2269 وردة تعطّر نقابة المحامين باسم أنطونيو الهاشم
كتب علي الموسوي:
على الرغم من الجحود الانتخابي والإحجام السياسي عن مقاربة أيّة انتخابات رئاسية أو نيابية في لبنان نتيجة الكباش السياسي القائم داخلياً وإقليمياً ودولياً، إندفع المحامون بمحازبيهم والمستقلّين، لتجديد الممارسة الديموقراطية الضرورية لتفعيل العمل النقابي والإداري، وانتخبوا نقيباً جديداً لهم هو أنطونيو جوزف الهاشم ليصبح النقيب الرابع والأربعين في باقة النقباء منذ تأسيس أهمّ نقابات المهن الحرّة في لبنان في العام 1919.
وعرف النقيب الطليعي الهاشم كيف يغزل تحالفاته الواضحة والصريحة، وكيف يجذب الجمعية العامة للتصويت لمصلحته ولشخصيته المحبّبة، فانطلق من استقلاليته التامة بما تتضمّن من تاريخ عريق في العمل النقابي يعود إلى تسعينيات القرن العشرين، واحتضنته قوى “8 آذار” بما فيها الكتلتان الناخبتان الأساسيتان في صفوف المحامين “التيّار الوطني الحرّ ” وحركة “أمل”، من دون إغفال دور الآخرين وحضورهم على تنوّعه، لمواجهة قوى “14 آذار” وإسقاط مرشّحها “القوّاتي” المحامي القدير بيار حنّا، ليبرهن المستقلّون على أنّهم يشكّلون ثقلاً نوعياً في نقابة المحامين لا يستهان به على الإطلاق متى عرفوا كيف يديرون معركتهم وتحالفاتهم ويختارون دعم الشخص المناسب.
الصوت الشيعي ينقذ قمبريس
ولولا الصوتُ الشيعي لخرج مرشّح “تيّار المستقبل” السنّي جميل قمبريس خاسراً، إذ جرت ردّة فعل قويّة على محاولة بعض الخارجين على الميثاقية إستبعاد المسلم من عضوية مجلس النقابة في ظلّ كثرة المرشّحين المسيحيين واحتدام المعركة ووجود إصرار لدى بعضهم على إيصال مرشّحه دون سواه، وليس السير برَكْب اللائحة برمّتها، وهو ما يفسّر الفارق في الأصوات والذي بدا كبيراً، فضلاً عن أنّ حليفي “المستقبل”، وهما “الكتائب” و”القوّات” لم يحتضناه بشكل مؤثّر ولم يلتفّا حوله كما هو مطلوب منهما، وصبّا أصواتهما في سبيل تحقيق الفوز لمرشّحيهما لويس حنّا وبيار حنّا في العضوية. وما أصاب قمبريس طال “الكتائبي” لويس حنّا الذي حلّ رديفاً بصعوبة كبيرة، وهذا يعني أنّ ” القوّات” لم تلتزم بكامل أفراد اللائحة، فعادت ودفعت الثمن في معركة النقيب ليخسر بيار حنّا بفارق كبير بلغ 751 صوتاً.
ورأى محامون أنّ حجب الصوت عن قمبريس ضمن لائحة ” 14آذار” التي لم تكن متماسكة ومتضامنة في ما بينها بعكس السنوات الماضية، أتى بهدف إبقاء بيار حنّا الأوّل والأقوى، والدفع به قدماً في معركة النقيب، غير أنّ هذه الحسابات الخاطئة لم تكن في محلّها، ولا بدّ أن تترك أثرها في أيّة انتخابات مستقبلية ضمن الفريق الواحد، فهل شبكة المصالح بين “المستقبل” والمسيحيين خفّت وتراجعت على حدّ تساؤل هؤلاء المحامين؟!.
أرقام مشرّفة
وحقّق المحامي “العوني” زاهر عازوري رقماً مشرّفاً بلغ 2034 صوتاً متقدّماً على مُرشَّحيْ “14 آذار” للعضوية قمبريس الذي نال 1891 صوتاً ، ولويس حنّا الذي جمع 1701، وحظي زميله في لائحة “8 آذار” المحامي أسعد سعيد برقم مهمّ بلغ 1295 صوتاً، يمكن أن يُبْنى عليه في المستقبل، من دون إغفال نتيجة المحاميين المستقلّين المنفردين القادمين من خارج أيّ اصطفاف وتكتّل حزبي، الأوّل وجيه مسعد برقمه البارز 1565 صوتاً، وهو رقم كبير في ظلّ التنافس الشديد على منصب النقيب، ممّا يعني أنّه قادر على الفوز في معركة العضوية إذا ما ترشّح في دورة العام 2016، والثاني هو المحامي عزيز طربيه الذي ظفر بـ 1414 صوتاً، ويمكنه تسجيل رقم أكبر إذا ما خاض انتخابات العضوية دون منصب النقيب في الدورات الانتخابية المقبلة.
