هذا هو السيناريو المحتمل لمعالجة خطر “إلغاء” صندوق تعاضد القضاة
كتب علي الموسوي:
يواصل قضاةُ لبنان ضغطاً بلون الاعتكاف، على السلطة السياسية، لاستعادة حقّ سُلب منهم تحت وَضَح نيّة سياسية مبيّتة منذ سنوات لإلغاء صندوق التعاضد الخاص بهم والذي يُعينُهم من الناحية الصحيّة والمادية على إكمال الحياة بكرامة، وذلك من أجل أن يكونوا على قدر المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم، والمتمثّلة بإحقاق الحقّ، وتأمين العدالة السليمة لكلّ الناس، وبما يفرضه القانون من أحكام ونصوص.
وينتظر القضاة اجتماع جمعيتهم العمومية في تمام الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الإثنين في القاعة الكبرى لمحكمة التمييز في الطبقة الرابعة من قصر عدل بيروت، وذلك من أجل الإطلاع عن كثب، على مستجدّات الإتصالات التي قام بها مجلس القضاء الأعلى رئيساً وأعضاء، ومن بينها لقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري يوم الجمعة الفائت، في سبيل إيجاد مخرج لما أوقعت السلطة السياسية نفسها فيه ضمن قانون سلسلة الرتب والرواتب.
ولا تحتاج السلطة السياسية معجزة لكي تعود عن خطئها تجاه القضاة، ولكنّها حتماً تعمّدت ارتكاب هذا الفعل، ومرّرته خلال العطلة القضائية الصيفية ليقينها بأنّ صرخات الإحتجاج والإعتراض ومهما ارتفعت، فلن تغيّر شيئاً من واقع الحال، إذ لا يمكن لأهل القانون أن يُحجموا عن تنفيذ قانون صُدّق عليه بنسبة نيابية كبيرة، علماً أنّ شريحة لا بأس بها من النوّاب لم تعرف بذلك، ولم يتسنّ لها وقتُها الثمين الذي تمضيه في واجبات العزاء، بأن تقرأ متن السلسلة بنداً بنداً، وتحديداً ما يتعلّق منها بالقضاة، وهي على الأرجح حضرت إلى المجلس النيابي ووافقت من دون أن تطلع على حرف واحد من سلسلة بقيت خمس سنوات قيد المناقشة وحديث الناس، إلى أن أبصرت النور.
سيناريو جدّي
ويبقى السؤال الأكثر أهمّية، وهو كيف يمكن للسلطة السياسية أن تراجع حساباتها وتعيد الإعتبار إلى ما يطالب به قضاة لبنان، وتحديداً ما يتعلّق بصندوق التعاضد؟.
عن هذا السؤال، يجيب مصدر قانوني مطلع، بأنّ الحلّ الوحيد والسيناريو الأكثر جدّية، يتمثّل بقيام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بردّ قانون سلسلة الرتب والرواتب لجهة الشقّ المتعلّق بالقضاة، دون أن يمسّ الجزء الآخر من هذا القانون، أي أنّ الردّ يكون جزئياً فقط، وانطلاقاً من قاعدة دستورية تقول بأنّ من يملك الكلّ يملك الجزء، وإذا كان بمقدور رئيس الجمهورية ردّ القانون برمّته، فمن باب أولى أن يردّه جزئياً، وهذه هي “التخريجة” المنتظرة خلال أيّام قليلة، وهي “ضربة معلّم” تؤكّد حرص “العهد الرئاسي” على تعزيز القضاة، ورفض النيل من أمنهم الصحّي وحقّهم في تعليم أولادهم، لأنّ إلغاء استقلالية الصندوق هو قضاء على هيبة القضاء، ولا يمكن لدولة القانون والمؤسّسات أن تتحقّق من دون وجود قضاء فعّال.. وطبعاً قضاء نزيه وشفّاف وعادل ومستقلّ!.
وبمجرّد وصول “الشقّ القضائي” من السلسلة إلى المجلس النيابي لإعادة تصحيح الوضع، يخضع للدرس الفوري حتّى إذا ما فكّرت بعض الكتل النيابية والتيّارات والأحزاب السياسية بالتوجّه لتكرار محاولة إلغاء الصندوق، “طُيّر” نصاب الجلسة التشريعية، وإلاّ جوبهت بمساع سياسية حثيثة لمنع المسّ بالصندوق، وبالتالي العمل على إبقائه على حاله دون دمجه بصناديق أخرى موجودة مثل تعاونية موظّفي الدولة، أو ذاك الخاص بأساتذة الجامعة اللبنانية، كما ورد في المادة الثالثة والثلاثين من قانون سلسلة الرتب والرواتب.
ولا يُخفى على أحد، أنّ هناك من كان يتربّص بصندوق التعاضد شرّاً لإلغائه كلّياً، وسعى مراراً إلى ذلك، وعندما تسأل العارفين بالكواليس عن هذه النقطة بالذات، يجيبون بوضوح تام:”إسألوا(الرئيس) فؤاد السنيورة”!.
مقايضة
في مقابل ذلك، ما هي “ضريبة” القبول بإبقاء صندوق التعاضد مستقلاً وعلى قيد الوجود؟ وهل ثمّة مقايضة تلوح في الأفق؟!.
يرى المصدر نفسه، بأنّه من البديهي ألاّ يكون تنازل السلطة السياسية سهلاً، وهي التي لم تعتد على منح “جوائز الترضية” مجاناً، وإنّما مقابل الحصول على شيء ما، ويبدو أنّ عينها مصوّبة كما في مرّات سابقة، على رفض المطالبة القضائية بتطبيق المادة العشرين من الدستور والتي تتحدّث عن أنّ القضاء سلطة مستقلّة، وبالتالي فإنّ لا عودة على الإطلاق، إلى تعديل المادة الخامسة من قانون تنظيم القضاء العدلي والخاصة بوضع مصير التشكيلات القضائية بيد مجلس القضاء الأعلى حصراً حتّى ولو اعترض “وزير الوصاية”، أو “وزير الأداء القضائي”، فإنّه لن يتمكّن من دفن مسودّة أيّة تشكيلات في دُرْجه وإحكام الإقفال عليها، لأنّها تصبح سارية المفعول بعد شهر واحد من توقيع مجلس القضاء الأعلى عليها وإرسالها إليه.
وهذا ما يتبدّى جليّاً في إحدى فقرات المادة الخامسة، وفحواها أنّه: “إذا انقضت مهلة شهر على إيداع مشروع التشكيلات النهائي والمُلْزم، ديوان وزارة العدل دون إصداره بمرسوم، يُعْمل بهذه التشكيلات مع ما تنتجه من مفاعيل إلى حين صدور المرسوم..”.
الردّ
وقد “يقبل” قضاة لبنان بهذا “الإبتزاز السياسي” المفروض فرضاً والخارج عن إرادتهم، لكنّهم يستطيعون التعويض على أقلّ تقدير، بإقفال هواتفهم وأبواب مكاتبهم بوجه التدخّلات في الملفّات المعروضة عليهم، والتي تكون عادةً ضدّ القانون وضدّ العدالة الحقّة، وبذلك يؤكّدون بأنّهم مستقلّون في تقرير مصير الدعاوى، وفي تدبيج القرارات والأحكام فيها!.
“محكمة”- الأحد في 23/07/2017.
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.