أبرز الأخبارمقالات

تصديق قضائي على قرار نقابة المحامين بعدم إعطاء الإذن بملاحقة معلوف بعد رشقه صور سياسيين بالبندورة/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
في قرار جريء صادر عنها، اعتبرت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت الناظرة في الدعاوى النقابية، والمؤلّفة من القضاة الرئيس أيمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري، وعضوي مجلس النقابة الأستاذين فادي بركات وزاهر عازوري، أنّ ما قامت به مجموعة مؤلّفة من 25 شخصاً في حملة “من اجل الجمهورية” في ساحة رياض الصلح من حمل صور سياسيين ورشقها بالبندورة والحفاضات، في ضوء بقاء النفايات في الشوارع مع ما ترتّب على ذلك من تداعيات على الصحّة العامة، لا يعتبر من قبيل الشغب، ولم يطل أشخاصاً بل صوراً لأشخاص يعتبرهم المتظاهرون في موقع القرار والسلطة والمسؤولية لحلّ ملفّ النفايات.
وقضت بردّ استئناف النيابة ضدّ المحامي الناشط مروان معلوف وتصديق قرار مجلس النقابة، وكنت يومها مفوّضاً لقصر العدل واقترحت في تقريري حجب الإذن عن الأستاذ معلوف وهذا ما حصل.
وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 2018/4/19:
بناء عليه،
أوّلاً: في الشكل:
حيث إنّ الاستئناف المقدّم من قبل النيابة العامة الاستئنافية في بيروت قد ورد ضمن المهلة القانونية مستوفياً شروطه الشكلية، فيقتضي قبوله شكلاً.
ثانياً: في الأساس:
حيث إنّ المستأنفة النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، تطلب فسخ القرار المستأنف والحكم مجدّداً بإعطاء الإذن بملاحقة المحامي المستأنف عليه بجرائم الشغب والقدح والذم بأشخاص لهم صفة عامة.
وحيث من المتعارف عليه أنّ نصّ المادة 79 من قانون تنظيم المحاماة يعطي مجلس النقابة صلاحية اتخاذ القرارات الإدارية الخاصة الهادفة إلى حماية المحامي من أيّ تعسّف بالادعاء ضدّه لفعل متعلّق بممارسة المهلة أو بمعرضها. وذلك كي يتمكّن المحامي من القيام بدوره على أكمل وجه دون التعرّض أو الخوف من الافتراء عليه بإقامة شكاوى جزائية ضدّه هدفها التأثير عليه أو الانتقام منه بسبب مهنته، أمّا إذا كانت هذه الأفعال غير ناشئة عن ممارسة المهنة أو بمعرضها وكانت مخالفة للقانون وتشكّل في الظاهر جرماً جزائياً فتنتفي عندها هذه الحماية.
وحيث للقول بإعطاء الإذن بالملاحقة أو رفضه، لا بدّ من العودة إلى معطيات الملفّ الراهن من أجل تقدير الواقعات الثابتة فيه، لمعرفة في ما إذا كانت الأفعال المدعى بها من النيابة العامة الاستئنافية في بيروت قد تشكّل ظاهرياً جرماً جزائياً يقتضي ملاحقته بسببها.
وحيث إنّه يتبيّن في هذا السياق من التدقيق بأوراق الملفّ، أنّه بتاريخ 2016/3/23 تجمّع حوالي 25 شخصاً من حملة “من أجل الجمهورية” في ساحة رياض الصلح في وسط بيروت ورفعوا يافطتين الأولى كتب عليها “حكّام بلا كرامة” والثانية تحمل صورة لبعض السياسيين اللبنانيين، ورشقوا الصورة المذكورة بالبندورة والموز والحفاضات، وأنّهم وقفوا في ساحة رياض الصلح اعتراضاً على عريضة الذلّ وعدم إيجاد السياسيين حلاًّ لمشكلة النفايات.
