علم وخبر
مفهوم وهدف المادة 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة وإعطاء الاذن لا يشكّل إدانة/ناضر كسبار
ناضر كسبار(نقيب المحامين السابق في بيروت):
وضعت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت الناظرة في استئناف القضايا النقابية، والمؤلفة من الرئيس أيمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري، وعضوي مجلس نقابة المحامين في بيروت المحاميين الاستاذين عبدو لحود ولبيب حرفوش، معياراً لمفهوم المادة 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة والهدف منها، فاعتبرت انه من المتعارف عليه ان نص المادة /79/ من قانون تنظيم مهنة المحاماة يعطي مجلس النقابة صلاحية اتخاذ القرارات الادارية الخاصة الهادفة الى حماية المحامي من اي تعسف بالادعاء ضده لفعل متعلق بممارسة المهنة او بمعرضها، وذلك كي يتمكن المحامي من القيام بدوره على اكمل وجه دون التعرض او الخوف من الافتراء عليه باقامة شكاوى جزائية ضده هدفها التأثير عليه او الانتقام منه بسبب مهنته، اما اذا كانت هذه الافعال غير ناشئة عن ممارسة المهنة او بمعرضها وكانت مخالفة للقانون وتشكل في الظاهر جرما جزائيا فتنتقي عندها هذه الحماية ويعطى الاذن بملاحقته.
وبحثت المحكمة في معطيات الدعوى ووقائعها لتخلص الى ان إعطاء الاذن بالملاحقة الجزائية لا يشكل إدانة للمحامي، بل سبيلا كي يتمكن المرجع الجزائي المختص من سماع المحامي واجراء التحقيقات اللازمة الشكوى توصلا لمعرفة الحقيقة ولإزالة الغموض الذي يكتنف الوقائع موضوع النزاع.
وقضت بفسخ القرار المستأنف وتقرير إعطاء الاذن بملاحقة المستأنف عليه المحامي.
ومما جاء في القرار الصادر بتاريخ 2024/7/18
ثانياً: في الاساس
حيث ان المستأنفة، النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان تطلب فسخ القرار المستأنف مدلية بأن الافعال المنسوبة اليه بمعرض الشكوى المقدمة من قبل السيدة نجوى غير ناشئة عن مهنة المحاماة او بمعرضها، وفي اي حال ولو اعتبرت حاصلة بسبب توكله، فإن ثمة قرائن تبرر اعطاء الاذن بملاحقته.
وحيث ان المستأنف عليه يطلب من ناحيته تصديق القرار المستأنف باعتبار ان الافعال المنسوبة اليه ناشئة عن وكالتين منظمتين له من قبل الشاكية وشقيقتها امال وضمن الصلاحيات المعطاة له، بمعرض عقد المشاركة الموقع من قبلهما مع شركة الابنية الحديثة لاشادة بناء على عقارهما، وبأن المشروع العقاري عمل تجاري وقد استدعى التصريح عن المالكتين المذكورتين كتاجر، كون الاقسام المنوي بيعها لا زالت باسمهما، من اجل تسديد ضريبة الدخل، وبأن الشركة المقاولة قامت بتسديد المبالغ المتوجبة دون تحميل الشقيقتين اية اعباء، وانتهى هذا الامر عام 2006 ولم تدفع بعدها اية تكاليف ضريبية لعدم توجبها تبعا لانتهاء مشروع البناء كليا، وقد تم كل ذلك بمعرفة الموكلتين لاسيما وان زوج الشاكية موظف في وزارة المالية، نافيا حصول اي تزوير مشددا على سقوط حق الادعاء به سندا للمادة 10/أ.م.ج.
وحيث من المتعارف عليه ان نص المادة /79/ من قانون تنظيم مهنة المحاماة يعطي مجلس النقابة صلاحية اتخاذ القرارات الادارية الخاصة الهادفة الى حماية المحامي من اي تعسف بالادعاء ضده لفعل متعلق بممارسة المهنة او بمعرضها، وذلك كي يتمكن المحامي من القيام بدوره على اكمل وجه دون التعرض او الخوف من الافتراء عليه باقامة شكاوى جزائية ضده هدفها التأثير عليه او الانتقام منه بسبب مهنته، اما اذا كانت هذه الافعال غير ناشئة عن ممارسة المهنة او بمعرضها وكانت مخالفة للقانون وتشكل في الظاهر جرما جزائيا فتنتقي عندها هذه الحماية ويعطى الاذن بملاحقته.
