تحقيق المنفعة العامة: إلغاء مشروع سدّ بسري/رفيق غريزي
المحامي رفيق اورى غريزي:
بينما البلاد منهمكة في مواجهة الإنهيار الإقتصادي الحاصل، وتفشّي وباء “كورونا” الذي عطّل أواصر الحياة الاقتصادية والاجتماعية وجعل البلاد لا وبل العالم في حالة شلل تام، لا تزال الحكومة منهمكة في كيفية متابعة السير بمشروع سدّ بسري.
لماذا أنشىء مشروع سدّ بسري؟ وعلى ماذا يرتكز هذا المشروع؟
بتاريخ 2015/5/27، صدر المرسوم رقم 2066 عن مجلس الوزراء اللبناني. موضوع المرسوم المذكور هو اعتبار الأشغال العائدة لمشروع انشاء سدّ وبحيرة بسري وتخطيط طريق لتمرير خطوط الجرّ نحو بركة أنان في بعض قرى وبلدات قضائي الشوف وجزين من المنافع العامة (من محافظتي لبنان الجنوبي وجبل لبنان – قضائي جزين والشوف).
وحيث إنّ قانون الاستملاك قد أتى على ذكر المنفعة العامة، إلاّ أنّه لم يعط تعريفاً واضحاً وصريحاً لمفهوم المنفعة العامة، بحيث أخذ الفقه والاجتهاد الاداري مبادرة اعطاء تعريف للمنفعة العامة.
وفي هذا المجال فإنّ الدستور اللبناني (المادة 15 من الدستور) والشرائع الدولية (المادة 17 من شرعة حقوق الانسان) جعلت من الملكية الفردية مكانة ولا يجوز تجريد المواطن من ملكه تعسفاً. في حين أنّ قانون الاستملاك جاء كاستثناء على هذا الحقّ مع بعض الضوابط أوّلها وأهمّها أن يكون الإستملاك ونزع الملكية بواسطة الاستملاك هو لتحقيق منفعة عامة.
وإنّ المنفعة العامة، هي الغاية التي تبرّر أو التي تجيز للإدارة نزع الملكية الفردية مقابل تعويض عادل، وأنّ هذه المنفعة العامة تكون للصالح العام وليس للصالح الخاص.
هل تتحقّق المنفعة العامة من جرّاء المرسوم 2066 المتعلّق بإنشاء سدّ بسري؟ أم أنّ الاستملاك المذكور يؤدّي إلى إزعاج يفوق المنفعة المتوخّاة منه؟
جواباً على ما تقدّم، نعرض أنّ القانون رقم 444 الصادر في 29 تموز سنة 2002، قانون حماية البيئة، نصّ في المادة الأولى على أنّ هذا القانون يحدّد الإطار القانوني العام لتنفيذ سياسة حماية البيئة الوطنية بهدف الوقاية من كلّ أشكال التدهور والتلوّث والأذية وكبحها وتعزيز الاستعمال المستدام للموارد الطبيعية وتأمين إطار حياة سليمة ومستقرّة بيئياً.
كما وأنّ المادة الرابعة من القانون المذكور قد حدّدت موجبات ومبادىء يقتضي التقيّد بها من قبل كلّ شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص، لاسيّما وجوب التزام كلّ شخص طبيعي أو معنوي بمبادىء الاحتراس والعمل الوقائي وتفادي تدهور الموارد الطبيعية ومبدأ المشاركة والتعاون بين كلّ شخص طبيعي أو معنوي، عام أو خاص، في المحافظة على البيئة.
وحيث إنّه وبالاستناد إلى معايير المنفعة العامة، والى ما يحدثه مشروع الإستملاك من ازعاج كبير يتعدّى كثيراً المنفعة المتوخّاة من الإستملاك لا سيّما الإزعاج على الأثر وعلى المعالم البيئية في المنطقة، وحيث إنّنا في جميع الأحوال أمام مشروع سدّ بسري لتأمين مياه لبيروت الكبرى، ومشروع مقابل هو تحويل المنطقة إلى محمية بيئية، وحيث إنّ تحويل المنطقة إلى محمية بيئية له منافع عامة واضحة لا لبس لها ولا سلبيات من أيّ نوع كانت،
وأمام هول الكارثة البيئية التي سيحدثها السير بمشروع سدّ بسري، لم يبق لنا إلاّ أن نشير إلى أنّ المنفعة العامة لا تتحقّق إلاّ بتحويل بسري إلى محمية طبيعية، لا إلى سدّ، مقلع أو كسّارة!!
إنّ المنفعة العامة لا يمكن أن تكون بأيّ شكل من الأشكال عبر التعرّض للبيئة وتشويهها.
الخلاصة، ومن أجل المنفعة العامة، فليسقط السدّ!
“محكمة” – الأربعاء في 2020/4/15