وحيث إنّ حرّية الرأي تعتبر من حقوق الإنسان الأساسية بموجب المادة /19/ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومعترف بها في القانون الدولي لحقوق الإنسان في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وإنّ حقّ التعبير عن هذا الرأي مكرّس ومضمون بموجب القوانين والمعاهدات الدولية طالما أنّه يمارس ضمن الأطر اللازمة لاحترام حقوق الآخرين وحماية الأمن القومي والنظام العام أو الصحّة العامة أو الآداب العامة.
وحيث إنّ التجمّع والتظاهر يندرجان ضمن أساليب التعبير عن الرأي، لا بل يشكّلان في بعض الحالات السبيل السلمي الوحيد المتاح أمام الشعوب للتعبير عن مشاكلها ومخاوفها للمطالبة بحقوقها الأساسية أو الاعتراض على القرارات أو الإجراءات التي تجرّدها من تلك الحقوق، أو الاحتجاج ضدّ الجهات التي تعدّها مسؤولة عن الوضع السائد ومساءلتها. وبالتالي فإنّ التجمّعات والتظاهرات تعتبر وسائل متاحة ومقبولة ومعمول بها دولياً لإبداء الرفض أو للتعبير عن المطالب خاصة عندما تكون تلك المطالب جوهرية وأساسية.
وحيث في الحالة الراهنة، فإنّ التجمّع رفضاً لسياسة معيّنة واحتجاجاً على عدم ايجاد حلول لملفّ النفايات بالرغم من انقضاء عدّة أشهر، وفي ضوء بقاء النفايات في الشوارع مع ما ترتّب على ذلك من تداعيات على الصحّة العامة، لا يمكن أن يعتبر من قبيل الشغب، خاصة وأنّه ثابت أنّ التجمّع كان محصوراً من الناحية العددية ببعض الأشخاص (25) وأنّه لم يتبيّن حصول أيّة أعمال تطال الأملاك العامة والخاصة أو حدوث أيّة مواجهات مع الأفراد من مدنيين أو عسكريين أو مسؤولين.
وحيث فضلاً عن ذلك، فإنّ رمي البندورة والحفاضات، والذي أتى كردّة فعل على أزمة النفايات، المعروفة خطورتها من الكافة، لم يطل أشخاصاً بل صوراً لأشخاص يعتبرهم المتظاهرون، ومن ضمنهم المحامي المستأنف عليه، على فرض ثبوت مشاركته في المجتمع (الأمر غير الثابت بشكل جدّي) في موقع القرار والسلطة والمسؤولية لحلّ ملفّ النفايات، علماً أنّه لم يثبت توجيه أيّ كلام جارح لأشخاص معيّنين، بل تبيّن أنّ الحراك كان في مواجهة أشخاص السلطة ككلّ.
وحيث إنّ الأعمال المشكو منها لم تتناول أشخاصاً محدّدين ولم تخرج عن نطاق عمل المجتمع المدني الاحتجاجي والسلمي الذي يثير حماس الجمهور دون أن يتعدّاه إلى إثارة الشعب اوالتجريح بأشخاص محدّدين بالاسم بالإضافة إلى أنّه جاء كردّ على الوضع السائد.
وحيث تبعاً لما تقدّم يكون قرار مجلس النقابة المستأنف واقعاً في موقعه القانوني الصحيح ممّا يقتضي معه ردّ الاستئناف وتصديق القرار المذكور.
وحيث بنتيجة الحلّ المساق، تعدو سائر الأسباب أو المطالب الزائدة أو المخالفة مستوجبة الردّ إمّا لكونها لاقت ردّاً ضمنياً أو لعدم تأثيرها على النزاع.
لذلك
تقرّر بالإجماع:
1- قبول الاستئناف شكلاً.
2- ردّ الاستئناف أساساً، وتصديق قرار مجلس النقابة.
3- ردّ سائر الأسباب أو المطالب الزائدة أو المخالفة.
4- تعليق الرسوم.
قراراً صدر وأفهم علناً في بيروت بتاريخ 2018/04/19
“محكمة” – الجمعة في 2018/05/11

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!