وحيث انه في مطلق الاحوال، فإن الاعمال التي يأتيها المحامي ولئن كانت ناشئة عن ممارسة مهنة المحاماة او حاصلة بمعرضها لا تحول دون اعطاء الاذن فيما لو تبين بصورة جدية بأنها قد تتضمن افعالا معاقب عليها قانونا وانها تستأهل بالتالي التحقيق بشأنها لتوضيح ملابسات القضية وجلاء الحقيقة.
وحيث للقول بإعطاء الاذن بالملاحقة او رفضه، لا بد من بالعودة الى معطيات الملف الراهن من اجل تقدير الواقعات الثابتة فيه والتمعن في مدى جديتها، لمعرفة فيما اذا كانت الافعال المدعى بها في الشكوى امام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان قد تشكل ظاهريا جرما جزائيا يقتضي ملاحقة المستأنف عليه بسببها.
وحيث انه بالعودة الى الاوراق والمستندات المبرزة في الملف يتبين ما يلي:
– انه بتاريخ 2000/9/6 وقعت السيدتان نجوى وامال، بصفتهما مالكتين للعقار رقم /969/الدكوانة عقد مشاركة مع شركة الابنية الجديدة، لاشادة بناء على العقار المذكور خرج بنتيجته بنصيبهما شقتان في الطابق الخامس ومستودع.
وسندا للمادة /9/ من العقد، نظمتا بتاريخ 2000/9/6 وكالتين، احداهما عادية والاخرى غير قابلة للعزل، لمصلحة المستأنف عليه اجازتا له بموجبهما على سبيل المثال توقيع رخص البناء ووضع الخرائط والتراخيص وتعديلها والتوقيع على عقود وخرائط الافراز وعقود الانشاءات ونظام الملكية المشتركة ودفع الرسوم والضرائب واستصدار براءات الذمة المالية والبلدية وانهاء جميع المعاملات المالية لدى ضريبة الدخل والقيمة التأجيرية واستلام سندات الملكية…، كما فوضتاه حق بيع وفراغ جميع الوحدات والاقسام التي ستشاد على العقار باستثناء ما خرج بنصيبهما، وتوقيع عقود المقاسمة لهذه الاقسام بالثمن وبالشروط التي يراها مناسبة وقبض الثمن…
وقد تضمنت المادة /15/ من العقد ان جميع الضرائب والغرامات والرسوم والاعباء التي ستترتب على الوحدات التي خرجت بنصيب المالكتين والعائدة لها بعد الاستلام، تبقى متوجبة على هاتين الاخيرتين وحدهما دون سواهما اما تلك العائدة لما قبل الاستلام فهي على عاتق الشركة فيما تبقى الوحدات الباقية وما يتوجب عنها على عاتق الشركة وحدها.
– ان المستأنف عليه انجز المشروع وافرزه الى اقسام مختلفة في العام 2003.
– ان السيدة نجوى تقدمت بشكوى مباشرة ضد المستأنف عليه امام قاضي التحقيق الاول في جبل لبنان.
واشارت الى انها تبلغت من وزارة المالية مديرية الواردات ضريبة الدخل، وجوب دفع ضريبة دخل الباب الثاني من سنة 2005 ولغاية تاريخه بحيث بلغت في 2016/6/6 مبلغاً وقدره، اضافة الى الغرامات منها غرامة تحصيل /65,651,002/ل.ل.
واضافت انها تقدمت باعتراض علمت بنتيجته بأنه يوجد تصريح شخصي لضريبة الدخل اوردها على انها تقوم بتجارة العقارات المبينة وذلك تحت خانة نتائج عن مؤسسات ومهن تجارية وصناعية وغير تجارية خاضعة لضريبة الربح المقطوع، واكتشفت لدى الاطلاع على كتاب التصريح انه ذكر في خانة الاسم والصفة “نجوا ضو” بينما ورد في خانة التوقيع إمضاء مغاير تماما لتوقيعها، ولدى مراجعة صورة الاشعار بالدفع المسبق تاريخ 2007/1/29 تبين انه ورد باسم نجوا مع توقيع لا يعود لها، ليتبين لاحقا ان المستأنف عليه هو من تقدم بالتصريح وبالتوقيع عنها دون ان يبين صفته كوكيل.