قراءة في خريطة التصويت
كيف أتى التصويت بحسب نتائج فرز الصناديق؟.
لقد ظهر واضحاً أنّ المحامين الكبار في النقابة من نقباء سابقين باستثناء “الكتائبي” جورج جريج، وأصحاب المكاتب الكبيرة والمُعْتبرة المستقلّين وغير المنخرطين في أيّ حلف سياسي، يميلون صوب المحامي أنطونيو الهاشم الذي استطاع في معركة العضوية أن يكتسح ويتقدّم بمجموع أصوات وفارق لا بأس به وذلك على الشكل التالي:
فهو سبق منافسه بيار حنّا في الصناديق التي تحمل الأرقام من واحد إلى 13، ونال 107 أصوات في الصندوق رقم ثلاثة مقابل 81 لمنافسه، وابتعد عنه بفارق 45 صوتاً في الصندوق رقم أربعة بعدما جمع فيه 112 صوتاً مقابل 67 صوتاً لحنّا، و42 صوتاً في الصندوق رقم خمسة حيث صوّت 108 محامين للهاشم مقابل 66 محامياً لمنافسه.
وحاول بيار حنّا التعديل واللحاق بالفائز الهاشم متكلاً على عدد من صناديق “المحامين المخضرمين” الكامنة في وسط الجدول النقابي العام، بالإضافة إلى صناديق المحامين الشباب حيث تكمن قوّة “14 آذار” التي “قبضت” على هذا الجدول منذ قدومها إلى الساحة السياسية في العام 2005، واستطاعت أن تُدْخل محامين مقرّبين منها إلى النقابة، وهكذا تقدّم بيار حنّا في الصندوق رقم 14 بتسعة أصوات جامعاً 84 مقابل 75 على سبيل المثال، وفي الصناديق التي تحمل الأرقام من 26 إلى 32، حيث كان معدّل الفارق بين 12 و 23 صوتاً كأقصى حدّ، وتعادلا في الصندوق رقم 24 حيث نالا 61 صوتاً، لتنتهي المعركة بفوز الهاشم بـ 2646 صوتاً مقابل نيل حنّا 2328 صوتاً وبفارق بلغ 318 صوتاً كان مؤشّراً على أنّ دفّة الانتصار في معركة النقيب ستميل حتماً إلى الهاشم.
تركيب لوائح “مزاجية”
ونادراً ما التزم المحامون بلائحة كاملة، وهناك من شكّل قائمته الشخصية بناء على علاقاته مع هذا المحامي أو ذاك، وارتباطاته السياسية والحزبية والمهنية، ومسايرته لهذا أو ذاك، ففي الصندوق رقم 29 مثلاً صوّت محام للثلاثي الهاشم وعازوري ومسعد دون إدخال اسم رابع ، وآخر اقترع للهاشم وعازوري فقط، وثالث صوّت لطربيه منفرداً، ورابع أعطى صوته لبيار ولويس حنّا وقمبريس وطربيه، وخامس منح صوته لكلّ من قمبريس وعازوري ومخول والهاشم، وسادس ركّب لائحته من بيار حنّا وقمبريس وعازوري، وسابع أدلى بصوته لمصلحة طربيه وعازوري والهاشم ولويس حنا.
وفي الصندوق رقم واحد صوّت محام للهاشم وعازوري ومسعد وقمبريس، وجنح ثان لمصلحة مسعد وقمبريس ولويس حنا وطربيه، فيما صوّت ثالث لثلاثة مرشّحين لمنصب النقيب دفعة واحدة وهم طربيه والهاشم وبيار حنّا وأضاف إليهم قمبريس الذي نال منفرداً صوت محام رابع لم يضف أحداً إليه، وغرّد على المنوال نفسه محام خامس بالتصويت للهاشم وبيار حنّا وطربيه مع عازوري هذه المرّة ، ونسي سادس أنّ المحامي ناضر كسبار مرشّح من الدورة الثانية المخصّصة لمعركة النقيب فمنحه صوته في العضوية بالتزامن مع تصويته للهاشم ومخول.
