطعون فيه.
وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 2003/10/7
عن السبب الأوّل:
حيث ان المستدعي يأخذ على القرار المطعون فيه فقدانه للاساس القانوني لنفيه توافر جرم الافتراء استناداً الى كون المدعى عليها ه. لم تكن عالمة بأن زوجها المرحوم ياسر استوفى حقه منه، مبرراً ذلك “بأن الزوج كان قد نظم قبل وفاته افادة تعود الى ما بعد سنة 1990 صرح بموجبها ان دينه البالغ /30,000/ليرة استرالينية ما زال متوجبا بذمة المستدعي..” في حين انه كان يتوجب على القرار للتوصل الى هذه النتيجة اني بحث ليس في مسألة اعتقاد ه. بأن المستدعي هو مدين لزوجها بل ان يبحث في ما اذا كانت عالمة عند تقديمها للشكوى ببراءة المستدعي من الجرم المنسوب اليه، وهي بالفعل كانت على بينة ان المبالغ المطالب بها من قبلها كانت على سبيل الاستدانة وليس على سبيل الامانة، فضلاً عن ان القرار المطعون فيه لم يتطرق الى احد عناصر جرم الافتراء المتمثل بأقدام الجاني على الصاق تهمة بالمجني عليه واختلاق ادلة بقصد ادانته بها.
وحيث انه يتبين من الوقائع التي استعرضها القرار المطعون فيه ان (ه) كانت قد تقدمت بشكوى جزائية بحق ع. ناسبة اليه جرم اساءة الامانة لتمنعه عن تسديدها مبلغاً من المال مترتباً بذمته لصالح زوجها بالرغم من الانذار الموجه اليه، وانه اثناء التحقيق في هذه الشكوى ابرز ع. كتاباً يتضمن مخالصة بينه وبين زوج الشاكية المرحوم ي. يقر بموجبها هذا الاخير بأن جميع المبالغ المتوجبة له بذمة ع. قد سددت وان الايصالات القديمة اصبحت ملغاة، وقد حمل كتاب الاقرار هذا تاريخ 1986/3/14 وقد انكرت (ه) توقيع زوجها على الكتاب وادعت تزويره الا انه لم يثبت حصول هذا التزوير وقد صدر عن قاضي التحقيق قرار قضى بمنع المحاكمة عن ع. لجهة جميع الجرائم المنسوبة اليه تصدق من قبل الهيئة الاتهامية، فعمد على اثر ذلك الى التقدم بدعوى افتراء بحق (ه).
وحيث ان جرم الافتراء المنصوص عليه في المادة 403 عقوبات لا تكتمل عناصره الا بقيام سوء النية لدى المفتري.
وحيث ان سوء النية لا يعتبر بالضرورة متحققاً اذا وصف الفاعل واقعة معينة بأنها تنطق على وصف جزائي في حين انها ليست كذلك في الواقع وذلك لان الوصف القانوني للفعل يعود شأنه للقاضي بمعزل عن الوصف المعطى من المدعي، فالعبرة لقيام جرم الافتراء المنصوص عليه في المادة 403 عقوبات هي بعدم صحة نسبة الواقعة المدعى بها واختلاقه لادلة مادية على وقوعها واقدامه بالرغم من ذلك على اعتمادها كسند للدعوى المقامة منه.
وحيث ان القرار المطعون فيه باعتباره عدم قيام جرم الافتراء بحق ه. انما استند بذلك الى عدم توافر النية الجرمية لديها معلالاً ذلك انها عند تقدمها بشكواها بوجه ع. بجرم اساءة الامانة لم تكن عالمة بأن زوجها المرحوم ي. قد استوفى حقه منه، ذلك ان الزوج كان قد نظم قبل وفاته افادة تعود الى ما بعد العام 1990 صرح بموجبها بأن دينه البالغ ثلاثين الف ليرة استرلينية ما زال متوجباً بذمة ع. فلم يستوفه منه بعد، وكانت قد تقدمت بشكواها الجزائية على هذا الاساس ومن ثم ادعت بتزوير توقيع زوجها على كتاب المخالصة المؤرخ في 1986/3/14.
وحيث ان القرار المطعون فيه بما اورده لهذه الجهة يكون قد اوجد الاساس القانوني الصحيح لما انتهى اليه نافياً توافر النية الجرمية لدى ه.، وهذا النفي للنية الجرمية يعود تقديره لمحكمة الاساس دون رقابة عليها من محكمة التمييز.
