تعليق على قرار قضائي: التعويض عن التعسف لا يصدر عن محقّق أو هيئة إتهامية/محمّد حافظة
المحامي محمّد حافظة:
الهيئة الاتهامية في محافظة لبنان الشمالي
لدى التدقيق والمذاكرة
تبيّن أنّه بتاريخ 2019/6/17 تقدّم(…) باستئناف القرار الصادر عن قاضي التحقيق في الشمال بتاريخ 2019/4/25 والمبلّغ منه يوم الجمعة في 2019/6/14 والمنتهي إلى ردّ الدفوع الشكلية المقدّمة من المدعى عليه لعدم قانونيتها ولعدم جدّيتها – تغريم الدعى عليه مبلغ مليون ليرة لبنانية لتعسّفه في استعمال حقّ الدفاع سنداً للمادتين ١٠ و ۱۱ أصول محاكمات مدنية – ومتابعة التحقيق من النقطة التي وصل إليها.
وطلب المستأنف قبول الاستئناف شكلاً، وفي الأساس فسخ القرار المستأنف وإصدار القرار مجدّداً بقبول الدفوع الشكلية لناحية أنّ الفعل المدعى به لا يؤلّف جرماً معاقباً عليه في القانون ولناحية بطلان إجراءات التحقيق كما ولناحية عدم صفة الجهة المدعية بالتقدّم بالدعوى وطلب المستأنف أيضاً فسخ القرار المستأنف في ما انتهى إليه بتغريمه سنداً للمادتين ۱۰ و ۱۱ أصول مدنية.
بناء عليه
أوّلاً: في الشكل
حيث إنّ الاستئناف مقدّم ضمن المهلة القانونية وموقّع من محام بالاستئناف ويتضّمن خلاصة الأسباب والمطالب، فيكون مستوفياً لشروطه الشكلية كافة ويقتضي قبوله لهذه الناحية.
ثانياً: في الأساس
حيث إنّ المستأنف يطلب ردّ الدعوى الراهنة شكلاً كون الفعل المدعى به لا يؤلّف جرماً، وذلك سنداً للفقرة الرابعة من المادة ۷۳ أصول جزائية،
وحيث يتبيّن أنّه تمّ الادعاء على المدعى عليه المستأنف بموجب الدعوى الراهنة بموجب المادتين ۳۵۹ و 363 عقوبات،
وحيث إنّ المقصود بالدفع بكون الفعل لا يؤلّف جرماً هي الحالة التي لا يوجد فيها أيّ نصّ يجرّم الفعل المنسوب للمدعى عليه وذلك عملاً بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات،
وحيث إنّ ما نسب للمدعى عليه وبحال ثبوته يشكّل جرماً منصوصاً عليه قانوناً. أمّا القول بتوافر أو عدم توافر عناصر هذا الجرم، إنّما يؤلّف دفاعاً في الأساس، فيكون القرار المستأنف في ما انتهى إليه واقعاً في موقعه القانوني الصحيح، ويقتضي تصديقه وردّ الاستئناف الراهن لعدم صحّته ولعدم قانونيته.
وحيث من جهة أخرى، وفي ما يتعلّق بالدفع بانعدام صفة الجهة المدعية بالتقدّم بادعاء شخصي على اعتبار أنّه وسنداً للمادة ۱۰۰ من قانون البلديات، فإنّه يعود للمجلس البلدي مجتمعاً أن يقرّر إقامة أيّ دعوى ويعود لرئيس المجلس تنفيذ هذا القرار،
وإنّه بالعودة إلى الدعوى الراهنة، فلا وجود لأيّ قرار من المجلس البلدي بإقامة الدعوى، كما أنّ الدعوى أقيمت من قبل نائب الرئيس، وليس الرئيس،
وحيث إنّه وفي ما يتعلّق بالدفع بانعدام الصفة، فإنّه يعتبر من الدفوع الشكلية عندما تكون إقامة الدعوى العامة معلّقة على وجوب التقدّم بادعاء شخصي وتعتبر بذلك من دفوع عدم القبول، أمّا في غير هذه الحالات، فلا تعتبر الصفة من الدفوع الشكلية بمفهوم المادة ۷۳ أصول محاكمات جزائية،
حيث إنّه بالعودة إلى الدعوى الراهنة يتبيّن أنّها مسندة إلى المادتين ۳۵۹ و 363 عقوبات، وهي لا تشترط لتحريكها وجود ادعاء شخصي،
وحيث يكون بالتالي الدفع بعدم صحّة الادعاء الشخصي دون أيّ تأثير على سير هذه الدعوى ولا يعتبر بمثابة دفع بعدم القبول ويقتضي ردّه وتصديق القرار المستأنف في ما انتهى إليه لهذه الناحية،
وحيث إنّه في ما يتعلّق بما انتهى إليه القرار المستأنف لجهة تغريم المدعى عليه سنداً للمادتين ۱۰ و ۱۱ أصول جزائية للتعسّف في استعمال حقّ الدفاع، فإنّ الهيئة ترى أنّ لهذه الناحية أيضاً، أنّ القرار المستأنف واقع في موقعه القانوني الصحيح، ويقتضي تصديقه وردّ الاستئناف.
تقرّر بالاجماع أوّلاً: قبول الاستئناف شكلاً وردّه أساساً لعدم صحّته ولعدم قانونيته وتصديق القرار المستأنف.
ثانياً: تضمين المستأنف الرسوم والنفقات القانونية كافة.
ثالثاً: إعادة الأوراق إلى جانب النيابة العامة للإطلاع وإجراء المقتضى.
قراراً صدر في طرابلس بتاريخ 2020/1/27.
أخالف رأي الهيئة الاتهامية في مسألتين :
1- في اعتبار الدفع بصفه المدعي الشخصي من الدفوع الشكلية لأنّه لم يرد النصّ عليه في الماده ٧٣ أصول جزائية التي أوردت حصراً حالات الدفوع، وليس من ضمنها الدفع بعدم صفة المدعى عليه، وبما أنّ هذا الدفع قد نصّ عليه تحديداً في المادة ٧٠ من الأصول الجزائية ولم يعتبر دفعاً من الدفوع الشكلية الواردة في المادة 273.
2- لجهة تغريم المدعى عليه مقدّم الدفوع. إنّ هذه المسألة برأيي خطأ قانوني لا يجوز تكريسه للأسباب التالية:
أ – لأنّه لا يجوز إعمال المادتين ١٠ و١١ أصول مدنية بتقرير تعويض من قاضي التحقيق أو من الهيئة الاتهامية، لأنّ التعويض عن التعسّف سنداً للمادتين ١٠ و١١ يجب أن يصدر عن قضاة الحكم في مرحلة إصدار الحكم النهائي وليس عن محقّق أو هيئة تحقيق.
ب-لأنّه لا يوجد نصّ في قانون الأصول الجزائية يعطي قضاة التحقيق أو الهيئة الاتهامية هذا الحقّ.
ج- لأنّه يصدر تحت اسم غرامة، والغرامة تختلف في الأحكام الجزائية عن القانون المدني. ففي الجزاء، تكون الغرامة عقوبة مفروضة بنصّ تجريم، ولا عقوبة دون نصّ، إذ نلحظ دائماً في غالبية الجرائم عقوبة الحبس والغرامة، وبالتالي لا يجوز إصدارها عن قضاة التحقيق، أو الاتهام لانتفاء النصّ عليها.
“محكمة” – الجمعة في 2020/1/31