وفي الصندوق رقم سبعة استبعد محام زميله أسعد سعيد من لائحة “8 آذار” ووضع مكانه مسعد وطربيه، فيما اكتفى ثان بالتصويت لمسعد وبيار حنّا فقط، و” ردّ “عليه ثالث بالاقتراع لطربيه وعازوري فقط أيضاً، فيما مال رابع لضفّة بيار حنّا وقمبريس فقط مستبعداً زميلهما الثالث في لائحة “14 آذار” لويس حنّا، وقدّم خامس صوته لكلّ من بيار حنّا وقمبريس ومسعد وعازوري، كما منح سادس صوته لبيار حنّا فقط تاركاً المقاعد الثلاثة الباقية شاغرة، فيما ملأها سابع بأسماء الهاشم وعازوري وسعيد ومسعد، وثامن بأسماء الهاشم وعازوري وسعيد ولويس حنّا.
وفي الصندوق رقم 11 أضاف محام إسم ناضر كسبار إلى كلّ من مسعد والهاشم وعازوري، وكذلك فعل محام ثان بجعل اسم كسبار إلى جانب الهاشم وعازوري وسعيد، وارتأى ثالث أن يدفع بالمرشّحين الثلاثة للنقيب الهاشم وحنا وطربيه دون اسم رابع، وتوقّف اقتراع رابع عند اسمي الهاشم ومسعد فقط، فيما وجد خامس وجوب التصويت للهاشم وعازوري وقمبريس معاً تاركاً المقعد الرابع بلا إسم.
وفي الصندوق رقم 14 صوّت محام لكلّ من الهاشم وسعيد ومسعد، وأضاف إليهم محام ثان عازوري لتكتمل رباعية لائحته، فيما شكّل محام ثالث لائحته من الهاشم وعازوري وسعيد ولويس حنّا، واقتصر رابع على اسمي الهاشم وبيار حنّا، وكذا فعل خامس بحصر صوته بالهاشم وعازوري، فيما خرق عازوري لدى محام سادس، لائحة “14 آذار”، بإضافته إلى ثلاثيتها.
الترتيب العام
وفي نهاية مشهد دورة انتخابات العضوية استقرّت النتيجة على الترتيب التالي: الهاشم 2646 صوتاً، بيار حنّا 2328 صوتاً، عازوري 2034 صوتاً، قمبريس 1891 صوتاً، لويس حنّا 1701، مسعد 1565 صوتاً، طربيه 1414 صوتاً، أسعد سعيد 1295 صوتاً، إيلي مخول 252 صوتاً، سمير حيدر 46 صوتاً، ووجدت 50 ورقة بيضاء، وألغيت 37 ورقة، وبلغ عدد المقترعين 4926 محامياً، بينما شارك 4794 محامياً في انتخابات دورة العام 2013، وحلّ يومها النقيب السابق جريج أوّلاً برصيد 2641 صوتاً.
الهاشم يوسّع الفارق في انتخابات النقيب
أمّا بالنسبة لانتخابات النقيب، فلم يترك الهاشم مجالاً لمنافسه حنّا أن يتقدّم عليه، فواصل زحفه في معظم الصناديق موسّعاً الفارق بينهما بشكل كبير وأكثر ممّا كان الوضع عليه في انتخابات العضوية، ففي الصندوق رقم 9 نال الهاشم 98 صوتاً مقابل 41 لحنّا، أيّ أكثر من ضعفين وبفارق وصل إلى 57 صوتاً، وكذلك الحال في الصندوق رقم 10 حيث جمع الهاشم 90 صوتاً، مقابل 45 أي ضعفين. وظلّ الفارق يكبر ويتوسّع تدريجياً حتّى انتهى المطاف بالمحامي اللامع أنطونيو الهاشم نقيباً بـ 2269 وردة عطّرت نقابة المحامين باسمه، وتوقّف رصيد حنّا عند 1518 صوتاً، ولم يتمكّن المرشّح الثالث للنقيب ناضر كسبار إلاّ أن يجمع 371 صوتاً، وهو رقم ضعيف مع أنّه خامة نقابية كبيرة، ووجدت 60 ورقة بيضاء، وألغيت عشر أوراق، وبلغ عدد المقترعين 4223 محامياً.
(نشر في مجلّة “محكمة”- العدد 2 – كانون الأوّل 2015).