2- عن السبب الثاني:
حيث ان المستدعي يأخذ على القرار المطعون فيه عدم بثه بأسباب الدفاع التي ادلى بها وفقدانه التعليل معبراً من هذه الاسباب ما اورده لجهة توجيه ه. انذارين له زعمت بأحدهما ان المبلغ المطالب به هو دين والثاني بأنه امانة، وتقدمها بشكوى هذه اختلقت فيها محل اقامة وهمي له، ووجود صورة مخالصة تجزم بأن الدين هو دين عادي وليس امانة، وزعمها بأنها تحوز اصل المخالصة دون تمكنها من ابرازه، وزعمها بأن التوقيع الوارد على الاقرار ليس لزوجها والادعاء بتزويره، ومتابعة شكواها بالرغم من اقرارها في التحقيق الاستنطاقي بأن اساس المبلغ هو دين، وتقدمها بالشكوى هذه بالرغم من اطلعها على المخالصة الموقعة في العام 1986 وعلى الاقرار الموقع علم 1988 في مكتب الشيخ والسيد.
وحيث ان ما يدلي به المستدعي تحت هذا السبب لا يشكل اسبابا للدفاع بمفهومها المقصود في المادة 296 من قانون اصول المحاكمات الجزائية، وهو لا يتعدى كونه ادلة اعتبرها مؤيدة لما يدعيه من جرم بالافتراء بحق المدعي عليها.
وحيث ان المحكمة غير ملزمة بالرد على جميع الادلة المعروضة ويكفيها ان تأخذ منها ما هو مبرر لقناعتها واستبعاد ما عداه دون اي رقابة عليها بهذا الشأن من قبل محكمة التمييز؟
وحيث انه من جهة اخرى فإن القرار المطعون فيه وخلافاً لما يدلي به المستدعي قد اوجد القليل الكافي لما انتهى عليه في ضوء ما ورد بهذا الشأن في القرار موضوع الطعن مما سبق بيانه في معرض الرد على السبب الاول اعلاه.
وحيث ان السبب المدلى به يستوجب الرد.
3- عن السبب الثالث:
حيث ان المستدعي يأخذ على القرار المطعون فيه الخطأ في تفسير وتطبيق احكام المادة 403 عقوبات لاعتباره ان عناصر جرم الافتراء غير متوافرة بالرغم من ان المستدعي ضدها، المدعى عليها، ه. كان على يقين من براءته مما نسبته اليه استناداً الى اكثر من دليل يفيد بأنها كانت على علم بأن المبلغ المطالب به هو دين وليس امانة وللادعاء من قبلها ان التوقيع الوارد على الورقة المؤرخة في العام 1986 وتلك الموقعة في العام 1988ليس بتوقيع زوجها.
وحيث ان ما يدلي به المستدعي تحت هذا السبب هو استعادة لما سبق وادلى به في السببين الاول والثاني اعلاه، وهو مردود لنفس العلل التي سبق بيانها في الرد على السببين المذكورين، علماً ان القرار المطعون فيه بنفيه لتوافر جرم الافتراء لعلة انتفاء ما يفيد عن توافر النية الجرمية لدى المدعى عليها، وهو امر يعد شأن تقديره لقضاة الاساس يكون قد يبرر بشكل قانوني النتيجة التي توصل اليها فلم يخطئ في تفسير وتطبيق احكام المادة 403 من قانون العقوبات.
وحيث ان السبب المدلى به يستوجب الرد.
4 – عن السبب الرابع
حيث ان المستدعي يأخذ على القرار المطعون فيه مخالفته للاصول المفرضة تحت طائلة الابطال والاخلال بالقواعد الجوهرية للمحكامة ومخالفته للمادة 181 من قانون اصول المحاكمات الجزائية ان ورد في محضر استجواب المدعى عليها لدى محكمة الاستئناف بتاريخ 2002/12/19 ما حرفيته:”والله العظيم يا سيدنا انني مقتنعة لغاية تاريخه ان ع. لم يسدد للمرحوم زوجي..”
في حين انه لا يجوز تحليف المدعى عليه اليمين لدى استجوابه وبالتالي وعن طريق القياس لا يجوز القبول بحلفه لهذه اليمين ولو تم ذلك بدون تكليف من المحكمة.
وحيث ان ما ينسبه المستدعي للمستدعى ضدها من قول ادلت به امام محكمة الاستئناف لا يؤلف بصيغته اليمين القانونية المقصودة في المادة 181 من قانون اصول المحاكمات الجزائية وبالتالي فلا يمكن الاعتداء به كسبب للنقض.
وحيث ان السبب المدلى به يكون مستوجباً الرد.
لذلك تقرّر بالاجماع:
1- قبول الاستدعاء في الشكل.
2- رده في الاساس وابرام القرار المطعون فيه.
3- تضمين المستدعي ع. جميع النفقات القانونية ومصادرة التأمين التمييزي ايراداً لصالح الخزينة العامة.
قراراً صدر في 2003/10/7
“محكمة” – الاثنين في 2019/6/17