خاص”محكمة”: “جنايات بيروت” تسجن رنا وطه قليلات في أحد ملفّات “بنك المدينة”/علي الموسوي
علي الموسوي:
أضافت محكمة الجنايات في بيروت حكماً جديداً إلى رصيد رنا قليلات الحافل بكمّ كبير من الأحكام والقرارات القضائية منذ أن وضع القضاء يده تحقيقاً ومحاكمةً، على الملفّ الضخم لأكثر المصارف إثارة للشبهة وهو “بنك المدينة” الذي كانت تشغل فيه مركز مديرة تنفيذية مطلقة الصلاحيات تبيع وتشتري وتعطي وتأخذ وتهدي وتوزّع السيولة المالية والعقارات يمنة ويسرى ومن “دون العودة” إلى زوجها والمالك ارئيسي للمصرف آنذاك عدنان أبو عيّاش.
وتشعّبت ملفّات “بنك المدينة” وتضخّمت حتّى باتت لدى أكثر من قاض ومحكمة في بيروت وجبل لبنان، ولم يعد يوجد مكان يستوعب أوراقها المنوّعة بين شكاوى وادعاءات ودفوع شكلية ومستندات ومحاضر تحقيق، شكّلت عبئاً كبيراً على كلّ قاض أنيط به أمر البتّ فيها. وكانت تكفي نظرة واحدة على الصناديق الكرتونية المكدّسة في مكتب قاضي التحقيق الأوّل في بيروت ليعرف المرء حجم الفساد المالي المستشري في هذا البنك ورديفه “بنك الاعتماد المتحد”.
ولم تكتف محكمة الجنايات في بيروت والمؤلّفة من القضاة طارق البيطار رئيساً وميراي ملاك وفاطمة ماجد مستشارتين بتحديد العقوبة بعد الإدانة بجنحة تبييض الأموال، بل أسهبت في تقديم معالجة قانونية لكلّ النقاط المثارة والمتعلّقة بسرقة موجودات المصرف بحسب البند الثاني من جناية المادة 638 من قانون العقوبات، وأبطلت التعقّبات لهذه الجهة في الدعوى المقامة من عدنان أبو عيّاش ضدّ رنا قليلات وبوجه شقيقها طه قليلات بداعي إقدامهما على إخفاء المصدر غير المشروع للأموال المستولى عليها من “بنك المدينة” من خلال شراء عقارات في أماكن مختلفة بينها سنتر “فردان 732” بقيمة وصلت إلى خمسماية مليون دولار أميركي.
وإنْ كان هذ الحكم بمضمونه وتفاصيله الكثيرة يلقي الضوء على جوانب مخفية من قصّة “بنك المدينة” وما كان يحصل في الكواليس، إلاّ أنّه عالج بدقّة مسائل قانونية عديدة منها سبق الملاحقة، ومفهوم تبييض الأموال كجرم متماد طالما مصدر الأموال غير معروف.
واعتبرت المحكمة أنّ وجود مبالغ مالية إضافية لم يُطالب بها من قبل، لا يعني حصول جرم جديد يفتح الطريق أمام ملاحقة جديدة ومستقلّة عن ملاحقة حدثت سابقاً في الموضوع عينه، وما دام أنّ القضاء ممثّلاً بالهيئة الاتهامية في جبل لبنان اتهم رنا قليلات في قراره الصادر في 6 حزيران 2006 بسرقة واختلاس أموال “بنك المدينة” واستغلال وظيفتها وموقعها للتصرّف بهذه الأموال، فتكون الإحالة القانونية قد حصلت بالفعل، وبالتالي لا بدّ من إبطال التعقّبات الجارية لناحية جناية المادة 638 عقوبات لسبق الإدعاء.
ورأت هيئة المحكمة أنّ تصرّف السارق بالمال المستولى عليه كما هو حال رنا قليلات مع أبو عيّاش، يصنّف “مظهراً من مظاهر التملّك الناجم عن الجرم”، البعيد عن مفهوم المادة 221 عقوبات الجنحية، “والتي تعتبر جرماً تبعياً مستقلاً بحدّ ذاته، تشترط لتحقّق عناصرها أن ترتكب من شخص آخر غير فاعل الجرم الأساسي أو المساهمين معه”.
وفي المحصّلة، قضى الحكم بسجن رنا قليلات خمس سنوات وشقيقها طه قليلات ثلاث سنوات وتغريم كلّ واحد منهما مبلغ عشرين مليون ليرة لبنانية بعد إدانتهما بجنحة تبييض الأموال المنصوص عليها في المادة الأولى(البند السادس) معطوفة على المادتين 2 و3 من القانون رقم 2001/318، وإبطال التعقّبات عنهما لجهة جناية المادة 638 عقوبات وجنحة المادة 221 عقوبات.
وأعلنت المحكمة براءة طليقة طه قليلات الظنينة زينة الرفاعي من جنحة تبييض الأموال لعدم معرفتها بأفعال رنا قليلات غير المشروعة لكي تستولي على أموال”بنك المدينة”، ولعدم معرفتها بأنّ الأموال التي اشترى بها طه قليلات محلاّت وشقّة قدّمها لها في فترات الخطوبة والزواج والطلاق، هي من مصادر غير مشروعة حتّى ولو أنّها كانت تعرف وضعه غير الميسور منذ صغرهما، ثمّ تبدّل الوضع لاحقاً إلى ثراء فاحش.
ولم تجد المحكمة صفة لأبو عيّاش في هذه الدعوى من منطلق أنّ المال المستولى عليه والذي جرى إخفاء مصدره يخصّ “بنك المدينة”، باعتبار أنّ “الأموال المودعة في المصارف تعتبر ملكاً لها من تاريخ حصول الإيداع(…) وليست ملكاً للمودعين الذين يعتبرون مجرّد دائنين للمصرف بقيمة المبالغ التي أودعوها لديه”.
