وفّرنا عليكم الملايين من المبلغ المرصود/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
لفتني مبدأ يمشي عليه بعض من يودّون تمرير الصفقات، سواء في الإدارات أو الشركات أو المؤسّسات أو الجمعيات أو النقابات أو النوادي، وباختصار كلّ من يقيم المشاريع وينفّذها محاولاً الإستفادة منها مادياً.
وبالفعل، تقرّر وزارة أو أيّ مؤسّسة من تلك المعدّدة أعلاه أو غيرها إقامة مشروع معيّن أو مناسبة معيّنة، وبطريقة ذكية طبعاً ترصد له مبلغاً باهظاً، معلّلة ذلك بأنّ الفائض من هذا المبلغ الذي لم يصرف سوف يبقى في صندوقها. وهنا لا يمكن لمن يقرّر مع من تكون نيّته تمرير الفواتير الباهظة لاحقاً أن يعترض، لأنّه يقنعهم بأنّ هذا المبلغ المرصود لن يدفع بالكامل، ولكن لا يمكن كلّما أتت فاتورة أن يُرصَدَ لها مبلغٌ، بل تدخل ضمن هذا المبلغ الكبير المرصود. ثمّ أين الضرر طالما أنّ الفائض سوف يبقى في الصندوق؟
ويبدأ المشروع أو المناسبة، وتبدأ الفواتير.
ماذا يحصل بعد ذلك؟
1- يعقد المسؤول المؤتمرات الصحفية و”يربّح الشعب جميلةً” بأنّه لم يتمّ صرف كامل المبلغ المرصود، بل وفّرنا الملايين فيبدأ قسم من الشعب الذي يسمّي نفسه ذكياً وفطناً (ركّزوا على كلمة فطن)، بالتهليل للمسؤول وبشكره على التوفير.
2- أو تبدأ الفواتير بالهبوط من هنا وهناك. وكلّما استفسر أحدهم عنها يجيبه المسؤول في الإدارة أو المؤسّسة أو الشركة أو الجمعية…الخ بأنّها تدخل ضمن المبلغ المرصود، وحتّى الآن لم نصرف نصف قيمته، لأنّنا مؤتمنون على الأموال، ولا نزال تحت سقف المبلغ المقرّر.
***
أيّها الشعب، استفق. هذه عيّنة من مئات العيّنات التي تمرّ على الشعب الذي يدعي اليقظة والفطنة. عد وركّز على استعادة الأموال المنهوبة واترك القشور والمعارك الجانبية التي لا تفيدك بشيء.
وأختم بطرفة أخبرني إيّاها معلّمي النائب المحامي أوغست باخوس:
أصرّ أحد أبناء بلدته البوشرية على تعاطي التجارة. وهذا ما حصل. وبعد عدّة أشهر خسر ثلاثين ألف دولار أميركي. فبدأ أصدقاؤه وأبناء بلدته بالشماتة به. وعندما انتقده أحدهم أجابه قائلاً:
– من قال لك إنّني خسرت؟ أنا وفّرت عشرين ألف د.أ.
وإزاء تعجّب محدّثه، أردف قائلاً: كان لازم أخسر خمسين ألف د.أ. وخسرت فقط ثلاثين، ممّا يعني أنّني وفّرت عشرين ألفاً.
“محكمة” – الجمعة في 2020/5/22