نقابة المحامين حريصة على معالجة آفة العنف الأسري/إسكندر نجّار
المحامي الدكتور إسكندر نجّار*:
نتشرّف باستضافة هذه الندوة التي تنظّمها لجنة تحديث الأحوال الشخصية في نقابة المحامين في بيروت والتي ستسلّط الضوء على موضوع في غاية الأهمية هو “إشكالية العنف الأسري بين الواقع والقانون”.
والحقيقة أنّ العنف الأسري يشكّل آفة من آفات المجتمع تفاقمت في الآونة الأخيرة بسبب جائحة “كورونا” التي أجبرت أفراد العائلة الواحدة على الحجر الصحّي معاً لفترات طويلة، فضلاً عن الأزمة الإقتصادية الراهنة التي جعلت من أفراد الأسرة “مكسر عصا” أو ضحايا “فشّة خلق”.
وإنّ نقابة المحامين، من منطلق تمسّكها بحقوق الإنسان، ولا سيّما منها حقوق المرأة وحقوق الطفل، تحرص على إيجاد الحلول والسبل الآيلة إلى معالجة هذه الأوضاع التي غالباً ما تؤدّي إلى الطلاق أو إلى أضرار جسدية ونفسية بالغة أو حتّى إلى اقتراف الجرائم.
ولا بدّ لنا هنا من التنويه بنشاط الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية التي أبرمت منذ أيّام مع نقابة المحامين في بيروت بروتوكول تعاون والتي اقترحت، مع وزارة العدل ومنظّمة “كفى”، التعديلات التي أدّت في العام ٢٠٢٠ إلى تصويب قانون حماية النساء والأسرة من العنف الأسري. ونتمنّى أن يقرّ مجلس النوّاب قريباً سائر الإقتراحات المطلوبة كإخضاع مرتكب العنف لدورات تأهيلية، أسوةً بالبلدان المتقدّمة وفي طليعتها السويد، وإنزال عقوبات أكثر صرامة بحقّ مرتكبي العنف ومخالفي أوامر الحماية الصادرة لصالح الضحايا.
كما نأمل الحدّ من تضارب أو تنازع الصلاحيات بين مختلف المراجع القضائية، وأن يعي القضاة المحترمين حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم في هذا المجال باعتبار أنّ أيّ تقصير من قبلهم عند ثبوت الأفعال المشكو منها قد يؤدّي إلى وقوع كارثة.
وقد أظهرت الخبرة أنّ قلّة الحزم عند ثبوت الخطر تقود إلى تفاقم العنف ضدّ الضحية بدل حمايتها.
واللافت في هذا المجال أنّ مرتكب العنف ليس بالضرورة، كما يظنّ البعض، شخصاً جاهلاً همجياً تظهر عليه ملامح الشرّ والحقد، إذ يمكن أن يكون متعلّماً ومثقّفاً وخرّيج أفضل المدارس والجامعات. فالعنف الأسري يمكن أن يمارس من قبل أكثر الأشخاص وجاهةً واحتراماً في المجتمع وليس محصوراً ببيئة معيّنة. ففي ألمانيا مثلاً، هذا البلد المتطوّر، تتوفّى امرأة كلّ يومين ونصف بسبب العنف الأسري!
كما أنّ الصمت حليف العنف الأسري، فلا يجوز على من يعاني منه أو يشاهده أن يسكت عنه لأنّ الصمت يعني استمرار المعاناة وتعريض أفراد الأسرة للخطر وسيشجّع المرتكب على المثابرة في تصرّفاته العنيفة… فلا الحياء ولا الخوف ولا الحبّ ولا الضعف ولا الشعور بالذنب ولا الحرص على وحدة العائلة يبرّرون السكوت عن العنف الجسدي أو المعنوي.
ونقرأ في هذا السياق، في تقرير لمرصد فرنسي، أنّ ٨٠٪ من الأشخاص الذين يتعرّضون للعنف الأسري يلازمون الصمت، ممّا حدا بإحدى المنظّمات المحلّية الى إطلاق حملة توعية اعتمدت الشعار التالي:
Brisons le silence avant qu’il ne nous brise
وفي النهاية، لا بدّ من التشديد على أهمّية التربية والتوعية في المدارس كما في البيت، لترسيخ فكرة تحريم العنف الأسري في أذهان الأولاد. كما نرى من الضروري إدخال هذا الموضوع إلى كتب التربية المدنية بغية تثقيف الأجيال الصاعدة في هذا المجال.
* ألقى عضو مجلس نقابة المحامين في بيروت ورئيس محاضرات التدرّج فيها المحامي الدكتور اسكندر نجّار هذه الكلمة خلال الندوة التي أقيمت حول موضوع العنف الأسري في “بيت المحامي” ظهر يوم الخميس الواقع فيه 30 آذار 2023.
“محكمة” – السبت في 2023/4/1