منْع بيرم حبيش من ممارسة المحاماة يفتح “كباشاً” بين القضاة والمحامين!/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
هل يحقّ لقاضي التحقيق أن يمنع محامياً من مزاولة مهنته؟
هذا ما فعله اليوم، قاضي التحقيق في بيروت أسعد بيرم بحقّ النائب المحامي هادي حبيش بعد استجوابه في الدعوى المقامة ضدّه من القاضي غادة عون على خلفية إشكال وقع بينهما في 11 كانون الأوّل 2019، أمام مكتب هذه الأخيرة في قصر عدل بعبدا فور قيامها بتوقيف موكّلته رئيس هيئة ومدير عام إدارة السير والآليات والمركبات هدى سلوم.
غير أنّ خطوة بيرم ليست الأولى من نوعها في هذا المضمار، إذ سبقتها على مرّ السنين، إجراءات مماثلة من قضاة تحقيق بحقّ محامين ملاحقين جزائياً أمامهم في دعاوى مختلفة، وآخرها قبل عامين ونيّف منع قاضي التحقيق في جبل لبنان رانيا يحفوف محامياً من ممارسة المحاماة.
وبطبيعة الحال، لم “يبلع” المحامون هذا التدبير لا في الماضي ولا في الحاضر، على الرغم من أنّه برأي قضاة، منصوص عليه في الفقرة “هاء” من المادة من 111 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهو ما لا يوافق المحامون عليه البتّة وذلك لتضمّنه التباسات بقيت موضع خلاف جوهري وتحدّي بين القضاء ونقابتي المحامين في بيروت وطرابلس اللذين تجمعهما أمور كثيرة وتفرّقهما تفسيرات ووجهات نظر ومقاربات مختلفة لقوانين ونصوص تتعلّق بالنقابتين وليس بعمل القضاء الموكل إليه أمر البتّ بالنزاعات.
فالقضاء يجد أنّ من حقّه منع المحامي من ممارسة مهنته فترة زمنية معيّنة، إنفاذاً لما ورد في الفقرة”هاء” من المادة 111 أ.م.ج. التي لا تحدّد هذه المدّة الزمنية، ولكنّها تتحدّث عن “عدم ممارسة بعض المهن التي يُحظّر عليه(أيّ على الشخص المدعى عليه) قاضي التحقيق ممارستها طيلة مدّة المراقبة”، وذلك من ضمن سلّة موجبات بعد وضعه تحت المراقبة القضائية.
واستقرّ رأي بيرم على تضييق الخناق على حبيش فجعل منعه من ممارسة المحاماة ثلاثة شهور فقط مع ما تتضمّنه من نزع حصانة المحاماة عنه خلال هذه الفترة وإنْ كان يتحصّن بما هو أهمّ أيّ الحصانة النيابية.
وقد صودف أنّ حبيش نائب ومحام ولكنّ جرمه وصِّفَ بالمشهود بعدما شاهده كثيرون مباشرة من داخل قصر العدل عبر الهواتف النقّالة والفيديوهات التي تناقلتها وسائط التواصل والاتصال فسقطت الحصانة النيابية من تلقاء نفسها، ولم تعد ملاحقته تحتاج إذناً أو رفعاً للحصانة من المجلس النيابي.
غادة عون توقف سلوم.. وحبيش يصفها:هيدي قاضية ميليشياوية/علي الموسوي
وارتأى القاضي بيرم في تدبير قد يكون قاسياً ويحفظ كرامة القضاء والقضاة بعد تعرّض حبيش للقاضي عون بكلمات نابية ولاذعة، الإستعاضة عن توقيف حبيش بمنعه من ممارسة المحاماة ومن التردّد إلى قصور العدل عملاً بالفقرة “باء” من المادة 111 المذكورة والتي تنصّ على “عدم التردّد على محلّات أو أماكن معيّنة”.
ويفسّر القضاء عبارة بعض المهن المقصودة بالفقرة”هاء” من المادة 111 أ.م.ج. بأنّها تشمل المحاماة والطبّ والهندسة وخبرة تدقيق المحاسبة، وبأنّ قانون أصول المحاكمات الجزائية الجديد صدر في العام 2001 بينما قانون تنظيم مهنة المحاماة صدر في العام 1970، وبالتالي فالأوّل أكثر حداثة من الثاني وأجدد منه، ولو أنّ المشرع ارتأى تمييز المحامين أو استثناءهم لنصّ على ذلك صراحة في متن الفقرة “هاء” المذكورة.
كما أنّ المحامي يلاحقّ جزائياً من القضاء وليس من نقابته التي تختص بالملاحقة المسلكية. وأكثر ممّا تقدّم، فإنّ تدبير المنع من مزاولة المهنة يعود لقاضي التحقيق حصراً ويلجأ إليه بدلاً عن التوقيف، وهذا يعني أنّه كان بإمكان القاضي بيرم أن يأمر بوضع الأصفاد في يدي هادي حبيش وينزله إلى نظارة قصر العدل ولكنّه استعاض عن هذا القرار بتركه بكفالة مالية كبيرة وبمنعه من ممارسة مهنته ومن التوجّه إلى المحاكم وقصور العدل خلال فترة المنع، مع الإشارة إلى أنّه يمكن الرجوع عن قرار المنع هذا عملاً بمنطوق المادة 112 أ.م.ج. التي تنصّ على حقّ المدعى عليه الموضوع تحت المراقبة القضائية في طلب رفع هذه الرقابة على أن يبتّ قاضي التحقيق فيه بعد استطلاع رأي النيابة العامة وذلك خلال مدّة ثلاثة أيّام على الأكثر من تاريخ تقديمه وتسجيله في قلم دائرة التحقيق.
أمّا نقابتا المحامين في بيروت وطرابلس، وحبيش مسجّل في الجدول العام لهذه الأخيرة، فتعتبران أنّ تدبير منع المحامي من مزاولة المهنة يعود للنقابة حصراً باعتبار أنّ نقابة المحامين لا تخضع لوصاية أيّ وزارة ولها قانون تنظيمها الخاص بعكس ما يحصل مع نقابات أخرى حيث هامش تحرّك القضاء متاح ومباح وبحكم القانون.
كما أنّ نقابتي المحامين لا تعتبران نفسيهما معنيتين بمضمون الفقرة “هاء” من المادة 111 أ.م.ج. التي يقصد بها مهن أخرى غير المحاماة.
وبعدما أنهى بيرم استجواب حبيش بحضور وكيله المحامي مروان ضاهر، عمد إلى تركه لقاء كفالة مالية مقدارها خمسون مليون ليرة لبنانية على أن يسدّدها خلال فترة 15 يوماً، وقرّر منعه من مزاولة مهنة المحاماة لمدّة ثلاثة أشهر ومنعه من دخول قصور العدل والمحاكم خلال الفترة المذكورة، وختم التحقيق وأحال الملفّ إلى النيابة العامة الاستئنافية في بيروت لإبداء مطالعتها بالأساس تمهيداً لإصدار قراره الظنّي.
“محكمة” – الجمعة في 2020/11/13