“محكمة” تتفرّد بنشر النصّ الكامل لهذا الحكم:
باسم الشعب اللبناني
إنّ محكمة الجنايات في بيروت المؤلّفة من القضاة طارق البيطار رئيساً، ميراي ملاّك وفاطمة ماجد مستشارتين
لدى التدقيق والمذاكرة
تبيّن أنّه بموجب قرار الإتهام الصادر عن الهيئة الإتهامية في بيروت الرقم 126 تاريخ 2011/12/16 وادعاء النيابة العامة الإستئنافية في بيروت الرقم 9676 تاريخ 2011/4/19 ، أحيل امام هذه المحكمة:
المتهمّان:
1-رنا عبدالرحيم قليلات، والدتها مسرة، تولّد 1967، لبنانية، فارة من وجه العدالة،
2-طه عبدالرحيم قليلات، والدته مسرة، تولّد 1972، لبناني، أدخل السجن بتاريخ 2016/1/19 وأخلي سبيله بتاريخ 2016/11/15، وهو فار من وجه العدالة،
والظنينة:
3-زينة عبد الحفيظ الرفاعي، والدتها سوسن، تولد 1975، سجّل 965 الباشورة، تركت بسند إقامة،
لتحاكم المتهمة الأولى بجناية المادة 638 عقوبات بند 2 وبجنحة المادة الأولى فقرة سادسة والمادتين 2 و3 من القانون الرقم 2001/318 وجنحة المادة 221 عقوبات،
وليحاكم المتهم الثاني بجناية المادة 638 عقوبات بند 2 معطوفة على المادة 219 عقوبات وجنحة المادة الأولى فقرة سادسة والمادتين 2 و3 من القانون الرقم 2001/318،
ولتحاكم الظنينة بجنحة المادة الأولى فقرة سادسة والمادتين 2 و3 من القانون الرقم 2001/318،
وبنتيجة المحاكمة العلنية تبين ما يلي
أوّلاً:في الوقائع
بتاريخ 2005/6/8 تقدّم عدنان أبو عيّاش وكيله المحامي زياد سردوك بادعاء مباشر أمام قاضي التحقيق الأوّل في بيروت بوجه كلّ من رنا قليلات وشقيقها طه وزوجة هذا الاخير زينة الرفاعي، عارضاً أنّه يملك ثروة طائلة في المملكة العربية السعودية، كما أنّه يملك في لبنان مصرفين هما “بنك المدينة ش.م.ل وبنك الإعتماد المتحد ش.م.ل”، وبسبب إقامته المستمرّة في المملكة العربية السعودية حيث مركز أعماله، كلّف المتهمة رنا قليلات بإدارة المصرفين المذكورين، وبعد مرور فترة من الزمن تبيّن له أنّ هذه الأخيرة عمدت إلى الإستيلاء على غالبية مدخّراته ومدخّرات المودعين في المصرفين معاً، وذلك عبر سلسلة من السرقات والإختلاسات وعمليات الإحتيال، وهذا ما أشارت إليه “هيئة التحقيق الخاصة” في مصرف لبنان بقرارها الصادر بتاريخ 2003/7/9 والذي أرفق صورة عنه ربطاً بادعائه المباشر مع صورة عن قرار قاضي التحقيق الأوّل في بيروت الرقم 51 تاريخ 2004/4/21 وأيضاً صورة لمضبطة الإتهام الرقم 353 تاريخ 2004/4/28 ، وقد تضمّن قرار هيئة التحقيق الخاصة ما يلي:
أنّه ولدى الإطلاع على قرار الهيئة المصرفية العليا الرقم 03/10/2 تاريخ 2003/7/8 القاضي بإحالة المسؤولين عن إدارة بنك المدينة ش.م.ل وبنك الإعتماد المتحد ش.م.ل على الهيئة، وعلى كامل الملفّ وتقارير لجنة الرقابة على المصارف وتقرير المراقب المعيّن من قبل الهيئة المصرفية العليا تاريخ 2003/7/7، وكذلك على الكتاب الموجّه إلى حاكم مصرف لبنان من ناصر إبراهيم الرشيد ومرفقاته المتضمّنة اعتراف عدنان أبو عياش بالإستيلاء على مبالغ كبيرة من مكتب الرشيد للهندسة في الرياض وتحويلها دون علم المكتب المذكور إلى حسابه الخاص في بنك المدينة ش.م.ل، أنّ ثمّة ما يحمل على القول بجدّية الأدلّة على إقدام الأشخاص التالية أسماؤهم بالإنفراد والإشتراك ومنهم عدنان ذوقان أبو عياش وإبراهيم ذوقان أبو عياش وطه عبدالرحيم قليلات ورنا عبدالرحيم قليلات …… وبتاريخ لاحق لصدور القانون الرقم 2001/318 على سرقة أموال بنك المدينة ش.م.ل وبنك الإعتماد المتحد ش.م.ل بمئات ملايين الدولارات الأميركية فضلاً عن مبالغ أخرى بالعملة الوطنية، وإجراء قيود وهمية بوثائق مزوّرة لتغطية هذه السرقة وكذلك عمليات رتبّت التزامات على المصرفين دون تسجيلها في قيودهما، وأنّ أفعال الأشخاص المذكورين أعلاه المتمثّلة في السرقة الجنائية تنطبق على أحكام الفقرة الخامسة من المادة الأولى وأحكام المادة الثانية من القانون الرقم 2001/318 وأحكام الفقرة الثانية من المادة 638 عقوبات،
أمّا القرار الإتهامي فقد تضمّن:
أنّ المدعى عليها رنا قليلات كانت هي الصلة التي تربط بين مصرف لبنان والمدعي عدنان أبو عياش، وقد قامت بما يلي:
-بتاريخ 2002/11/4 أرسلت إليه كتاباً زعمت صدوره عن مصرف لبنان وأنّه موجّه إلى رئيس مجلس إدارة بنك المدينة، ويتضمّن موافقة المجلس المركزي على زيادة رأس مال البنك،
-أبلغت رنا قليلات عدنان أبو عيّاش هاتفياً بموافقة المجلس المركزي على عملية الدمج،(أيّ عملية الدمج بين مصرفي بنك المدينة ش.م.ل وبنك الإعتماد المتحد ش.م.ل)،
-بتاريخ 2002/12/10 أرسلت له الكتاب المدعى تزويره والمؤرّخ في 2002/12/9 والذي تضمّن دعوة الحاكم له لتحويل مبلغ مايتي مليون د.أ في مهلة أقصاها 2002/12/12 تحت طائلة سحب القرض ممّا شجّع المدعي عدنان أبو عيّاش على تحويل مبلغ ماية وخمسين مليون دولار أميركي موزّع على أربع دفعات حوّلت إلى مصرف لبنان وفقاً لما يلي:
1-عشرون مليون دولار أميركي بتاريخ 2002/11/29،
2-ثمانون مليون دولار أميركي بتاريخ 2002/12/12،
