وكالة الاسم المستعار/علي مصباح ابراهيم
القاضي الدكتور علي مصباح إبراهيم*:
لقد عرّفت المادّة 769 من قانون الموجبات والعقود الوكالة بأنّها عقد يفوّض بموجبه الموكّل إلى شخص آخر، الوكيل، القيام بأعمال ماديّة أو قانونيّة.
وتابعت المواد اللاحقة بتعداد أنواع الوكالات ونظامها القانوني، وقد ميّز المشرّع اللبناني بين الوكالة العامّة من جهة والوكالة الخاصّة من جهة أخرى، معطياً للأولى أعمال الإدارة وللثانية أعمال التصرّف، كما تطرّق إلى الوكالة الصريحة والوكالة الضمنيّة، وفي كل هذه الأنواع يُعتبر الرضا، العنصر الأساسي في قيامها، وفق المبدأ الذي كرّسه قانون الموجبات والعقود عندما اعتبر أن الرضا هو صلب وروح العقد l’âme et l’armature du contrat.
كما ألزم المشرّع اللبناني الموكّل بنتائج الأعمال التي يأتيها الوكيل ضمن إطار الوكالة وحدودها؛ كما أن الاجتهاد اللّبناني كما الفقه، اعتمد نظرّية الوكالة الظاهرة بكلّ شروطها ونتائجها.
ولمّا كان المبدأ الأساسي في الوكالة هو حريّة الموكّل بعزل الوكيل ساعة يشاء – دون تعسّف – إلّا أنّ المشرّع حدّد في المادّة 810 موجبات، حالتين حرم فيهما الموكّل من عزل الوكيل وهو ما يُسمّى بالوكالة غير القابلة للعزل إذا كانت الوكالة منظّمة لمصلحة الوكيل أو لمصلحة الغير.
وإن الوكالة mandat ou procuration هي غير التمثيل représentation وتشكّل هذه الأخيرة وجهاً من أوجه الوكالة المحصورة التي تكون فيها صلاحيّات الوكيل محصورة بالتوقيع على عمل أعدّه الموكّل مثلاً، وعادةً يعمل الوكيل باسم ولمصلحة الموكّل، وهذا ما يسمّى الوكالة بإنابة، لكن يمكن أن يعمل الوكيل لمصلحة الموكّل إنّما باسم الوكيل، أي يظهر الوكيل تجاه الغير بصفته الشخصيّة وليس بصفته وكيلاً وهذا ما يسمّى الوكالة بدون إنابة.
إنّ صاحبة هذا المؤلّف تعرّضت للوكالة دون إنابة، وحدّدت أوجهها وفرّقت بين هذا التصرّف القانوني وغيره من التصرّفات القانونية، وأعطت عنواناً لمؤلّفها: الوكالة بالتسخير- وكالة الاسم المستعار أو اتّفاقيّة استعارة الاسم- دراسة مقارنة في القانون اللبناني والقانون الفرنسي والقانون المصري، تشريع، فقه، اجتهاد، mandat prête-nom ou convention de prête-nom .
إنّه موجود، قديم جديد، من يريد التعرّض له يجب أن يتمتّع بالشجاعة القانونيّة، وأن تتعرّض نغم صادق لهذا الموضوع فهي حفرت بالصخر كي تجد حلاً بل حلولاً للمشاكل التي تعترض هذا البحث. أعطت الباحثة لعملها نغماً قانونيّاً جديداً، وجاء بحثها بحثاً صادقاً في العلم، والأمانة العلميّة. إن أسلوب العمل هو أسلوب قانوني جدلي بحثي، يعكس تمتّع المؤلّفة بالروح العلميّة التي تهدف دائماً إلى الحقيقة المسندة إلى رأي الفقه والاجتهاد، فهي لم تكتف ِ بالمراجع القانونيّة العامّة إنّما لجأت إلى المراجع المتخصّصة، هذه المراجع ذات مصدر لبناني ومصري وفرنسي، هي اعتمدت على أمّهات المراجع، فكانت دقيقة في بحثها، أمينة في أخذها للمعلومات، فأحسنت استعمال الهوامش والمراجع والمصادر والتواريخ والأرقام.
لن أعرّج كثيراً إلى التصميم الذي جاء متوازناً واضحاً مترابطاً بشكل يعكس وضوح رؤية الكاتبة وتسلسل أفكارها وعمق معلوماتها القانونيّة.
إنّه كتاب من الطراز الأولّ، يُغني المكتبة القانونيّة اللبنانيّة والعربيّة، كما المكتبة الأجنبيّة لو قُيِّد للكاتبة أن ترجمته إلى أيّ لغة أجنبيّة.
غزير هذا الكتاب في معلوماته ومسائله القانونيّة، وعناوينه ومراجعه واجتهاداته وصفحاته، تقرأ فيه، تعرف أنّك تتعلّم القانون، يُضيئ لك على مسائل قانونيّة جديدة، ويوصلك إلى الحلّ، فالكاتبة وضعت لكلّ مسألة رأيها القانوني ولم تختبئ خلف أيّ فقيه أو اجتهاد، فهي تصدّت للاجتهاد، كما واجهت الفقه، أيّدت من تعتبره صائباً، وخالفت من خمّنته على غير صواب. شجاعة، جسورة، مِقدامة، من كتبت هذا الكتاب، عالمة من بحثت في مواضيع هذا الكتاب، فقيهة من عالجت وحلّلت في صفحات هذا المؤلّف.
لا اللغة الأجنبيّة وقفت عائقاً أمامك، وإني أعلم أنّك تعلّمت اللغة الفرنسيّة كي تستطيعي الاطّلاع بشكل جدّي وعلمي على المراجع الفرنسيّة وتعطي عباراتك العربيّة المعنى الصحيح لما ورد في المؤلّفات الفرنسيّة، ولا اللغة العربيّة شكّلت حاجزاً أمام أفكارك، فقد استعملت هذه اللغة بسلاسة ودقّة، فلم ترتكبي أخطاء لغويّة في تركيب جملك السهلة البسيطة الهادفة.
هذا الكتاب على قدر أطروحة في القانون، وهو أهل كي يكون كذلك، رسالتك الجديدة وصلت، أنت فقيه جديد من فقهاء القانون العرب.
* هذا النصّ هو المقدّمة التي كتبها النائب العام المالي القاضي الدكتور علي ابراهيم لكتاب المحامية نغم صادق الصادر حديثًا بعنوان:” الوكالة بالتسخير – وكالة الاسم المستعار أو اتفاقية إستعارة الإسم” والذي يقام حفل توقيعه عند الساعة الثانية من ظهر يوم الإثنين الواقع فيه 8 أيّار 2023 في “بيت المحامي” الملاصق لقصر عدل بيروت.
“محكمة” – السبت في 2023/5/6