وشددت على انها لا تتعاطى التجارة خاصة انها موظفة في مصرف لبنان وغير مخولة القيام باي عمل آخر، وان الاقسام الخارجة بقيت على اسمها ولم تقم باي عملية بيع بخصوصها، مدلية بأن اعماله تؤلف جرم التزوير المعاقب عليه بموجب المادة /471/ معطوفة على المادة /457/ عقوبات.
وحيث انه ولئن قام المستأنف عليه بالاعمال المشكو منها بموجب وكالة ممنوحة له من الشاكية، غير انه في ضوء إقدامه على إيراد الاخيرة على انها صاحبة مؤسسة فردية رغم عدم قيامها بأي عمل من شأنه ان يدر لها بربح كون الشقة والمستودع الخارجين بنصيبهما وشقيقتها معدين للانتفاع الشخصي، وقيامه بتقديم تصريح ضريبي في العام 2006 واشعار بالدفع المسبق لضريبة الدخل في العام 2007 على إسمها وذلك بعد انتهاء اعمال الافراز في العام 2003، وذكره لاسمها والتوقيع بقربه من دون الاشارة الى دوره كوكيل عنها، وذلك بالرغم من وجود خانة مخصصة لتحديد الصفة، واكثر من ذلك في ضوء استمرار ترتب الضرائب على عاتقها وتراكمها، والغرامات الناجمة عنها، لمدة سنوات عدة بحيث بلغت مبلغا قيما كان يوازي في حينه اكثر من /40,000/د.أ. من ثبوت اتخاذه بصفته وكيلها اي تدبير او اجراء من شأنه حمايتها او وضع حد للتكليف الضريبي الواقع عليها، فان هذه الامور كلها من شأنها ان تضفي على الاعمال المشكو منها صفة الغموض وعدم الوضوح، الامر الذي يوجب التحقيق في ظروفها واسبابها لناحية آلية تقديم طلبات وتصاريح التكليف واساسه ومدته واستمراره الزمني، علما ان ما يثير المستأنف عليه لناحية ارتكاب الجرم الجزائي ومرور او انتفاء مرور الزمن على دعوى التزوير إنما يتعلق بالاساس ويدخل امر بحثه ضمن صلاحية المرجع الجزائي المختص.
وحيث ان إعطاء الاذن بالملاحقة الجزائية لا يشكل إدانة للمحامي، بل سبيلا كي يتمكن المرجع الجزائي المختص من سماع المحامي واجراء التحقيقات اللازمة الشكوى توصلا لمعرفة الحقيقة ولإزالة الغموض الذي يكتنف الوقائع موضوع النزاع.
وحيث وبعد الاطلاع على القرار المستأنف، وما ورد فيه من إدلاءات، وعلى معطيات النزاع كافة، ترى المحكمة ان القرار بحجب الاذن، جاء في غير موضعه السليم، الامر الذي يتوجب معه قبول الاستئناف أساساً وفسخ القرار المستأنف ورؤية الطلب انتقالاً والتقرير مجدّداً بإعطاء الاذن بملاحقة المستأنف عليه المحامي.
وحيث بنتيجة الحل المساق، تغدو سائر الاسباب او المطالب الزائدة او المخالفة مستوجبة الرد إما لكونها لاقت ردا ضمنيا او لعدم تأثيرها على النزاع.
لذلك
تقرر بالاجماع:
1- قبول الاستئناف المقدم من النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان شكلا.
2- قبوله اساسا وفسخ القرار المستأنف ورؤية الطلب انتقالا والتقرير مجددا بإعطاء الاذن بملاحقة المستأنف عليه المحامي ميشال بالافعال موضوع الملف الراهن.
3- تضمين المستأنف عليه الرسوم والنفقات كافة.
قراراً صدر وافهم علنا في بيروت بتاريخ 2024/7/18.
“محكمة” – الإثنين في 2024/7/22