3-خمسة وعشرون مليون دولار أميركي بتاريخ 2003/1/8
4-خمسة وعشرون مليون دولار أميركي بتاريخ 2003/1/8
وأنّ المدعي عدنان أبو عيّاش كان قد حوّل إلى البنك المركزي مبلغ مايتين وخمسين مليون دولار أميركي، كما وحوّل إلى حسابه الشخصي مبلغ ماية مليون دولار أميركي، وقد انتهى هذان المبلغان في حساب المدعى عليها رنا قليلات الشخصي….،
….وأنّ المدعى عليها رنا قليلات قيّدت الأموال المرسلة من المدعي عدنان أبو عيّاش في حسابها المدين من أجل تخفيض العجز، مع أنّ هذا المال كان مخصّصاً لوجهة أخرى،…..وأنّ فعل المدعى عليها قليلات لجهة الإستيلاء على الأموال المحوّلة من المدعي عدنان أبو عياش يشكّل جنحة المادة 655 عقوبات،
وتابع المدعي في ادعائه المباشر مشيراً إلى أنّه قد تمّ شراء عقارات بواسطة الأموال التي سرقتها رنا قليلات، وزّعتها على شقيقها المتهم طه وزوجته سابقاً الظنينة زينة الرفاعي بقصد إخفاء معالم الجريمة، وقد أبرز المدعي ربطاً بادعائه المباشر وتأييداً لأقواله تلك، صورة عن صفحة لمحضر استجواب المتهمة رنا قليلات أمام قاضي التحقيق الأوّل في بيروت أقرّت فيه أنّ المال الذي كان بحوزتها مصدره عدنان أبو عيّاش، كما وصورة عن محضر لجلسة محاكمة أمام محكمة الجنايات في بيروت حيث أفادت المتهمّة قليلات في الصفحة 25 منه بأنّها قد تنازلت هي وأشقاؤها عن ملكية العقارات المسجّلة على أسمائهم لأنّ المال الذي صرف على شرائها هو مال آل أبو عيّاش، مشيرة في الوقت عينه بأنّ عدنان أبو عيّاش قد اشترى لها هذه العقارات برضاه،
وأبرز المدعي أيضاً صورة لقرار هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان رقم 2003/1/19 تاريخ 2003/7/12 يتضمّن أنّه يوجد احتمال بأن تكون الأموال المشتبه بها قد وظّفت في عمليات عقارية يمكن أن تخفي تببيض أموال،
وكذلك أبرز المدعي كتاباً موجّهاً من المتهمة رنا قليلات إلى بنك المدينة ش.م.ل تاريخ 2003/7/17 تقرّ فيه بترتّب دين بذمّتها نتيجة تسهيلات مصرفية أضيفت اليها ذمم مالية مدينة مجمعة ناتجة عن حسابات مدينة عائدة لأشخاص ثالثين بعد موافقتها على ذلك، بلغ مجموعها 310000000 دولار اميركي، وأبدت فيه رغبتها بسداد الدين المذكور أعلاه بموجب دفعة نقدية قدرها خمسون مليون د.أ تسدّد على دفعات، إضافة إلى التنازل عن طريق الإيفاء بأداء العوض عن كافة العقارات المملوكة منها ومن كلّ من عبد الرحيم قليلات والمتهم طه قليلات وباسل قليلات، أو مملوكة من شركات تجارية على اختلاف أنواعها تملك فيها أو أيّ من المذكورين أعلاه حصصاً أو أسهماً…..،
وأشار المدعي إلى أنّه يفهم من هذا الكتاب بأنّ المتهمة قليلات قد استعانت بأشخاص ثالثين لإخفاء المال المسروق، وذلك بشراء عقارات بواسطته، وتسجيلها على أسمائهم، بحيث تكون قد صرفت الأموال تلك بواسطة عقارات مسجّلة على اسم المتهم والظنينة،
وأوضح المدعي أنّ تهريب المال المسروق قد حصل عبر تسجيل الحقوق العينية على الشكل التالي:
– تسجيل القسم 5 من العقار 4329 المصيطبة على اسم المتهم طه قليلات،
– تسجيل القسم الرقم 10 من العقار 2860 المزرعة على اسم المتهم طه قليلات،
– تسجيل العقار 3646 المصيطبة على اسم المتهم طه قليلات،
– تسجيل العقارين 1410 و1410 القبّة عرمون على اسم المتهم طه قليلات،
– تسجيل القسم أ/39 من العقار 871 عين المريسة على اسم الظنينة زينة الرفاعي،
– تسجيل العقار الرقم 3377 راس بيروت على اسم الظنينة زينة الرفاعي،
وشدّد على أنّ المتهمّين والظنينة هم من عائلات قصيرة ذات اليد، وبالكاد يؤمنون لقمة العيش، وقد تواطأوا جميعاً للإستيلاء على أمواله، ونتج عن أفعالهم الجرمية ضياع حقوقه التي زادت بكثير عن الخمسماية مليون دولار أميركي، واتخذ صفة الإدعاء الشخص بحقّ المتهمّين سنداً لجناية المادة 638 عقوبات، وبحقّ الظنينة سنداً لجناية المادة 638 معطوفة على المواد 219 و220 و221 عقوبات، وإلزامهم بإعادة المسروقات من أموال وعقارات إليه،
هدايا عقارية عند الخطوبة وبعد الطلاق
وتبيّن أنّه بتاريخ 2008/10/28 إستجوب قاضي التحقيق الظنينة زينة الرفاعي، فأنكرت ما نسب إليها وأفادت أنّها تعرّفت على طه قليلات قبل العام 2000 بحوالي السنتين، وتمّ الإتفاق بينهما على الخطوبة، وخلال الشهر السادس من العام 2000 قدّم لها محلّين كهدّية بمناسبة عيد ميلادها، وهما القسمان GF11 وGF12 من العقار الرقم 3337 منطقة المصيطبة، المعروف باسم فردان 732، وبعدها تمّ عقد زواجهما، وخلال الشهر الثامن من العام 2000 وبعد حفلة العرس بحوالي العام تقريباً، قدّم لها طه المذكور هدّية عبارة عن الأقسام GF19 GF21 GF20 GF22 GF23 من العقار المذكور أعلاه، ثمّ بعد ذلك وقعت خلافات بينهما واتفقا على الطلاق، وبالفعل فقد تمّ ذلك وجرى تنظيم وثيقة رسمية بالطلاق بتاريخ 2002/1/2، وقد حصلت لقاء طلاقها هذا على المنزل الزوجي وهو القسم A39 من العقار 871 عين المريسة، وأوضحت الظنينة أنّها قبل الخطوبة كانت تعلم كما كلّ الناس بأنّ المتهم طه مليء مادياً ولديه مشاريع وعقارات عديدة، وكان يعيش ببذخ، لكنّها لم تكن تعرف شيئاً عن مصدر أمواله، وبعد زواجها منه علمت أنّه يشارك في مشاريع مع شقيقته المتهمة رنا قليلات وكلّ من عدنان وابراهيم أبو عياش، وأضافت الظنينة بأنّها سمعت بانهيار بنك المدينة خلال العام 2003 وذلك بعد طلاقها بأكثر من عام، دون أن تعلم بتفاصيل ما حصل، وأوضحت أنّ الأقسام من عقار فردان 732 لم تسجّل حتّى تاريخه على اسمها، لكون شركة “غولدن سكوير” لم تتمكّن من إفراز العقار، أمّا المنزل في عقار عين المريسة فقد سجّل على اسمها بعد حوالي شهر من الطلاق،
وتبيّن أنّ المتهمّين لم يمثلا خلال مرحلة التحقيق الابتدائي،
إستجواب طه قليلات
وتبيّن أنّه بتاريخ 2012/11/19 إستجوب المتّهم طه قليلات تمهيدياً فأنكر ما أُسنِدَ إليه، وأدلى بأنّه اشترى جميع العقارات موضوع الدعوى الراهنة وسدّد ثمنها من الأموال التي كانت شقيقته المتّهمة رنا قليلات تسحبها من البنك بموافقة وعلم آل أبو عياش، وبأنّ المحلاّت المشتراة كانت بمثابة استثمار للمتّهمة رنا قليلات، وأوضح أنّ الظنينة زينة الرفاعي كانت تعلم أنّهم (أيّ المتّهم طه قليلات والمتّهمة رنا قليلات وآل أبو عياش) مجموعة واحدة إلاّ أنّه لا يعرف ما إذا كانت على علم بتفاصيل عمليات شراء العقارات ولا يذكر أنّها سألته حول التفاصيل الدقيقة، وأضاف أنّه قام بالتنازل عن جميع العقارات بعد نشوء أزمة المصرف وبعد عدم تمكّن المدعي عدنان أبو عياش من تغطية الوديعة المطلوبة منه، وأضاف أنّه لم يكن يملك ثروة كافية لشراء العقارات باستثناء الأموال التي كانت تسلّمه إيّاها شقيقته المتّهمة رنا قليلات،
وتبيّن أنه في جلسة المحاكمة العلنية تاريخ 2013/2/7 جرت محاكمة المتّهمة رنا عبد لرحيم قليلات غيابياً وتقرّر اعتبارها فارّة من وجه العدالة وإنفاذ مذكّرة إلقاء القبض الصادرة بحقّها،
وتبيّن أنّه بتاريخ 2013/1/4 تقدّمت الظنينة زينة الرفاعي بواسطة وكيلها المحامي حسين قازان بمذكّرة دفوع شكلية وقد قرّرت الهيئة السابقة لهذه المحكمة بتاريخ 2013/11/21 ضمّ الدفع بمرور الزمن إلى الأساس وردّ سائر الدفوع الشكلية لعدم قانونيتها ومتابعة السير بالدعوى من النقطة التي وصلت إليها،
وتبيّن أنّه في جلسة المحاكمة العلنية المنعقدة بتاريخ 2016/3/10 جرى استجواب المتّهم طه عبد الرحيم قليلات فأنكر التهمة المُسنَدة إليه، وأوضح أنّه لا علم له أنّ شقيقته المتّهمة رنا قليلات سرقت الأموال من بنك المدينة ش.م.ل.، ولا علم له بأيّة صفة كانت رنا تسحب الأموال وتدير المصرف، وكلّ ما يعرفه أنّها كانت زوجة المدعي عدنان أبو عياش وهذا الأمر علم به من هذا الأخير ومن شقيقه إبراهيم أبو عيّاش، وأشار إلى أنّه كان يستلم شيكات من شقيقته المتّهمة رنا قليلات بحضور إبراهيم أبو عياش، وبأنّ رنا المذكورة كانت “شخص واحد” مع المدعي وشقيقه منذ العام 1996 لغاية العام 2003، وكلّ ما يتمّ شراؤه كان يحصل بمباركة منهما، وأوضح بأنّ شقيقته رنا طلبت منه إدارة أعمالها، وكانت تعطيه شيكات مصرفية صادرة عن بنك المدينة ش.م.ل عبر مصرف لبنان لشراء عقارات، فيقوم هو بتسجيل العقارات المشتراة على إسمه بمباركة من المدعي الذي كان يحضر عند افتتاحها مع شقيقه ابراهيم وابنه وسام، واوضح بأنّه لا يعلم قيمة العقارات تلك، لكنّه يقدّر أنّها لا تساوي أكثر من50 أو 70 مليون دولار أميركي، وأنّ ما كان يحصل هو أنّ شقيقته المتّهمة رنا كانت تقول له إنّ عدنان أبو عياش إشترى لها عقاراً وتطلب منه إجراء دراسة حول الأمر، مشدّداً بأنّه لم يكن يعلم أنّ ما يحصل هو غير قانوني، أو أنّ شقيقته المتّهمة رنا تقوم بالسرقة، وتابع قائلاً بأنّه تنازل عن كلّ العقارات المحدّدة في القرار الإتهامي إلى بنك المدينة ش.م.ل لتسكير الديون تجاه مصرف لبنان، منوّهاً بأنّ المدعي وضع إعلاناً على التلفزيون بأنّ أموال المتّهمة رنا قليلات لا شبهة عليها وهي أموال شرعية، كما أرسل له إسقاطات وتصريح يفيد فيه بأن أموال رنا قليلات شرعية،
وأضاف طه المذكور بأنّ الظنينة زينة الرفاعي كانت زوجته وتطلّقا في العام 2000، وشدّد على أنّ هذه الأخيرة لم تكن تعرف أنّ مصدر الأموال غير مشروع، إذ إنّه هو بنفسه لم يكن يعلم أنّ مصدر هذه الأموال غير مشروع، وأشار إلى أنّ ما سجّله باسم الظنينة زينة الرفاعي هو من أمواله الخاصة كون هذه الأخيرة كانت زوجته وهو كان يعمل ويجني أرباحاً من أعماله وكان آنذاك ميسوراً،
وأردف قائلاً أنّه بتاريخ 2003/1/21 قرّر حاكم مصرف لبنان رفع السرّية المصرفية عن حسابات المدعي عدنان أبو عيّاش والمتّهمة رنا قليلات وأشخاص عدّة آخرين منهم المدعو علي أحمد، وقد قرأ هو هذا الخبر في الصحف لأنّه كان خارج لبنان في حينه، وعند سؤاله لشقيقته المتّهمة رنا قليلات عن الموضوع أجابته أنّها فترة تعسّر، وقد اتّصل به المدعي عدنان أبو عيّاش بناء لطلب هذه الأخيرة وقال له إنّ الأزمة سوف يتمّ حلّها، ونوّه بأنّه لم يبِع أيّ عقار مسجّل باسمه قبل الأزمة، ولو اتّجهت نيّته نحو الإحتيال لكان باع تلك العقارات وغادر، وأضاف بأنّه يعرف زوجته السابقة الظنينة زينة الرفاعي منذ الطفولة، وأنّ خطوبتهما تمّت في العام 1998، علماً أنّه بدأ العمل مع المتّهمة رنا قليلات في العام 1996، وشدّد مرّة أخرى على أنّ العقارين المسجّلين باسم الظنينة وثمنهما هو من تعبه سيّما وأنّه كان يجني الأرباح من أعماله وشركاته، وعندما تطلّق من هذه الأخيرة ترك لها المنزل الزوجي واشترى لها سيّارة نوع رانج روفر مع نمرة، وأشار إلى أنّ العقارات التي تملّكتها الظنينة زينة الرفاعي لم تكن تساوي حينها 25 مليون دولار، وبأنّه بعد طلاقه من زينة لم يعد هناك أيّ تواصل بينهما ويعتقد أنّ هذه الأخيرة علمت أنّ مصدر الأموال هو غير مشروع لأنّ الخبر إنتشر في كلّ لبنان،
وتبيّن أنّ وكيل المدعي أبرز في جلسة المحاكمة تاريخ 2016/5/5 مذكّرة تعليقاً على استجواب المتهم طه قليلات مرفقة بمستندات جرت تلاوتها علناً، منها صورة لمحضر استجواب هذا الأخير أمام قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان حيث أورد أنّ لا علاقة بينه وبين ابراهيم أبو عياش ولم يسبق له أن قابله ولم تقم بينهما أيّة علاقة عمل، لا بل إنّ العلاقة بينهما هي علاقة أهل، وأنّ ابراهيم المذكور كلّمه مرّتين على الهاتف بمناسبة إجتماعية، وأشار أيضاً لدى استجوابه بأنّ ابراهيم كان يحضر بعض مناسبات افتتاح المحلات أو المشاريع التي كان يقوم بها والمموّلة من شقيقته المتهمة رنا لكونها مسؤولة في بنك المدينة، مستنتجاً بذلك أنّ ابراهيم المذكور كان على اطلاع بأوضاعه وأوضاع شقيقته،
وتبيّن أنّه في الجلسة المنعقدة أمام هذه المحكمة بتاريخ 2018/12/18 جرت محاكمة المتّهم طه عبد الرحيم قليلات غيابياً وتقرّر إعتباره فارّاً من وجه العدالة وإنفاذ مذكّرة إلقاء القبض الصّادرة بحقّه، واستجوبت الظنينة زينة الرفاعي فأدلت بأنّها لم تكن تعرف أنّ الأقسام المتنازل عنها لصالحها قد تمّ الإستحصال عليها من خلال أموال غير مشروعة عائدة لبنك المدينة ش.م.ل.، وبأنّ جميع الأقسام التي تمّ التنازل عنها حصلت عليها من زوجها السابق المتّهم طه قليلات كهدية عن الخطوبة والزواج وعند حصول الطلاق بينهما تنازل لها عن المنزل الزوجي الذي تقيم فيه، وبأنّها لا تعرف كيف عمد زوجها السابق إلى الإستحصال على الأقسام المذكورة وإنّ جميع هذه الأقسام لا تزال لغاية تاريخه بملكها ولم تتصرّف بأيّ منها، وبأنّها كانت على معرفة بالمتّهم طه قليلات قبل خطوبتها به بسنة وكانت تعمل معه في مجال توظيف العمّال والراغبين في العمل في مشروعين لبناء فندقي “شيراتون” و”سهارا إن”، وأنّها كانت على علم بأنّ شقيقة طليقها كانت مديرة تنفيذية في بنك المدينة ش.م.ل.، وبأنّها لم تستحصل بشكل مباشر على أموال من المتّهمة رنا قليلات ولم تستلم بتاتاً أيّ مبلغ مالي منها، وبأنّ طليقها لم يسدّد لها 500 ليرة ذهبية لدى حصول الطلاق وهو عبارة عن المهر المحدّد لها بل أعطاها منزلاً، وبأنّها لا تعرف من سدّد ثمن العقارات المسجّلة على إسمها، وبأنّها اطّلعت على الإفادة العقارية العائدة للمنزل فقط، أمّا باقي العقارات فقد استحصلت عليها بموجب عقد بيع ممسوح،
وتبيّن أنّه في جلسة المحاكمة العلنية تاريخ 2019/4/2 ترافع وكيل المدعي وأبرز مذكّرة خطّية بمثابة مرافعة شفهية تُلِيَت علناً مشدّداً على أنّ الظنينة كانت على علم بعدم شرعية الأموال التي بموجبها تمّ شراء العقارات المتنازل لها عنها، سيّما وأنّه ثبت من أقوال المتهم طه قليلات أنّه كان على معرفة بها منذ الصغر، ما يعني أنّ الظنينة كانت على دراية بماضي المتهم طه وأنّه من عائلة غير ميسورة، وطلب في خلاصتها إلزام المتّهمين والظنينة بالتكافل والتضامن في ما بينهم بأن يدفعوا له تعويضات شخصية لا تقلّ عن 35 مليون دولار أميركي أو ما يعادله بالعملة الوطنية، وترافع ممثّل النيابة العامة طالباً تطبيق مواد القرار الإتهامي، وترافع وكيل الظنينة زينة الرفاعي مبرزاً مذكّرة خطّية بمثابة مرافعة شفهية تُلِيَت علناً وطلب بخلاصتها إعلان سقوط دعوى الحقّ العام سنداً للفقرة /2/ من المادة /73/أ.م.ج. معطوفة على الفقرة /ج/ من المادة /10/أ.م.ج. واستطراداً إعلان براءة موكّلته من الجرم المنسوب إليها لعدم كفاية الدليل وإلاّ للشكّ وعدم الحكم للمدعي الشخصي بأيّ حقوق شخصية لعدم الصفة كونه تقدّم بالدعوى الشخصية بعد سقوط الدعوى العامة بمرور الزمن، وقد أُعطِيَت الظنينة الكلام الأخير فطلبت البراءة،
ثانياً:في الأدلة
تأيدت الوقائع المذكورة بالإدعاء، بالتحقيقات الإستنطاقية والنهائية، بصور المستندات المبرزة في معرض الدعوى لا سيّما الأحكام والقرارات القضائية، بمدلول أقوال المتهم طه قليلات والظنينة الرفاعي، بقرينة تواري المتهمين،بمجمل الأوراق،
ثالثاً: في القانون
حيث إنّ المدعي أورد في ادعائه المباشر بأنّ المتهمة رنا قليلات أقدمت على الإستيلاء على غالب مدخراته ومدخرات المودعين في مصرفي بنك المدينة ش.م.ل وبنك الإعتماد المتحد عبر سلسلة من السرقات والإختلاسات وأعمال الإحتيال، وأنّه بصفته مودعاً في بنك المدينة ش.م.ل بمقدار التحويلات المصرفية التي أجراها عليه لغاية مبلغ يفوق 500 مليون د.أ، وبصفته مساهماً في رأس مال بنك المدينة ومسؤولاً عن أموال المودعين، له كامل الصفة والمصلحة لتثبيت حقوقه الشرعية بواسطة القضاء على الأموال المنقولة وغير المنقولة التي آلت إلى المتهمّين والظنينة نتيجة الأفعال الجرمية المرتكبة منهم والتي نتج عنها ضياع حقوقه التي زادت عن مبلغ خمسماية مليون د.أ.،
وقد أبرز المدعي إثباتاً للسرقة التي ادعى تعرّضه لها مستندات عدّة منها صورة لقرار اتهامي يحمل الرقم 353 تاريخ 2004/4/28 تضمّن تفنيداً للحوالات المالية التي أجراها، والمدعى الإستيلاء عليها من المتهمة رنا قليلات على الشكل التالي:
1-حوالات مجموعها ماية وخمسون مليون دولار أميركي موزّعة على أربع دفعات حوّلت إلى مصرف لبنان وفقاً لما يلي:
-عشرون مليون دولار أميركي بتاريخ 2002/11/29،
-ثمانون مليون دولار أميركي بتاريخ 2002/12/12،
-خمسة وعشرون مليون دولار أميركي بتاريخ 2003/1/8،
-خمسة وعشرون مليون دولار أميركي بتاريخ 2003/1/8 ،
2-مبلغ مايتين وخمسون مليون دولار أميركي كان المدعي قد حوّله إلى البنك المركزي،
3- مبلغ ماية مليون دولار أميركي كان المدعي قد حوّله إلى حسابه الشخصي في بنك المدينة ش.م.ل،
علماً أنّ القرار المذكور قد انتهى إلى وجود شبهة أنّ رنا قليلات قد استولت على الأموال المحوّلة من المدعي عدنان أبو عيّاش وأنّ فعلها المذكور يشكّل جنحة المادة 655 عقوبات،
كما أبرز المدعي أيضاً في مذكّرته المقدّمة أمام هذه المحكمة بهيئة سابقة في جلسة 2016/5/5 صورة لقرار اتهامي صادر عن الهيئة الإتهامية في جبل لبنان تحت الرقم 600 تاريخ 2006/6/6 بناء لادعاء مباشر مقدّم منه بتاريخ 2004/4/1 بوجه رنا وطه قليلات وآخرين أمام قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان، خلص إلى اتهام رنا قليلات بجناية المادة 638 عقوبات والظنّ بها بجنحة المادة 655 عقوبات كما واتهام طه قليلات بجناية المادة 219/638 عقوبات والظنّ به بجنحة المادة 219/655 عقوبات، وذلك لإقدام رنا قليلات على اختلاس وسرقة أموال عائدة لبنك المدينة واستغلال وظيفتها والتصرّف بأموال ليس لها حقّ ولا صفة للتصرّف بها توسّلاً لابتزاز المال عن طريق ظرف مهّدت له واستفادت منه، ولإقدام المتهم طه قليلات على تسهيل أفعال السرقة والإختلاس وابتزاز المال بالطرق الإحتيالية، وقد ورد صراحة في متن هذا القرار أنّ المتهمّة رنا قليلات كانت تطلب من شقيقها المتهم طه شراء بعض العقارات وتسجيلها على اسمه، وكانت تسلّمه شيكات بالثمن، كما أنّها كانت تحوّل مبالغ مالية إلى حسابه في فرنسبنك من أجل تسديد ثمن هذه المحلاّت وبشكل خاص تلك الموجودة في سنتر فردان 730 و732 العائدة لعلي أحمد،
وحيث ومن العودة إلى القرار الإتهامي موضوع هذه الدعوى، فقد تبيّن من مضمونه بأنّه قد أورد صراحة أنّ المتهمة رنا قليلات سبق وأن لوحقت بجزء من الأموال المدعى اختلاسها، وصدر بنتيجة الملاحقة السابقة القرار الظنّي عن قاضي التحقيق الأوّل في بيروت تاريخ 2004/4/21، وقد حصر القرار الإتهامي المذكور الدعوى الراهنة بجزء من الأموال المدعى اختلاسها في شقّها الذي تجاوز الخمسماية مليون د.أ.،
وحيث ما يقتضي التشديد عليه في هذا الإطار، أنّ سبق الملاحقة يتحقّق في حال حصلت ملاحقة سابقة للأفعال الجرمية عينها المعروضة أمام هذه المحكمة وذلك بصرف النظر عن مقدار المبلغ المستولى عليه نتيجة تلك الأفعال، إذ إنّ تحديد تلك الأموال يبقى متروكاً في تقديره للأدلّة التي قد تلجأ إليها المحكمة للتثبّت من مقداره، وأنّ وجود مبالغ إضافية لم يتمّ المطالبة بها سابقاً ليس من شأنه أن يشكّل واقعة جرمية جديدة تجيز إجراء ملاحقة أخرى مستقلّة عن الملاحقة السابقة،
وحيث بالتالي ولكون القرار الإتهامي الرقم 353 تاريخ 2004/4/28 قد أشار بوضوح إلى الحوالات المرسلة من قبل المدعي والتي هي موضوع هذه القضيّة، وأورد صراحة في متنه بأنّ المتهمة رنا قليلات قد استولت على الأموال المحوّلة من المدعي معتبراً فعلها من قبيل جنحة المادة 655 عقوبات، كما وأنّ القرار الإتهامي الصادر عن الهيئة الإتهامية في جبل لبنان تحت الرقم 600 تاريخ 2006/6/6 قد خلص أيضاً إلى اتهام رنا قليلات بجناية المادة 638 عقوبات والظنّ بها بجنحة المادة 655 عقوبات وذلك لإقدامها على اختلاس وسرقة أموال عائدة لبنك المدينة واستغلال وظيفتها والتصرّف بأموال ليس لها حقّ ولا صفة للتصرّف بها توسّلاً لإبتزاز المال عن طريق ظرف مهّدت له واستفادت منه، فإنّه يكون قد سبق وأن تمّت إحالة المتهمة للمحاكمة بالوقائع عينها المسندة إليها في القرار الإتهامي الحالي لناحية سرقة أموال المدعي المودعة في بنك المدينة في حساباته الشخصية، وفقاً لما جاء حرفياً في مقدّمة الصفحة السابعة من القرار الإتهامي، ويقتضي تبعاً لما تقدّم إبطال التعقّبات الجارية بحقّ المتهم رنا قليلات لناحية جناية المادة 638 عقوبات لسبق الإدعاء،
وحيث أسند أيضاً إلى المتهمة المذكورة إقدامها على ارتكاب جنحة المادة 221 عقوبات بعد قيامها ببيع المحلّين الكائنين في العقار الرقم 3377 المصيطبة GF11 وGF12 والجاري تمويلهما من المال الذي أقدمت على سرقته من بنك المدينة،
وحيث إنّ القرار الإتهامي كما صار بيانه أعلاه قد أحال المتهمة رنا قليلات لإقدامها على سرقة الأموال العائد للمدعي من حساباته الشخصية في بنك المدينة، وأنّ هذه المحكمة قضت بإبطال التعقّبات الجارية بحقّ المتهمة االمذكورة بعدما تحقّقت من وجود ملاحقة سابقة بالواقعات عينها أمام القضاء الجزائي،
وحيث إنّ تصرّف السارق أو المختلس أو المستولي على مال الغير، بالمال المستولى عليه، سواء من خلال إخفائه أو بيعه وتصريفه بأيّة طريقة كانت، إنّما يعتبر مظهراً من مظاهر التملّك الناجم عن الجرم، وبالتالي لا يعتبر مؤلّفاً لجنحة المادة 221 عقوبات، والتي تعتبر جرماً تبعياً مستقلاً بحدّ ذاته، تشترط لتحقّق عناصرها أن ترتكب من شخص آخر غير فاعل الجرم الأساسي أو المساهمين معه،
وحيث إستناداً لما تقدّم، فإنّ إسناد أفعال الإختلاس والإستيلاء على أموال المدعي إلى المتهمة رنا قليلات يحتّم وفقاً للتعليل المذكور أعلاه إستبعاد تطبيق المادة 221 عقوبات في حال أقدمت على شراء عقارات بالأموال المستولى عليها، طالماً أنّ تصرّفها المذكور ليس إلاّ مظهراً من مظاهر تملّك المال المسروق وما ينجم عن ذلك من سلطات فعلية وقانونية عليه، مع التنويه في هذا الإطار إلى أنّ المتهمة قد أحيلت بموجب ملفّين آخرين سبقت الإشارة إليهما لمحاكمتها بجرائم السرقة والإحتيال ولإستيلاء على أموال المدعي وبنك المدينة، ما يقتضي والحالة هذه إبطال التعقّبات الجارية بحقّ المتهمة لناحية جنحة المادة 221 عقوبات لعدم تحقّق عناصرها،
وحيث من ناحية ثانية، وبالنسبة للمتهم طه قليلات، فقد ثبت من صورة القرار الإتهامي الرقم 600 تاريخ 2006/6/6 الصادر نتيجة الإدعاء المباشر تاريخ 2004/4/1 المقدّم من عدنان أبو عيّاش أمام قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان، أنّ المتهم المذكور قد أحيل للمحاكمة بجناية المادة 219/638 وجنحة المادة 219/655 لإقدامه بنتيجة اتفاق مسبق مع شقيقته المتهمة رنا قليلات على تسهيل أفعال سرقة واختلاس أموال بنك المدينة والمساعدة في ابتزاز هذه الأموال بالطرق الإحتيالية، وذلك بعد أن عمد إلى تسديد ثمن عقارات ومحلات، وبشكل خاص تلك الموجودة في سنتر فردان 730 و732 العائد لعلي العلي من الأموال التي كان يستحصل عليها من شقيقته المتهمة، سواء من خلال شيكات مصرفية أو شخصية أو حوالات إلى حسابه لدى مصرف فرنسبنك، على ما ورد في متن القرار الإتهامي السابق ذكره،
وحيث ومن العودة إلى القرار الإتهامي الحاضر، فيتضح أنّ المتهم طه قد أحيل أمام المحكمة الحاضرة لمحاكمته بجناية المادة 638/219 عقوبات لقيامه بالإتفاق مع شقيقته رنا على التصرّف بالأموال المسروقة من قبلها من خلال شراء العقارات التي حدّدها المدعي في ادعائه المباشر،
وحيث بالتالي يتبيّن ممّا تقدّم أنّ المتهم يحاكم أمام هذه المحكمة بالإستناد إلى وقائع جرمية سبق وأن لوحق بها من قبل وصدر بنتيجة الملاحقة القرار الإتهامي الرقم 2006/600 المنوّه عنه أعلاه، فيقتضي إبطال التعقّبات الجارية بحقّه لناحية جناية المادة 219/638 عقوبات لسبق الملاحقة،
وحيث من ناحية ثالثة، وبالنسبة لجريمة تبييض الأموال المسندة إلى المتهمّين والظنينة، فإنّ هذه الأخيرة تدلي بسقوطها لمرور الزمن عليها لكونها من الجرائم الآنية، وقد انقضى أكثر من ثلاث سنوات على تاريخ وقوعها دون حصول أيّة ملاحقة بشأنها،
وحيث إنّ جرم تبييض الأموال هو من الجرائم المتمادية المستمرّة التي تبقى قائمة طيلة فترة إخفاء المصدر غير المشروع للأموال بالطرق المحدّدة في المادة 2 من القانون الرقم 318 تاريخ 2001/4/20
وحيث ومن العودة إلى أوراق الملفّ يتبيّن أنّ عملية إخفاء الأموال المستولى عليها من خلال التفرّغات الحاصلة لصالح الظنينة عن العقارات المدعى شراؤها بالمال المختلس، والمدعى حصولها بغية إخفاء مصدره،لا زالت قائمة ومستمرّة لغاية تاريخه، ما يعني أنّ جرم تبييض الأموال المنسوب إلى الظنينة وعلى فرض ثبوت ارتكابه من قبلها، فإنّه يكون لا يزال قائماً، ويقتضي ردّ الدفع المثار منها بمرور الزمن لهذه الناحية،
وحيث ومن العودة إلى أوراق الملفّ، يتبيّن من واقعات هذه الدعوى والأدلّة المؤيّدة لها ولا سيّما، قرار هيئة التحقيق الخاصة الرقم 2003/1/18 مكرّر، وقرار الهيئة المذكورة الرقم 2003/9/1 تاريخ 2003/7/12، والكتاب الموجّه من المتهمة رنا قليلات إلى بنك المدينة ش.م.ل تاريخ 2003/7/17 وإقرار المتهمة في معرض استجوابات حاصلة معها في ملفّات أخرى جرى تلاوتها علناً بأنّ الأموال التي ابتاعت منها العقارات هي لآل أبو عياش، ومدلول أقوال المتهم طه قليلات،لا سيّما تلك التي أفاد فيها بأنّ المال الذي كان يبتاع منه العقارات مصدره شقيقته رنا قليلات، وبأنّه لم يكن يسدّد أيّ مبلغ لقاء شراء تلك العقارات، فضلاً عن الكتابين الموجّهين من لجنة الرقابة على المصارف إلى حاكم مصرف لبنان وكذلك كتاب الهيئة المصرفية العليا الموجّه إلى رئيس مجلس إدارة بنك المدينة، كما ومضمون تقرير لجنة الخبراء المكلّفة بناء لقرار النائب العام التمييزي، أنّ المتهمّين رنا قليلات وشقيقها طه قليلات أقدما وبالإشتراك في ما بينهما على إخفاء المصدر غير المشروع للأموال المستولى عليها من بنك المدينة وذلك من خلال شراء القسم رقم 5 من العقار 4329 المصيطبة و القسم رقم 10 من العقار 2860 المزرعة والعقار الرقم 3646 المصيطبة والعقارين 1410 القبة-عرمون، وقيدهم على اسم المتهم طه قليلات، وكذلك تمويل عملية شراء القسم أ/39 من العقار 871 والعقار 3377 المصيطبة والأقسام GF19 لغاية GF23 ضمناً والتنازل عنها للظنينة زينة الرفاعي، فيؤلّف فعلهما لهذه الناحية الجنحة المنصوص عليها في المادة الأولى فقرة سادسة معطوفة على المادتين 2 و 3 من القانون الرقم 2001/318،
وحيث وبالنسبة للظنينة زينة الرفاعي، فإنّه لم ينهض الدليل الكافي في الملفّ الذي يشير إلى علمها بالأفعال غير المشروعة التي كانت تقوم بها المتهمة رنا قليلات للإستيلاء على أموال بنك المدينة، لدى حصول التنازل عن العقارات لصالحها، كما أنّ مجرّد زواجها من المتهم طه قليلات وقيام هذا الأخير بتقديم عقارات باهظة الثمن لها كهدّية خلال فترة الزواج، كما وقيد الشقّة السكنية الكائنة في القسم A39 من العقار الرقم 871 عين المريسة، على اسمها نتيجة طلاقهما، لا يدلّ على علم الظنينة المذكورة بأنّ الأموال التي تمّ تمويل عملية شراء العقارات المذكورة هي غير مشروعة، سيّما وأنّ المتهم طه قليلات كانت تبدو عليه مظاهر الثراء والغنى لدى حصول التفرّغات المذكورة،
ولا ينال من النتيجة هذه القول بأنّ الظنينة كانت على معرفة بالمتهم قليلات منذ الصغر حين كانت أوضاعه المادية غير ميسورة، إذ إنّه وعلى فرض صحّة ذلك، فإنّ مجرّد تبدّل أوضاع المتهم طه قليلات قبل زواجه من الظنينة، لا يدل بالضرورة على أنّ هذه الأخيرة قد علمت بأنّ المال الذي كان بحوزته هو غير مشروع، فيقتضي بالتالي وبالنظر لعدم ثبوت علم الظنينة بالمصدر غير المشروع للمال الذي بموجبه تمّ شراء العقارات المتنازل لها عنها موضوع القرار الإتهامي، إعلان براءتها من جنحة المادة الأولى بند سادساً معطوفة على المادتين 2 و3 من القانون الرقم 2001/318، لعدم كفاية الدليل،
وحيث وبالنسبة لمطالب المدعي الشخصية، فإنّ ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال أنّ المال المستولى عليه والذي جرى إخفاء مصدره يعود في الواقع إلى بنك المدينة، فالأموال المودعة في المصارف تعتبر ملكاً لها من تاريخ حصول الإيداع، إذ إنّها تعتبر بمثابة قرض استهلاك خاضع لأحكام المادة 307 وما يليها من قانون التجارة وفي ما عداها لأحكام المواد 754 إلى 765 موجبات وعقود، وبالتالي فهي ليست ملكاً للمودعين الذين يعتبرون مجرّد دائنين للمصرف بقيمة المبالغ التي أودعوها لديه، فيقتضي تبعاً لما تقدّم ردّ مطالب المدعي الشخصية لانتفاء صفته،
وحيث وبالنتيجة التي توصّلت إليها المحكمة، يقتضي ردّ سائر الأسباب والمطالب المدلى بها، إمّا لعدم صحّتها وقانونيتها أو لعدم جدوى البحث بها للقيانها ردّاً ضمنياً في ما سبق عرضه أعلاه،
لذلك
وبعد الإستماع إلى مرافعة النيابة العامة
تحكم بالإجماع:
1- بردّ الدفع بمرور الزمن المثار من الظنينة زينة الرفاعي،
2-بإبطال التعقّبات الجارية بحقّ المتهمة رنا عبد الرحيم قليلات، والدتها مسرة، تولّد 1967، لبنانية، لناحية جناية المادة 638 عقوبات وجنحة المادة 221 عقوبات، وإدانتها بجنحة المادة الأولى بند سادساً معطوفة على المادتين 2 و3 من القانون الرقم 2001/318 وبحبسها سنداً لها خمس سنوات وتغريمها عشرين مليون ل.ل تحبس يوماً واحداً عن كلّ عشرة آلاف ل.ل في حال عدم الدفع، وباسترداد مذكّرة إلقاء القبض الصادرة بحقّها،
3-بإبطال التعقّبات الجارية بحقّ المتهم طه عبد الرحيم قليلات، والدته مسرة، تولّد 1972، لبناني، لناحية جناية المادة 219/638 عقوبات، وإدانته بجنحة المادة الأولى بند سادساً معطوفة على المادتين 2 و3 من القانون الرقم 2001/318 وبحبسه سنداً لها ثلاث سنوات على أن تحتسب له مدّة توقيفه الإحتياطي وتغريمه عشرين مليون ل.ل يحبس يوماً واحداً عن كلّ عشرة آلاف ل.ل في حال عدم الدفع، وباسترداد مذكّرة إلقاء القبض الصادرة بحقّه،
4-بإعلان براءة الظنينة زينة عبد الحفيظ الرفاعي، والدتها سوسن، تولّد 1975، سجّل 965 الباشورة، من جنحة المادة الأولى بند سادساً معطوفة على المادتين 2 و3 من القانون الرقم 2001/318.
5- بردّ كلّ ما زاد أو خالف من أسباب ومطالب بما في ذلك مطالب المدعي الشخصية وبتدريك المتهمين والظنينة النفقات كافة،
حكماً غيابياً بحقّ المتهمة قليلات وبمثابة الوجاهي بحقّ الأخير صدر وأفهم علناً بحضور ممثّل النيابة العامة الإستئنافية في بيروت في 30/4/2020.
“محكمة” – الأحد في 2020/5/3
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.